زكـــاة الفطـــر في رمضان
زكـــاة الفطـــر
عناصر الخطبة:
أولا/ تعريفها، حكمها، الحكمة منها.
ثانيا/ على من تجب؟ ومتى تجب؟ ومتى تخرج؟
ثالثا/ مقدار ما يخرج.
رابعا/ ما حكم إخراج القيمة؟
خامسا/ لمن تعطى زكاة الفطر؟
أولا/ تعريفها، حكمها، الحكمة منها
تعريفها :
هي الزكاة التي تجب بالفطر في رمضان
حكمها :
واجبة على كل فرد من المسلمين ذكراً كان أم أنثى ، حراً كان أم عبدا، صغيراً كان أم كبيرا ، وذلك بنص الكتاب والسنة ، ومن ذلك : قوله تعالى ( قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ) [الأعلى 14،15]
وروى البيهقي عن نافع مولى ابن عمر أنه يقول نزلت هذه الآية في زكاة رمضان وقال أبى سعيد الخدري : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ) ثم يقسم الفطرة قبل أن يغدو إلى المصلى يوم الفطر[1]
وروى مسلم عن ابن عمر ( أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على كل نفس من المسلمين حرٍ أو عبدٍ أو رجلٍ أو امرأةٍ أو صغيرٍ أو كبيرٍ صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير )
حكمة مشروعيتها :
والحكمة في ايجاب هذه الزكاة ما جاء عن ابن عباس قال : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين ” رواه أبو داود
فهذه الحكمة مركبة من أمرين :
الأول: يتعلق بالصائمـين في شهر رمضان وما عسى أن يكون قد شابَ صيامهـم من لغو القول ورفث الكلام وجبراً لما يحدث فيه من غفلة أو إخلال ببعض الآداب وشبهها بعض الأئمة بسجود السهو .
قال وكيع بن الجراح : زكاة الفطر لشهر رمضان ، كسجدة السهو للصلاة تجبر نقصـان الصوم ، كما يجبر السجود نقصان الصلاة .
وأما الثاني : فيتعلق بالمجتمع وإشاعة المحبة والمسرة في جميع انحائه وخاصة المساكين وأهل الحاجة فيه ، فالعيد يوم فرح وسرور فينبغي تعميم الفرح والسرور على كل أبناء المجتمع فيفرح الجميع غنيهم وفقيرهم ، فكانت فرضية الزكاة ليشعر الفقير أن المجتمع لم يهمل أمره ولم ينسه في أيام سروره ولهذا ورد في الحديث ( أغنوهم في هذا اليوم ) أخرجه البيهقي والدارقطني عن ابن عمر
وكان من حكمة الشارع :أيضاً تقليل مقدار الواجب ـ كما سيأتي – وإخراجه من غالب قوت الناس مما يـسهل عليهم ، حتى يشترك أكبر عدد ممكن من الأمة في هذه المساهمة الكريمة .
ثانيا/ على من تجب؟ ومتى تجب؟ ومتى تخرج؟
على من تجب ؟
جمهور العلماء على أن صدقة الفطر تجب على كل مسلم يخرجها عن نفسه ومن يعول وتلزمه نفقته من زوجة وأولاد أو والدين ينفق عليهما، وكل من ولد له قبل غروب آخر يوم من رمضان، ودليلهم ما رواه الجماعة عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين).
وقال سعيد بن المسيب والحسن البصري- رحمهما الله- لا تجب إلا على من وجب عليه الصوم لأنها وجبت تطهيرًا، والصبي ليس محتاجًا إلى تطهير لعدم الإثم، ودليلهم حديث ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث).
وقد رد عليهم الإمام ابن حزم- رحمه الله- فقال: إن ذكر التطهير خرج مخرج الغالب كما أن بعض الأحاديث ذكرت حكمة أخرى لإيجاب هذه الزكاة وأنها (طعمة للمساكين)، وحديث “أغنوهم في هذا اليوم”، فإذا كانت صدقة الفطر تطهيرًا من جانب، فهي طُعمة وإغناء من جانب آخر، وهذه حكمة تنطبق على الصغير، كما تنطبق على الكبير.
والراجح ما عليه الجمهور أنها واجبة على كل مسلم ومن تلزمه نفقته.
هل يشترط لصدقة الفطر نصابًا؟
الراجح أنها لا يشترط فيها نصاب ونص الحديث.. (على العبد والحر) يشمل الغني والفقير الذي لا يملك نصابًا، وكل ما يشترط فيها هو:
أ- الإسلام.
ب- أن يملك قوت يوم العيد وليلته له ولمن تلزمه نفقته.
وقال الإمام الشوكاني- رحمه الله- (وهذا هو الحق، لأن النصوص أطلقت ولم تخص غنيًّا ولا فقيرًا، ولا مجال للاجتهاد في تعيين المقدار الذي يعتبر أن يكون مخرج الفطرة مالكًا له، ولاسيما والعلة التي شُرِعَتْ لها الفطرة موجودة في الغني والفقير وهي التطهر من اللغو والرفث واعتبار كونه واجدًا لقوت يوم وليلة أمر لا بد منه، لأن المقصود من شرع الفطر إغناء الفقراء في ذلك اليوم…. فلو لم يعتبر في حق المخرج ذلك لكان ممن أُمرنا بإغنائه في ذلك اليوم لا من المأمورين بإخراج الفطرة وإغناء غيره).[2]
إذن فهي فرض على الفقير والغنى ، بل قال العلماء يستحب للفقيرين أن يتبادلاها حتى لا يحرما من الأجر.
ويخرجها الرجل عن نفسه وعمن تلزمه نفقته ويلى أمره بسبب القرابة كطفلة الفقير الذى عليه نفقته ، أما الأولاد الذكور العقلاء فلا يجب على الأب أن يخرج عنهم إلا إذا كانوا عاجزين عن الكسب أو لاشتغالهم بالدراسة .
متى تجب ؟
عند الحنفية : بطلوع فجر عيد الفطر لأنها قربة تتعلق بيوم الفطر فلا تتقدم عليه كالأضحية .
وعند الشافعي ومالك وأحمد : تجب بغروب شمس آخر يوم من رمضان لأنها تضاف إلى الفطر فتجب به .
وثمرة الخلاف :
فيمن ولد أو أسلم قبل الفجر من يوم العيد وبعد غروب الشمس في آخر يوم من رمضان وكـذلك المكلف الذى يموت في هذا الوقت .
متى تخرج ؟
يجوز تعجيلهـا قبل العيد بيوم أو يومين عند جمهور الفقهاء في الصحيحين عـــن ابن عمر أن رسول الله أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة .
قال نافع : وكان ابن عمـــر يؤديها قبل ذلك باليوم واليومين وهذا قول الإمامين مالك واحمد .
وحمل الشافعي التقييد بـ ( قبل الصلاة ) على الاستحباب وقال بجواز إخراجها من أول شهر رمضان لأن سبب الصدقة الصوم والفطر عنه ، فإذا وجد أحد السببين جاز تعجيلها كزكاة المال بعد ملك النصاب وقال أبو حنيفة يجوز تعديلها من أول الحول لأنها زكاة فأشبهت زكاة المال
وقول مالك وأحمد أقرب إلى تحقيق المقصود ، وهو إغناؤهم في يوم العيد بالذات وإن كان بعض الحنابلة قال بجواز تعجيلها من بعد نصف الشهر فهذا القول أيسر على الناس وخاصة إذا كان من يتولى ذلك الجمعيات الخيرية المعنية بهذا الأمر ، فالزكاة حينئذ تحتاج إلى تنظيم
وتوزيع لتنال مستحقيها ولا يكفى ان يكون ذلك قبل العيد مباشرة ، فتوسيع الزمن له عامل كبير في ضمان تحقيق الهدف الشرعي من الزكاة بحيث تشرق شمس العيد وقد وصل إليهم حقهم فيشعرون بفرحة العيد كما يشعر بها سائر الناس .
ثالثا/ مقدار ما يخرج.
صاع من القمح او الشعير او التمر أو الزبيب او الأقط ( اللبن المجفف ) أو الأرز ، أو السكر ، أو الزيت ، أو السمن ، أو المكرونة … الخ .
من غالب قوت البلد ، ومن الممكن التنويع في الأقوات كلها .
مقدار الصاع
الأرز البلدي = 2.150 كجم
تمـر = 1.350 كجم
زبيـب = 1.50 كجم
عدس بجبة = 2.600 كجم
قمـح = 2.176 كجم
مكرونة ، لوبيا ، عدس أصفر = 2 كجم
والحكمة من ذلك أمرين :
- ان النقود كانت نادرة عند العرب.
- تغير القدرة الشرائية للنقود من وقت لآخر والصاع يشبع عائلة ليوم طعاماً في الغالب.
رابعا/ ما حكم إخراج القيمة؟
للفقهاء قولان بهذه المسألة:
القول الأول: ذهب الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله إلى أن زكاة الفطر إنما تخرج من الطعام الغالب عند أهل البلد.
لحديث ابن عمر قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد الحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كنا نعطيهما في زمان النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو صاعاً من زبيب فلما جاء معاوية وجاءت السمراء -أي القمح الشامي- قال: أرى مداً من هذه يعدل مدين) رواه البخاري.
القول الثاني : وذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى إلى أنه يجزئ إخراج القيمة بدلاً عن الطعام ، ونقل هذا القول أيضا عن جماعة مِن السلَف من كبار الصحابة؛ كأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، وابن مسعود، وابن عباس، ومعاذ بن جبل، وغيرهم، رضي الله عنهم، وهو مذهب جماعة من التابعين، كما أنه قول طائفة من العلماء يُعْتَدُّ بهم، منهم: الحسن البصري؛ حيث روي عنه أنه قال: “لا بأس أن تعطي الدراهم في صدقة الفطر”، وأبو إسحاق السبيعي؛ فعن زهير قال: سمعت أبا إسحاق يقول: “أدركتُهم وهم يعطون في صدقة الفطر الدراهم بقيمة الطعام”، وعمر بن عبد العزيز؛ فعن وَكِيعٍ عن قُرّة قال: جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز في صدقة الفطر: “نصف صاع عن كل إنسان أو قيمته نصف درهم”.[3]
وهو أيضًا مذهب الثوري، وبه قال إسحاق بن راهويه، وأبو ثور، إلا أنهما قيدا ذلك بالضرورة.[4]
كما أن القول بإجزاء إخراج القيمة في زكاة الفطر روايةٌ مُخَرَّجة عن الإمام أحمد نَصَّ عليها الإمام المرداوي.[5]
وأجاز القيمة أيضًا الثوري، وأشهب، والقاسم من المالكية، وقول للإمام ابن تيمية حيث قال في مجموع الفتاوى : رحمه الله-: [6]
الأظهر في هذا أن إخراج القيمة لغير الحاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه ، ولهذا قدر النبي صلى الله عليه وسلم الجبران بشاتين او عشرين درهماً ولم يعدل إلى القيمة .
ولأنه متى جوز إخراج القيمة مطلقاً فقد يعمد المالك إلى أنواع رديئة وقد يقع في التقويم ضرر، ولأن الزكاة مبناها على المواساة ، وهذا معتبر في قدر المال وجنسه ، وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل فلا بأس به .
ــ مثل أن يبيع ثمر بستان أو زرعه بدراهم فهنا إخراج عُشر الدراهم يجزئه ولا يكلفه أن يشترى تمراً أو حنطة ، إذا كان قد ساوى الفقراء بنفسه ، ونص على جواز ذلك أحمد
ــ ومثل من يجب عليه شاه في خمس من الإبل وليس عنده من يبيعه شاه ، فإخراج القيمة هنا كاف ،ولا يكلف السفر إلى مدينة أخرى ليشتري شاه.
ــ أو أن يكون المستحقون للزكاة طلبوا منه إعطاء القيمة لأنها أنفع فيعطيهم إياها ، أو يرى الساعي ( عامل الزكاة ) إنها انفع للفقراء .
