حكم اقامة المسلم في بلد غير إسلامي وأخذ الجنسية

تاريخ الإضافة 11 أبريل, 2022 الزيارات : 13838

دار بيني وبين العديد من الإخوة حوار طويل وجدال عن حكم الإقامة في بلد غير إسلامي وأخذ جنسيته،وقالوا بأن الأصل في ذلك الحرمة وأنه يناقض عقيدة الولاء والبراء ،فأود السؤال عن ذلك ، وبارك الله بكم.

الجواب :

كثر الحديث حول شرعية اقامة المسلم في بلد غير إسلامي، بين مانع لها شرعاً ومؤثم لفاعلها، وبين مجيز لا يرى بأساً ولا حرجاً. وسنعرض كل رأي مع أدلته.


أولا /حكم الإقامة في بلد غير إسلامي

الرأي الأول:

ذهب المالكية، وابن حزم ، إلى أنه لا يجوز اقامة المسلم في غير ديار الإسلام، سواء أمن الفتنة، أم لا. واستدل هؤلاء بأدلة منها:

أ- قوله تعالى: (ِإنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا  فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا )سورة النساء97:99.

قالوا: فجعلت الآية من ظلم الإنسان لنفسه قبوله العيش في كنف الذل، مع قدرته على الإنتقال إلى أرض أخرى، يجد فيها حريته وأمنه وأسباب عيشه، ولم تستثن من الوعيد الذي ينتظر هؤلاء إلا العاجزين، الذين لا قدرة لهم ولا حيلة.

ب- حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم “أنا برئ من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين”رواه أبو داود واختلف في صحته وضعفه.

قالوا : وفي الحديث دلالة على وجوب ترك ديار المشركين إلى ديار الإسلام.

ج- قالوا: أن المسلم الذي يقيم في بلاد الكفر، يعرض نفسه للفتن ورؤية المنكرات، حيث الإباحية التي تحميها القوانين. كما أن هناك كثيراً من الشعائر لا يستطيع المسلم أن يقوم بها في هذه البلاد.

الرأي الثاني:

وإليه ذهب جمهور الفقهاء من: الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وكثير من العلماء المعاصرين منهم الدكتور يوسف القرضاوي والدكتور وهبة الزحيلي، وهم يرون جواز الإقامة في البلاد الغير إسلامية؛ إذا استطاع المسلم إقامة شعائر دينه وحافظ على هويته. واستدلوا بالإدلة التالية:

أ- قوله تعالى”  {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ }الأنبياء105. قالوا والآية صريحة في أن الأرض لأهل الإيمان والتقى يقيمون عليها حيث شاءوا.

ب- حديث فديك  وكان قد أسلم، وأراد أن يهاجر، فطلب منه قومه -وهم كفار- أن يبقى معهم، واشترطوا له أنهم لن يتعرضوا لدينه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنهم يزعمون أنه من لم يهاجر هلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “يا فديك أقم الصلاة وأهجر السوء واسكن من أرض قومك حيث شئت”.صحيح ابن حبان

وفي الحديث دلالة على جواز اقامة المسلم في غير بلاد الإسلام إذا استطاع أن يقيم شعائر دينه.

 

ج- حديث أبي يحي مولى آل الزبير بن العوام عن الزبير بن العوام  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “البلاد بلاد الله، والعباد عباد الله، فحيثما أصبت خيراً فأقم”رواه أحمد وضعفه الألباني

وفي هذا الحديث دلالة على أن المسلم حيثما وجد ما ينفعه أقام، دون النظر إلى كون البلاد اسلامية، أو غير إسلامية، فالبلاد كما عبر الحديث بلاد الله.

د- هجرة المسلمين الأولى والثانية إلى الحبشة، وبقاؤهم فيها حتى رجوعهم إلى المدينة، ولم يكن يحكم الحبشة أيُّ نظام إسلامي، وكذلك بقاء النجاشي ملك الحبشة بها بعد ما أسلم حتى مات، وصلى عليه الرسول بالمدينة صلاة الغائب.

