قوانين السعادة
3- أسعد الناس… يسعدك الله!!
هناك قاعدة شرعية تكلم عنها العلماء كثيرا وهي : (الجزاء من جنس العمل)، وهي سنةٌ إلهيةٌ وقاعدة شريفة مستقاةٌ من النصوص الشرعية، ومعناها أن جزاء العامل من جنس عمله إن خيراً فخير، وإن شراً فشر ( جزاءً وفاقا ) وهي نفسها ( كما تدين تُدان )
قال ابن القيم رحمه الله: لذلك كان الجزاء مماثلا للعمل من جنسه في الخير والشر … فمن ستر مسلما ستره الله ومن يسر على معسر ، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن أقال نادما أقال الله عثرته يوم القيامة ، ومن تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ، ومن ضار مسلما ضار الله به ، ومن شاق شاق الله عليه ، ومن خذل مسلما في موضع يحب نصرته فيه خذله الله في موضع يحب نصرته فيه ، ومن سمح سمح الله له ، والراحمون يرحمهم الرحمن وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ومن أنفق أنفق عليه ، ومن أوعى أوعى عليه ومن عفا عن حقه ، عفا الله له عن حقه ومن تجاوز تجاوز الله عنه ومن استقصى استقصى الله عليه فهذا شرع الله وقدره ووحيه ، وثوابه وعقابه ، كله قائم بهذا الأصل ، وهو إلحاق النظير بالنظير ، واعتبار المثل بالمثل “انتهى ! [إعلام الموقعين، ج 1، ص 196.]
فإذا أردت أن يحسن الله اليك فأحسن إلى الخلق.
وإذا أردت أن ييسر الله عليك فيسر على الخلق.
وإذا أردت أن يساعدك الله فساعد من يحتاج مساعدة من الخلق.
ارحم الناس يرحمك الله، اعف عن الناس ربنا يعفو عنك… وهكذا يا إخواني.
ونفس الكلام في موضوعنا عن السعادة : إذا أردت أن يسعدك الله فاسعد الناس.
وهذا ما قاله سيد العالمين صلى الله عليه وسلم قال: (أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ ، وأحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ يدْخِلُهُ على مسلمٍ ، أوْ يكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً ، أوْ يقْضِي عنهُ دَيْنًا، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا ، ولأنْ أَمْشِي مع أَخٍ لي في حاجَةٍ أحبُّ إِلَيَّ من أنْ اعْتَكِفَ في هذا المسجدِ ، يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا )
وسائل إسعاد الناس
1- إسعاد الناس بالبسمة والتبسط:
ديننا دين جميل – الحمد لله على نعمة الإسلام – دين يعلمنا أن المجتمع ينبغي أن يكون قائما على الحب ، لا مكان فيه للأنانية ولا للعداوة ولا للخصام؛ فهودين قائم على الحب والابتسام في وجوه الناس وفي الحديث: (لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق) يعني بشوش جميل.
وعلمنا أن البسمة عبادة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تبسمك في وجه أخيك صدقة) فإشاعة البسمة على من حولنا هدي نبوي نقتدي فيه برسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول جرير بن عبد الله رضي الله عنه: ( ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وتبسم في وجهي) فكانت الابتسامة دائما مرتسمة على وجهه صلى الله عليه وسلم ، وكان لين جانبه وبساطته المعهودة تجعل في قلبه مكانا لكل مسلم من المسلمين حوله فلا يشعر أحد منهم بغربة عن المجلس، أو برهبة، أو بخشية، حتى الرجل الذي اقترب منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتعدت فرائصه فقال له : (هون عليك يا أخي فإنما أنا ابن امرأة من مكة كانت تأكل القديد ، يعني أنا لست جبارا ولا ذا سلطان ظالم … إنما أنا ابن امرأة عادية من أهل مكة ، والقديد هو اللحم المقدد كانوا يعرضون اللحم للشمس ليصير يابسا كوسيلة من وسائل الحفظ .
والمقصود الإشارة إلى أنه رجل عادي بسيط متواضع لا متكبر ولا متغطرس ولا يجعل لنفسه مكانة فوق الناس ، وكان صلى الله عليه وسلم (هاشّا باشّا بسّاما ضحّاكا ) باشّا من البشاشة وهي السرور الذي يظهر في الوجه.