ــ ما نقل عن معاذ أنه كان يقول لأهل اليمن : ” ائتونى بخميص أو لبيس ( نوعان من الثياب ) أيسر عليكم وخير لمن في المدينة من المهاجرين والأنصار ا. هـ. كلامه
وهذا كان في زكاة زرعهم ، وهذا ينطبق على زكاة الفطر وهذا الحديث ذكره البخاري معلقاً بصيغة الجزم
وهذا هو القول الراجح إن شاء الله لما يلي:
أولاً: إن الأصل في الصدقة المال لقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}. والمال في الأصل ما يملك من الذهب والفضة وأطلق على ما يقتنى من الأعيان مجازاً وبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم المنصوص عليه إنما هو للتيسير ورفع الحرج لا لتقييد الواجب وحصر المقصود.
ثانياً: إن أخذ القيمة في الزكاة ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن جماعة من الصحابة فمن ذلك ما ورد عن طاووس قال معاذ باليمن: ائتوني بعرض ثياب آخذه منكم مكان الذرة والشعير فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة. رواه يحيى بن آدم في كتاب الخراج.
وقد عنون الإمام البخاري في صحيحه فقال: باب العرض في الزكاة وذكر الأثر عن معاذ ونصه [وقال طاووس: قال معاذ رضي الله عنه لأهل اليمن ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة] واحتجاج البخاري بهذا يدل على قوة الخبر عنده كما قال الحافظ بن حجر في فتح الباري 4/ 54.
ونقل الحافظ عن ابن رشيد قال: وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم لكن قاده إلى ذلك الدليل.
وفعل معاذ مع إقرار النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك يدل على جوازه ومشروعيته.
ثالثاً: إن المقصود من صدقة الفطر إغناء الفقراء وسد حاجتهم وهذا المقصود يتحقق بالنقود أكثر من تحققه بالأعيان وخاصة في زماننا هذا لأن نفع النقود للفقراء أكثر بكثير من نفع القمح أو الأرز لهم، فالمقصد هو أن يشعر الفقير بفرحة العيد مثل الغني، والفقير اليوم يحتاج أن يشتري لأولاده الملابس الجديدة وهدايا العيد، ولا يصح فيها اليوم غير المال، وقد رأينا عشرات المرات المساكين يبيعون الحبوب لنفس التجار الذين اشترى منهم الأغنياء تلك الأصناف بثمن أقل، فهل شرعت زكاة الفطر لإغناء التجار على حساب الفقراء، وإضاعة وقت الفقير في عملية التبادل والمقايضة؟ وبوسع الفقير أن يشتري حبوبا بالمال دون خسارة، ولا يسعه أن يحصل على المال إن أخذ حبوبا إلا بالخسارة.
خامساً: قال الدكتور يوسف القرضاوي: [أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرض زكاة الفطر من الأطعمة السائدة في بيئته وعصره إنما اراد بذلك التيسير على الناس ورفع الحرج عنهم فقد كانت النقود الفضية أو الذهبية عزيزة (نادرة أو قليلة)عند العرب وأكثر الناس لا يكاد يوجد عنده منها إلا القليل أو لا يوجد عنده منها شيء وكان الفقراء والمساكين في حاجة إلى الطعام من البر أو التمر أو الزبيب أو الأقط، لهذا كان إخراج الطعام أيسر على المعطي وأنفع للآخذ ولقصد التيسير أجاز لأصحاب الإبل والغنم أن يخرجوا (الأقط) وهو اللبن المجفف المنزوع زبده فكل إنسان يخرج من الميسور لديه. ثم إن القدرة الشرائية للنقود تتغير من زمن لآخر ومن بلد لآخر ومن مال لآخر فلو قدر الواجب في زكاة الفطر بالنقود لكان قابلاً للارتفاع والانخفاض حسب قدرة النقود على حين يمثل الصاع من الطعام إشباع حاجة بشرية محددة لا تختلف فإذا جعل الصاع هو الأصل في التقدير فإن هذا أقرب إلى العدل وأبعد عن التقلب]
