خلق الإنسان من عجل
خلقَ الله الإنسانَ ، وفطَرَه على بعض الطباع التي لو بقِيَت فيه بدُون إصلاحٍ أو تهذيبٍ لخسِرَ خُسرانًا مُبينًا؛ كصِفةِ الجهلِ، والظُّلم، والجُحُود، وحُبِّ المال، والهلَع، والجَزَع، ومن هذه الصفاتِ المذمومةِ التي جاءتْ الشريعةُ بالنهيِ عنها: صفةَ العجلةِ وعدمَ التروي في المواقفِ وأخذِ القراراتِ.
يقولُ تعالى في كتابِهِ العزيز: (خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ)[الأنبياء:37]، وقالَ جلّ جلالُهُ: (وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا)[الإسراء:11].
ففي هاتين الآيتين وَصَفَ اللهُ الإنسانَ بأنّ فيهِ عجلةً في أمورهِ وتسرُّعًا في أحوالهِ، وما كان ذلك إلا لقصورٍ في علمهِ وقلةِ إدراكهِ في عواقبِ الأمورِ، وهذا فيه تنبيهٌ للإنسانِ بأنْ يتحلى بالصبرِ والأناةِ، ويكبحَ جماحَ النفسِ المائلةِ إلى العجلةِ في الأحوالِ كلِّها.
ما تعريف العجلة :
“العجلة: هي السرعة في الشيء، أو طلب الشيء قبل أوانه ، والاعتدال : طلب الشيء في أوانه .
فمن تعجَّل الشيء قبل أوانه يوصَف بأنه عجول ، ومن تركه إلى ما بعد فوات الأوان يوصف بالإهمال والتقصير ، ومن طلبه في وقته يوصف بالحكمة .
الحكمة من خلق الإنسان عجولاً :
خلق الإنسان عجولاً ليجاهد نفسه ويرتقي بها ،وهذه العَجَلَةَ تمثِّل في الإنسان محركاً يحركه نحو هدفٍ ما ، وإلا لبقي مكانه ساكناً ، لذلك رُكِّبَ في الإنسان ما وصفه القرآن بأن الإنسان خلق من عَجَل، أي خلق في الإنسان دوافع قوية تدفعه إلى أهدافه، هذه القوة المحركة تحتاج إلى ترشيد وقدرة على التحكم فيها بما يشبه مقود السيارة (Direction) ، فهذا هو المنهج الرباني الذي بينه لنا الله تعالى خالق الإنسان ، فإذا أدت العجلة التي رُكِّبَت فينا إلى هلاكنا ، فالخطأ ليس في العجلة ، ولكن الخطأ في أن هذه العجلة تحرَّكت من دون مِقْوَد ، من دون شرعٍ يهتدي به الإنسان إلى سواء السبيل.
العجلة المحمودة والعجلة المذمومة
والعجلة مذمومة فيما كان المطلوب فيه الأناة، محمودة فيما يطلب تعجيله من المسارعة إلى الخيرات ونحوها، كما سيأتي إن شاء الله ، وإلى هذا أرشدَنا النبي صلى الله عليه وسلمَ فقال : “التَّأَنِّي مِنَ اللهِ، وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ”(رواه أبو يعلى وصححه الألباني)
قال ابن القيم رحمه الله: “إنَّما كانت العجلة من الشَّيطان؛ لأنَّها خفَّة وطيشٌ وحدَّةٌ في العبد تمنعه من التَّثبُّت والوقار والحلم، وتُوجب له وضع الأشياء في غير مواضعها، وتجلب عليه أنواعٌ من الشُّرور وتمنعه أنواع من الخيور( جمع خير)، وهي قرين النَّدامة فقلَّ من استعجل إلَّا ندم، وهي متولِّدةٌ بين خلقين مذمومين: التَّفريط والاستعجال قبل الوقت، يتولَّد منهما العجلة”[الروح1/258].
صورالعجلةِ المذمومةِ:
1- الاستعجالُ بالدعاءِ على الأهلِ، والمالِ والولدِ عند الغضبِ، قال تعالى: (وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالخَيْرِ وَكَانَ الإِنْسَانُ عجولاً)[الإسراء:11].
وروى مسلمٌ في صحيحِهِ منْ حديثِ جابرٍ -رضي اللهُ عنهُ- قال: قالَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلمَ-: “لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَوْلاَدِكُمْ، وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لاَ تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ” ولعلّ كثيرًا مما نرى منَ المصائبِ والأمراضِ وفسادِ الأولادِ يكونُ بسببِ الدعاءِ عليهم، وكثيرٌ من الناسِ لا يشعرُ بذلك.
2- استعجالُ المرءِ إجابةَ دعائِهِ، روى البخاريُّ ومسلمٌ في صحيحيهما منْ حديثِ أبي هريرةَ -رضي اللهُ عنهُ -: أنَّ النبيَّ -صلى الله عليهِ وسلمَ -قال: “يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ فَيَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ رَبِّي فَلَمْ يَسْتَجِبْ لِي”.
3- استعجالُ بعضِ المصلينَ في صلاتِهمْ؛ فلا يُتِمُّونَ ركوعَهَا ولا سجُودَهَا ولا يطمئنونَ فيها، وقدْ جاءَ في حديثِ أبي هريرةَ -رضي اللهُ عنهُ-: أنّ رجلاً صلى عندَ النبيّ -صلى الله عليه وسلمَ-، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: “ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ” -ثلاثَ مراتٍ- في كلّ مرةٍ يقولُ لهُ ذلكَ. ثمّ قالَ لهُ: “إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَا بِمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ..” الحديث.
4- الاستعجال في الطلاق فيُطَلّقُ الرجلَ زوجتَه لأقلِّ الأسبابِ ، لمجرَّد جدالٍ وخصامٍ بسيطٍ يحصلُ في كلِّ بيتٍ، أوْ لِتقصيرِها في بعضِ الأمورِ ؛ فيهدمُ بيتَه، ويفرِّق أسرتَه، دونَ تروٍّ أوْ أناةٍ أو الصبرِ عليها؛ ويكرر الطلاق مرة واثنين ثم تقع الثالثة النهائية ويرجع فيعض أصابع الندم ويبحث ويسأل المشايخ ودور الفتوى عن مخرج !!!
5- العجلةُ في الحلفِ؛ فقدْ يحصلُ بينَ الرّجُلِ وزوجتِهِ أو أخيه أو صديقِهِ وغيرهم بعضُ المواقفِ، فتأتيهِ العجلةُ، فيحلفُ واللهِ لأفعلنَّ كذا أوْ واللهِ لتفعلنّ كذا بِلا شعورٍ ولا تروٍّ، ثمّ يتبينُ لهُ أنهُ قدْ استعجلَ في اليمينِ، ولمْ يُصِبْ حينما حَلَفَ؛ فيقعُ بينَ أمرينِ: إمَّا أنْ يمضي في يمينِهِ، وإمَّا أنْ يكفرَ عنها ويأتيَ الذي هو خيرٌ منها، وهذا الأخيرُ هو الذي يتعينُ في حقِهِ؛ فقد قال -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم-: “وَإِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ ثُمَّ أَرَى خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي وَأَتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ”(رواهُ مسلم).
6- العجلةُ في قيادةِ السياراتِ؛ فكمْ نرى ونُشَاهِدُ ونسمَعُ مِنَ الحوادثِ المروِّعةِ التي كانتْ سببًا لإِزهاقِ نفوسٍ كثيرةٍ، وأمراضٍ خطيرةٍ، وعاهاتٍ مزمنةٍ، وما كانَ ذلكَ إلا بسببِ العجلةِ عند قيادةِ السياراتِ.
7- أنْ يستبطئُ الإِنسانُ الرزقَ فيستعجلَ، فيطلبَهُ منْ طرقٍ محرمةٍ ووجوهٍ غيرِ مشروعةٍ، قال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلمَ-: “إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِي -أي: قلبي-، أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ، حَتَّى تَسْتَكْمِلَ أَجَلَهَا، وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَهَا، فَاتَّقُوا اللهَ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلاَ يَحْمِلَنَّ أَحَدَكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ يَطْلُبَهُ بِمَعْصِيَةٍ؛ فَإِنَّ اللَه -تَعَالَى- لاَ يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ”(رواه أبو نعيم وصححه الألباني).