الرأي المختار:

مرّ العالم الإسلامي بأزمات ونكبات ومحن أدت إلى هجرة كثير من المسلمين من بلادهم إما فراراً بدينهم وإما طلباً للعلم وإما بحثاً عن لقمة العيش ، واستقر هؤلاء في البلاد التي هاجروا إليها وارتبطت حياتهم بها بل تعاقبت أجيال في بعض البلدان فهناك الجيل الثالث والرابع ولا يستطيع هؤلاء العودة إلى موطنهم الأصلي لأسباب تختلف من انسان لآخر .

ولذلك يبقى رأي القائلين بجواز الإقامة أقرب إلى تحقيق المصلحة ودرء المفسدة، خاصة وأن جمهور الفقهاء، وكثير من العلماء المعاصرين، يرون ذلك

ويؤيد هذا الرأي ويعضده:

أ- أن الآية التي أستدل بها القائلون بعدم الجواز ليست نصاً صريحاً في منع اقامة المسلم في بلاد غير إسلامية على الإطلاق، ولكن غاية ما في الأمر كما ذكر الإمام ابن كثير في تفسيره “أن الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين، وهو قادر على الهجرة، وليس متمكناً من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه مرتكب حراماً بالإجماع”.

ب- حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ” أنا برئ من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين” قال عنه الحافظ ابن حجر: “وهذا محمول على من لا يأمن على دينه”.

ولذلك أذن النبي صلى الله عليه وسلم لمن أسلم أن يقيم بين قومه إن استطاع اقامة شعائر دينه، كما في حديث فديك،كما أن هذا الحديث له معنى آخر ذكر العلامة يوسف القرضاوي وهو أنه صلى الله عليه وسلم برئ من ديته إذا قتله المسلمون خطأ لأنه أقام بين المشركين المحاربين للإسلام فحكمه حكمهم فإذا قتل خطئاً فلا يتحمل الرسول ولا المسلمون ديته.

وأصل الحديث كما في رواية جرير بن عبداللَّه البجلي قال: بعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سرية إلى خثعم فاعتصم ناس منهم بالسجود، فأسرع فيهم القتل، قال: فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمر لهم بنصف العقل، وقال: «أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين» والحديث سنده ضعيف ، ولو ثبت فإن سبب وروده مفسر لمعناه، وهو أن أناساً أسلموا ومكثوا مع قومهم الكفار ولم يهاجروا إلى بلد الإسلام، حتى إذا وقعت مواجهة بين المسلمين وأولئك الكفار لم يتميز أمر أولئك المسلمين من بين سائر قومهم الكفار، فيقتلهم المسلمون في المعركة لعدم معرفتهم بهم حيث لم تميزهم علامة، فالبراءة منهم من جهة أن المسلمين لو قتلوهم فلا تبعة عليهم بذلك، وهذا المعنى لا وجود له اليوم، فتنزيل هذا الحديث على الواقع ممتنع، واقتطاع طائفة من الناس طرفاً من الحديث دون سائره وسببه من أكبر الآفات المفسدة للفهم الصحيح، نسأل اللَّه أن يلهمنا الهدى والصواب.

تنبيه:

هذا الاختيار للقول الثاني من أقوال أهل العلم، إذا كان المسلم قادراً على أداء شعائر دينه، محافظاً على هويته، مربياً لأبنائه وبناته، التربية الإسلامية، له رسالة هادفة يقوم عليها، أما إذا خاف على نفسه، أو أولاده، الفتن ولم يأمن الضياع والذوبان، فإن عليه أن يعد عدة الرحيل، إما إلى بلد إسلامي، أو بلد أقل فتنة، فالبلاد الغير إسلامية لا شك تتفاوت فيما بينها فيما يتعرض له المسلم من فتن وذوبان. 

المسألة الثانية: حكم الحصول على جنسية بلد غير مسلم.