سادسا: سئل الشيخ ناصر الألباني: هل يجوز إخراج قيمة صدقة الفطر بدلاً من عينها؟
فأجاب- رحمه الله- قائلاً: (هذا لا شك يجاب عنه حسب الظروف والبيئة، فهناك بينات متأثرة بالمدنية والحضارة، والناس لا يطحنون بأيديهم، فإذا أعطى المتصدق أحد الفقراء قمحًا أو شعيرًا فإنه لا يحتاجه، وسيلجأ إلى بيعه، ثم بعد ذلك يأخذ المال ويشتري ما يحتاجه من طعام وشراب يوم العيد، فحينذاك نقول إذا تمسكت بإخراج الأعيان التي ورد النص بزكاة الفطر منها نكون قد آذينا الفقير وسببنا له الضرر مرتين، مرة حين باع هذه الأنواع فهو سيخسر فيها، ثم خسر إذا أراد أن يشتري شيئًا آخر، المهم أنه يتأذى وهذه مسألة بالنسبة لزكاة الفطر وليست مسألة من العبادات التي لا يدري الحكمة منها ولا يُعرف وجه المصلحة التي رمى الشارع إليها، فنقول هكذا ورد الشرع، فليس علينا إلا التسليم كسائر العبادات، بينما هنا أمور مفهومة الحكمة والمعنى… فلا شك أن الشارع أراد بها مصلحة الفقير، ومصلحة الفقير هنا في مثل هذه البيئات تتضرر إذا تمسكت بإخراج أعيان، والصواب ما عليه الأحناف من جواز إخراج القيمة في مثل هذه البيئة. [7]
خامسا/ لمن تعطى زكاة الفطر؟
اختلف العلماء في مصرف زكاة الفطر علي قولين :
الأول: أن مصرفها هو مصارف الزكاة الثمانية ، وهو مذهب جمهور العلماء خلافا للمالكية .
وذلك لقوله تعالي: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ٦٠﴾ [التوبة: 60]
فقالوا سماها النبي زكاة وهي فريضة واجبة فتصرف في مصارف الفريضة قال النووي في المجموع : والمشهور في مذهبنا أنه يجب صرف الفطرة إلي الأصناف الذين يصرف إليهم زكاة المال .
وجوزها مالك وأبو حنيفة وأحمد وابن المنذر إلي واحد فقط قالوا: ويجوز صرف فطره جماعة إلي مسكين واحد .
القول الثاني: أنها تصرف للمحتاجين (الفقراء والمساكين فقط)
وذلك للحديث الذي أخرجه أبو داود وابن ماجه بسند حسن عن ابن عباس : ” فرض رسول الله صلي الله عليه وسلم زكاة الفطر طهره للصائم عن اللغو والرفث وطعمه للمساكين” .
وقد علق الشوكاني على حديث ابن عباس فقال : وفيه دليل علي أن الفطرة تصرف في المساكين دون غيرهم من مصارف الزكاة .
وهذا مذهب المالكية واختيار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم حيث قال في زاد المعاد 🙁 ردا على من قال بصرفها للأصناف الثمانية )
” وكان من هديه تخصيـص المساكين بهذه الصدقة ، ولم يكن يقسمها على الأصناف الثمانية قبضة قبضة، ولا أمر بذلك ، ولا فعله أحد من أصحابه ولا من بعدهم ، بل أحد القولين عندنا أنه لا يجوز إخراجها إلا على المساكين خاصة .
من لا تصرف لهم صدقة الفطر:
لا يجوز دفعها إلى:
- كافر معادٍ الإسلام.
- ولا مرتد.
- ولا لفاسق يتحدى المسلمين بفسقه.
- ولا غني بماله أو كسبه.
- ولا متبطل قادر على الكسب ويجد العمل ولا يعمل.
- ولا لمن تلزمه نفقته من والد وولد وزوجة.
[1] استشكل البعض أن السورة مكية وأن زكاة الفطر إنما شرعت بالمدينة لكن قد يتأول هذا بأن الآية تدل على ذلك بالإشارة لا أن زكاة الفطر سبب نزولها بالمعنى الاصطلاحي.
[2] نيل الأوطار جـ4 ص186
[3] روى هذه الآثار الإمام أبو بكر بن أبي شَيبة في “المصَنَّف” (2/ 398، ط. مكتبة الرشد)
[4] ذكره الإمام النووي في “المجموع شرح المهذب” (6/ 112، ط. دار الفكر).
[5] في “الإنصاف” (3/ 182، ط. دار إحياء التراث العربي).
[6] ينظر مجموع الفتاوى (ج 25، 82 ، 83 )
[7] كتاب الحاوي في فتاوى الألباني جـ1 ص284.