إلف النعم (اذكروا نعمة الله عليكم)

تاريخ الإضافة 2 أغسطس, 2023 الزيارات : 2088

إلف النعم (اذكروا نعمة الله عليكم)

لإيلاف قريش:

كلنا يقرأ سورة قريش، ونحفظها من صغرنا، لكننا لم ننتبه عما تتحدث هذه السورة، سورة قريش تتحدث عن نعمة الله تعالى على أهل مكة وأنهم كانوا في شدة وجوع وخوف فأمنهم الله تعالى من خوفهم وأطعمهم من الجوع، فذكرهم بهذه النعمة لأنهم نسوا المنعم جل جلاله.

وأهل مكة كانوا يعيشون في الجزيرة العربية وهي طبيعة فقيرة جدا، ليس هناك نهر ووجود نهر في المكان يعني وجود زراعة وجود رخاء وجود حياة، (وجعلنا من الماء كل شيئ حي)، فالبيئة صعبة، قليلة أو شحيحة الماء شحيحة الطعام شحيحة الثروات، سبل العيش فيها مرهقة للغاية، فإذا لم يجد أهل بيت طعاما لقوتهم حمل رب البيت عياله إلى موضع معروف فضرب عليهم خباء وبقوا فيه حتى يموتوا جوعا، ويسمى ذلك الاعتفار، فحدث أن أهل بيت من بني مخزوم أصابتهم فاقة شديدة فهموا بالاعتفار فبلغ خبرهم هاشم بن عبد مناف -جد النبي صلى الله عليه وسلم- ؛ فقام هاشم خطيبا في قريش وقال: إنكم أحدثتم حدثا تقلون فيه وتكثر العرب وتذلون وتعز العرب وأنتم أهل حرم الله والناس لكم تبع ويكاد هذا الاعتفار يأتي عليكم، ثم جمع كل بني أب على رحلتين للتجارات فما ربح الغني قسمه بينه وبين الفقير من عشيرته حتى صار فقيرهم كغنيهم، ولم تزل الرحلتان من إيلاف قريش حتى جاء الإسلام وهم على ذلك.

وسن لهم هاشم بن عبد مناف رحلتي الشتاء والصيف، رحلة الصيف إلى الشام، حيث الحبوب والتمر والزيت والزبيب والثياب ، ورحلة الشتاء إلى اليمن السعيد، نسأل الله أن يعيده سعيدا، وأن يسلمه من الحروب ؛ وكانوا يجلبون أقواتهم فيجلبون من بلاد اليمن الحبوب من بر وشعير وذرة وزبيب وأديم وثياب

وصارت مكة وسطا تجلب إليها السلع من جميع البلاد العربية فتوزع إلى طالبيها في بقية البلاد، فاستغنى أهل مكة بالتجارة.

فقوله تعالى: ﴿فليعبدوا رب هذا البيت﴾ تذكير قريش بنعمة الله عليهم، إذ يسر لهم ما لم يتأت لغيرهم من العرب من الأمن من عدوان المعتدين، وغارات المغيرين في السنة كلها بما يسر لهم من بناء الكعبة وشرعة الحج وأن جعلهم عمار المسجد الحرام وجعل لهم مهابة وحرمة في نفوس العرب كلهم في الأشهر الحرم وفي غيرها.

والايلاف إما من الائتلاف، وهوالاجتماع على الشيء، لأن القبائل اجتمعت على هذا الشيء، أو من ألفة الشيء، أي التعود عليه.

إلف النعم:

وهذا هو الحال في كثير منا مع آلاف النعم يقل شكره؛ بل ربما ينعدم الشكر، بل ربما يتطور الأمر إلى السخط على معيشته، عندنا نعم كثيرة والله إخواني سواء النعم الدائمة أو النعم المتجددة، فالنعم الدائمة التي تحدث القرآن عنها كثيرة كالشمس والقمر والهواء وما بسط الله لنا من وسائل الحياة والرزق في هذه الدنيا هذه نعم دائمة ولذلك رب العالمين قال: ﴿قُلۡ أَرَءَیۡتُمۡ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَیۡكُمُ ٱلَّیۡلَ سَرۡمَدًا إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ مَنۡ إِلَـٰهٌ غَیۡرُ ٱللَّهِ یَأۡتِیكُم بِضِیَاۤءٍۚ أَفَلَا تَسۡمَعُونَ ۝٧١ قُلۡ أَرَءَیۡتُمۡ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَیۡكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرۡمَدًا إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ مَنۡ إِلَـٰهٌ غَیۡرُ ٱللَّهِ یَأۡتِیكُم بِلَیۡلࣲ تَسۡكُنُونَ فِیهِۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ ۝٧٢﴾ [القصص ٧١-٧٢]

 سرمدا يعني دائما ليل سواد مظلم لا يتبدل ولا يتغير، من إله غير الله يأتيكم بضياء؟ لا أحد لا إله يستطيع ذلك إلا الله وحده لا شريك له، هو القادر على ذلك أفلا تسمعون؟

(قل أرأيتم أن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة) نهار دائم، (من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون)، فالله تعالى يذكر عباده أنهم لألفهم الليل والنهار ألفوا النوم بالليل والسعي والمعاش بالنهار، ونسوا أن هذه نعمة كبيرة من الله هيأ لك الكون كله في الليل لتنام، سكينة وهدوء وإظلام لتنال حظك من الراحة، ثم هيأ لك النهار للسعي والمعاش والحركة، هذه نعمة، دائمة متجددة.

أيضا من نعم تعالى ما ذكره مثلا في سورة الواقعة:

قال تعالى : أَفَرَءَیۡتُم مَّا تَحۡرُثُونَ ۝٦٣ ءَأَنتُمۡ تَزۡرَعُونَهُۥۤ أَمۡ نَحۡنُ ٱلزَّ ٰ⁠رِعُونَ ۝٦٤﴾ [الواقعة ٦٢-٦٤]

يضع الفلاح البذرة لكن من الذي يتولى إنباتها؟ ومن الذي نوع في أشكالها وطعومها؟

إنه الله جل جلاله- سبحانه وتعالى- كما قال:  ﴿ یُسۡقَىٰ بِمَاۤءࣲ وَ ٰ⁠حِدࣲ وَنُفَضِّلُ بَعۡضَهَا عَلَىٰ بَعۡضࣲ فِی ٱلۡأُكُلِۚ إِنَّ فِی ذَ ٰ⁠لِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یَعۡقِلُونَ﴾ [الرعد 4]

نعم يسقى بماء واحد لكن الطعم مختلف واللون مختلف وكل ثمرة وكل طعام له مكان وطقس مناسب – سبحان الله-، فالله تعالى هو الذي ينبتها، وهو الذي يتولاها وهو الذي يثمرها، (أانتم تزرعونه أم نحن الزارعون؟) لو كان الأمر إليكم فإن الله قادر على أن يجعل هذا الزرع حطاما قال تعالى: ﴿لَوۡ نَشَاۤءُ لَجَعَلۡنَـٰهُ حُطَـٰمࣰا فَظَلۡتُمۡ تَفَكَّهُونَ ۝٦٥ إِنَّا لَمُغۡرَمُونَ ۝٦٦ بَلۡ نَحۡنُ مَحۡرُومُونَ ۝٦٧﴾ [الواقعة ٦٥-٦٧]

 ثم من الله علينا بنعمة الماء فقال :﴿أَفَرَءَیۡتُمُ ٱلۡمَاۤءَ ٱلَّذِی تَشۡرَبُونَ ۝٦٨ ءَأَنتُمۡ أَنزَلۡتُمُوهُ مِنَ ٱلۡمُزۡنِ أَمۡ نَحۡنُ ٱلۡمُنزِلُونَ ۝٦٩ لَوۡ نَشَاۤءُ جَعَلۡنَـٰهُ أُجَاجࣰا فَلَوۡلَا تَشۡكُرُونَ ۝٧٠﴾ [الواقعة ٦٨-٧٠]

جعلناه أجاجا : الأجاج هو الماء الشديد الملوحة، فالله تعالى أنزل من السماء ماء عذبا يشربه الناس يحيون بذلك وينبت الله به النبات ويحيي الله به الحيوان وما شاء الله من خلقه بعد ذلك ولا دخل للإنسان في ذلك،ولو شاء الله لأمسك هذا الماء، ولو شاء الله لجعله أجاجا فيعجز الإنسان عن الحياة ويهلك بذلك، فهذه نعمة من نعم الله تعالى.

إذا يا إخواني إلف النعمة يفقد الإنسان قيمتها، وهذا أمر طبيعي في الإنسان، ولذلك نحتاج للتذكيردائما، تخيلوا لو أن رجلا زرع في بيته في الربيع ورود، غاية في الجمال والروعة، ونبت هذا الورد وظهر، الآن ما شاء الله لوحة جميلة أمامه يراها فيسر، أول يوم سيفرح بهذا المنظر، ثاني يوم يقل اهتمامه، ثالث يوم اعتاد المنظرفلا ينتبه لذلك، لماذا؟ لأنه ألف منظرها، ألف المشهد.

بنو إسرائيل عاشوا كعيشة الملوك:

 كما ذكرهم نبي الله موسى ﴿وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ یَـٰقَوۡمِ ٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ إِذۡ جَعَلَ فِیكُمۡ أَنۢبِیَاۤءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكࣰا وَءَاتَىٰكُم مَّا لَمۡ یُؤۡتِ أَحَدࣰا مِّنَ ٱلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [المائدة ٢٠]

وجعلكم ملوكا : فكانوا يعيشون في سيناء ظلل الله عليهم الغمام، الغمام السحاب يظللهم، فجر الله لهم اثنتي عشرة عين ماء وهي معلومة إلى الآن اسمها عيون موسى، يشربون ماء من أعذب المياه، وأنزل الله عليهم المن كانوا يجدونه على الشجر في الصباح، قال المفسرون : المن ثمرة تشبه في حلاوتها طعم العسل، وسخر لهم طائر سلوى الذي يعرف الآن بالسمان كان سهل الصيد فيصطادونه ويأكلونه، منّ وماء عذب وظلال، وعلى الرغم من هذا بمرور الزمن ألفوا النعمة قالوا:﴿یَـٰمُوسَىٰ لَن نَّصۡبِرَ عَلَىٰ طَعَامࣲ وَ ٰ⁠حِدࣲ فَٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ یُخۡرِجۡ لَنَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۢ بَقۡلِهَا وَقِثَّاۤىِٕهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَاۖ ﴾ [البقرة ٦١]

 فهنا إلف النعمة التي وتعود الإنسان عليها ينسيه شكرها، وتقل في عينه.

ولذلك تعلمنا أن الإنسان دائما يكثر الحمد لله ويتأمل النعم التي أنعم الله عليه بها، وإن يتطلع إلى فضل الله- عز وجل-، فإذا كان عندي نعمة ناقصة وهذه طبيعة الدنيا لأننا لسنا في دار النعيم، لسنا في الجنة، فالدنيا دار نقص، لكن هنا الشيطان يضخم احتياجاتك، وينسيك النعم التي أنعم الله عليك بها ليقل شكرك، وهو قال لله- عز وجل- (ولا تجد أكثرهم شاكرين)، فهو عمله أنه يزهدك أو يقلل النعمة في نظرك، ويجعلك دائما ساخطا على الله- سبحانه وتعالى-.

لكن والله يا إخواني لو تأملنا الكثير من النعم أبسط شيء حينما تفتح الحنفية فينزل لك الماء، هذه نعمة لو تأملتها؟!!

بعض الشعوب وبعض الأماكن لا يجدون هذا الماء إلا على بعد، كيلو مترات ويحملونها على الحيوانات وبالقرب إلى آخره، لعلمت كمْ عظم هذه النعمة.

في رمضان الماضي انقطعت الكهرباء من ثلاثة إلى خمسة أيام، كلنا عاش هذا الجو الصعب، وكانت أياما باردة شديدة البرودة، وأدرك الناس نعمة الله تعالى علينا في الدفء، إنك- سبحان الله- تغلق باب بيتك على نفسك وأنت لا تشعر بالبرد، انقطعت الكهرباء عن آلاف البيوت مع العاصفة الثلجية التي حدثت، واستمر الانقطاع لأيام لا طعام لا شراب لا تستطيع إعداد الطعام (لأن المواقد بالكهرباء)كل الأطعمة في الثلاجات فسدت لا تستطيع النوم تلبس ملابس الشتاء الثقيلة لا تشعر بالهناءة أو براحة البال وأنت داخل بيتك إلى غير ذلك من الوضع الصعب وكان أجواء صيام رمضان فأدركنا نعمة الدفء ونعمة الكهرباء أن يغلق عليك باب باب بيتك وأنت في نعم من الله عظيمة.

