فقه الزكاة : 1- شروط وجوب الزكاة في الأموال
معنى الزكاة لغة وشرعاً :
الزكاة أصلها في اللغة البركة والنماء والطهارة والصلاح ، وكل شيء ازداد فقد زكا.
وشرعاً : اسم لما يخرجه الإنسان من حق الله إلى الفقراء.
والنماء والطهارة غير مقصورين على المال؛ بل يتجاوزانه إلى نفس المعطى قال تعالى( خذ من أموالهم صدقه تطهرهم ونزكيهم بها ) التوبة آية 103، والزكاة أيضا تنمى الفقير فهي تحقق نموا ماديا ونفسيا للفقير أيضاً.
الصدقة:
الصدقة هي الزكاة ، والزكاة هي الصدقة يفترق الاسم ويتفق المسمى .
والمشهور إطلاقهـا على التطوع فقط ولكن الصحيح شرعاً أن الاثنان بمعنى واحد لقوله تعالى:( خذ من أموالهم صدقة ) التوبة 103
وقوله ( إنما الصدقات للفقراء ) و التوبة 60
والزكاة هي أحد أركـان الإسلام الخمسة وقرنت بالصلاة في اثنتين وثلاثين آية وقد فرضها الله بكتابه وسنة رسوله وإجماع الأمة .
الزكاة في مكة:
كانت فريضة الزكاة في مكـة في أول الإسلام مطلقة لم يحدد فيها المال الذي تجـب فيه ولا مقـدار ما ينفق منه وإنما ترك ذلك لشعور المسلمين وكرمهم ، ورجح ابن كثير أن أصل الزكاة كان واجباً لقوله تعالى: (والذين هم للزكاة فاعلون ) المؤمنون 4، وقوله تعالى : (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ) المعارج 24،25، ثم فرضت بتفاصيلها سنة 2 هـ على المشهور وحددت مقاديرها وأنصبتها.
أدلـة الوجــوب
أولاً / من القرآن الكريم :
قوله تعالى ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) البقرة 43، و( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها )التوبة 103
والمعنى خذ من أموالهم صدقة تطهرهم بها من دنس البخل والطمع والدناءة والقسوة على الفقراء .
وتزكيهم بها : أي تزكـو نفوسهم وتطهرهم مـن التعلـق بالدنيا
ثانيا / من السنة :
حديث ابن عمر المشهور ( بنى الإسلام على خمس شهادة ألا إله إلا الله وأن محمـدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا ) متفق عليه
وحديث ابن عباس أن النبي لما بعث معاذاً إلى اليمن والياً أو قاضياً قال : ( إنك تأتى قوماً أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله ، فإن هــم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله عز وجل قد افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخـذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم (نفائس) أموالهم ، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ) رواه الجماعة (أي رواه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة وأحمد)
الترهيب من منعها :
قال تعالى (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) التوبة 34،35
وروى البخاري عن أبى هريرة ( من أتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مُثَّـل له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزميته ( شدقيه والشدق جانب الفم ) ثم يقول : أنا مالك أنا كنزك ثم تلا النبي قوله تعالى :( ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير )آل عمران 180
الشجاع : الحية الذكر
الأقـرع : الذي لا شعر له لكثرة سمه وطول عمره
له زبيبتان : نقطتان سوداوان فوق العينين وهو أخبث الحيات
العقوبة الدنيوية لمن ترك الزكاة :
في الحديث ( ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين ) رواه الطبراني في الأوسط و رواته ثقات والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم، والسنين جمع سنة وهى المجاعة والقحط
وفـى حديث ثان عن ابن عمر (يا معشر المهاجرين خصال خمس إن ابتليتم بهن ونزلن بكم أعوذ بالله أن تدركوهن :
1- لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الأوجاع ( الأمراض ) التي لم تكن في أسلافهم .
2- ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين ( القحط ) وشدة المئونة وجور السلطان .
3- ولا يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر ( المطر ) من السماء ولولا البهائم لم يمطروا .
4- ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدواً من غيرهم فيأخذ بعض ما في أيديهم .
5- وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعـل بأســهـم بينهم .)رواه ابن ماجه وصححه الألباني
مـا حكــم مانعهـا ؟
الزكاة من الفرائض التي أجمعت عليها الأمة واشتهرت ، وهى مما عُلم من الدين بالضرورة فمن أنكر وجوبها خرج عن الإسلام إلا إذا كان حديث عهد بالإسلام ، أما من امتنع عن أدائها ـ مع اعتقاده وجوبها فإنه يأثم بامتناعه دون أن يخــرج ذلك عـن الإسلام وعلى الحاكم أن يأخذها منه قهراً ويعزر لحديث :- ( ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة(حق من الحقوق الواجبة) من عزمات ربنا تبارك وتعالى ولا يحل لآل محمد منها شئ) رواه أحمد، فولى الأمر يأخذ الزكاة ممن منعها ويعزر بأخذ نصف ماله تأديبا له ويلحق به من أخفى ماله ثم انكشف أمره للحاكم .
ولـو امتنع قوم عن أدائها ـ مع اعتقادهم وجوبها ـ وكانت لهم قوة ومنعة فإنهم يقاتلون حتى يعطوها، ولذلك حينما ناقش عمر أبا بكر وقال له كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله، أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولـوا لا إله إلا الله فمن قالها عُصم منى ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله فـقال : والله لأقاتلـن من فرق بين الصلاة والزكاة والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم على منعها، وصار ما فعله أبو بكر إجماعاً أقره عليه الصحابة الأعـلام ، والدولة الإسلامية في عهد أبى بكر هي أول دولة تقاتل من أجل حقوق الفـقـراء والمساكين ولم يبال أبو بكر ولا من معه بشبهات مانعي الزكاة وهى :( أن الله أمر النبي أن يأخذ منهم أموالهم فلا يأخذ الصدقة سواه ) لأنها شبهة واهية الأساس وهو كلام جاهل بالقرآن غافل أو متلاعب بالدين فالخطاب للنبي في الأصل ثم من يقوم مقامه على أمر الأمة بعده .
على من تجب الزكاة ؟
أجمع العلماء على أن الزكاة تجب على :
المسلـــم ، البالــغ ، العاقل ، الحر ، المالك لنصابها بالشرائط المخصوصة كما سيأتي .
فـــــلا تجــــب على :غير المسلم فلا يطالب بها الكافر وإن فعلها فهي لا تقبل منه عبادة لقوله تعالى : ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً ) الفرقان 23، والقوانين الوضعية الآن في أغلب الدول تلزم مواطنيها جميعا بالضرائب وفق تفاصيل وقوانين تختلف من بلد لآخر .
هل تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون ؟
للعلماء قولان :
القول الأول : ذهب جمهور العلماء إلى وجوب الزكاة في مال الصبي الصغير والمجنون ، وهو مذهب الأئمة مالك والشافعي وأحمد ، واستدلوا على ذلك بعدة أدلة :
1- قوله تعالى : ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ) . فالزكاة واجبة في المال ، فهي عبادة مالية تجب متى توفرت شروطها ، كملك النصاب ، ومرور الحول .
2- قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل لما أرسله إلى اليمن : ( أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ ) رواه البخاري . فأوجب الزكاة في المال على الغني ، وهذا بعمومه يشمل الصبي الصغير والمجنون إن كان لهما مال .
3- ما رواه الترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ : ( أَلا مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ فِيهِ وَلا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ ) وهو حديث ضعيف ، ضعفه النووي في المجموع والألباني في ضعيف الترمذي . وقد ثبت ذلك من قول عمر رضي الله عنه ، رواه عنه البيهقي وقال : إسناده صحيح . وأقره النووي على تصحيحه كما في “المجموع” .
4- وكذلك روي هذا عن على وابن عمر وعائشة والحسن بن علي وجابر رضي الله عنهم .
القول الثاني : ذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن الزكاة لا تجب في ماله ، كما لا تجب عليه سائر العبادات ؛ كالصلاة والصيام ، غير أنه أوجب عليه زكاة الزروع وزكاة الفطر .
واستدلوا على ذلك بعدة أدلة :
1- قوله تعالى : (خُذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) (التوبة 103) إذ التطهير إنما يكون من أرجاس الذنوب، ولا ذنب على الصبي والمجنون حتى يحتاجا إلى تطهير وتزكية، فهما إذن خارجان عمن تؤخذ منهم الزكاة.
2- قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “رُفِعَ القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق” رواه أبو داود ، ورفع القلم كناية عن سقوط التكليف، إذ التكليف لمن يفهم خطاب الشارع، والصِغَر والجنون والنوم حائل دون ذلك.
3-أن الزكاة عبادة محضة كالصلاة، والعبادة تحتاج إلى نية، والصبي والمجنون لا تتحقق منهما النية، فلا تجب عليهما العبادة ولا يخاطبان بها، وقد سقطت الصلاة عنهما لفقدان النية، فوجب أن تسقط الزكاة بالعلة نفسها
وأجاب الجمهور عن هذا بعدة ردود :
1- أن عدم وجوب الصلاة والصيام على الصبي فلأنهما عبادات بدنية ، وبدن الصبي لا يتحملها ، أما الزكاة فهي حق مالي ، والحقوق المالية تجب على الصبي ، كما لو أتلف مال إنسان ، فإنه يجب عليه ضمانه من ماله ، وكنفقة الأقارب ، يجب عليه النفقة عليهم إذا توفرت شروط وجوب ذلك .
2- ليس هناك فرق بين وجوب زكاة الزروع وزكاة الفطر على الصبي ، وبين زكاة سائر الأموال كالذهب والفضة والنقود ، فكما وجبت الزكاة عليه في الزروع تجب عليه في سائر الأموال ، ولا فرق .
3- وأما قوله تعالى: (خُذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) (التوبة: 103) فقولهم إن التطهير لا يكون إلا بإزالة الذنوب ولا ذنب على الصبي والمجنون. فيجاب عنه بأن التطهير ليس خاصًا بإزالة الذنوب، بل يشمل تربية الخُلُق وتنمية النفس على الفضائل، وتدريبها على المعونة والرحمة، كما يشمل تطهير المال أيضًا، فمعنى “تطهرهم”: تطهر مالهم، ولو سلمنا أنه خاص بما ذكروا، فإنما نص عليه نظرًا لأنه الشأن في الزكاة، أو الغالب، وقد أجمع العلماء على أن للزكاة سببًا آخر، وهو سد خلة الإسلام، وسد خلة المسلمين، والصبي والمجنون من أهل الإسلام.
4- وأما حديث: “رفع القلم عن ثلاثة” فالمراد -كما قال النووي- رفع الإثم والوجوب. ونحن نقول: لا إثم عليهما، ولا تجب الزكاة عليهما، بل تجب الزكاة في مالهما، ويطالب بإخراجها وليهما، كما يجب في مالهما قيمة ما أتلفاه، ويجب على الولي دفعها ، ورفع القلم عنهما لم يسقط حقوق الزوجات وذوي القربى عنهما، فلماذا يسقط حق المسكين وابن السبيل؟
5- وأما استدلالهم بأن الزكاة عبادة كالصلاة، ولهذا قرن القرآن بينهما، والعبادة تحتاج إلى نية، والصبي والمعتوه ليسا من أهلها، وقد سقطت الصلاة عنهما فلتسقط الزكاة أيضًا.
فالجواب: إننا لا ننكر أن الزكاة عبادة، وأنها شقيقة الصلاة، وأنها أحد أركان الإسلام، ولكننا نقول: إنها عبادة متميزة بطابعها المالي الاجتماعي، فهي عبادة مالية تجري فيها النيابة، حتى تتأدى بأداء الوكيل، ولذا يجري فيها الجبر والاستحلاف من العامل عليها، وإنما يجريان في حقوق العباد، كما أنه يصح توكيل الذمي بأداء الزكاة عند الحنفية، والذمي ليس من أهل العبادة.
والخلاصة أن الزكاة عبادة مالية تجري فيها النيابة، والولي نائب الصبي فيها، فيقوم مقامه في إقامة هذا الواجب، بخلاف العبادات البدنية كالصلاة والصيام، فإنها عبادات شخصية لا يجوز فيها التوكيل والإنابة، ولابد أن يباشرها الإنسان بنفسه، إذ التعبد فيها واضح باحتمال المشقة البدنية، امتثالاً لأمر الله تعالى.
