من كلام السلف في فضل العلم والتعليم
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لكميل: يا كميل، العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والعلم حاكم والمال محكوم عليه، والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو بالإنفاق، وقال علي أيضا رضي الله عنه: العالم أفضل من الصائم القائم المجاهد، وإذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها إلا خلف منه.
وقال رضي لله عنه نظماً:
ما الفخرُ إلا لأهلِ العِلْم إنَّهـــم على الهدى لمن استهدى أدلاَّءُ
وقَدْرُ كلِّ امرىءٍ ما كان يُحْـسِنُه والجَاهِلُون لأهْل العلم أعَداءُ
ففُزْ بعلمٍ تَعِشْ حياً به أبــــداً النَّاسَ موتى وأهلُ العِلْمِ أحْياءُ
وسئل ابن المبارك: من الناس؟ فقال: العلماء قيل: فمن الملوك؟ قال: الزهاد. قيل: فمن السفلة؟ قال: الذين يأكلون الدنيا بالدين .
وقال بعضهم من اتخذ الحكمة لجاما اتخذه الناس إماما ومن عرف بالحكمة لاحظته العيون بالوقار
وقال الزبير بن أبي بكر كتب إلي أبي بالعراق عليك بالعلم فإنك إن افتقرت كان لك مالا وإن استغنيت كان لك جمالا .
وحكى ذلك في وصايا لقمان لابنه قال يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك فإن الله سبحانه يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض بوابل السماء.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ذللت طالبا فعززت مطلوبا.
وكذلك قال ابن أبي مليكة رحمه الله: ما رأيت مثل ابن عباس، إذا رأيته رأيت أحسن الناس وجها، وإذا تكلم فأعرب الناس لساناً، وإذا أفتى فأكثر الناس علماً.
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: لأن أتعلم مسألة أحب إلي من قيام ليلة.
وقال أيضاً: كن عالما أو متعلما أو مستمعا ولا تكن الرابع فتهلك.
(الرابع هو الجاهل )
وقال الشافعي رضي الله عنه: طلب العلم أفضل من النافلة.
وقال ابن عبد الحكم رحمه الله: كنت عند مالك أقرأ عليه العلم فدخل الظهر فجمعت الكتب لأصلي، فقال: يا هذا ما الذي قمت إليه بأفضل مما كنت فيه إذا صحت النية.
وقال عطاء رضي الله عنه دخلت على سعيد بن المسيب وهو يبكي فقلت ما يبكيك قال ليس أحد يسألني عن شيء .
وقال يحيى بن معاذ العلماء أرحم بأمة محمد صلى الله عليه وسلم من آبائهم وأمهاتهم قيل وكيف ذلك قال لأن آباءهم وأمهاتهم يحفظونهم من نار الدنيا وهم يحفظونهم من نار الآخرة
وقال علي رضي الله عنه : كلموا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون أتريدون أن يكذب الله ورسوله .
وقال رضي الله عنه: قصم ظهري رجلان عالم متهتك وجاهل متنسك، فالجاهل يغر الناس بتنسكه والعالم يغرهم بتهتكه.
وقال عيسى عليه السلام: لا تضعوا الحكمة عند غير أهلها فتظلموها ، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ؛ كونوا كالطبيب الرفيق يضع الدواء في موضع الداء .
قال ابن مسعود رضي الله عنه ليس العلم بكثرة الرواية إنما العلم نور يقذف في القلب وقال بعضهم إنما العلم الخشية لقوله تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء ) فاطر: 28.
وقيل : العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك .
قال الشعبي: صلى زيد بن ثابت على جنازة فقربت إليه بغلته ليركبها فجاء ابن عباس فأخذ بركابه فقال: زيد خل عنه يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابن عباس: هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء والكبراء، فقبل زيد بن ثابت يده وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا صلى الله عليه وسلم.
قال عمر رضي الله عنه: إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة المنافق العليم .
قالوا : وكيف يكون منافقا عليما ؟
قال : عليم اللسان جاهل القلب والعمل .