لم يختلف أحد من أهل العلم على أن المسلم له أن يحمل جنسية وجواز سفر أي بلد مسلم وإنما الخلاف حول جنسية وجواز سفر البلاد الغير إسلامية عندما يحصل عليها المسلم وقد دارت الأراء بين من يرى أنها حرام لا تجوز وبين من يرى الجواز وسأبين الرأيين ودليل كل منهما:

الرأي الأول:

لا يجوز للمسلم أن يتجنس بجنسية دولة غير اسلامية ويحرم عليه ذلك وقد استدل المانعون بأدلة القائلين بعدم جواز اقامة المسلم في بلد غير اسلامي وقد سبق ذكرها كما أكدوا أدلتهم بما يلي:

1. قوله تعالى: “ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين”المائدة51، وقوله تعالى: “ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون”التوبة 23، ووجه الدلالة أن الذي يحصل على جنسية دولة غير مسلمة أنما يدخل تحت سلطانها وتبعيتها ويترك تبعية الدولة الإسلامية وبذلك يكثر سوادهم ويقوي شوكتهم وهو من أهم صفات الولاء والبراء.

2. الذي يقبل بالتجنس بجنسية غير اسلامية هذا يعني ضمناً أنه رضي بالتحاكم إلى قوانين غير اسلامية في كل مجالات حياته؛الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتحاكم لغير ما أنزل الله تعالى كفر وقد قال تعالى: “فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما”النساء65.

الرأي الثاني:

وأصحاب هذا الرأي يرون أنه لابأس من حصول المسلم على جنسية وجواز سفر دولة غير اسلامية إذ لا يقبل أن نجيز له الاقامة في بلد وهذه الاقامة يترتب عليها حقوق وواجبات قد لا يسهل له الحصول عليها إلا إذا كان يحمل جنسية البلد الذي يقيم فيه.

يقول الدكتور وهبة الزحيلي: “ما دمنا قد قلنا بجواز الاقامة في دار الكفر فإنه يتفرع عنه جواز التجنس لأنه ما هو إلا لتنظيم العلاقة فهي تسهل لهم الأمور وتسهل أيضاً الاستفادة من خدماتهم”

وقد استدل هؤلاء بأدلة جواز اقامة المسلم في بلد غير اسلامي اضافة إلى ما يلي:

1. إن الجنسية لا تدخل تحت الموالاة والولاء لأنها لا ترتبط بالدين فولاء المسلم لأمته ودينه لا علاقة له بالمكان الذي يعيش فيه وأما الجنسية فعلاقتها بالوطن الذي يعيش عليه وقد يجمع هذا الوطن ديانات ومذاهب ونحل شتى يجمعهم عقد المواطنة وهو عقد مدني لا ديني بل أن الدول الغير اسلامية والغربية منها على وجه الخصوص تعلن أنها دولة علمانية لا علاقة لها بالدين .

2. الجنسية هي وثيقة تكفل له الاقامة الدائمة في البلد الذي منحه اياها وتكفل له حرية الحركة والتنقل كما تكفل له من الحقوق والواجبات التي قد تعينه على الحفاظ على دينه ونفسه وماله وعرضه ونسله وعقله وله حرية الاقامة في بلد الجنسية أو الانتقال إلى أخرى حسب رغبته فإذا وجد المسلم ضيقاً على دينه في البلد التي حصل منها على الجنسية وأراد أن يرحل إلى أخرى فلا أشكالية عليه في ذلك.

الرأي المختار:

مما لا شك فيه أن الأقليات المسلمة اليوم التي تعيش تحت أنظمة غير اسلامية قد تجاوز تعدادهم ثلث المسلمين في العالم تقريباً .

وهنا تبرز أهمية حصول المسلم على جنسية البلد الذي يعيش فيه فهي تعطيه قوة مادية وتجعل له حق المواطنة كالمواطنين الأصليين فلا يستطيع أحد طرده كما يشاء وله حق الانتخاب والترشيح وحقوق أخرى كثيرة .

ويبقى هنا على المسلم عبء ثقيل هو الاهتمام بنفسه وبيته وتنشئة ابنائه على الإسلام والقيام بأمر الدعوة إلى الله تعالى ليحقق معنى الشهادة التي تحدث عنها القرآن الكريم ” {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً }البقرة143


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 278 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم