الأحاديث والآثار الصحيحة في فضائل القرآن وبيان بعض معانيها
جمعها/ رمزي صالح محمد
قال الله عز وجل: ﴿الٓرۚ كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ لِتُخۡرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ﴾ [إبراهيم: 1]
وقال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [العنكبوت: 51]
وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: 52]
قال ابن القيم رحمه الله في هذه الآية: «سمَّى الله عز وجل كتابه الذي أنزله على رسوله روحا، لما يحصل به من حياة القلوب والأرواح، التي هي الحياة في الحقيقة، ومن عدمها فهو ميت لا حي، وسماه نورا، لما يحصل به من الهُدى والرشاد». [1]
- عن سعد بن هشام أنه سأل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: «كان خُلُقه القرآن». رواه مسلم في صحيحه [2]
قال النووي: «كان خُلُقه القرآن معناه العمل به والوقوف عند حدوده والتأدب بآدابه والاعتبار بأمثاله وقصصه وتدبره وحسن تلاوته». [3]
وقال ابن رجب: «يعني أنه يتأدب بآدابه، فيفعل أوامره، ويتجنب نواهيه، فصار العمل بالقرآن له خلقا، كالجِبِلَّة والطبيعة لا يفارقه، وهذا أحسن الأخلاق وأشرفها وأجملها». [4]
- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبهم يوم عرفة في حجة الوداع، فكان في آخر ما قاله في خطبته: «وقد تركتُ فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله، وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بَلَّغْتَ، وأَدَّيْتَ، ونصحتَ، فقال بإِصْبَعِهِ السَّبَّـابَة يرفعها إلى السماء ويَنْكُتُها إلى الناس: اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد» رواه مسلم في صحيحه [5]
- وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القرآن حُجَّةٌ لك أو عليك» رواه مسلم في صحيحه. [6]
قال النووي: «معناه ظاهر أي أنك تنتفع به إن تلوتَه وعمِلتَ به وإلا فهو حجةٌ عليك». [7]
- وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الماهر بالقرآن مع السَّفَرَة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن، ويتتعتع فيه، وهو عليه شاق، له أجران» رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما. [8]
والسَّفَرَة الكرام البررة هم الملائكة
- وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ المؤمنِ الذي يقرأ القرآنَ مَثَلُ الأُتْرُجَّةِ، رِيـحُها طيبٌ وطعمها طيبٌ، ومَثَلُ المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مَثَلُ التمرة، طعمها طيبٌ ولا ريحَ لها، ومَثَلُ المنافق الذي يقرأ القرآن مَثَلُ الرَّيْـحَانَةِ، رِيـحُها طيبٌ وطعمها مرٌّ، ومَثَلُ المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمَثَلِ الحنظلةِ، ليس لها ريحٌ وطعمها مرٌّ» رواه البخاري ومسلم. [9]
«الأُتْرُجَّة» بضم الهمزة والراء، وسكون التاء، وتشديد الجيم. كانت من أحسن وأنْفَس الفواكه عند العرب؛ لطيب طعمها ورائحتها، ولحسن منظرها.[10]
- وعن أبي أمامةَ الباهليِّ رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «اقرأوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، اقرأوا الزهراوينِ: البقرةَ وآل عمرانَ، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غَمامَتانِ، أو كأنهما غَيايَتانِ، أو كأنهما فِرْقانِ من طيرٍ صَوافَّ، تُحاجَّانِ عن أصحابهما. اقرأوا سورة البقرة، فإن أخذَها بركةٌ، وتركَها حسرةٌ، ولا تستطيعها البَطَلَةُ». رواه مسلم في صحيحه [11]
قال العلماء: «الزهراوين» مثنى الزهراء، ومعنى الزهراء في اللغة المنيرة والمضيئة، وسميتا بذلك، إما لهدايتهما قارئهما، أو لما يسبب له أجرهما من النور يوم القيامة، أو لكليهما معا. «كأنهما غمامتان» مثنى غَمامَة، وهي السحابة التي تحجب ضوء الشمس لكثافتها، فالمعنى كأنهما سحابتان تظلان قارئهما عَن حرّ الْموقف، وكرب ذلك اليوم. «غيايتان» مثنى غَيايَة، وهي كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه، وتكون أقرب إلى الرأس من الغمامة، كالـمِظَـلَّة مثلا التي كانت تجعل فوق رؤوس الملوك قديما، وقد تطلق أيضا على السحابة. «كأنهما فِرْقان» وفي الرواية الأخرى: «كأنهما حِزْقان» معناهما واحد، أي القطيعان، أو الجماعتان، ومفردهما فِرْق وحِزْق.