وقال الحسن، رحمه الله: لا تكن ممن يجمع علم العلماء وطرائف الحكماء ويجري في العمل مجرى السفهاء.
وقال رجل لأبي هريرة، رضي الله عنه: أريد أن أتعلم العلم وأخاف أن أضيعه، فقال: كفى بترك العلم إضاعة له.
وقال الخليل بن أحمد: الرجال أربعة: رجل يدري ويدري أنه يدري فذلك عالم فاتبعوه، ورجل يدري ولا يدري أنه يدري فذلك نائم فأيقظوه، ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري فذلك مسترشد فأرشدوه، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذلك جاهل فارفضوه.
وقال سفيان الثوري، رحمه الله: يهتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل.
وقال ابن المبارك: لا يزال المرء عالما ما طلب العلم فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل
وقال الفضيل ابن عياض رحمه الله: إني لأرحم ثلاثة عزيز قوم ذل وغني قوم افتقر وعالما تلعب به الدنيا.
وقال الحسن: عقوبة العلماء موت القلب وموت القلب طلب الدنيا بعمل الآخرة
وقال عمر رضي الله عنه: إذا رأيتم للعالم محبا للدنيا فاتهموه على دينكم فإن كل محب يخوض فيما أحب .
قال الشاعر:
وراعى الشاة يحمي الذئبُ عنها فكيف إذا الرعاةُ لها ذئاب
وقال الآخر:
يا معشرَ القراء يا ملحَ البلدِ ما يصلحُ الملح إذا الملحُ فسدْ
وأنشدوا:
يا واعظ الناس قد أصبحت متهماً إذ عبت منهم أمورا أنت تأتيها
أصبحت تنصحهم بالوعظ مجتهداً فالموبقات لعمري أنت جانيها
تعيب دنيا وناسا راغبين لها وأنت أكثر منهم رغبة فيها
وقال آخر:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيمُ
وقال ابن السماك رحمه الله: كم من مذكر بالله ناس لله وكم من مخوف بالله جريء على الله وكم من مقرب إلى الله بعيد من الله وكم من داع إلى الله فار من الله وكم من تال كتاب الله منسلخ عن آيات الله.
وقال عمر رضي الله عنه: إذا زل العالم زل بزلته عالم من الخلق
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ليس العلم بكثرة الرواية إنما العلم الخشية.
وقال الحسن: تعلموا ما شئتم أن تعلموا فوالله لا يأجركم الله حتى تعملوا
وقال أبو ذر لسلمة: يا سلمة لا تغش أبواب السلاطين فإنك لا تصيب شيئا من دنياهم إلا أصابوا من دينك أفضل منه .
قال الشعبي: لا أدري نصف العلم
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: إن الذي يفتي الناس في كل ما يستفتونه لمجنون وقال جنة العالم لا أدري فإن أخطأها فقد أصيبت مقاتله .
وقال ابن حصين :إن أحدهم ليفتي في مسألة لو وردت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه لجمع لها أهل بدر .
وقال علي رضي الله عنه: القلوب أوعية وخيرها أوعاها للخير والناس ثلاثة عالم رباني ومتعلم على سبيل النجاة وهمج رعاع أتباع لكل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجئوا إلى ركن وثيق.
وصدق القائل :
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه
ومن لا يعرف الشرَّ من الناس يقع فيه
وقال الشافعي رحمه الله : ما شبعت منذ ست عشرة سنة لأن الشبع يثقل البدن ويقسي القلب ويزيل الفطنة ويجلب النوم ويضعف صاحبه عن العبادة .
وسئل الشافعي رحمه الله عن مسألة فسكت فقيل له : ألا تجيب رحمك الله ؟ فقال: “حتى أدري الفضل في سكوتي أو في جوابي“
وقال رحمه الله: من ادعى أنه جمع بين حب الدنيا وحب خالقها في قلبه فقد كذب.
