السلام عليك يا أجير المؤمنين
دخل أبو مسلم الخولاني على معاوية، فرآه يتصدر مجلسًا من مجالسه العامرة، وقد حف به رجال دولته، وقادة جيشه، ووجوه قومه، ورأى الناس يبالغون في إعظامه وإجلاله، فخشي عليه من ذلك أشد الخشية، وبادره قائلاً:
السلام عليك يا أجير المؤمنين.
فالتفت إليه الناس وقالوامصححين له: أمير المؤمنين يا أبا مسلم، فلم يأبه لهم وقال:
السلام عليك يا أجير المؤمنين.
فقال الناس: أمير المؤمنين يا أبا مسلم، فلم يعرهم سمعه، ولم يرم نحوهم بطرفه وقال:
السلام عليك يا أجير المؤمنين.
فلما هم الناس بمراجعته؛ التفت إليهم معاوية وقال: دعوا أبا مسلم، فهو أعلم بما يقول.
فمال أبو مسلم إلى معاوية وقال له: إنما مثلك بعد أن ولاك الله أمر الناس كمثل من استأجر أجيرًا وأوكل إليه أمر غنمه، وجعل له الأجر على أن يحسن رعيها، ويحفظ أبدانها، ويوفر أصوافها وألبانها، فإن هو قام بما عهد إليه حتى تكبر الصغيرة وتسمن العجفاء، وتصح السقيمة أعطاه أجره، وزاده، وأن هو لم يحسن رعيها وغفل عنها، حتى هلكت عجافها، وهزلت سمانها، وضاعت أصوافها وألبانها منع الأجر عنه، وغضب عليه وعاقبه، فاختر لنفسك ما فيه خيرك وأجرك.
فرفع معاوية رأسه وكان مطرقًا إلى الأرض، وقال: جزاك الله عنا وعن الرعية خيرًا يا أبا مسلم، فما علمناك إلا ناصحًا لله ولرسوله، ولعامة المسلمين)
صور من حياة التابعين: 354.