كيف ربى الرسول أصحابه ؟

تاريخ الإضافة 15 سبتمبر, 2023 الزيارات : 6476

كيف ربى الرسول أصحابه ؟
تكلمنا الأسبوع الماضي عن جوانب العظمة في شخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقلنا أننا سنركز الحديث عن ثلاثة جوانب :

تكلمنا عن اثنين منهم الخطبة الماضية وهما :
الجانب الأول :الأخلاق الفاضلة .
الجانب الثاني : القدوة الحسنة .

على هذا الرابط (هنا )

نتناول اليوم الجانب الثالث:
المنهج التربوي:
كيف ربى الرسول أصحابه حتى بلغوا ما بلغوامن مكانة عظيمة؟ فالعظيم ربى عظماء جاهدوا وصبروا وصابروا حتى أدوا الأمانة وبلغوها إلينا كاملة ، نسأل الله أن نكون خير خلف لخير سلف .

كيف ربى الرسول أصحابه؟

هل رباهم ليكونوا عبيدا يطيعونه بلا نقاش ؟

هل رباهم ليكونوا قطيعا مطيعا ؟

هل رباهم على الخسة والنذالة ؟

هل رباهم على المذلة والفقر ؟

كلا كلا ، هذا حال المتألهين من الحكام الظلمة ، أما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ربى أصحابه أولا على حب الله عز وجل ، ثم على حبه -صلى الله عليه وسلم- لشخصه ولمكانته ولحسن أخلاقه ، ثم رباهم على حب بعضهم البعض وغرس فيهم الشجاعة والإقدام وحرية التعبير والرأي ، وزرع فيهم علو الهمة ، وهذه أبرز معالم المنهج التربوي الذي ربي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليه أصحابه .

الأمر الأول / ربط النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه على الحب في الله :

فأصل المحبة أن تكون في الله ولله، قال تعالى : -( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله )- [البقرة/165] والذين آمنوا يحبون ربهم أشد من محبة المشركين لأصنامهم التي اتخذوها أندادا من دون الله .

ثانيا / رباهم على حبه -صلى الله عليه وسلم- :
وجاء البيان الإلهي يوضح لنا أن محبة الله تستوجب محبة نبيه فقال : -( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم )- [آل عمران/31] فكل من كان يدخل الإسلام يتربى أولا على هذه المعاني أنك أسلمت لله وأعلنت طاعتك وانقيادك لله وأمره ومن تمام انقيادك لأمره أن تسمع وتطيع لرسوله -صلى الله عليه وسلم- فهو الذي جاء بالرسالة وبلغها عن الله فبين مراد الحق من الخلق.
فغرس النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الحب في نفوس أصحابه عقيدة وإيمانا ، وغرسه خلقا ومكانة ،فالقلوب تتعلق بأي شخص من ناحيتين :
الأولى : حب بالعاطفة أي يرتبط بالشخص قلبيا .
الثانية : حب بالعقل ،أي يرتبط بالشخص لمكانته وأخلاقه ومواقفه ، لجميله ومعروفه وإحسانه .

والرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يجمع كل هذه الصفات ، فارتبط به أصحابه رضوان الله عليهم عاطفيا فكانوا يحبونه ويشتاقون لرؤيته ، وارتبطوا به إيمانيا لسماحته وأخلاقه -صلى الله عليه وسلم- وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : ( كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحب إلينا من أنفسنا وأموالنا وأهلينا وأحب إلينا من الماء البارد على الظمأ)
وقال أنس: (لما دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة أضاء منها كل شيء ، ولما توفي أظلم منها كل شئ )
وكان عمروبن العاص يقول: “ما كانَ أحَدٌ أحَبَّ إلَيَّ مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، ولا أجَلَّ في عَيْنِي منه، وما كُنْتُ أُطِيقُ أنْ أمْلأَ عَيْنَيَّ منه إجْلالًا له، ولو سُئِلْتُ أنْ أصِفَهُ ما أطَقْتُ؛ لأَنِّي لَمْ أكُنْ أمْلأُ عَيْنَيَّ منه.”
وقال عمر بن الخطاب: “يا رسول الله! لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي”
قال: يا رسول الله أنا أحبك أكثر من أي شيء إلا من نفسي، أنا أحب نفسي أكثر منك.
فقال -صلى الله عليه وسلم- :لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك ، فقال له عمر: “فإنك الآن أحب إليّ من نفسي”. فقال: الآن يا عمر 

ويقول أنس : “خدمتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عشرَ سنينَ ، فما قال لي أُفٍّ قطُّ ، وما قال لي لشيٍء صنعتُه : لِمَ صنعتَه ، ولا لشيٍء تركتُه : لِمَ تركتَه ، وكان رسولُ اللهِ من أحسنِ الناسِ خُلُقًا “
وأرسله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحاجته فتأخر عنه لأنه انشغل باللعب مع الصبيان (كان عمره عشر سنين ) فأمسك النبي بأذنه قائلا : يا ذا الأذنين !!!
فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يربي أصحابه على معنى الحب ، ولم يكن متعاليا ولا متكبرا ، وكانوا أصحابه إذا رأوه قاموا له فنهاهم عن ذلك قائلا : لا تقوموا إلى كما تقوم الأعاجم ، وكان يجلس بينهم كواحد منهم، ولا يُعْرَف مجلسه مِن مجلس أصحابه؛ لأنَّه كان يجلس حيث ينتهي به المجلس، ولم يكن يجلس مجلسًا يميزه عمن حوله، حتى إن الغريب الذي لا يعرفه إذا دخل مجلسًا هو فيه، لم يستطع أن يُفَرِّق بينه وبين أصحابه!! فكان يسأل: «أَيُّكم مُحَمَّدٌ؟! والنبيُّ صلى الله عليه وسلم مُتَّكِئٌ بين ظَهْرَانِيهِم!..»
وكان -صلى الله عليه وسلم- بساما ضحاكا لم يكن متكلفا ولا متعاليا ولا فظا ولا غليظا ، يقول جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه : ما رآني رسول الله قط إلا وتبسم في وجهي .
وتقول عائشة : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بساما ضحاكا هاشّا باشّا يعني كثير البسمة والبشر والسرور الذي يرى على وجهه ؛ كيف لا وهو الذي علمنا “تبسمك في وجه أخيك صدقة” .
يقولون : إن الجالسين بين يديه -صلى الله عليه وسلم- ولا شك أنهم كثيرين كان يظن كل واحد منهم أنه وحده الذي ينظر إليه رسول الله فيستشعر كل واحد أن له مكانة في قلبه -صلى الله عليه وسلم- وكان يسأل كل واحد عن حاله وأهله ، ويدعو له ويترفق بهم جميعا -صلى الله عليه وسلم- فهل رأيتم زعيما في التاريخ كله يحب لهذه الدرجة ؟

قصة زاهر مع رسول الله :
كان هناك أحد الأعراب من البادية اسمه زاهر كان يأتي للنبي صلى الله عليه وسلم ببعض الهدايا ويأت ببعض الأشياء يبيعها في السوق والنبي يبادره ببعض الهدايا….. فجاء إلى النبي فسأل عليه؛ فلم يكن النبي ببيته فذهب إلى السوق فلما علم النبي بحضوره تبعه حتى جاء من خلفه وجعل يده على عينه -يداعبه أو يمازحه صلى الله عليه وسلم- طبعا أهل البادية فيهم خشونة في بعض الأمور.

قال دعني، أتركني وجعل يهز نفسه ويدفع من وراءه والنبي صلى الله عليه وسلم يقول من يشتري العبد؟ من يشتري العبد؟

حتى عرف الصوت (زاهر عرف صوت رسول الله)

قال: تجدني كاسدا والله (أنا لا أساوي شيئا).

ولم يكن رضي الله عنه حسن الخلقة أو وسيما. قال تجدني كاسدا ما أساوي شيئا.

قال : ولكنك عند الله لست بكاسد.

استشارته لأصحابه :
ويحدث الأمر فينادي في أصحابه أشيروا علي أيها الناس ، أشيروا علي أيها الناس!!
لم يقل كما قال الديكتاتور الأول فرعون -( ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد )- [غافر/29]

أشيروا علي أيها الناس!! فيشيرون عليه صلى الله عليه وسلم وهو الملهم المؤيد بالوحي النبي الخاتم خير خلق الله -صلى الله عليه وسلم-

ولم يكن صلى الله عليه وسلم يحجر على رأي أو يستمسك برأيه ، أو أن يدعي أن الحق معه لا مع غيره أقصد في المشورة ، إنما كان يسمع ويأخذ الرأي بالأغلبية كما حدث بغزوة أحد لما جمع أصحابه رضي الله عنهم وشاورهم في البقاء في المدينة والتحصن فيها أو الخروج لملاقاة المشركين، وكان رأي النبي صلى الله عليه وسلم البقاء في المدينة، والرأي الآخر لبعض المسلمين ممن كان فاته بدر قالوا: يا رسول الله، اخرج بنا إلى أعدائنا، وكانوا الأغلبية فنزل النبي -صلى الله عليه وسلم- على رأيهم .
فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته، فلبس لأمته(عدة الحرب), فتلاوم القوم فقالوا: عرض نبي الله صلى الله عليه وسلم بأمر وعرضتم بغيره، فاذهب يا حمزة فقل لنبي الله صلى الله عليه وسلم: (أمرنا لأمرك تبع) فأتى حمزة فقال له: (يا نبي الله إن القوم تلاوموا، فقالوا: أمرنا لأمرك تبع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل»
فالرسول صلى الله عليه وسلم عوَّد أصحابه على التصريح بآرائهم عند مشاورته لهم حتى ولو خالفت رأيه، فهو إنما يشاورهم فيما لا نص فيه تعويدًا لهم على التفكير في الأمور العامة ومعالجة مشاكل الأمة، فلا فائدة من المشورة إذا لم تقترن بحرية إبداء الرأي، ولم يحدث أن لام الرسول صلى الله عليه وسلم أحدًا؛ لأنه أخطأ في اجتهاده ولم يوفق في رأيه، وكذلك فإن الأخذ بالشورى ملزم للإمام, فلابد أن يطبق الرسول صلى الله عليه وسلم التوجيه القرآني: ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) [آل عمران: 159]
أما في زماننا فكل من خالف أحد الزعماء السياسيين رموه بأبشع التهم فهو من الخوارج والخونة والعملاء وأعداء الوطن ،وقائمة الاتهامات طويلة كما نعلم .

قصة حدثت أيام الهالك عبد الناصر:
كنت أسمع مقطعا على اليوتيوب، للزعيم الهالك عبد الناصر أيام الوحدة بين سوريا ومصر حصل أن بعض الضباط السوريين لم يعجبهم الحال فأرادوا عمل ما يشبه الانفصال أو الإنقلاب ؛ فوقف في مجلس الأمة وقتها وقال : وبناء على ما حدث فإني قد وجهت الأسطول المصري للقضاء على هذه المهزلة!!
وصفقت القاعة وضجت بالتصفيق. ضجيج كبير. يحاول أن يسكتهم ما شاء الله كله مؤيد للزعيم العبقري الملهم الموهوب صاحب القرار الفذ الفلتة… الرجل يسكت فيهم ما يسكتوا… يعني ثلاث أربع دقائق تصفيق تصفيق تصفيق… حتى هدؤوا.
قال وفي نصف الطريق قلت إن العربي لا يقتل عربيا أبدا فأصدرت أوامري بأن يرجع الأسطول مرة أخرى !!!
فقاموا بالتصفيق وضجت القاعة بالتصفيق.
سبحان الله أي رأي تؤيدون؟ لا شيء، نحن تبع للقائد للزعيم الملهم.
هكذا أرادوا شعوبا تصفق وتؤيد وتبارك فهم كالقطيع المطيع !!
فربى الرسول في أصحابه العزة والشجاعة والإقدام وحرية التعبير والرأي.

الرفق واللين :
وكان -صلى الله عليه وسلم- رفيقا لينا ويقول :  (ماكان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه )
يأتي أعرابي فرأى النبي -صلى الله عليه وسلم- جالسا بناحية من المسجد فذهب إلى الجهة الأخرى فبَالَ فِيها، فَقَامَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْقَوْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلّى الله عليه وسلّم: “دَعُوهُ وَلاَ تُزْرِمُوهُ” قَالَ فَلَمَّا فَرَغَ دَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ، فَصَبَّهُ عَلَيْهِ،وقال : “أهريقوا على بولهِ ذَنوباً من ماء فإنما بُعِثتم مُيسِّرين ولم تُبعثوا مُعسرين”.
ثم التفت إليه معلما فقال يا أخي : “إِنَّ هذِهِ الْمَسَاجِدَ لاَ تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هذَا الْبَوْلِ وَلا الْقَذَرِ، إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ الله – عزّ وجل -، وَالصَّلاَةِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ”.

