يشرف الإنسان بشرف من يتحدث عنه فعندما يتحدث عن زعيم من الزعماء أو ملك من الملوك تراه يتيه فخرا وشرفا لمن يتحدث عنه، فما بالنا ونحن نتحدث عن المصطفى صلى الله عليه وسلم فشرفنا أعظم شرف وفخرنا أعظم فخر.
والحديث عن أخلاق النبى المختار تفنى دونه الأعمار، ولذا سوف أركز الحديث فى جانب واحد فقط من أخلاق المصطفى
صلى الله عليه وسلم ألا وهو جانب الرحمة؛ فما أحوجنا إلى الرحمة، وما أحوج الأمة أن تتربى على المعانى الرقيقة للرحمة نأخذها من القدوة الطيبة والمثل الأعلى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم
وما أحوجنا أن نعلم الغرب كله أن نبينا هو نبي الرحمة ، فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ظهر في العالم الغربي تيار منتقد للرسول وللإسلام ؛ بسبب الخلط بين تصرفات المتطرفين الإسلاميين ورسالة الإسلام بشكل عام.
ويُرجع أنصار هذا التيار سبب العنف الموجود في العالم إلى تعاليم الإسلام ومحمد، وأنتجوا أعمالا ينتقدون فيها الرسول صلى الله عليه وسلم مثل كتاب نبي الخراب Prophet Of Doom للمؤلف كريك ونن Craig Winn الذي وصف النبي – صلى الله عليه وسلم – بقاطع طريق استعمل – حسب زعمه – العنف والغدر للوصول إلى الحكم والسلطة! والكتاب حقق مبيعات خيالية،وفيلم فتنة،والرسوم الكاريكتورية في صحيفة يولاندس بوستن.
فنريد أن نبين للعالم أجمع أن نبينا هو نبي الرحمة لا نبي الخراب وأن ديننا هودين العدالة والسماحة ،وأن شريعتنا هي شريعة الرحمة
أولا : رسول الله رحمة للعالمين :
قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَة لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء – 107) قال ابن عباس: رسول الله بعث رحمة للبار والفاجر، فمن آمن بالنبى صلى الله عليه وسلم تمت له الرحمة فى الدنيا والآخرة مصداقا لقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (33) سورة الأنفال
فرسول الله رحمة لكل العالمين {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }
وروى مسلم فى صحيحه من حديث أبى هريرة أنه قيل للنبى : ادع على المشركين…. فقال :” أنى لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة” .
وقال: ” إنما أنا رحمة مهداة” صححه الحاكم
رحمة النبي رحمة شاملة وعامة وعالمية، وليست عنصرية تقوم على الأعراق أو الألوان أو المذاهب .. بل رحمة لكل البشر، رحمة عامة ومجردة للعالمين جميعاً، ليست رحمة للعرب دون العجم أو للمسلمين دون غيرهم، أو للشرق دون الغرب .. بل هي رحمة للعالمين..
فكان صلوات الله عليه حين ولد وبعث رحمة للإنسانية، لأنة أعاد لها إنسانيتها وإحساسها بذاتها وكرامتها.
بعث النبي صلى الله عليه وسلم والدنيا فوضى فمع أن الكون كله منظومة تسبح لله فإن كثيرا من الناس خرج عنها فعبد شجرة أو حجرا أو صنما… وصدق ما قاله أمير الشعراء شوقي في “نهج البردة” مادحا النبي “صلى الله عليه وسلم”:
أتيت والناس فوضى لا تمر بهم.. إلا على صنم قد هام في صنم
ومن ثم كانت رحمته إنسانية عامة، شملت المسلم وغير المسلم، والعربي والأعجمي ، والكبير والصغير، والرجل والمرأة ،بل والحيوان والطير والجماد. فهو يعتبر البشرية جميعها أسرة واحدة، تنتمي إلى رب واحد وإلى أب واحد وإلى أرض واحدة ..كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :
“يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى”.
ثانيا : رحمة النبى صلى الله عليه وسلم بأمته:
عن عبد الله بن عمرو أن النبى صلى الله عليه وسلم قرأ يوما قول الله تعالى فى إبراهيم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (36) سورة إبراهيم وقرأ قول الله فى عيسى: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (118) سورة المائدة فبكى الحبيب المصطفى ورفع يديه إلى السماء فسمع الله بكاءه وعلم الله ما جال فى صدره، فقال الله لجبريل عليه السلام : يا جبريل سل محمداً ما الذى يبكيك؟ وهو أعلم فنزل جبريل فسأل المصطفى فقال الحبيب:” أمتى أمتى يا جبريل..” فصعد جبريل إلى السماء وقال لرب العزة: يبكى محمد على أمته فأمر الله جبريل مرة ثانية وقال له: يا جبريل أنزل لمحمد وقل له: إنا سنرضيك فى أمتك ولا نسوؤك ) رواه البخارى ومسلم
ويقول أيضا ” لكل نبى دعوة مستجابة فتعجل كل نبى بدعوته إلا أنا فقد اختبأت دعوتى شفاعة لأمتى يوم القيامة فهى نائلة إن شاء الله تعالى من مات من أمتى لا يشرك بالله شيئاً “.
هذه هى رحمة النبى صلى الله عليه وسلم بالأمة فهل لهذه الأمة أن تخالف هدى النبى صلى الله عليه وسلم لو عرفت الأمة قدر الحبيب النبى صلى الله عليه وسلم لا تبعت أمره ولا جتنبت نهيه ولوقفت عند حدوده، لتعلم يقينا أنه لا سعادة لها فى الدنيا ولا فى الآخرة إلا إذا فاءت من جديد إلى هدى الحبيب صلى الله عليه وسلم ، أسأل الله أن يرد الأمة إليه ردا جميلاً.
ثالثاً: رحمة النبى فى دعوته:
مقام الدعوة هو الحكمة واللين قال تعالى مخاطبا نبيه: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (125) سورة النحل
وقال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } (159) سورة آل عمران
روى مسلم فى صحيحه من حديث معاوية بن الحكم السلمى: بينما أنا أصلى يوماً مع رسول الله إذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله يقول: فرمانى القوم بأبصارهم( نظروا إلى بحدة وشدة)، فقلت : واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلى .. فرأيت الناس يضربون بأيديهم على أفخاذهم فسكتّ يقول: والله ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن منه والله ما كهرنى ولا ضربنى ولا شتمنى إنما قال لى:” إن الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس إنما هى التسبيح و التكبير وقراءة القرآن”
نريد أن تفتح القلوب إلى سنة النبى بالرحمة والرفق فإننا لا نملك على الإطلاق بأن نحول القلوب من البدعة إلى السنة، ومن الباطل إلى الحق، ومن الحرام إلى الحلال ومن الشر إلى الخير…لن يكون ذلك على الإطلاق بالعنف أو الشدة أو القسوة ، وإنما يكون ذلك بحكمة وتراحم وتواضع وأدب وبسمة ندية وبكلمة رقيقة
إن مجرد الجلوس وإصدار الأحكام على الناس بالكفر أو الفسق أو التبديع أو التضليل دون أن نتحرك لتعليمهم هذا الحد لن يغير من الواقع بشئ على الإطلاق، و قصة الأعرابى الذى دخل مسجد النبى وبال فى طائفة المسجد وقال الصحابة: مه مه وقال الحبيب: دعوة” لا تزرموه دعوه” اتركوه يكمل بوله فى المسجد .. ويقول الأعرابى: فأنهى بوله فقال له:” إن المساجد لا تصلح لشئ من هذا وإنما جعلت للصلاة ولذكر الله ولقراءة القرآن”
الأعرابى انفعل لأخلاق النبى ورحمته انفعل الأعرابى بهذه الأخلاق وهذه الرحمة فدخل الصلاة وهو يقول: اللهم ارحمنى وارحم محمداً ولا ترحم أحدا معنا فقال له المصطفى:” لقد تحجرت واسعا قال الله: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } (156) سورة الأعراف.. فلماذا ضيقت ما وسع الله”
رابعا : رحمة النبى بالمرأة:
لقد ادعى الغرب أن الإسلام قد ظلم المرأة ورفع هذه الراية السوداء العلمانيون فى بلاد المسلمين، فخرج من أبناء هذه الأمة من قال عن الإسلام: قد ظلم المرأة والزوج سجان قاهر والبيت سجن مؤبد والأمومة تكاثر حيوانى ولابد من أن تحرر المرأة
ولو دققنا لرأينا المرأة فى بلاد الغرب ألعوبة يتلهى بها فى ريعان شبابها ويُستمتع بها، وإذا ما وصلت إلى سن كبيرة يرمى بها فى إحدى دور العجائز والمسنين، قد لا يذهب إليها أولادها إلا فى كل عام مرة
وهذه امرأة أمريكية سُألت بعد إسلامها ما هو شعورك تجاه الإسلام؟
فقالت: والله إنى أتمنى الآن أن أصرخ الآن بأعلى صوتى لأسُمع كل امرأة فى أمريكا أننى مؤخرا وجدت ديناً يحفظ للمرأة كرامتها، إنه دين محمد صلى الله عليه وسلم .
رحم النبى صلى الله عليه وسلم المرأة أماً ، ورحم المرأة زوجة ورحم المرأة بنتاً.
رحم النبى صلى الله عليه وسلم المرأة أماً فقال لرجل سأله يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتى؟ قال: ” أمك” قال: ثم من؟ قال: “أمك” ، قال : ثم من؟ قال: ” أمك” قال ثم من؟ قال: “أبوك”
ورحم المرأة زوجة فقال صلى الله عليه وسلم: “اتقوا الله فى النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله) صحيح مسلم
ورحم المرأة بنتاً فقال صلى الله عليه وسلم :” من عال جاريتين- أى ابنتين صغيرتين- حتى تبلغا كنت أنا وهو فى الجنة” وضم بين أصابعه )صحيح مسلم
خامساً : رحمة النبى صلى الله عليه وسلم بالأطفال:
دخل الأقرع بن حابس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما وهو يقبل الحسن ويقبل الحسين فقال : والله أنا لى عشرة من الآولاد ما قبلت واحدا منهم فغضب النبى وقال:” وما أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك، من لا يرحم لا يرحم ) متفق عليه
بل كان صلى الله عليه وسلم إذا خرج من المسجد فقابله الصبيان وقف يسلم عليهم، فعن جابر بن سمرة يقول جابر: صليت مع النبى صلى الله عليه وسلم الصلاة الأولى، فخرج إلى أهله فقابله الصبيان، فجعل النبىصلى الله عليه وسلم يمسح خدى أحدهم واحدا واحداً، ثم مسح النبى صلى الله عليه وسلم على خدى فوجدت ليده بردا وريحا كأنه أخرجها من جوْنة عطار. صحيح مسلم
وفى الصحيحين أن الحسن بن على أخذ يوما تمرة من تمر الصدقة فلما وضعها فى فيه أخذها النبى صلى الله عليه وسلم وقال:” كخ كخ ألا تعلم يا حسن إننا لا نأكل الصدقة” .
سادساً: رحمة النبى صلى الله عليه وسلم باليتامى والفقراء.
