السنن المهجورة (15) فضل صلاة السنن بالبيت
شرع التطوع جبرا لما عسى أن يكون قد وقع في الفرائض من نقص ، ولما في الصلاة من فضيلة ليست لسائر العبادات .
فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة ، يقول ربنا لملائكته ، وهو أعلم أنظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها ؟ فإن كانت تامة كتبت له تامة ، وإن كان انتقص منها شيئا قال : أنظروا هل لعبدي من تطوع ؟ فإن كان له تطوع قال : أتموا لعبدي فريضته من تطوعه ، ثم تؤخذ الأعمال على ذلك ) رواه أبو داود .
استحباب صلاته في البيت :
1 – روى أبو داود بإسناد صحيح عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا، إلا المكتوبة )
وهل معنى ذلك أن صلاة النافلة في البيوت أفضل من صلاتها في المسجد الحرام والمسجد النبوي؟
ليس الأمر على ما يتوهم من كون صلاة النافلة في البيت خير من ألف صلاة ، بل صلاة النافلة في البيت خير وأفضل من صلاتها في المسجد، ومقدار هذا الفضل لا يعلمه إلا الله، وأما كون الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم تضاعف على الصلاة في غيره بألف صلاة فقد حمله بعض العلماء على الفرائض، وهو قول الحنفية والمالكية والحنابلة، كما في الموسوعة الفقهية.
جاء في الموسوعة:أما في صلاة النفل فيرى الحنفية والمالكية ـ على الصحيح ـ والحنابلة: أن الأفضلية ومضاعفة الثواب الواردة في الحديث خاصة بالفرائض دون النوافل، لأن صلاة النافلة في البيت أفضل وأقرب إلى الإخلاص وأبعد عن الرياء، لقوله صلى الله عليه وسلم: صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة. انتهى.
ورجحه الشيخ ابن عثيمين وزاد إلحاق النوافل التي يشرع فعلها في المسجد، قال رحمه الله: فإن قال قائل: هل هذا التفضيل في صلاة الفريضة والنافلة؟
فالجواب: أن فيه تفصيلاً فالفرائض لا يستثنى منها شيء، وأما النوافل فما كان مشروعاً في المسجد، شمله هذا التفضيل كقيام رمضان وتحية المسجد، وما كان الأفضل فيه البيت، ففعله في البيت أفضل كالرواتب ونحوها. انتهى.
ومن العلماء من قال بالعموم ذاهبا إلى أن النافلة في البيوت بمكة والمدينة أفضل من فعلها في المسجدين ولا ينافي هذا أن تكون في المسجدين أفضل منها في غيرهما سوى بيوت مكة والمدينة، قال الحافظ في الفتح: واستدل به على تَضْعِيفِ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا فِي الْمَسْجِدَيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّقْلُ عَنِ الطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالْفَرَائِضِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفْضَلُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا مَانِعَ مِنْ إِبْقَاءِ الْحَدِيثِ عَلَى عُمُومِهِ فَتَكُونُ صَلَاةُ النَّافِلَةِ فِي بَيْتٍ بِالْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ تُضَاعَفُ عَلَى صَلَاتِهَا فِي الْبَيْتِ بِغَيْرِهِمَا وَكَذَا فِي الْمَسْجِدَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلَ مُطْلَقًا. انتهى. والله أعلم
2 – وعن عبد الرحمن بن عمر قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوا قبورا) رواه أحمد وأبو داود ، وإنما قال ذلك لأنه ليس في القبور صلاة .
3 – وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا صلى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبا من صلاته فإن الله عز وجل جاعل في بيته من صلاته خيرا .) رواه أحمد ومسلم
وفي هذه الأحاديث دليل على استحباب صلاة التطوع في البيت ، وأن صلاته فيه أفضل من صلاته في المسجد .
قال النووي : إنما حث على النافلة في البيت لكونه أخفى وأبعد عن الرياء وأصون من محبطات الأعمال ، وليتبرك البيت بذلك وتنزل فيه الرحمة والملائكة ، وينفر منه الشيطان .
فوائد صلاة النافلة في البيوت:
1- تعليم أهل البيت الصلاة من زوجة وأولاد الاقتداء به في ذلك.
2- سد العجز والخلل في صلاة الفريضة.
3- طرد الشياطين من البيت وتقليل المشاكل.