وينسب للإمام الشافعي قوله :
لا تعجَلَنَّ فليسَ الرِّزقُ بالعجَلِ*** الرِّزقُ في اللَّوحِ مكتُوبٌ مع الأَجَلِ
فلو صبَرنَا لكانَ الرِّزقُ يطلُبُنا*** لكنَّما خُلِقَ الإنسانُ مِن عجَلِ
8- العجلةُ في نقلِ الأخبارِ؛ فتجدُ بعضَ النَّاسِ -هداهُمُ اللهُ- ينشر كلّ ما يصلُ إلى أذنيهِ من غير تثبتٍ؛ أهو حقٌ أم باطلٌ؟ أصدقٌ أم كذبٌ؟ مجردُ خبرٍ يسمعهُ لا يستطيعُ أنْ يكتمَهُ؛ بلْ لا بدّ أنْ يُشِيعَه وينشرَه، ولو كانَ هذا الخبرُ محضَ افتراءٍ، وقدْ قالَ -صلى الله عليه وسلمَ- : “كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أًنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ”؛ فَمَنْ حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ فَقَدْ يُتَّهَمُ بِالْكَذِبِ ويوصفُ بهِ وهوَ لمْ يقصدْ فعلَهُ، لكن عجلتَه في إشاعةِ الأخبارِ من غيرِ تثبتٍ أوجبتْ لهُ أنْ يُوصَفَ بتلكَ الصفةِ الخاطئةِ، وهذا لا يليقُ بالمؤمنِ، قالَ جلَّ وعَلا للمؤمنينَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)[الحجرات: 6].
9- الحكمُ على الأشخاصِ، وإصدارِ الأحكامِ على فلانٍ وفلانٍ بأنّ فلانًا فاسقٌ، أو بأنه كافرٌ، أو أنهُ كذابٌ، أو أنه ذُو رأيٍ مخالفٍ للشرعِ، ونحو ذلك مما قد يستعجلُ فيه البعضُ من غيرِ خوفٍ من اللهِ وورعٍ وتبين.
10- العجَلَة في طلَبِ العلمِ، فيستعجِلُ التصدُّر أو الوُصُول، أو يقفِزُ فوقَ المراحِل ليستجلِبَ المفاخِر، ولا يصبِرُ على ذُلِّ التعلُّم وثَنيِ الرُّكَب، فيُحرَم بركة العلم، ويكونُ مِن نتائِجِ ذلك فتوَى عجِلَةٌ غيرُ مُحرَّرة، وفهمٌ أعوَجُ للنُّصوص، واستِدلالاتٌ خاطِئة.
قال عبد الله بن المبارك: العلم ثلاثة أشبار، من دخل الشبر الأول تكبر، ومن دخل الشبر الثاني تواضع، ومن دخل إلى الشبر الثالث علم أنه لم يعلم .
صورالعجلة المحمودة :
1- ما كانَ فيهِ طاعةٌ للهِ وقربةٌ ؛ لأنَّ في تأخيرِ الخيراتِ آفاتٍ، قال تعالى: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ)[الحديد:21]، (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)[آل عمران:133]، وقال تعالى: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ)[الأنبياء:90].
وقالَ موسى: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى)[طـه:84]
وعن سعدِ بنِ أبي وقّاصٍ -رضي اللهُ عنهُ-أنَّ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: “التُّؤَدَةُ فِي كُلِّ شَيءٍ خيرٌ إلا في عملِ الآخرةِ”.
وقال – صلى الله عليه وآله وسلم -: «تعجَّلُوا إلى الحجِّ؛ فإن أحدَكم لا يدرِي ما يعرِضُ له»؛ أخرجه أحمد مِن حديث ابن عباسٍ – رضي الله عنهما -.
والصائِمُ شُرِعَ له تعجيلُ الفِطر، «ولا يزالُ الناسُ بخَيرٍ ما عجَّلُوا الفِطرَ».
والإنسان لا يضمن ألا تأتيه المعوقات التي يصعب على الإنسان معها أن يؤدي ما عليه من طاعات، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا ).
2-المُبادرةَ والمُسارعةَ إلى التوبةِ والاستِغفار مِن كل ذنبٍ، وفي كل وقتٍ، والله يقبَلُ توبةَ العبدِ ما لم يُغرغِر، والعبدُ لا يدرِي متى يفجَؤُه الموتُ، فلا يُمكَّنُ مِن التوبة، يقول تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 17، 18]
فالتوبة من الأمور العاجلة التي لا تحتاج إلى تسويف؛ فلربما أتى الموت بغتةً فيحتاج الإنسان أن يتوب، ولكن قد أُغلق باب التوبة دونه! ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ، مَا لَمْ يُغَرْغِرْ )
وعَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: ( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا )
3- الاستِعجال في ردِّ الحُقوق إلى أصحابِها، والتحلُّل مِنها قبل يوم القِيامة، سواءً كانت ديُونًا، أو مِيراثًا، أو عارِيةً، أو وديعةً، أو استِيفاءً لبيعٍ وشراءٍ، ولا يجوزُ للمُسلم أبدًا أن يحبِسَ حُقوقَ الناس عنده؛ فإن ذلك مِن الظُّلم والبغي.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ( مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ )
وعن أبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ( نَفْسُ المُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ )
4- الإسراعُ بالميِّت في تغسِيلِه وتكفِينِه والصلاةِ عليه ودفنِه،عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (أسرعوا بالجنازة؛ فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم) متفق عليه.