«من طَيرٍ صَوافَّ» صَوافّ جمع صَافَّةٍ، أي: باسطات أجنحتها متصلا بعضها ببعض. «تُحاجَّانِ عن أصحابهما» أي: تدافعان وتذبان عنهم.
قال العلماء: كلمة «أو» في هذا الحديث للتنويع، وذكر بعضهم أنها ارتقاء من الأدنى إلى الأعلى، فالغمامتان منزلة، وأعلى منها الغيايتان، وأعلى منها الفرقان من الطير الصواف. وذلك على حسب حال القارئ من التلاوة، والفهم، والعمل، وتعليم الناس. «لا تستطيعها البَطَلَةُ» قيل: أي لا يقدر على تحصيلها أصحاب البَطالَة والكَسالَة لطولها. وقيل: البَطَلَة هم السحرة، لأن ما يأتون به باطل، سماهم باسم فعلهم الباطل. فيكون معنى «لا تستطيعها البَطَلَةُ» أي: لا يقدرون على إيذاء صاحبها. [12]
- وعن النَّوَّاسِ بن سَمْعانَ رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهلِه الذين كانوا يعملون به، تَقْدُمُهُ سورةُ البقرة وآل عمران»، وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثةَ أمثالٍ ما نسيتهنَّ بعدُ، قال: «كأنهما غَمامَتان، أو ظُـلَّتانِ سَوْداوانِ بينهما شَرْقٌ، أو كأنهما حِزْقانِ من طيرٍ صوافَّ، تُحاجَّانِ عن صاحبِهما» رواه مسلم في صحيحه. [13]
قال العلماء: هذا الحديث يدل على أن أهل القرآن حقا هم الذين يعملون به. «ظُـلَّتانِ سَوْداوانِ بينهما شَرْقٌ» «ظُـلَّتانِ» مثنى ظُلَّة وهي ما يُظِلك، وهي في معنى الغياية في حديث أبي أمامة السابق، «سَوْداوان» وصفهما بالسواد لكثافتهما، وارتكام بعضهما على بعض. «بينهما شَرْقٌ» أي بينهما ضياء ونور، وذلك للتنبيه على أنهما مع كثافتهما لا يستران الضوء. [14]
- وعن البراء بن عازب رضي الله عنه، قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف، وعنده فرس مربوط بِشَطَنَيْن، فَتغشَّتْهُ سحابةٌ، فجعلت تدور وتدنو، وجعل فرسه يَنفِرُ منها. فلما أصبح أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تلك السكينة تنزلت للقرآن» رواه البخاري ومسلم. [15]
«بِشَطَنَيْنِ» أي بحبلين، والشَطَن هو الحبل الطويل. «فَتغشَّتْهُ سحابةٌ فجعلت تدور وتدنو» أي غطَّته ظُلَّة كأنها سحابة فوق رأسه، وجعلت تدور فوق رأسه وتقترب منه. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «تلك السكينة تنزلت للقرآن» السكينة مأخوذة من السكون، وهو الوقار والطمأنينة. وهذه السكينة نزلت بنزول الملائكة في تلك السحابة لاستماع القرآن، كما في جاء في الحديث الآخر الآتي. والظاهر أن هذا الرجل الذي كان يقرأ القرآن هو أسَيْد بن حُضير رضي الله عنه، كما سيأتي. [16]
- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن أسَيْدَ بْنَ حُضَيْر بينما هو ليلة يقرأ في مِرْبَدِهِ، إذ جالَتْ فرسُه، فقرأ، ثم جالت أخرى، فقرأ، ثم جالت أيضا. قال أسَيْد: فخشيتُ أن تطأ يحيى، فقمت إليها، فإذا مِثْلُ الظُّـلَّةِ فوق رأسي، فيها أمثال السُّرُج، عَرَجَتْ في الـجَوِّ حتى ما أراها. قال: فغدوتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، بينما أنا البارحةَ من جوفِ الليل أقرأ في مِرْبَدي، إذ جالت فرسي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأ ابنَ حُضَيْر» قال: فقرأتُ، ثم جالت أيضا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأ ابنَ حُضَيْر» قال: فقرأتُ، ثم جالت أيضا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأ ابنَ حُضَيْر» قال: فانصرفتُ، وكان يحيى قريبا منها، خشيتُ أن تَطَأَهُ، فرأيتُ مثل الظُّـلَّةِ، فيها أمثال السُّرُج، عَرَجَتْ في الـجَوِّ حتى ما أراها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تلك الملائكة كانت تستمع لك، ولو قرأتَ لأصْبَحَتْ يراها الناس ما تستتر منهم». رواه مسلم في صحيحه [17]
«مِرْبَدِهِ» الـمِرْبَد هو المكان الذي يُجْمَعُ فيه التمر، بعد قطعه من النخل، لييبس ويجف. «جالَتْ فرسُه» أي وثبت واضطربت. «فخشيت أن تطأ يحيى» أي خشي أسيد أن تدوس الفرسُ ابنَه يحيى. «السُّرُجِ» جمع سِراج، وهو المِصباح. « عَرَجَتْ في الـجَوِّ حتى» أي صعدت في السماء. [18]
- وعن أبي عبد الرحمن السُّلَمِيِّ، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خيرُكم من تَعَلَّمَ القرآنَ وعَلَّمَهُ»، قال أبو عبد الرحمن السلمي: وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا. وكان أبو عبد الرحمن السلمي يعلم الناس القرآن في خلافة عثمان رضي الله عنه، وظل يعلم القرآن لمدة أربعين عاما تقريبا. رواه البخاري في صحيحه.[19]
أبو عبد الرحمن السُّلَمِيّ هو الإمام العَلَم مُقرئ الكُوفة عبد الله بن حَبيب السُّلَمِيّ، وهو شيخ الإمام عاصم بن أبي النَّجُود الذي أخذ عنه قراءة القرآن، وأخذ القرآن عن الإمام عاصم تلميذه الإمام حفص بن سليمان، والقراءة المشهورة الآن في العالم الإسلامي هي قراءة عاصم برواية حفص.
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده». رواه مسلم في صحيحه. [20]
- وعن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ونحن في الصُّفَةِ، فقال: «أيكم يحب أن يغدو إلى بُطْحَانَ أو العَقيقِ، فيأتيَ كل يوم بناقتين كَوْمَاوَيْن زَهْرَاوَيْن، فيأخذَهما في غير إثم، ولا قطع رَحِم؟» فقلنا: كلنا يا رسول الله يحب ذلك. قال: «فلأن يغدو أحدُكم إلى المسجد، فيتعلمَ آيتين من كتاب الله خيرٌ له من ناقتين، وثلاثٌ خيرٌ من ثلاثٍ، وأربعٌ خيرٌ من أربعٍ، ومن أعدادِهنَّ من الإبلِ» رواه مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده. [21]
«الصُّفَةِ» مكان مُظَلَّلٍ في مُؤَخَّرِ مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، جعله رسول الله بيتا وسكنا للمهاجرين الفقراء الذين ليس لهم أهل ولا مأوى، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفقد أحوالهم، ويواسيهم بما يستطيع. فكان إذا أتته صدقة بعث بها إليهم، ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هدية، أصاب منها، وأرسل إليهم منها. «بُطْحَانَ أو العَقيقِ» هما واديان معروفان لأهل المدينة، كانت تقام فيهما أسواق الإبل. «كَوْمَاوَيْنِ» مثنى كَوْماء، وهي الناقة العظيمة السَّنام. «زَهْرَاوَيْنِ» مثنى زهراء، أي: منظرها حسن وبهيج.[22]