6- وأما مصلحة الصبي والمجنون فتقابلها مصلحة الفقراء والمساكين، ومصلحة الدين والدولة، ومع هذا لم يهدر الشرع مصلحتهما بإيجاب الزكاة في مالهما، فإن الزكاة إنما تجب في المال النامي بالفعل أو ما من شأنه أن ينمي، ولو لم ينم بالفعل. كما أنها لا تجب إلا في المال الفاضل عن الحوائج الأصلية لماله كله.
ويتولى ولي الصغير والمجنون إخراج الزكاة عنهما من مالهما ، كلما حال عليه الحول ، ولا ينتظر بلوغ الصبي .
الأموال التي تجب فيها الزكاة
أولاً : ما هو المال ؟
لم يحـــدد القرآن الأمـــوال التي تجب فيهـــا الزكاة مـــا هي ؟ وما شروطهـــا كمــا لم يفصــل المقاديــــر الواجبة فيها وفصلت السنة القولية والفعلية ما أجمل القرآن ذكره .
وذكر القرآن أنواعا من المال ونبهنا على زكاتها وأداء حق الله فيها :
-1 الذهب والفضة قال تعالى : ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ) التوبة 34
2- الزروع والثمار قال تعالى: ( كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ) الأنعام 41
-3 الخارج من الأرض من معدن وغيره ( كالبترول ) قال تعالى : ( ومما أخرجنا لكم من الأرض ) البقرة 267
وفيما عدا ذلك عبر القرآن عما تجب فيه الزكاة بكلمة عامة مطلقة قال تعالى:
(خذ من أموالهم صدقة ) التوبة 103
و ( وفى أموالهم حق معلوم ) المعارج 24
فمـا هو المال ؟
عند العرب المال يشمل كل ما يرغب الناس في اقتنائه وامتلاكه من الأشياء كالإبل والبقر والغنم والضياع والنخيل والذهب والفضة كل هذه أموال ، وعند العـرب كان أهل البادية ( الذين يسكنون البوادي) يرعون فيها الأنعام كثيراً ما يطلقون المال على الأنعام ، وأهل الحضر ( المدن) أكثر ما يطلقونه على الذهب والفضة وإن كان الجميع مالاً .
والمال شرعاً : كل ما يمكن حيازته والانتفاع به على وجه معتاد فلا يكون الشئ مالاً إلا إذا توفر فيه أمران :-
-1 إمكان حيازته
-2 إمكان الانتفاع به على وجه معتاد
فما حيز من الأشياء وأمكن الانتفاع به يعد من الأموال؛ كجميع الأشياء التي نملكها من أرض أو حيوان أو متاع أو نقود وما لم يحز منها ولم ينتفع به فإن كان في الإمكان أن يتحقق ذلك فيه عد من الأموال أيضاً كجميع المباحات من الأشياء مثل :السمك في البحر والطير في الجو ، والحيوان في الصحراء فإن الاستيلاء عليه ممكن والانتفاع به على وجه معتاد ممكن كذلك .
أما ما لـيس في الإمكان حيازته فلا يعد مالاً وإن انتفع به كضوء الشمس وحرارتها ، وكذلك ما لا يمكن الانتفاع به على وجه معتاد لا يعد مالاً وإن أحرز فعلاً كحفنة من تراب.
شروط المال الذي تجب فيه الزكاة
الشرط الأول / الملك التام :
المال فى الواقع مال الله هو منشئه وخالقه وهو واهبه ورازقه وقد نبهنا على ذلك بقوله ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) النور 33، و( وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ) الحديد 7، ولكن الله تبارك وتعالى مع أنه المالك الحقيقي أضاف الأموال إلى عباده تكريماً وفضلاً وابتلاء كما قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ) المنافقون 9
والمراد بالملك التام : الحيازة والتصرف التي تمت بأي وسيلة مشروعة من عمل أو عقد أو ميراث ومعنى الملك التام يعنى انه فى حوزته وقبضته يستطيع التصرف فيه كيفما شاء .
فروع على هذا الشرط:
-1 المال الذي ليس له مالك معين : كالحكومة مثلاً لا زكاة عليها فيه لعدم الملك المعين فهذه الأموال ملك للأمة .