يا إخواني لو ظللت أعدد النعم نعمة التنفس نعمة الحياة نعمة النوم الهانئ، نعمة الأمن نعم كثيرة جدا والله لو أخذنا في عدها لأعجزنا الأمر ﴿وَءَاتَىٰكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلۡتُمُوهُۚ وَإِن تَعُدُّوا۟ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَاۤۗ إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَظَلُومࣱ كَفَّارࣱ﴾ [إبراهيم ٣٤]

 فهنا ينبغي على المسلم أن يتذكر نعم الله، وأن يعددها على نفسه لتعظم نعمة الله عليه، وما فقده من نعم يسأل الله تعالى من فضله، ويسأل الله- عز وجل- من عظيم إنعامه وإكرامه، فهو الذي تستدر نعمه وتستدر عطاياه بالسؤال، وبالاستكانة بالانكسار.

كيف نؤدي شكر النعم ؟

وقد علمنا النبي- صلى الله عليه وسلم- أن نؤدي شكر النعم بعدة أمور:

1- الإقرار بالنعمة لله:

آيات كثيرة جدا في القرآن تتكلم عن إثبات النعمة إلى الله وحده، لأن هناك من كان يقر بالنعمة لله ثم يشكر غيره ، فكان القرآن يعجب من حال هؤلاء أنهم يعترفون أن الله هو الخالق الرازق المنعم ثم يشكرون أصنامهم أو آلهتهم ويعبدونها من دون الله، فالإقرار لله بأنه هو المنعم وشكره على هذه النعمة هذه من  شكر الله، يقول النبي- صلى الله عليه وسلم- (إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، وأن يشرب الشربة فيحمده عليها)

، وعلمنا النبي من أذكار الصباح والمساء أن تقول : (اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر)، من قال هذا الذكر كما في الحديث فقد أدى شكر يومه وليلته،(وللأمانة فإن سنده ضعيف)

2- الثناء على الله بنعمه:

من أبواب تمجيد الله- عز وجل- نسبة النعم إليه، ونحن نقرأ في القرآن ونسمع في كلام الرسول – صلى الله عليه وسلم- رب السماوات والأرض، السماوات والأرض نعمة، نعم، فنحن ننسبها لله، ونمجد الله بخلقه، رب السماوات والأرض، رب الشمس والقمر، الذي أنزل الماء الذي أنبت النبات، الذي خلقنا من العدم، الذي أنعم علينا بالصحة والعافية الذي أمدنا الذي أعطانا الذي الذي…. قال تعالى:﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعۡمَةࣲ فَمِنَ ٱللَّهِۖ ﴾ [النحل ٥٣]

وقال تعالى : ﴿أَلَمۡ تَرَوۡا۟ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَأَسۡبَغَ عَلَیۡكُمۡ نِعَمَهُۥ ظَـٰهِرَةࣰ وَبَاطِنَةࣰۗ ﴾ [لقمان ٢٠]

فالمسلم يقر بنعم الله ويثني على الله تعالى بهذه النعم، كما كان النبي يقول : (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعاناتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك)

3- الشكر بالعمل:

اذكروا الله تعالى بالعمل، قال تعالى:  ﴿ ٱعۡمَلُوۤا۟ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرࣰاۚ وَقَلِیلࣱ مِّنۡ عِبَادِیَ ٱلشَّكُورُ﴾ [سبأ ١٣]

فالشكر ليس كلاما فقط الشكر عمل، قال العلماء: ومن شكر الله تعالى أن تجعل النعمة في طاعته، ومن شكر الله تعالى أن تؤدي حق الله في النعمة، ومن شكر الله تعالى في النعمة أن تبذلها لغيرك، فإذا أنعم الله بنعمة المال فمن شكر النعمة أن تؤدي زكاته، ومن شكر النعمة أن تصل رحمك، ومن شكر النعمة أن تبذلها لغيرك من محتاج أو فقير أو مستدين، أو تجعلها في إكرام ضيف أو ما شابه ذلك، فهذا كله من شكر نعمة المال، فإذا شكرت الله بذلك زادك الله تعالى من فضله.

نفس الأمر لو أن واحدا أنعم الله عليه بنعمة العلم من شكر نعمة العلم أن تبذل العلم لغيرك، علم ينتفع به، فتنشر هذا العلم وتعلمه وتكون سبب في إزاحة الجهالة أو منفعة البشرية بهذا العلم بكل الوسائل المتاحة لنشر العلوم.

وهكذا من كان عنده خبرة من كان عنده مكانة اجتماعية جاه أو وظيفة، من كان عنده أولاد من كان عنده سيارة؟ من كان عنده خبرة في المجال الفلاني من شكر هذه النعمة أن تجعل شيئا منها لله تعالى فيجعل الله تعالى لك فيها بركة، يجعل الله تعالى لك في هذه النعمة بركة، لكن إذا كان حظ الإنسان من النعم أنه يكنز هذه النعم ويمنعها فإن هذا سبب لانتشار الحسد بين الناس والسرقة ولا تبقى آمنا أبدا في حياتك مع من حولك.

أكبر سبب لانتشار الحسد:

طبعا الحسد له أسباب كثيرة لكن من أشهر أسبابه البخل والامتناع عن النفقة والبذل، لماذا سن لنا الإسلام عند الزواج وليمة؟

 حتى يشترك الجميع في فرحتك، لماذا سن لنا عند المولود عقيقة؟

حتى يشترك الجميع معك في فرحتك، لماذا سن لنا في الأعياد؟ الإطعام، زكاة الفطر في رمضان وذبح الأضحية في عيد الأضحى ؟

حتى يشترك الجميع في الفرحة، ولذلك العلماء لفتوا أنظارنا لأمر هام جدا وهو أن البعض دائما وهذا السؤال يتكرر هنا:

ما حكم إرسال الأضحية إلى البلد الفلاني؟ ما حكم ذبح العقيقة في البلد الفلاني؟

الهدف من هذه العبادات نواح اجتماعية، أنت لست مفوضا عاما لحل مشكلة الفقر في العالم العربي، المقصود من ذبح العقيقة في مكان إقامتك هو أن يشارك الجميع في فرحتك، فاقطع سم الحسد من الأعين بأن يطعم الحاسد طعامك، لما يأكل من طعامك أنت بذلك تكسر سم عينه، لما تضيف الناس من طعامك أنت بذلك تمنع أن ينظر إليك أحدهم نظرة حسد أو نظرة حقد، فالناس دائما تقارن وهذه آفة الحساد يقارن بين معيشته ومعيشتك، والحاسد دائما يرى نفسه ناقصا وغيره كامل، يرى أنه في نقص وغيره في ازدياد، فيحقد وينكر نعمة الله عليه ويتمنى زوالها من غيره!!!

فالإطعام وأن يفرح الجميع في العيد وأن يفرح الناس لك في الخير يذهب عنا الحسد وهكذا، وكان من عادات الناس عندنا بمصر مثلا إذا نجح ولده ماذا يفعل؟ يوزع على الناس مشروب، أو يوزع الأرز باللبن كما كان معروف عندنا مثلا، لماذا؟ ليكسر سم الحسد.

الولد نجح الحمد لله وهذه حلاوة نجاحه، فيوزع الناس الحلوى الطعام الجميل الشراب الطيب حتى يكسر سم الحسد من الأعين فيكون ذلك هناءة وطيبا لولدك،

المفاخرة على الفيسبوك :

الناس الآن برعوا في المفاخرة على الفيسبوك بالأولاد وبالزوجة لقد ذهبنا إلى رحلة إلى جزر كذا قضينا يومين في شلالات نياجرا في الفندق الفلاني… وطبعا الزوجة تحتضن زوجها بمنتهى الرومانسية والشاعرية، ويبدأ الناس يرون هذا ويقارنون بين أحوالهم التعيسة ومن في ظنهم يعيشون عيشة الملوك، وما هي إلا لحظات وتجد الزوجين رجعا من شلالات نياجرا وهما مطلقان، لا حول ولا قوة إلا بالله.

فالناس الآن فهموا أن العطاء هو نشر الحياة الخاصة على الفيسبوك، نشر الصور لإظهار طبيعة الحياة في كذا هذا بيتي وهذه سيارتي الجديدة!!!

وهذا أكبر سبب من أسباب الحسد، وعندي عشرات الحوادث التي حدثت لأناس منها على سبيل المثال : بعض الإخوة نشر صورة ولده وقال ابني هو الأول على مقاطعة كذا في الثانوية، ونشر سورة التخرج لابنه وزوجته، والله هممت أن أنصحه بحذف الصور، لكن بعد يومين اثنين نشر صورة ولده وقد وقع له حادث سيارة صدمته كسرت قدمه وكسر ذراعه، قلت لا حول ولا قوة إلا بالله ماذا استفدت من الفيسبوك؟ ماذا استفدت من نشر حياتك الخاصة؟

لأن من يراك لا يبرك ولا يقرأ سورة الفلق ولا الناس … إنما يقول : ابنه كان في البلد هنا عنده أربع سنوات الآن صار رجل بنته صارت عروسة والله شايف الملابس والماركات؟ شايف البيت؟ مقارنات مقارنات مقارنات ثم يحدث ما يحدث من مصائب كثيرة.

منع الحسد بالعطاء:

 أرجع وأقول : إن الإسلام أراد أن يمنع الحسد بين الناس بالعطاء والإنفاق وأن يشترك الناس معك في الفرحة  فيكسر سم الحسد.

أيضا لما تذهب أو ترجع للبلاد أيضا في إجازة فليكن معك بعض الهدايا ولو رمزية وخاصة للأقربين، فالهدف منها ليس الهدية فقط إنما الهدف منها أن ترد سم الأعين الحاسدة فتعطي الناس فالذي يعطي – سبحان الله- وهذه طبيعة في النفوس فقد فطر الله النفوس على حب من يحسن إليها، فأنت لما تعطيني هدية أشعر بالامتنان لك والشكر لك، وهذا هو المقصود، فأعطى لهذا هدية ولهذه هدية، فيكسر سم الحسد .

لكن شخصا يرجع إلى بلده بعد سنوات للغربة ثم لا يجدوا منه لا خيرا ولا شرا فيبدأون في الحسد والمقارنة …

وحصل والله يا إخواني حالات كثيرة جدا بعد رحلة الصيف (ليست رحلة الشتاء والصيف في مكة) رحلة الصيف إلى البلاد يحدث طلاق ما السبب؟ العيون، العيون والحسد والمقارنات والأهل وكذا وكذا، وهذا ليس أقوله من باب التحذير من الزيارة ومن الإجازة إنما أقول خذوا بالأسباب، الإطعام الإهداء كسر العيون، الحاسدة بهذا يا إخواني ينفي عنا الضرر والمشقة، نسأل الله- سبحانه وتعالى- أن يكفينا السوء بما شاء وكيف شاء، إنه على كل شيء قدير.

الخلاصة:

1- الإنسان منا يألف النعمة فينسى شكرها، فمع آلاف النعم نعددها ونذكر أنفسنا بها ليدوم شكرنا لله عليها.

2- لله حكمة في منع بعض النعم ؛ فقد يقدر الله تعالى أن يحرمك من العافية أياما فتتذكر نعمة العافية، قد تعيش أياما صعبة فيها فقا وفيها ديون، فينعم الله عليك ويغنيك من فضله، فتتذكر فضل الله عليك، وأمرنا الله تعالى بالصيام، فنمتنع عن الطعام والشراب، رغم قدرتنا عليه، لندرك نعمة الماء وندرك نعمة الطعام، وندرك حال الفقراء .

3- أيضا من احكم في قبض بعض النعم أن يمنع الله عنا ما يمنع من النعم لندرك عظمة الله تعالى المنعم فنقصده وحده بالسؤال وبالشكر والثناء عليه.

4- من فضل الله تعالى على العبد أن يجعل من نعم الله عليه نصيبا لغيره فيبذل هذه النعمة أما بالزكاة المفروضة وأما بصلة الرحم وإما بالإهداء وأما بالإطعام كما فصلت حتى لا أعيد الكلام وأن هذا سبب من أسباب الشعور بالمحبة بين الناس والترابط والإخوة الإيمانية وكسر العين الحاسدة وإلغاء الكبر بين الناس.

 ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وصلى الله وسلم وبارك، على نبينا المصطفى المختار وعلي آله وصحبه الأطهار .


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 241 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم

جديد الموقع