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا حسدَ إلا في اثنتينِ: رجلٌ علمه الله القرآن، فهو يتلوه آناءَ الليل وآناءَ النهار. فسمعه جارٌ له، فقال: ليتني أوتيتُ مِثلَ ما أوتيَ فلانٌ، فعملتُ مِثلَ ما يعمل. ورجلٌ آتاه الله مالا، فهو يُهلِكه في الحق. فقال رجلٌ: ليتني أوتيتُ مِثلَ ما أوتيَ فلانٌ، فعملتُ مِثلَ ما يعمل». رواه البخاري في صحيحه [23]
قال النووي: «قال العلماء: الحسد قسمان: حقيقي ومجازي. فالحقيقي تمني زوال النعمة عن صاحبها، وهذا حرام بإجماع الأمة، مع النصوص الصحيحة. وأما المجازي فهو الغِـبْطَة، وهو أن يتمنى مثل النعمة التي على غيره، من غير زوالها عن صاحبها. فإن كانت من أمور الدنيا كانت مباحة، وإن كانت طاعة فهي مستحبة. والمراد بالحديث لا غِبْطَة محبوبة إلا في هاتين الخصلتين، وما في معناهما. وقوله صلى الله عليه وسلم (آناء الليل والنهار) أي ساعاته». [24]
- وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأ القرآن في كل شهر»، قلتُ: إني أجد قُوَّةَ، قال: «فاقرأه في عشرين ليلة»، قلت: إني أجد قوة، قال: «فاقرأه في خَمْسَ عَشْرَةَ»، قلت: إني أجِدُ قُوةَ، قال: «فاقرأه في عَشْر»، قلتُ: إني أجِدُ قُوةَ، قال: «فاقرأه في سَبْع، ولا تزد على ذلك». رواه البخاري ومسلم وأبو داود [25]
من هذا الحديث استحب العلماء أن تكون ختمة القرآن بين الشهر والأسبوع، على حسب حال كل إنسان. فمن يختم في شهر يقرأ كل يوم جزءا واحدا، ومن يختم في عشرين يوما يقرأ جزءا ونصف، ومن يختم في خمس عشرة يقرأ جزئين، ومن يختم في عشر أيام يقرأ ثلاثة أجزاء كل يوم، ومن يختم في أسبوع، فقد ورد أنه يقسم القرآن سبعة أجزاء كالآتي:3 و5 و7 و9 و11 و13 ثم المُفَصَّل، ففي اليوم الأول 3 سور: البقرة وآل عمران والنساء، ثم اليوم الثاني الخمس التي بعدهم، وهكذا، إلى أن يأتي اليوم السابع، فيقرأ فيه المُفَصَّل، وهو من سورة ق إلى آخر القرآن، وسمي بالمُفَصَّل لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة.
- قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «تعلموا القرآن واتلوه، فإنكم تؤجرون بكل حرف عشر حسنات». رواه أبو عُبيد في فضائل القرآن والدارمي بإسناد صحيح [26]
- وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أيضا: «إن هذا الصراطَ مُـحْتَضَرٌ، تَـحْضُرُهُ الشياطينُ، يقولون: هَلُمَّ يا عبدَ الله؛ ليصدوا عن سبيلِ الله. فعليكم بكتابِ الله، فإنه حبلُ الله». رواه أبو عُبيد والطبري في تفسيره بإسناد صحيح. وقال أبو عُبيد: أراد عبد الله بقوله: «فإنه حبل الله» قوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 103] [27]
يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في هذا الأثر: إن الصراط المستقيم الموصل إلى الله عز وجل وجنته، تحضره الشياطين، ويقعدون عليه، كقطاع الطريق، يترصدون للسائرين عليه، ويحاولون جاهدين أن يحرفوهم عنه يمينا أو شمالا، لطرق الضلال الأخرى الكثيرة، فينادون على المؤمنين السائرين عليه، ويقولون هَلُمّ يا عبد الله، أي: أقبل يا عبد الله، فالطريق من هاهنا. فيوصينا ابن مسعود رضي الله عنه بالتمسك بكتاب الله فهو حبل الله، الذي من اعتصم به، لا يضل أبدا.
- وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «إذا أردتم العلمَ فأثيروا القرآنَ فإن فيه خبرَ الأولين والآخرين». رواه أبو عُبيد وأحمد بن حنبل في الزهد بإسناد صحيح [28]
«فأثيروا القرآنَ» أي: فكروا في معانيه وتفسيره، واسألوا العلماء به عن ذلك. ومنه قوله تعالى: ﴿وَأَثَارُوا الْأَرْضَ﴾ [الروم: 9] أي: حرثوها، وزرعوها، واستخرجوا منها بركاتها، وأخرجوا منها المياه، وشقوا فيها الأنهار، واستخرجوا منها المعادن. [29]
- وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «إنَّ هذه القلوبَ أوعيةٌ فَاشْغَلُوهَا بالقرآنِ، ولا تَشْغَلُوهَا بغيرِه». رواه أبو عُبيد بإسناد حسن [30]
يشبه ابن مسعود رضي الله عنه القلب بالوِعاء الذي يضع الناس فيه شرابهم أو طعامهم، ويوصينا أن نملأ هذا الوِعاء بالقرآن، تلاوة وحفظا، وتدبرا وعملا.
- وقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: «عليكم بالقرآن فَتَعَلَّمُوه، وعَلِّمُوه أبناءكم، فإنكم عنه تُسألون، وبه تُـجْزَوْن، وكفى به واعظًا لمن عَقَل». رواه أبو عُبيد والبيهقي بإسناد حسن [31]
- وعن جُنْدُبَ بن عبد الله البَجَلي رضي الله عنه، أنه قال لأصحابه: «أوصيكم بتقوى الله، وأوصيكم بالقرآن، فإنه نورُ الليلِ المظلمِ وهُدَى النهارِ، فاعملوا به على ما كان من جَهْدٍ وفاقَة». رواه أحمد بن حنبل في الزهد بإسناد صحيح [32]
«الجَهْد» بفتح الجيم أي: المشقة. و«الفاقة» أي: الفقر والحاجة.
والمعنى: اعملوا بالقرآن وإن أصابكم الجَهد والفاقة، وذلك لأنهما لا يدومان، فسرعان ما يعقبهما راحة وغنى وسعادة، في الدنيا والآخرة.
- وعن فروةَ بنِ نوفلٍ الأشجعي قال: كنتُ جارًا لـخَبَّاب بن الأَرَتِّ رضي الله عنه، فخرجتُ يوما من المسجد وهو آخذٌ بيدي، فقال لي: «تقربْ إلى الله عز وجل بما استطعتَ، فإنك لن تَقَرَّبَ إليه بشيءٍ أحبَّ إليه من كلامِه». رواه أحمد في الزهد بإسناد صحيح[33]
- وقال أبو هريرة رضي الله عنه: «إن البيت لَيَتَّسِعُ على أهله، وتَحْضُرُه الملائكةُ، وتَهْجُرُه الشياطين، ويَكْثُرُ خيرُه، أن يُقْرَأَ فيه القرآنُ، وإن البيتَ ليضيق على أهله، وتهجره الملائكة، وتحضره الشياطين، ويقل خيره أن لا يُقْرَأَ فيه القرآنُ». رواه الدارمي في سننه بإسناد صحيح [34]
[1] «تفسير ابن القيم» جمع عبد الرحمن القماش، ونحوه في «معاني القرآن وإعرابه» لأبي إسحاق الزَّجَّاج (3/ 258).
[2] «صحيح مسلم» (746)
[3] «شرح النووي على مسلم» (6/ 26)
[4] «جامع العلوم والحكم» لابن رجب (2/ 99)
[5] «صحيح مسلم» (1218)
[6] «صحيح مسلم» (223)
[7] «شرح النووي على مسلم» (3/ 102)
[8] «صحيح البخاري» (4937) و«صحيح مسلم» (798)
[9] «صحيح البخاري» (5059) و«صحيح مسلم» (797)
[10] «فتح الباري لابن حجر» (9/ 66) و«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» لعلي القاري (4/ 1456)
[11] «صحيح مسلم» (804)
[12] «إكمال الـمُعْلِم بفوائد مسلم» للقاضي عياض (3/ 173) و«الـمُفهِم لما أَشْكَلَ من تلخيص كتاب مسلم» للقرطبي (2/ 430) و«شرح النووي على مسلم» (6/ 90) و«الميسر في شرح مصابيح السنة» للتوربشتي (2/ 492) و«المفاتيح في شرح المصابيح» للـمُظْهِري (3/ 72) و«مرقاة المفاتيح» للقاري (4/ 1460)
[13] «صحيح مسلم» (805)
[14] نفس مراجع الحديث السابق
[15] «صحيح البخاري» (5011) و«صحيح مسلم» (795)
[16] «المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم» (2/ 437) و«مرقاة المفاتيح» (4/ 1458) وغيرهما
[17] «صحيح مسلم» (796) ورواه البخاري أيضا معلقا (5018)
[18] «المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم» (2/ 438) و «شرح النووي على مسلم» (6/ 83)
[19] «صحيح البخاري» (5027)
[20] «صحيح مسلم» (2699)
[21] «صحيح مسلم» (803) و«مسند أحمد» (17408) و «سنن أبي داود» (1456) و«صحيح ابن حبان» (115)
[22] «المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم» (2/ 429) و«الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي» (2/ 486) و«شرح سنن أبي داود للعيني» (5/ 369) وغيرهم
[23] «صحيح البخاري» (5026)
[24] «شرح النووي على مسلم» (6/ 97)
[25] «صحيح البخاري» (5054) و«صحيح مسلم» (1159) و«سنن أبي داود» ط. الرسالة (1388)
[26] «فضائل القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلام» (23 و24 و25) و«سنن الدارمي» (3335) ط. الرسالة و«المعجم الكبير للطبراني» (8648) و(8649)، وإسناده صحيح.
[27] رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في «فضائل القرآن» (ص75) والطبري في تفسيره (7566) و(7570) والدارمي في سننه (3344). وصححه الحافظ ابن رجب في رسائله، في شرح حديث «مَثَل الإسلام» (ص195).
[28] «فضائل القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلام» (80) و«مصنف ابن أبي شيبة» (35839) و«الزهد لأحمد بن حنبل» (856). وإسناده صحيح.
[29] «تهذيب اللغة» (15/ 80 و81) و«النهاية في غريب الحديث والأثر» (1/ 229) و«لباب التفاسير للكرماني» تفسير سورة الروم، و«عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ» (1/ 295)
[30] «فضائل القرآن للقاسم بن سلام» (ص73) و«مصنف ابن أبي شيبة» (30011) و«جامع بيان العلم وفضله» (358) وإسناده حسن. و(فَاشْغَلُوهَا) هكذا بألف الوصل وفتح الغين.
[31] «فضائل القرآن للقاسم بن سلام» (ص52) و«شعب الإيمان» (4834)، وإسناده حسن
[32] «الزهد لأحمد بن حنبل» (1126) ومسدد في مسنده، كما في «إتحاف الخيرة» (5948) و«المطالب العالية» (3134) و«فضائل القرآن للقاسم بن سلام» (ص78) و«شعب الإيمان للبيهقي» (1525) و(1873)، وقال الحافظ ابن حجر: موقوف صحيح.
[33] «الزهد لأحمد بن حنبل» (192) و«المستدرك للحاكم» ط. المنهاج القويم (3692) والبيهقي في «الأسماء والصفات» (514) وقال البيهقي: إسناده صحيح.
[34] «سنن الدارمي» ط. الرسالة (3336) وقال محققوه: إسناده صحيح. وهو في «مصنف ابن أبي شيبة» ت الشثري (32022) من وجه آخر عن أبي هريرة.