-2 الأرض الموقوفة : على جهة عامة كالفقراء أو المساجد أو الأيتام أو المجاهدين وغير ذلك من أبواب الخير العامة لا زكاة فيها .
–3 المال الحرام لا زكاة فيه : والذي يحوزه صاحبه بطريق خبيث من طرق السحت والحرام كالغصـب والسرقة والرشوة والربا والغش ونحوها من أخذ أموال الناس بالباطل فلو كان المال الحرام نصاباً فلا زكاة فيه ، لأن الواجب عليه تفريــغ ذمته برده إلى أربابه إن عُلِموا أو إلى ورثتهم ، وإلا فإلى الفقراء فينفقها كلها وجوباً وكأنه بذلك يعلن توبته لله مما فعل والدليل على ذلك حديث رواه مسلم ( لا يقبل الله صدقة من غلول ) والغلول : المال الذي غله صاحبه وأخذه من المال العام كمال الغنيمة ونحوهـا .
والعلة فى ذلك : أن هذا المال غير مملوك للمتصدق وهو ممنوع من التصرف فيه والتصدق به نوع من التصرف فيه فلو قبل منه لزم أن يكون الشئ مأموراً به منهياً عنه فى وقت واحد وهذا محال .
والخلاصة : أن المرء لا يعد فى نظر الشرع غنياً بالمال الحرام وإن بلغ القناطير المقنطرة ، وطالت مدته فى يديه .
ومن الطريف أن الإمام السرخسى وهو من فقهاء الحنفية أجاز التصدق على السلاطين والأمراء الظلمة واعتبرهم فقراء لأن ما فى أيديهم إنما هو من أموال المسلمين بالإضافة إلى ما عليهم من المظالم فلو ردوا ما عليهم لم يبق فى أيديهم شئ فكانوا فقراء .
وهذه الفتاوى من باب الإنكار على السلاطين الظلمة وإلا فإن حاصل كلامهم أن المال الحرام لا يملك ولا يطيب لآخذه ولا لورثته ، أما التصدق على الأمراء الظلمة فغير جائز لأن الفقير الذي يستعين بالمال على معصية الله لا يجوز إعطاؤه وسيأتي ذلك فى الحديث عن مصارف الزكاة .
4- زكــاة الديــــن ،والدين نوعان :
1- دين مرجـو الأداء : بأن كان على موسر مقرٌّ بالدين فهذا فيه أقوال :
أ- فمذهب الحنفية ، والحنابلة ، أن زكاته تجب على صاحبه كلَّ عام ؛ لأنه مال مملوك له ، إلا أنه لا يجب عليه إخراج الزكاة منه ما لم يقبضه ، فإذا قبضه زكاه لكل ما مضى من السنين .
ووجه هذا القول : أنه ديْن ثابت في الذمة ، فلم يلزمه الإخراج قبل قبضه ؛ ولأنه لا ينتفع به في الحال ، وليس من المواساة أن يخرج زكاة مال لا ينتفع به ، على أن الوديعة التي يقدر صاحبها أن يأخذها في أي وقت ليست من هذا النوع ، بل يجب إخراج زكاتها عند الحول .
ب- ومذهب الشافعي : أنه يجب إخراج زكاة الديْن المرجو الأداء في نهاية كل حول ، كالمال الذي هو بيده ، لأنه قادر على أخذه والتصرف فيه .
ج- وفصل المالكية فقالوا إن الديْن على أنواع : فبعض الديون يزكَّى كل عام ، وهي دين التاجر المدير [أي الذي يبيع ويشتري للتجارة] عن ثمن بضاعة تجارية باعها ، وبعضها يزكَّى لحولٍ من أصله لسنَة واحدة عند قبضه ، ولو أقام عند المدين سنين ، وهو ما أقرضه لغيره من نقد ، وكذا ثمن بضاعة باعها محتكر ، وبعض الديون لا زكاة فيه ، وهو ما لم يقبض ، من نحو هبة ، أو مهر ، أو عوض جناية .
2- وأما الديْن غير المرجو الأداء : فهو ما كان على معسرٍ ، أو جاحد ، أو مماطل ، ففيه ثلاثة أقوال :
الأول : قول الحسن وعمر بن عبد العزيز،وهو مذهب مالك : يزكيه إذا قبضه لسنة واحدة .