2-إسعاد الناس بقضاء حاجاتهم:
أيضا يا إخواني من أبواب ادخال السرور على المسلمين أن تقضي حاجة أخيك، إذا أعطاك الله قدرة على معرفة القوانين ، كيف تقضى المسألة الفلانية ؟ أو تشفع له ، والشفاعة في الخير خير ؛ طالما أنك لا تأخذ حقا ليس لك ، أو لصاحبك ولا تظلم غيرك، والرسول صلى الله عليه وسلم قال : (اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء)
وابن عباس كان في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم معتكفا ، فجاءه رجل يطلب شفاعته عند رجل بحكم مكانة ابن عباس وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين فيشفع له عند هذا الرجل ، فقام معه وخرج من المسجد فاستوقفه البعض كيف تخرج من المسجد وأنت معتكف ؟قال : سمعت رسول الله يقول: ( ولأن أمشي في حاجة أخي خير لي من أن أعتكف في مسجدي شهرا.) الركعة بمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بألف أن تقضي لأخيك حاجة تسعى معه لتقضيها هذه خير عند الله وأعظم أجرا من اعتكاف شهر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
3- إسعاد الناس بالتبشير بالخير:
أذكر الخير …. انشر الخير….. إذا علمت خبرا سارا كن أول من يبشر به ، إذا علمت خبرا سيئا فلا تخبر به إلا طبعا للضرورة إذا تعين عليك ، لكن لست مكلفا أن تتصل يا فلان أنا علمت في كذا وكذا ….. مما يسوه ويحزنه سبحان الله العظيم!!
الشيخ عبد الحميد كشك ذات مرة – وكانت الهواتف قليلة في الماضي- اتصل به رجلا من الإسكندرية عند الجيران ، فطلبوا الشيخ ، وراح فقال خيرا يا ابني ؟ قال أنا حلمت إنك مت !! فقال الشيخ : عشان استريح من وشك (وجهك).
فما الضرورة في أن تزف الأخبار السيئة للناس لماذا لا نتبع قول النبي صلى الله عليه وسلم ” يسروا ولا تعسروا ، بشروا ولا تنفروا “
فالخبر السيء لا تكن ناقلا له ، انقل الأخبار السارة ؛ فإذا اضطررت لخبر سيء فتجمل في عرضه أو نقله وتلطف مع من تخبره .
ويذكر أن الأمام ابن سيرين وهو من أعلام التابعين وله أخبار عديدة في تفسير الرؤى جاءه رجل محزون مكروب قال له رأيت في الرؤيا كأن أسناني كلها قد وقعت فأخبرني من أخبرني أن أهلي جميعا سيموتون .
فقال له : بل سيبارك الله في عمرك حتى تكون آخر أهلك موتا .
المؤدي واحد لكن فارق كبير بين التعبيرين .
مشهد توبة الله على كعب بن مالك :
أنقل لكم مشهد كعب بن مالك ، وكعب كان أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن رسول الله في غزوة تبوك وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بهجره هو وصاحبيه ( يقاطع تربية وتأديبا له ) ، بعد خمسين ليلة نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر توبة الله على كعب وصاحبيه فخرج النبي وأخبر بعض أصحابه بالخبر وكان ذلك في الثلث الأخير من الليل ، ماذا فعل القوم ؟
خرج أحدهم حتى صعد على جبل سلع (وكان جبلا بجانب مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يعد له وجود الآن مع التوسعات) وقف على جبل سلع وجعل ينادي بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر! وآخر ركب الفرس وجعل يعدو سريعا حتى وصل إلى كعب ليبشره ، وذهب كعب إلى المسجد عند الفجر فاستقبله الناس وهنأوه قال : فقام إلىّ طلحة مهرولا فهنأني واحتضنني فوالله لا أنساها له .
وتوجهت إلى رسول صلى الله عليه وسلم فإذا بوجهه يبرق من السرور .
هذا هو المجتمع عندما يحب بعضه بعضا ويفرح الجميع فيه بتوبة الله على عبد من عباده ( كعب بن مالك )
4- إسعاد الناس بالهدية:
والهدية قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم : ( تهادوا تحابوا) وأسعد الناس بك هم أقاربك وإخوانك وأرحامك ، وتبدأ بوالديك زوجتك أولادك …. كل هؤلاء أولى ثم أصدقاؤك ، وسائر من حولك ، ومن كان بينك وبينه موقف أو شحناء ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الهدية تذهب وحر الصدر)، وحر الصدر هو : الحقد أو الغيظ بسبب مشكلة أو مشادة، فالهدية وإن كانت رمزية لها مفعول كبير في إسعاد من حولك .
والخلاصة:
كن دائما سببا لإسعاد غيرك …. كن رحمة للناس . إذا حضرت سعد الناس بك ، وإذا غبت افتقدك الناس وتفقدوك يسألون عنك .
نسأل الله أن نكون ممن يسعدون بإسعادهم الناس ، وأن يقضي حاجات المحتاجين وأن يفرج كرب المكروبين ….اللهم آمين.