النبي الشهيد ،هل قتل النبي مسموما؟
أولا: روايات حديث الشاة المسمومة.
1- عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة، فأكل منها، فجيء بها فقيل: ألا نقتلها، قال: «لا»، فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعند مسلم: فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألها عن ذلك؟ فقالت: أردت لأقتلك، قال: «ما كان الله ليسلطك على ذاك» قال: – أو قال – «علي». قال قالوا: ألا نقتلها؟ قال: «لا»، قال: «فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه الشيخان.
2- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه: «يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم رواه البخاري
3– عن أبي هريرة، أنه قال: لما فتحت خيبر، أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجمعوا لي من كان ها هنا من اليهود» فجمعوا له، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني سائلكم عن شيء، فهل أنتم صادقي عنه؟». فقالوا: نعم يا أبا القاسم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أبوكم» قالوا: أبونا فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذبتم، بل أبوكم فلان» فقالوا: صدقت وبررت، فقال: «هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه؟» فقالوا: نعم يا أبا القاسم، وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أهل النار؟» فقالوا: نكون فيها يسيرا، ثم تخلفوننا فيها، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اخسؤوا فيها، والله لا نخلفكم فيها أبدا». ثم قال لهم: «فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه؟» قالوا: نعم، فقال: «هل جعلتم في هذه الشاة سما؟» فقالوا: نعم، فقال: «ما حملكم على ذلك؟» فقالوا: أردنا: إن كنت كذابا نستريح منك، وإن كنت نبيا لم يضرك رواه البخاري
4– عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة من اليهود أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة، فأرسل إليها فقال: «ما حملك على ما صنعت؟» قالت: أحببت -أو أردت- إن كنت نبيا فإن الله سيطلعك عليه، وإن لم تكن نبيا أريح الناس منك. قال: (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد من ذلك شيئا احتجم. قال: فسافر مرة فلما أحرم وجد من ذلك شيئا فاحتجم) رواه أحمد في المسند وحسن إسناده ابن كثير في البداية والنهاية.
5- وفي المستدرك للحاكم أن أم مبشر وهي أم بشر بن البراء الذي أكل السم معه بخيبر قالت: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي قبض فيه، فقلت: بأبي أنت يا رسول الله ما تتهم بنفسك، فإني لا أتهم بابني إلا الطعام الذي أكله معك بخيبر، وكان ابنها بشر بن البراء بن معرور مات قبل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنا لا أتهم غيرها، هذا أوان انقطاع أبهري)
وهذه الأحاديث تبين أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من الشاة المسمومة يوم خيبر، وأن الله تعالى عصمه من أن يموت في حينه بهذا السم الذي قتل غيره؛ كبشر بن البراء رضي الله عنه، بل بقي النبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر أكثر من ثلاث سنوات، حتى بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده، فنال بذلك أجر الشهادة مع ما شرفه الله به من النبوة والرسالة، وهذه الحادثة تعتبر من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام.
ثانيا: الشبهة المثارة حول الحديث والرد عليها:
– أن هذه الأحاديث تخالف قوله تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين) [المائدة: 67]؛ لأن الله تعالى وعد بأنه سيعصم نبيه صلى الله عليه وسلم -ووعده حق- فكيف يموت بالسم؟!
– والجواب:
1) مهما يكن سبب موت النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الحقيقة التي لا يماري فيها أحد أنه بشر يطرأ عليه ما يطرأ على سائر البشر من آلام وأسقام وتعرض للموت، وهذا يؤكد بشريته، ولا يعد نقيصة فيه صلى الله عليه وسلم، ولا يتنافى مع عصمته؛ فقد بلغ – صلى الله عليه وسلم – رسالة ربه على أكمل وجه وأتمه.
2) إن قصة الشاة المسمومة تلك من أكبر الدلائل على عصمته صلى الله عليه وسلم، فقد أخبرته الشاة أنها مسمومة، كما أن بقاء النبي – صلى الله عليه وسلم – بعدها حيا ثلاث سنوات دون تأثر بالسم دليل على عصمة الله له.
3) لا تعارض بين الآية الكريمة وبين الأحاديث؛ لأن العصمة المذكورة في الآية هي عصمة من القتل قبل تبليغ الرسالة، وعصمة من الفتنة والضلال، وقد تحقق له عليه الصلاة والسلام ذلك كله، ولم يمت صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن أبلغ رسالة ربه تعالى، وقد قال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) [المائدة: 3].
كما عصمه الله تعالى من كفار قريش عندما أرادوا قتله في مكة، وعصمه من القتل في غزواته بالمدينة وغيرها، بل وحتى محاولة اليهود قتله بالسم فإن الله تعالى قد عصمه منها، فأخبرته الشاة أنها مسمومة، ومات الصحابي بشر بن البراء رضي الله عنه الذي كان معه، ولم يمت هو عليه الصلاة والسلام، ولا يخالف هذا تأثره بذلك السم، واعتقاده أنه سيموت بسببه، وما قاله صلى الله عليه وسلم ليس فيه أن السم هو سبب موته، بل فيه أنه يشعر به، وأنه قد يكون هذا هو الموافق لانتهاء أجله.
وبكل حال: فإن العصمة من القتل هي فيما كان قبل تبليغ رسالة ربه، ولم يمت صلى الله عليه وسلم إلا وقد أبلغها على أكمل وجه، وسياق الآية يدل على ذلك، حيث أمره ربه تعالى بتبليغ الرسالة، وأخبره أنه يعصمه من الناس.
ويشهد لهذا أيضا قوله صلى الله عليه وسلم لليهودية -كما عند مسلم-: «ما كان الله ليسلطك على ذاك» بعد أن أخبرته أنها أرادت قتله، وهو نص لا يخرج عن معنيين: إما في عصمته من القتل بالسم حتى يأتي أجله، أو في عصمته حتى يبلغ رسالة ربه.
قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: “فيه بيان عصمته صلى الله عليه وسلم من الناس كلهم كما قال الله: (والله يعصمك من الناس)، وهي معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سلامته من السم المهلك لغيره، وفي إعلام الله تعالى له بأنها مسمومة، وكلام عضو منه له، فقد جاء في غير مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إن الذراع تخبرني أنها مسمومة»” المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج 14/179.
وقال ابن القيم في ” زاد المعاد ” (4/111): ” وبقي بعد ذلك ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي توفي فيه، فقال: (ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاة يوم خيبر حتى كان هذا أوان انقطاع الأبهر مني) ، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيدا ” انتهى .
وجاء في “شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية “(12 / 94): ” ومن المعجزة أنه لم يؤثر فيه في وقته ؛ لأنهم قالوا: إن كان نبيا لم يضره , وإن كان ملكا استرحنا منه ، فلما لم يؤثر فيه تيقنوا نبوته حتى قيل: إن اليهودية أسلمت , ثم نقض عليه بعد ثلاث سنين لإكرامه بالشهادة” انتهى.
فمن كلام أهل العلم يتبين أنه لا إشكال ولا تعارض بين الآية والأحاديث المتعلقة بحادثة خيبر، وإنما الإشكال في فهم هؤلاء المشككين في الأحاديث.
هل يبقى أثر السم لهذه السنوات؟
من المعلومات الطبية أنه من الممكن أن يظل السم في جسد إنسان، ويقتله بالبطيء، وتلجأ إليه بعض أجهزة المخابرات لتبدو الوفاة طبيعية،فيؤدي هذا السم إلى تمدد الشريان وانفجاره ومن ثم وفاة المصاب به.