المؤمن في هذه الحياة يواجه في سيره إلى الله أعداء ثلاثة يتربصون به، ويعوقون سيره إلى الله.
هؤلاء الثلاثة هم:
- أولهم: شيطان الجن.
- العدو الثاني: شيطان الإنس.
- العدو الثالث: نفسك التي بين جنبيك.
وأول سبيل للمواجهة هو معرفة عدوك … وأن تعرف ما هي إمكانياته وقدراته ؟ وتعرف كيف تحصن نفسك لتقدر على المواجهة؟
العدو الأول الشيطان:
أخبرنا الله تعالى في غير آية من القرآن (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا)
والشيطان قال: (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ) يأتيك من كل جهة ويحاصرك، ليس له هدف إلا أن يدخلك النار، يتربص بك الدوائر ليل نهار، ولا يفتُر عنك طرفة عين.
وقد وجهنا الله إلى العياذ به والالتجاء إليه من هذا الشر الخفي (الشيطان ) الذي لا قبل لنا بدفعه إلا بعون منه سبحانه (قل أعوذ برب الناس)
وحكمة الاستعاذة من شيطان الجن، الذي نعلم بوجوده ولا نراه، أن الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا الله، فهو لا يقبل رشوة أو هدية، ولا يؤثر فيه جميل أو معروف، بل هو شرير بالطبيعة، ولا يكفه عن الإنسان إلا الذي خلقه.
حكي عن بعض السلف أنه قال لتلميذه:ما تصنع بالشيطان إذا سول لك الخطايا؟
قال: أجاهده
قال: فإن عاد؟
قال: أجاهده
قال: فإن عاد؟
قال: أجاهده
قال: هذا يطول، أرأيت لو مررت بغنم فنبحك كلبها ومنعك من العبور ما تصنع؟ قال أكابده وأرده جهدي.
قال: هذا يطول عليك، ولكن استغث بصاحب الغنم يكفه عنك.
ووسوسة الشيطان نحن لا ندري كيف تتم ، ولكنا نجد آثارها في واقع النفوس، ونعرف أن المعركة بين آدم وإبليس قديمة ؛ وأن الشيطان قد أعلنها حرباً! وأنه قد استصدر بها من الله إذناً ، فأذن فيها سبحانه لحكمة يراها! ولم يترك الإنسان فيها مجرداً بل جعل له من الاستعاذة سلاحاً ،ومن الذكر حصنا.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله تعالى خنس ، وإذا غفل وسوس»
وهذا العدو اللدود كفانا الله في رمضان مؤونته ، كما في الحديث ( إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصُفِّدَت الشياطين ) حتى لا يتحجج أحد أن إبليس سبب في ضلاله فها هو إبليس وجنده مصفدين في رمضان.
العدو الثاني : شياطين الإنس:
كما أن هناك شيطان جني، فهناك شيطان إنسي، قال تعالى:{ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}6،5 سورة الناس.
وأخبر الله تعالى بأن من الإنس شياطين، قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ [سورة الأنعام الآية: 112
جاء في مسند الإمام أحمد عن أبي ذر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر: «تعوذ بالله من شياطين الإنس والجن» فقلت أوَ للإنس شياطين؟ قال نعم ) صححه الشيخ أحمد شاكر
حتى قال بعض أهل العلم: بأن الشيطان الإنسي أخطر من الشيطان الجني، وأكثر ضرراً، وأشد فتكاً.
قال مالك بن دينار: إن شيطان الإنس أشد علي من شيطان الجن، وذلك أني إذا تعوذت بالله ذهب عني شيطان الجن، وشيطان الإنس يجيئني فيجرني إلى المعاصي عياناً.
فمن هو شيطان الإنس ؟
كل من تعاون مع إبليس، في إغواء الناس، وتحبيب المنكر وتبغيض المعروف، وكل من كانت له جهود في صد الناس عن سبيل الله.
وكل من دعى إلى الباطل بأي أسلوب، وتحت أي شعار، أو مذهب.
وها نحن نرى هؤلاء الشياطين في هذا الزمان يسمون الفساد إصلاحاً، ويسمون ارتكاب الفواحش مدنية، ويسمون ارتكاب المعاصي حرية ، وهكذا مما تلوكه ألسنتهم ، وتسطره أيديهم في وسائل الإعلام المختلفة.