الثاني :مذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد وقول للشافعي : أنه لا زكاة فيه ؛ لعدم تمام المِلك ؛ لأنه غير مقدور على الانتفاع به ؛فلا يزكى حتى يمـر عـام هجري كامل ثم يزكى .
والقول الثالث : وهورواية عن أحمد ، وقول للشافعي هو الأظهر : أنه يزكيه إذا قبضه لما مضى من السنين ؛ لما روي عن علي رضي الله عنه في الدين المظنون : (إن كان صادقا فليزكه إذا قبضه لما مضى) .
والراجح : هومذهب الإمام مالك رحمه الله أنه لا زكاة عليه ، ولو بقي عشر سنوات ؛ لأنه عاجز عنه ، ولكن إذا قبضه : يزكيه مرة واحدة في سنَة القبض فقط ، ولا يلزمه زكاة ما مضى ، لما يلي :
أولاً : أنه يشبه الثمرة التي يجب إخراج زكاتها عند الحصول عليها .
ثانياً : أن من شرط وجوب الزكاة : القدرة على الأداء ، فمتى قدر على الأداء : زكَّى .
ثالثاً : أن إسقاط الزكاة عنه لما مضى ، ووجوب إخراجها لسنَة القبض فقط : فيه تيسير على المالك ؛ إذ كيف نوجب عليه الزكاة مع وجوب إنظار المعسر ، وفيه أيضاً تيسير على المعسر ؛ وذلك بإنظاره .
نرجع إلى شروط المال وقد ذكرنا الشرط الأول : الملك التام.
الشرط الثاني / النمـاء :
بأن يكون المال الذي تؤخذ منه الزكاة نامياً بالفعل أو قابلاً للنماء وبلغة العصر أن يدر على صاحبه ربحاً وفائدة ( دخلاً ) كالتجارة أو رعى الحيوان ، فالزكاة واجبة فى الأنعام السائمة ( التي ترعى فى كلأ مباح ) ، وفى النقود من الذهب والفضة ، وفى الزروع والثمار ومنها الكنوز التي يعثر عليها فى باطن الأرض والمعادن ، فالعلة فى إيجاب الزكاة فى الأموال المذكورة هو نماؤها بالفعل أو الإمكان ، فالأنعام نامية بالفعل لأنها تسمن وتلد وتدر لبناً ونماؤها نماء طبيعياً كاللحوم ، وفى التجارة مال نامٍ بالفعل لأن الشأن فيها أن تدر ربحاً أو تجلب كسباً ، والنقود أموال نامية لأنها بديل السلع وواسطة التبادل ، وعلى هذا تجب الزكاة في المال المدخر للزواج أو الحج أو للمستقبل لأنه مال قابل للنماء.
ومن هنا نعلم : أن دور السكنى ودواب الركوب أو السيارات وأثاث المنازل وآلات الحرفيين لا زكاة فيها لأنها ليست مالاً نامياً ولا قابلاً للنماء، ولا تجب الزكاة في الأرض المعدة للبناء؛ إلا إذا كانت للتجارة ؛ فإن اختلفت نيته فيها، لا يدري هل هو يبيعها أو يعمرها أو يؤجرها أو يسكنها، فلا زكاة فيها ما دام ليس عنده عزم أكيد على أنها تجارة، ولكنَّ إذا نوى بيعها تجِب الزَّكاة فيها إذا حالَ عليْها الحول؛ لأنه أصبح يتاجر بقيمة الأرض حقيقة مع تمكنه من بيعها .
الشرط الثالث/ بلوغ النصاب :
اشترط الإسلام فى هذا المال النامي ألا يكون قدراً ضئيلاً وإنما يبلغ مقداراً محدداً يسميه الفقهاء ( النصاب ) إذ لا معنى من أخذ الزكاة من فقير ذا مال قليل أو ضعيف يحتاج أن يُعان لا أن يُعين لحديث ( لا صدقة إلا عن ظهر غنى ) وللنصاب تفاصيل سنذكرها فيما يأتي من أموال مختلفة.