وقال الشافعي رحمه الله تعالى: إذا أنت خفت على عملك العجب فانظر رضا من تطلب وفي أي ثواب ترغب ومن أي عقاب ترهب وأي عافية تشكر وأي بلاء تذكر فإنك إذا تفكرت في واحد من هذه الخصال صغر في عينك عملك.
وقال : وددت أن الناس انتفعوا بهذا العلم وما نسب إلي شيء منه.
وقال: ما كلمت أحدا قط إلا أحببت أن يوفق ويسدد ويعان ويكون عليه رعاية من الله تعالى وحفظ ، وما كلمت أحدا قط وأنا أبالي أن يبين الله الحق على لساني أو على لسانه .
وقال: ما أوردت الحق والحجة على أحد فقبلها مني إلا هبته واعتقدت محبته ولا كابرني أحد على الحق ودافع الحجة إلا سقط من عيني ورفضته.
وكان الإمام مالك رحمه الله تعالى في تعظيم علم الدين مبالغا حتى كان إذا أراد أن يحدث توضأ وجلس على صدر فراشه وسرح لحيته واستعمل الطيب وتمكن من الجلوس على وقار وهيبة ثم حدث، فقيل له في ذلك فقال: (أحب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم)
وقال مالك: (العلم نور يجعله الله حيث يشاء وليس بكثرة الرواية)
وقال الشافعي رحمه الله: إني شهدت مالكا وقد سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنتين وثلاثين منها لا أدري.
وقال أيضا (إذا ذكر العلماء فمالك النجم الثاقب وما أحد أمنّ علي من مالك.
وقال الرشيد لمالك رحمه الله ينبغي أن تخرج معنا فإني عزمت على أن أحمل الناس على الموطأ كما حمل عثمان رضي الله عنه الناس على القرآن فقال له أما حمل الناس على الموطأ فليس إليه سبيل لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم افترقوا بعده في الأمصار فحدثوا فعند كل أهل مصر علم ، وأما الخروج معك فلا سبيل إليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون)، وقال صلى الله عليه وسلم: (المدينة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد)
وقال مالك : دخلت على هارون الرشيد فقال لي يا أبا عبد الله (ينبغي أن تختلف إلينا حتى يسمع صبياننا منك الموطأ
قال فقلت أعز الله مولانا الأمير: (إن هذا العلم منكم خرج فإن أنتم أعزرتموه عز، وإن أنتم أذللتموه ذل، والعلم يؤتى ولا يأتي، فقال: صدقت، اخرجوا إلى المسجد حتى تسمعوا مع الناس.
كان الحسن البصري كثيرًا ما يعاتب نفسه ويوبخها فيقول : تتكلمين بكلام الصالحين القانتين العابدين ، وتفعلين فعل الفاسقين المنافقين المرائين ، والله ما هذه صفات المخلصين.
وقال صالح بن عبد القدوس:
قد ينفع الأدبُ الأحداث في صِغَرٍ وليس ينفع بعـد الكَبـرة الأدبُ.
إن الغصونَ إذا قوّمتـها اعتدلت ولن تلين إذا قـومتها الخشـبُ
كتب القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني إلى العماد الأصفهاني معتذراً عن كلام استدركه عليه :
إنه قد وقع لي شيء وما أدري أوقع لك أم لا ، وها أنا أخبرك به ، وذلك أني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتاباً في يومه إلا قال في غده هذا لكان أحسن ولو زيد لكان يستحسن ولو قدم هذا لكان أفضل ولو ترك هذا لكان أجمل وهذا من أعظم العبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر .
المصدر : أبجد العلوم 1/71
الفرق بين الفقه والعلم
يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله : الفهم أول مرحلة من مراحل الذات الإنسانية، وهناك فرق بين الفهم والعلم. فالفهم يعني أنك تملك القدرة على تَفَهُّم ذاتية الأشياء بملكة فيك، لكن العلم يعني أنك قد لا تفهم أنت بذاتك، وإنما يفهم غيرك ويعلمك. فأنت قد تعلم جزئية لا من عندك وإنما من معلم لك.