ويكفى اليتامى شرفاً وفخراً أن المصطفىصلى الله عليه وسلم نشأ يتيماً، فالحمد لله الذى جعل يتم المصطفى تشريفا لكل يتيم {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} (6) سورة الضحى
ويعدها قال: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ } (9) سورة الضحى فامتثل النبى لأمر ربه فلم يقهر النبى يتيما قط بل قال: ” أنا وكافل اليتيم فى الجنة كهاتين…” رواه البخارى
و يقول النبى صلى الله عليه وسلم : أنا أول من يفتح باب الجنة فأرى امرأة تبادرنى- أى تسابقنى تريد أن تدخل معى الباب- فأقول لها: من أنت؟ فتقول: أنا امرأة قعدت على أيتام لى” صححه الألبانى
مات زوجها فأبت الزواج مع حاجتها إليه، وعكفت على تربية الأبناء
هذه المرأة مكانتها أنها تسابق النبى صلى الله عليه وسلم لتدخل معه الجنة، تصور هذه الكرامة لهذه المرأة التى عكفت على تربية أولادها
أما عن الفقراء فقد قلب النبي صلى الله عليه وسلم موازين الجاهلية حينما مر رجل من فقراء المسلمين على النبى صلى الله عليه وسلم يوما فقال النبى لأصحابة:” ما تقولون فى هذا؟ فقالوا: رجل من فقراء المسلمين هذا والله حرى إن خطب ألا يزوج، وإن شفع ألا يشفع، ثم مر رجل آخر من الأشراف فقال: ما تقولون فى هذا؟ قالوا: رجل من أشراف القوم هذا والله حرى إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع فأشار النبى صلى الله عليه وسلم على الرجل الفقير الأول فقال: ” والله هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا”.. رواه البخارى ومسلم من حديث سهل بن سعد الساعدى
لماذا؟ لأن الميزان الذى يزن به رب العزة الناس هو التقوى ولذلك ثبت فى الصحيحين أنه r قال:” يؤتى يوم القيامة بالرجل السمين العظيم فلا يزن عند الله جناح بعوضه” قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} (105) سورة الكهف
وفى المقابل قصةعبد الله بن مسعود رضى الله عنه أنه صعد على شجرة الأراك بجنى سواكاً فجعلت الريح تكفؤه – قامت ريح فقلبت عبد الله على الأرض- فضحك القوم- فقال النبى صلى الله عليه وسلم : “مم تضحكون؟” قالوا: نضحك من دقة قدميه يا رسول الله. فقال المصطفى: ” والذى نفسى بيده لهما فى الميزان يوم القيامة أثقل من جبل أحد إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم”. رواه أحمد بسند حسن
سابعاً: رحمة النبى صلى الله عليه وسلم بأهل المعاصى:
جاءت امرأة من جهينة- الغامدية- إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله طهرنى لقد أصبت حد الزنى طهرنى.
جاءت بنفسها ما جاء بها بوليس الآداب وما جاءت بها هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وإنما إن شئت فقل: جاء بها إيمان غرسه فى قلبها المصطفى صلى الله عليه وسلم وكفى.
فقالت: يا رسول الله طهرنى لقد زنيت فقال المصطفىصلى الله عليه وسلم :” أين وليها؟ فجاء وليها فقال المصطفى لوليها:” أحسن إليها حتى تضع ولدها” رجعت المرأة وجاءت به تحمله على صدرها للنبى صلى الله عليه وسلم لتقول : يا رسول الله هذا ولدى قد وضعته فطهرنى.
هى التى جاءت بنفسها، نعم! فقال لها المصطفى صلى الله عليه وسلم :” ارجعى حتى ترضيعه سنتين كاملتين”. أنظروا إلى الرحمة يا إخوة…
فعادت المرأة فأرضعت طفلها سنتين وجاءت بعد عامين وفى يد ولدها كسرة خبز، لتخبر النبى صلى الله عليه وسلم أن الولد قد فطم عن الرضاع، فإنها مصرة على أن تُطهر فى الدنيا قبل الآخرة، فأمر النبى صلى الله عليه وسلم بها فشدت عليها ثيابها ورجمت حتى ماتت، فلما ماتت أمر النبى الصحابة أن يغسلوها وأن يكفنوها ثم قام المصطفى صلى الله عليه وسلم يصلى عليها بنفسه فقالوا: يا رسول الله: أتصلى عليها وقد زنت فقال صلى الله عليه وسلم ” والله لقد تابت توبة لو وزعت على سبعين من أهل المدينة
ثامنا : رحمة النبى صلى الله عليه وسلم بالمخالفين :
روى البخارى ومسلم من حديث عائشة أنها قالت للنبى صلى الله عليه وسلم : هل مر عليك يا رسول الله يوم أشد عليك من يوم أحد ؟ فقال المصطفى:” والله لقد لاقيت من قومك ما لقيت يا عائشة، وكان أشد ما لاقيت منهم حينما يوم العقبة إذ عرضت نفسى على ابن عبد ياليل بن عبد كلال”- وأنتم تعلمون ما فعله أهل الطائف بالنبى طردوه وسبوه وضربوه بالحجارة- يقول :” فعدت وأنا مهموم على وجهى ولم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب”.