4- غسل القلب قبل الفرض ،وتهيئته للقيام بين يدي الله بخشوع.
5- أقرب إلى الإخلاص وأبعد عن الرياء أمام الناس.
فائدة: ما الفرق بين السنن الرواتب والسنن المؤكدة؟
السنة الراتبة هي: السنة التابعة لغيرها، أو التي تتوقف على غيرها، كالسنن القبلية والبعدية للصلوات المفروضة، وهي مستحبة عند جمهور الفقهاء، وقال الحنابلة: يكره تركها دون عذرٍ.
وأما السنة المؤكدة، فهي ما واظب النبي صلى الله عليه وسلم على فعله، ولم يتركه إلا قليلا ، وإن كانت مع الترك غالب أحواله صلى الله عليه وسلم ، فهي السنة الغير المؤكدة.
بهذا يعلم أن السنة قد تكون راتبة ومؤكدة في نفس الوقت، كالسنن القبلية والبعدية للصلوات، فهي راتبة، لأنها تابعة لغيرها، وهي مؤكدة لأن النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليها، ولم يتركها.
وتكون السنة أحياناً راتبة لكنها غير مؤكدة، كأربع ركعات قبل صلاة العصر، فهي راتبة لأنها تابعة، وغير مؤكدة لعدم مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها.
ما هي السنن المؤكدة ؟
عن أم حبيبةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَن صلَّى اثنتَي عشرةَ ركعةً في يومٍ وليلةٍ؛ بُنِي له بهن بيتٌ في الجنة)؛ رواه مسلم.
وللترمذي نحوه، وزاد: (أربعًا قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الفجر).
صلاة السنن الرباعية متصلة بتشهد واحد :
يجوز صلاة سنن الظهر الرباعية وغيرها ركعتين ركعتين وأما حديث “صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ” فقال ابن حجر أن أكثر أئمة الحديث أعلوا هذه الزيادة وهي قوله (والنهار) وقد روى ابن أبي شيبة عن ابن عمر أنه كان يصلى أربعا أربعا .
وقال الأثرم عن أحمد الذي أختاره في صلاة الليل مثنى مثنى فإن صلى بالنهار أربعا فلا بأس , قال وقد صح عن النبي أنه أوتر بخمس لا يجلس إلا في آخرها ، إلي غير ذلك من الأحاديث الدالة علي الوصل
قال: إلا أنا نختار أن يسلم من كل ركعتين لكونه أجاب به السائل ولكون أحاديث الفصل أثبت وأكثر طرقا .
وورد ما يفيد جواز ذلك في صلاة الوتر أيضا منها ما رواه الحاكم عن عائشة (أنه كان يوتر بثلاث لا يقعد إلا في آخرهن.)يراجع في ذلك فتح الباري 2/556 وما بعدها .
وعلل بعض الفقهاء ذلك ألا تشتبه السنة بالفريضة .
وأخرج ابن حبان عن أبى هريرة عن النبي “لا توتروا بثلاث أو تروا بخمس أو سبع ولا تشبهوا بصلاة المغرب .“
السنن غير المؤكدة :
ما تقدم من السنن والرواتب يتأكد أداؤه وبقيت سنن أخرى راتبة يندب الإتيان بها من غير تأكيد ، نذكرها فيما يلي :
ركعتان بعد الظهر غير المؤكدتين :
لحديث أم حبيبة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من صلى أربعا قبل الظهر وأربعا بعدها حرم الله لحمه على النار )، رواه أحمد
ومعنى ذلك أن للظهر ركعتان مؤكدتان وركعتان غير مؤكدتان
ركعتان أو أربع قبل العصر :
عن ابن عمر قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا ) رواه أحمد وحسنه الألباني.
وورد أيضا عن ابن عمرو(من صلى قبل العصر أربعا حرمه الله على النار) لكن ضعف سنده الألباني
وأما الاقتصار على ركعتين فقط فدليله عموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( بين كل أذانين صلاة ) .
ركعتان قبل المغرب :
روى البخاري عن عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( صلوا قبل المغرب ، صلوا قبل المغرب ) ثم قال في الثالثة : ( لمن شاء ) كراهية أن يتخذها الناس سنة .
ركعتان قبل العشاء :
لما رواه الجماعة من حديث عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( بين كل أذانين صلاة ، بين كل أذانين صلاة ) ثم قال في الثالثة : ( لمن شاء ) .