الشرط الرابع / السلامة من الدين :
اختلف الفقهاء في الدَّيْن هل يمنع الزكاة ؟ على قولين مشهورين :
أحدهما :مذهب الشافعي : أنه لا يمنع الزكاة ، فمن ملك نصابا وحال عليه الحول وجب عليه أن يزكيه ، مهما كان دَيْنُه .
واحتجوا بـ:
1- عموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة على من ملك نصاباً .
2- ولأن النبي صلى الله عليه ومسلم كان يرسل عماله لقبض الزكاة ، ولا يأمرهم بالاستفصال هل على أصحاب الأموال ديون أو لا ؟
3-ولأن الزكاة تتعلق بعين المال ، والدين يتعلق بالذمة ، فلا يمنع أحدهما الآخر .
القول الثاني : قول الجمهور : لا يخرج الزكاة إذا استفرغ الدين كل المال ،واستدلوا بما جاء عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه كان يقول : ( هذا شهر زكاتكم ، فمن كان عليه دَيْن فليؤده حتى تخرجوا زكاة أموالكم ) ، وفي رواية : ( فمن كان عليه دين فليقض دينه ، وليزك بقية ماله ) .
وهذا لا حجة فيه ، فمن أدى الدَّيْن ، فليس عليه فيه زكاة ، والنزاع هو فيمن لم يؤد الدين ، واحتفظ بالمال لينتفع به ، فهل تسقط عنه الزكاة ؟
قال النووي رحمه الله : ” الدين هل يمنع وجوب الزكاة ؟ فيه ثلاثة أقوال ، أصحها عند الأصحاب , وهو نص الشافعي رضي الله عنه في معظم كتبه الجديدة : تجب … فالحاصل أن المذهب وجوب الزكاة سواء كان المال باطنا أو ظاهرا أم من جنس الدين أم غيره , قال أصحابنا : سواء دين الآدمي ودين الله عز وجل , كالزكاة السابقة , والكفارة والنذر وغيرها ” انتهى من “المجموع” (5/317)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” والذي أرجحه أن الزكاة واجبة مطلقا ، ولو كان عليه دين ينقص النصاب ، إلا دَيْناً وجب قبل حلول الزكاة فيجب أداؤه ، ثم يزكي ما بقي بعده ” انتهى من “الشرح الممتع” (6/39) .
ولا فرق في ذلك بين الدَّيْن الحال والمؤجل ، إلا أن بعض الفقهاء الذين قالوا بأن الدين يمنع الزكاة ، استثنوا الدين المؤجل ، فقالوا : إنه لا يمنع الزكاة ، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله . وينظر : “الإنصاف” (3/24) .
وقال بعض المعاصرين : لا يخصم إلا قسط السنة فقط ، فمكن كان عليه اثنا عشر ألفا مقسطة ، يدفع في كل سنة ألفا ، فإنه يخصم من مال الزكاة ألفا ويزكي الباقي .
وينبغي أن يعلم أن الجمهور الذين يقولون بأن الدين يخصم من المال الزكوي يشترطون ألا يكون لدى الإنسان مال آخر يسدد به دينه زائد عن حاجته الأساسية .
جاء في “الموسوعة الفقهية” (23/247) : ” القائلون بأن الدين يسقط الزكاة في قدره من المال الزكوي , اشترط أكثرهم أن لا يجد المزكي مالا يقضي منه الدين سوى ما وجبت فيه ، فلو كان له مال آخر فائض عن حاجاته الأساسية , فإنه يجعله في مقابلة الدين , لكي يسلم المال الزكوي فيخرج زكاته ” انتهى .
والله أعلم .
الشرط الخامس / حولان الحول:
أن يمر على المال فى ملك المالك اثنا عشر شهرا عربيا وهذا الشرط بالنسبة لـ :
– 1الأنعام
-2 النقود
-3 السلع التجارية
أمـا الزروع والثمار والمستخرج من المعادن والكنوز فلا يشترط لها حول وسبب ذلك أن الصنف الأول دائم النماء والزيادة فاعتبر له الحول ليكون إخراج الزكاة من الربح فهو أيسر وأسهل .
أما الآخر ( الزروع والثمار والمعادن ) فإنه يتكامل عند إخراج الزكاة منه فنماؤه فى نفسه وبعد ذلك سيكون فى النقص لا فى النماء ولذلك قال العلماء : إن زكاة الزروع والثمار لا تتكرر لتكرر الحول يعنى إذا قـام صاحبها بتزكيتها واحتفظ بها فى مخازنه فلا يتكرر عليه فيها زكاة بحولان الحول بادخارها فهي منقطعة النماء عرضة للفناء ؛ فلا يجب فيها الزكاة وإن بقيت فى يد مالكها سنين.
حكم «المال المستفاد» في أثناء الحول؟
المال المستفاد أثناء الحول على ثلاثة أقسام :
1 – إذا كان المال المستفاد من ربح المال الذي عنده (من جنسه) كربح مال التجارة، ونتاج الماشية، فهذا يجب ضمُّه إلى أصله، فيعتبر حوله بحول الأصل.
2 – إذا كان المال المستفاد من غير جنس المال الذي عنده، كأن يكون ماله إبلاً، فيستفيد ذهبًا من إرث أو نحوه، فهذا المستفاد يُعتبر له حول من يوم استفادته إن كان نصابًا، وليس متعلقًا بحول المال الأصلي.
3 – إذا كان المال المستفاد من جنس المال الذي عنده -الذي بلغ النصاب- لكن ليس هذا المال المستفاد من نماء المال الأول، ومثاله: أن يكون عنده عشرة آلاف (من الأموال)مضى عليها بعض الحول، فيشترى أو يوهب له أويرث خمسة آلاف أخرى، فهنا مذهبان:
الأول: أنه يضم المستفاد إلى المال الأول في النصاب وليس في الحول، فيزكى كلاًّ منهما باعتبار حوله الخاص. (وهو مذهب الشافعية والحنابلة).
الثاني: أنه يضم المستفاد إلى المال الأول -ويزكيهما جميعًا- عند تمام حول الأول (وهو مذهب الأحناف).
والراجح مذهب الشافعية والحنابلة؛ لأن المال لم يمر عليه عام هجري كامل فلا تجب الزكاة فيه إلا بمرور الحول .
حكم تعجيل وتأخــير الزكاة:
يجب إخراج الزكاة فورا عند وجوبها ، ويحرم تأخير أدائها عن وقت الوجوب ، إلا إذا لم يتمكن من أدائها فيجوز له التأخير حتى يتمكن ؛لأن تأخير الزكاة عن وقت حلولها كتأخير الصلاة عن وقتها فى الإثم ،لما وردعن عقبة بن الحارث قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر ، فلما سلم ، قام سريعا فدخل على بعض نسائه . ثم خرج ، ورأى ما في وجوه القوم من تعاجبهم لسرعته ، قال : ( ذكرت وأنا في الصلاة تبرا ( ذهبا ) عندنا ، فكرهت أن يمسى أو يبيت عندنا ، فأمرت بقسمته ) رواه أحمد والبخاري.
حكم تعجيلها قبل حلول وقت الوجوب :
ذهب الشافعي وأحمد وأبو حنيفة إلى أنه يجوز تعجيلها فإن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف صدقة العباس قبل محلها (وقتها) والحديث في سند ضعف .
وعن الزهري : أنه كان لا يرى بأسا أن يعجل زكاته قبل الحول ، وسئل الحسن عن رجل أخرج ثلاث سنين ، يجزيه ؟ قال : يجزيه .
وقال مالك : إنه لا يجزئ حتى يحول الحول ، واستدلوا بما رواه ابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول” ، وتسليم ذلك لا يضر من قال بصحة التعجيل لان الوجوب متعلق بالحول فلا نزاع ، وإنما النزاع في الإجزاء قبله .
قال ابن رشد : وسبب الخلاف ، هل هي عبادة أو حق واجب للمساكين ؟ فمن قال : إنها عبادة ، وشبهها بالصلاة ، لم يجز إخراجها قبل الوقت(كالصلاة) ، ومن شبهها بالحقوق الواجبة المؤجلة ، أجاز إخراجها قبل الأجل على جهة التطوع ، وقد احتج الشافعي لرأيه بحديث علي رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه ومسلم استسلف صدقة العباس قبل محلها ، انتهى .
مما تقدَّم يتبيّن أن القول بالجواز أرجح ، وأنّ التعجيل جائز ما وَجدت الحاجة موضعها.