بالله أرجو أن نتدبر الهم الذى حمله النبى فى قلبه لدرجة أنه مشى ما يزيد على سبعة كيلو مترات لم يشعر بشئ ولم يستفق من كثرة الهموم فى قلبه إلا بسحابة قد أظلته فرفع رأسه فرأى فى السحابة جبريل عليه السلام يسلم عليه يقول-: السلام عليك يا رسول الله لقد سمع الله قول قومك لك وقد أرسل الله إليكم ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم”.
يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم :” فسلم على ملك الجبال وقال: يا رسول الله لقد سمع الله قول قومك لك ولقد أرسلنى فمرنى بما شئت فيهم ثم قال ملك الجبال: لو أمرتنى أن أطبق الأخشبين لفعلت”- والأخشبان جبلان عظيمان يقال للأول: أبو قبيس ويقال للثانى: الأحمر-” لو أمرتنى أن أطبق عليهم الأخشبين لفعلت”.
والله لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن ينتقم لذاته ولنفسه لأمر ملك الجبال فلحطم ملك الجبال هذه الرؤوس الصلدة والجماجم المتعنته العنيدة ولسالت أودية من الدماء يراها أهل مكة بمكة وهى تفيض إليهم من الطائف ولكن رسول الله ما خرج ليثأر لنفسه قط وما انتقم لذاته أبدا، قال ملك الجبال:” لو أمرتنى أن أطبق عليهم الأخشبين لفعلت” فقال الرحمة المهداة: ” لا ياملك الجبال إنما أرجو الله أن يخرج من أصلابهم من يوحد الله، بل أرجو من الله أن يخرج من اصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً”. .
إنه الرحمة المهداة هذه رحمته بمن رموه بالحجارة وقذفوه، لأنه فى مقام دعوة والدعوة تحتاج إلى رفق وإلى رحمة
وجاءه الطفيل بن عمرو الدوسى إلى النبى صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله: كفرت دوس،ادع الله عليهم فرفع النبى يديه إلى السماء والله لو دعا عليهم لهلكوا إلا أنه الرحمة فرفع يديه وقال:” اللهم أهد دوسا وأت بهم”.
فاستجاب الله دعاء حبيبه صلى الله عليه وسلم فهدى الله دوسا وأتى الله بهم وعلى رأسهم الطفيل وأبو هريرة رضوان الله عليهم جميعاً.
وأخيراً: رحمة النبى بالحيوان:
إن أول من أصل لهذا المبدأ الرحيم ألا وهو مبدأ الرفق بالحيوان هو المصطفى صلى الله عليه وسلم ففى صحيح مسلم من حديث شداد بن أوس أنه صلى الله عليه وسلم قال: ” إن الله كتب الإحسان على كل شئ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح أحدكم ذبيحته” .
بل أخبرنا كما فى الصحيحين من حديث أبن عمر: ” أن امرأة دخلت النار فى هرة- فى قطة- حبستها فلم تطعمها ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض”.
أخبرنا كما فى الصحيحين: ” أن بغيا (زانية )من بنى إسرائيل دخلت الجنة فى كلب، مرت على كلب يلهث الثرى من العطش فنزلت إلى بئر فيه ماء فملأت خفها بالماء وقدمته للكلب فشرب فغفر الله لها بذلك
أكتفى بهذا القدر، والله أسأل أن يردنا إلى أخلاق الحبيب ردا جميلاً وأن يتقبل منا ومنكم جميعاً صالح الأعمال.