فقه الزكاة : 11- هل تغني الضرائب عن الزكاة ؟

تاريخ الإضافة 12 يونيو, 2023 الزيارات : 6137

إذا كانت الزكاة واجبة فما حكم الضرائب وهل يجوز للحكومة فرض الضرائب علــى الأغنياء بالإضافة إلى ما وجب فى أموالهم من الزكاة ، أم الزكاة هي الفريضة الوحيدة التي لا تؤخذ من المسلمين غيرها ؟

بداية ينبغي أن نعلم أن مصارف الزكاة محدودة ونفقات الدولة كثيرة ولها أهدافها الاجتماعية والأخلاقية والدينية والسياسية وليس من مصارف الزكاة الإنفاق على مرافق الدولة فلا تصرف الزكاة لرصف الطرق ولا لبناء الجسور ، وإقامة مشروعات الخدمات كالمدارس والمستشفيات .. الخ، و كانت واجبات الدولة محدودة ، أما فى عصرنا فلم يعد لإقامة مصالح الأمة إلا فرض الضرائب على ذوى المال .

شروط يجب مراعاتها عند فرض الضرائب :

1- الحاجة الحقيقية إلى المال ولا مورد آخر

بحيث لا تكـون هناك مـوارد أخرى تستطيع الحكومة بها تحقيق أهدافها وإقامة مصالحها ، فإن وجدت فلا يجوز فرض الضرائب حينئذ ، وقد تشدد العلماء وأصحاب الفتوى فى رعاية هذا الشرط إلى أبعد حد ،بل واشترط بعضهم خلو بيت المال خلواً تاماً حتى يجـوز فرض ضرائب .

وقد روى لنا التاريخ ما حدث فى زمن سلطان مصر ( قطز ) حينما أراد التجهيز لقتال التتار جمع القضاة والفقهاء لمشاورتهم .

فى أمر فـرض الضرائب على الناس للاستعانة به على الجهاد فحضروا وكان من بينهم عز الدين ابن عبد السلام فكان مما قاله ؟ إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب على العالم قتالهم وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم بشرط ألا يبقى فى بيت المال شئ وتبيع مالكم من الحوائص ( كساء موشــى بالذهب ) المذهبــة والآلات النفيسة ، ويقتصر كل الجند على مركوبه وسلاحه ويتساووا هم والعامة .

أما أخذ الأموال من العامة مع بقايا فى أيدي الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا .

وتكرر هذا الموقف للنووي مع بيبرس

فحينما خـرج بيبرس لقتال التتار بالشام ولم يكن فى بيت المال ما يكفى لتجهيز الجيــش والإنفاق على المقاتلين ، استفتى علماء الشام فى جواز فرض ضرائب على الشعب لإعانة السلطان والجيش على قتال الأعداء وتغطية النفقات المطلوبة فأفتاه العلماء بجواز ذلك للحاجة وكتبوا له بذلك وكان الإمام النووي غائبا فلما سألهم هل بقى احد من العلماء قالوا : نعم الشيخ النووي ، فأرسل إليه فقال أكتب خطك ( توقيعك ) مع الفقهاء فامتنع الشيخ وأبى ، وسأله السلطان لماذا ؟

قـال : أنا أعرف انك كنت فى الرق للأمير بندقدار وليس لك مال ثم منّ الله عليك وجعلك ملكاً ، وسمعت انك عندك ألف مملوك لكل مملوك حياصته من الذهب ، وعنــدك مائتا جارية لكل جاريه حُق من الحلي ، فإن أنفقت ذلك كله وبقيت مماليكك بالبتون والصوف بدلاً من الحوائص ، وبقيت الجواري بثيابهن دون الحلي أفتيتك بأخذ المال من الرعية

فغضب بيبرس من كلامه وقال أخرج من بلدي دمشق فخرج إلى (نوى)

فقال الفقهاء للسلطان : إن هذا من كبار علمائنا وصلحائنا ممن يقتدى بهم فأعده إلى دمشق ، فأذن الظاهر بيبرس برجوعه ولكن الشيخ رفض وقال : لا أدخلها والظاهر بها فمات الظاهر بعد شهر .

2- توزيع أعباء الضرائب بالعدل :

فإذا تحققت الحاجة إلى المـال ، ولم يوجد مورد لسد الحاجة إلا الضرائب لم يكن فرضها جائزاً بل واجب بشرط أن توزع أعباء الضريبة بالعدل بحيث لا يرهق فريق من الرعية لحساب فريق آخر و لا تُحابى طائفة أو يضاعف الواجب على طائفة أخرى ، لكن يجوز التفاوت فى النِسب لاعتبارات اقتصادية واجتماعية وهذا مع وجوب مراعاة الجانب الشخصي مع إعفاء نفقات المعيشة والأعباء العالية والديون وغيـرها

3-إنفاقها فى مصالح الأمة لا فى المعاصي والشهوات

فلا يكفى أخذها بالحق وتوزيع أعبائها على الناس بالعدل إنما ينبغي صرفها فى المصالح العامة للأمة لا فى شهوات الحكام وأغراضهم ولا أسرهم والسائرين فى ركابهم ومن هنا رأينا كيف اهتم الإسلام بمصارف الزكاة منعاً للأهواء أن تلعـب بها ومن هنا شدد الخلفاء الراشدون ومعهم أجلاء الصحابة فى صرف الأموال العامة فى مصارفها الشرعية وهذا فرق ما بين الخلافة الراشدة والملك العضوض ما بين حكم يستند إلى رسالة سماوية وحكم يقوم على الدنيا وحدها ولذلك لما سأل عمر سلمان أملك أنا أم خليفة ؟ قال له سلمان : إن أنت جبيت المـال من أرض المسلمين ثم وضعته فى غير حقه فأنت ملك غير خليفة فاستعبر عمر ( بكى )

4- موافقة أهل الشورى والرأي فى الأمة

فلا ينفرد ولى الأمر بذلك بل لابد أن يتم بموافقة رجال الشورى وأهل الحل والعقد فى الأمة وذلك لاستبيان الشروط السابقة وتحققها من عدمه ووضع تنظيم يكفل توزيع أعباء الضريبة على الرعية بالعدل مستعينين بالخبراء وأهل الاختصاص مع مراقبة صرف الحصيلة التي تجبى فيما جمعت له من المصالح والمرافق والإنتاج والخدمات والشورى ملزمة لولى الأمر وليست معلمة فإن النبي كان بعد مشاورته لأصحابه ينزل عن رأيه إلى رأى جمهور أصحابه وهذا واضح فى بدر واحد والخندق وغيرها من المشاهد ولو لم تكن الشورى ملزمة لفقدت قيمتها وأثرها وجعل منها المستبدون تمثيلية يضحكون بها على الشعوب فيشاورون ويخالفون ولهذا تنص الدول الديمقراطية المعاصرة على ألا تفرض ضريبة على الشعب إلا بموافقة ممثليه فى المجالس النيابية .

شبهات المانعين لفرض الضرائب

جاءت أحاديث نبوية بذم المكوس والقائمين عليها ، وإيعادهم بالنار والحرمان من الجنة .

ـ فقد روى الإمام احمد عن أبى الخير قال عرض مسلمة بن مخلد ـ وكان أميرا على مصر ـ على رويفع بن ثابت أن يوليه العشور فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” إن صـاحب المكــس فى النار “

ـ وروى أبى داود عن عقبة بن عامر انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا يدخل الجنة صاحب مكس )

ـ وروى مسلم فى قصة المرأة الغامدية التي حملت من الزنا وأقام النبي صلى الله عليه وسلم

عليها الحد باعترافها بعد أن وضعت وفطمــت وليدها .. وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم ( لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له )

فدل الحديث على أن ذنب صاحب المكس أشد من ذنب امرأة زنت وهى متزوجة وحملت من الزنا ، وهذا من أشد الوعيد .

الرد على هذه الأحاديث :

هذه الأحاديث وغيرها لم يخلُ أكثرها من كلام إلا صحيح مسلم طبعاً وما صح منها فليس نصاً فى المنع مطلقاً ذلك أن كلمة المكس لا يراد بها معنى واحد محدد لغة وشرعاً .

معنى المكس :

فى لسان العرب : المكس ضرائب كانت تؤخذ من بائعي السلع فى الأسواق فى الجاهلية ، وفيه : والمكس ما يأخذه العشار وفيه أيضاً : المكس الضريبة التي يأخذها الماكس وأصلها الجباية وقال البيهقى: المكس: النقصان ، فإذا انقص العامل من حق أهل الزكاة فهو صاحب مكس ، وعلى هذا يمكن حمل ما جاء فى صاحب المكس على الموظف العامل فى الزكاة الذي يظلم فى عمله ويعتدي على أرباب الأموال فيأخذ منهم ما ليس من حقه أو يَغُل ( يختلس ) من مال الله الذي جمعه ما ليس له ، وإنما هو حق الفقراء والمساكين .

وهناك محمل آخر : لكلمة المكس والمراد بها الضرائب الجائرة التي كانت تسود العالم يوم ظهور الإسلام فقد كانت تؤخذ بغير حق وتنفق فى غير حق ، وكثيـراً ما أعفى الغنى محاباة ، وأرهق الفقير عدواناً

ولذلك قال بعض فقهاء الحنفية : وما ورد من ذم ” العشار ” فهو محمول على من يأخذ أموال الناس ظلماً كما يفعله الذي جاء فيه ذلك الوعيد الشديد .

وهذا يطابق قــول الذهبي فى الكبائر ( الكبيرة 27) المكاس من أكبر أنواع الظلمة ، بل هو من الظلمة أنفسهم ، فإنه يأخذ ما لا يستحق ويعطيه من لا يستحق .

أما الضرائب التي تفرض بالشروط التي ذكرناها فلا يشك ذو بصر بالإسلام أنها جائزة بل واجبة ، وللحكومة الإسلامية فرضها ، وأخذها من الرعية حسب المصلحة ويقدر الحاجة .

هل تغنى الضرائب عن الزكاة ؟

يدور فى أفكار كثير من المسلمين أن أصحاب الأموال أصبحوا يدفعون للحكومة من الضرائب النسبية والتصاعدية مقادير ربما تفوق مقادير الزكاة ، وهذه الأموال تذهب إلى خزانة الدولة التي تنفقها فى مصارفها المبينة فى ميزانيتها ، ولا شك أن بعض النفقات فى الميزانية تعد من مصارف الزكاة مثل ما كان لإعانة العاجزين وتشغيل العاطلين ، وإيواء المشردين واللقطاء ونحو ذلك مما تقوم عليه وزارة الشئون الاجتماعية وغيرها مثل مجانية التعليم وعلاج الفقراء ..الخ

فهل تغنى هذه الضرائب التي يدفعها المسلمون عن الزكاة وتصبح الحكومة هي المسئولة عن سداد حاجات الفقراء وتغطية مصارف الزكاة بوجه عام ؟

والجواب : إن الزكاة لا تكون زكاة إلا بأمور ثلاثة :-

1- المقدار المخصوص الذي عينه الشرع من عُشر إلى نصف عُشر إلى

ربع عُشر

2- النية المخصوصة : وهى قصد التقرب إلى الله وامتثال امره بأداء فرض الزكاة التي أمر بها عباده

3- المصرف المخصوص : وهى الأصناف الثمانية التي حددها القرآن . فهل تحققت هذه الأمور فى الضرائب ؟

أما المقـدار : فالثابت أن الضرائب لا تلتزم بالمقادير الشرعية بل تأخذ أحيانا أكثر وأحياناً أقل ، وأحيانا لا تأخذ من مال مستوفٍ للشروط وتجب فيه الزكاة كالزروع والثمار ، وأحيانا تأخذ من مال ليس له وعاء شرعياً للزكاة لعدم استيفائه لشروط الوجوب كالضرائب العقارية مثلاً .

أما النيــــة : فالزكاة عبادة ويشترط الإخلاص ، والضرائب ليس فيها هذين الأمرين

أما الصرف : فالزكاة لها مصارفها الشرعية الثمانية بخلاف الضرائب إذن فالزكاة من أركان الإسلام ومن اكبر شعائره ولا ينبغي تغييرها بأي حال من الأحوال وإلا فقدت معنى الشعيرة

ومقتضى هذا أن الضرائب لا تقوم مقام الزكاة .

 ما حكم التهرب من الضريبة ؟

   – لا يجوز التهرب من الضريبة العادلة التى يتوافر فيها الشروط السابقة حيث أن من حصيلتها تدفع النفقات العامة لتقديم الخدمات للناس جميعاً مثل : خدمة الصحة والتعليم والعلاج والمياه والإنارة والأمن، والرعاية الاجتماعية …الخ

– الضرائب التي تفرضها بعض الدول ظلما للناس وعدوانا عليهم، وأكلا لأموالهم بالباطل، لا حرج على الشخص في التهرب منها. 

وعلى هذا فيجوز للشخص كتمان عمله للتهرب من الضرائب الظالمة، ولا يجوز له الكتمان للتهرب من الضرائب المشروعة

   -كما يأثم ولى الأمر الذى يفرض على الناس ضرائب ظالمة أو أنه يأخذ الضريبة وينفقها فى تمويل الأنشطة غير المشروعة ، أو أن يستأثر بها فئة دون الأخرى أو أنه يحابى الأغنياء على حساب الفقراء .


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 241 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم

جديد الموقع