وشيطان الإنس قد يكون من أقرب الناس إليك: صديق ، زميل ، جار ، قريب.
وشيطان الجن تتعوذ بالله منه فيذهب ،أما شيطان الإنس فهو معك لا يتركك تراه بعينك ،ويدلك على سبيل المعصية ويقربها لك ، ويذلل لك الطريق ويهيئ فيك القدرة على الفعل حتى تلين وتستجيب لفعل المعصية.
بعض الناس يقتنع لمجرد أن يرى وجه المتكلم، وانفعاله وأساريره، وفي المشافهة والمخاطبة إقناع؛ فشيطان الإنس أخطر، ولذلك احذره ألف مرة.
وأخص بالتحذير شياطين الإنس الذين يستعدون قبل رمضان بأشهر حتى يصدوا عباد الله عن دينهم وعن عبادة ربهم ،فقد أجلبوا بخيلهم ورجلهم.
العدو الثالث: نفسك التي بين جنبيك:
ثم احذر نفسك التي بين جنبيك، إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي [يوسف:53].
استعداد النفس البشرية للخير والشر:
يقول الحق سبحانه وتعالى : “ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ، قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها “الشمس الآيتان 8،7
والإنسان مخلوق مزدوج الطبيعة ، مزدوج الاستعداد.
فهو بطبيعة تكوينه ( من طين الأرض ومن نفخة الله فيه من روحه).
مزود باستعدادات متساوية للخير والشر والهدى والضلال.
فهو قادر على التمييز بين ما هو خير وما هو شر.
كما أنه قادر على توجيه نفسه إلى الخير وإلى الشر سواء.
ولقد خلق الله النفس الأمارة بالسوء ليختبر مدى صدق عبوديتنا له.
وجعل من أهم صفاتها الجهل والظلم والشح فهي تميل إلى الشر وتفر من الخير ، تحب الكسل ، والنوم ،والراحة ،ولا تحب المشقة وتكره التكليف.
ولقد خلقها الله تعالى بهذه الصفات لتكون بمثابة المحك الرئيسي والميدان العملي لصدق عبوديتنا له.
فلولا وجودها لصرنا كالملائكة لا نعصي لله أمراً.
ولقد طالبنا الله عز وجل بجهاد أنفسنا لنفوز برضاه والجنة يقول تعالى “وأما من خاف مقام ربه ونهي النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى” النازعات 41،40.
وكان من دعاء الرسول صلى الله عليه و سلم ( اللهم آت نفسي تقواها و زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها ) من حديث رواه مسلم عن زيد بن أرقم
-وفي وصية أبي بكر الصديق لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما ( أول ما أحذرك نفسك التي بين جنبيك)
-و كان عمر رضي الله عنه يقول ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا و زنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم و تزينوا للعرض الأكبر
كلمة أخيرة / رمضان أكبر فرصة للتزكية:
صيام بالنهار وقيام بالليل دعوات وصلوات تخلية بالصيام في النهار وتحلية بالقيام في الليل ،نصوم عن الحلال الطيب(الطعام والشراب ) حتى نستطيع تقوية الإرادة بالامتناع عن الحرام الخبيث.
فرمضان فرصة لتطهير النفس وتزكيتها ورقيها في رحاب الطاعة في جو مشحون بالإيمان ،والأخوة ،ونيل فضل الله وعفوه كل ليلة.
كما في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم “قال: إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ ” رواه الترمذي وصححه الألباني رحمه الله
والمؤلم أن كثيرا من المسلمين حالهم في رمضان أكل وشرب وسهر أمام القنوات التي حملت على عاتقها حرب الفضيلة قد جعلت رمضان سوقا لبضاعتهم الكاسدة تتنافس في ما خططت له عاما كاملا لتعرضه على المسلمين على مائدة الإفطار وفي وقت صلاة التراويح وفي ساعات السحر لتصد عن سبيل الله.
فهلا وقفة صدق و محاسبة مع النفس
اللهم إنا نسألك أن تُبلغنا رمضان وأن توفقنا للصيام والقيام وسائر العبادات وأن تتقبلها منا وأن تبلغنا ليلة القدر اللهم آمين .
د.خالد الطويل
جزاك الله خيرا معالى الدكتور الفاضل خطبة رائعة
ولاء
حسبي الله ونعم الوكيل فيهم