5- المُسارعةُ تزويجِ الفتاةِ مِن الكُفؤ المُناسِبِ بعد الاستِخارة والاستِشارة؛ فإن الإسراعَ في ذلك مِن الخير المحمُود والعجَلَة المحمُودة.
علاج العجلة :
الاستِعجالَ آفةٌ مُهلِكةٌ إذا لم يُبادِرِ العبدُ إلى إصلاحِها وتهذيبِها، وذلك لا يتمُّ له إلا بأمورٍ مُهمَّة، مِنها:
1- تعويد النفسِ وتمرينُها على التأنِّي والتعقُّل، قبل أن يصدُرَ مِنه أيُّ قولٍ أو فعلٍ أو رأيٍ، وقد ثبَتَ عنه – صلى الله عليه وآله وسلم – أنه قال: «التأنِّي مِن الله، والعجَلَةُ مِن الشيطان»؛ أخرجه البيهقي في “الشعب” مِن حديث أنسِ بن مالكٍ – رضي الله عنه -.
وقد يكون خُلُق التأنِّي والتُّؤَدة والرَّزانة وَهبيًّا مِنَّةً مِن الله على عبدِه، كما يدلُّ عليه حديثُ أشَجِّ عبد القَيس حينما قال له النبيُّ – صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن فِيك لخَصلتَين يُحبُّهما الله: الحِلمَ، والأناة»؛ أخرجه مسلم في “الصحيح” مِن حديث ابن عباسٍ – رضي الله عنهما -.
2- مُطالعةِ عِبَر التاريخ، وتجارب الأمم، والقراءة في سِيَر العُقلاء والحكماء.
3-إمعان النظر في الآثار والعواقب المترتبة على الاستعجال؛ فإن ذلك مما يهدئ النفس، ويحمل على التريث والتأني، ومن واقعنا المعاصر نرى كثيرًا من الناس يندمون حين لا ينفعهم الندم، بسبب استعجالهم في أمور كان عليهم أن يتَأَنَّوْا فيها، فمن ذلك أنه لأقل الأسباب يطلق الرجل زوجته، فتتشتت الأسر، ويضيع الأطفال، وتهدم البيوت، ويقع من الهم والغم ما الله به عليم، كل ذلك بسبب العجلة، فهل من مدكر؟!
وكذلك ما نسمعه من الحوادث المروعة التي كانت سببًا لإزهاق نفوس كثيرة، وأمراض خطيرة، وعاهات مزمنة، إنما وقع بسبب العجلة.
4- الجُلُوس مع أهل العلم والخِبرة والتجرِبة، ومُشاورتهم قبل الاقدام على أمر استشرهم واسمع الآراء والنصائح منهم مِن أجل اتِّقاء شرِّ الاستِعجال في اتِّخاذ القرارات هينةً كانت أم عظيمة، ولم يكُن أحدٌ أكثرَ مُشاروةً لأصحابِه مِن رسولِ الله – صلى الله عليه وآله وسلم -، وهو النبيُّ المُوحَى إليه.
5-صلاة الاستخارة : لأن الإنسان مخلوق ضعيف، بحاجة إلى إعانة الله تعالى في أموره كلها؛ وذلك لأنه لا يعلم الغيب، فلا يدري أين موطن الخير والشر فيما يستقبله من حوادث ووقائع؟
والمسلم في هذه الدنيا تعرض له أمور يتحير منها ، فعندما يقدم على عمل ما كشراء سيارة ، أو يريد الزواج أو يعمل في وظيفة معينة أو يريد سفراً فإنه يستخير له .
لذا كان من حكمة الله سبحانه ورحمته بعباده أن شرع لهم هذا الدعاء، لكي يتوسلوا بربهم ويستغيثوا به في توجيه السير نحو الخير والنفع.
وإن العبد المسلم على يقين لا يخالطه شك أن تدابير الأمور وصرفها بيد الله سبحانه وتعالى وأنه يقدر ويقضي بما شاء، في خلقه، والصحابي الجليل جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : ” كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ..”
وفي المسند من حديث سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من سعادة ابن آدم استخارته الله تعالى ، ومن سعادة ابن آدم رضاه بما قضاه الله ، ومن شقوة ابن آدم تركه استخارة الله عز وجل ، ومن شقوة ابن آدم سخطه بما قضى الله )