فلما صلى الرجل دعا قائلا : اللَّهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداًفقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- : لقد حجرت واسعاً) يريد ضيقت رحمة اللَّه.
(لاَ تُزْرِمُوهُ): بضم التاء وإسكان الزاي والإزرام القطع، والمعنى لا تقطعوا عليه بوله.

• (بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ): وفي رواية أخرى (بَذنُوب من ماء) بفتح الذال وضم النون، والَذنُوب هي الدلو العظيم ولا يسمى ذَنُوباً إلا إذا كان مملوءً بالماء، والدلو فيها لغتان التذكير والتأنيث فتقول (هذه دلو) و (هذا دلو) وكلاهما صحيح.

• (أهريقوا على بولهِ): أي صبوا على بوله.
وغرس فيهم حب بعضهم لبعض :
المجتمع لا يكون متماسكا إذا كان مفككا ، إو إذا كان الارتباط فيه معتمدا على العصبية القبلية ، وهذا من أهم مايميز الإسلام فيه ، ولو استعرضت المصلين معي الآن في صلاة الجمعة لبلغوا أكثر من عشرين دولة عربية وإسلامية ، الرسول نجح في إذابة كل هذه الفوارق تحت لواء الحب في الله ، يقول :«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ تَدْخُلُوا الجَنَّة حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُوا، أَوَلاَ أَدُلُّكُم عَلَى شَيءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُم؟ أَفْشُوا السَّلاَم بَينَكُم».
ووَعن عبدِاللَّهِ بنِ سَلاَمٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا باللَّيْل وَالنَّاسُ نِيامٌ، تَدخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلامٍ.
فآخى بين المهاجرين والأنصار وحرص على هذه الوحدة ، ونزع أي فتيل لفتنة أو عصبية >

قصة شاس بن قيس :

مر شاس بن قيس على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من جماعتهم وألفتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة -يعني الأنصار الأوس والخزرج- بهذه البلاد، ، فأمررجلا يتبعه قائلا: اعمد إليهم فاجلس معهم فذكرهم يوم بعاث وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار، ففعل، فتكلم القوم عند ذلك فتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب فتقاولا، وقال بعضهم لبعض: إن شئتم رددناها الآن جذعة، وغضب الفريقان وقالوا: قد فعلنا السلاح السلاح موعدكم الحرة فخرجوا إليها وتحاوز الناس على دعواهم التي كانت في الجاهلية، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه حتى جاءهم فقال: يا معشر المسلمين الله الله.. أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام وأكرمكم به وقطع عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم به من الكفر وألف بين قلوبكم ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا؟! فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم، فألقوا السلاح وبكوا وعانق بعضهم بعضا، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى في ذلك: قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللهِ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ  *  قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آَمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ {آل عمران:98-99}

وأنزل في الأوس والخزرج:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ  *  وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ  {آل عمران:100-101-}

فليس في الإسلام عصبية جاهلية فالإسلام لله ليس لعرق أو بلد أو لون أو جنس ، التفاضل عند الله لا يكون إلا بالتقوى والتقوى محلها القلب لا يطلع عليها إلا الله .
فكوّن رسول الله صلى الله عليه وسلم مجتمعا عجيبا متماسكا متلاصقا مستجيبين لأمر الله تعالى في كتابه -( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا )- [آل عمران/103] فجعلهم جميعا على قلب رجل واحد .

غايتهم من أعلى وأجل الغايات : الجنة :

ومن الأشياء التي ربى الرسول -صلى الله عليه وسلم- صحابته عليها التنافس على الخير ، فلم يكونوا يتنافسون على الدنيا ، فكانت غايتهم من أعلى وأجل الغايات : الجنة .
فكل شيء في الدنيا لا يساوي شيئا ، وهذا كان واضحا من أول يوم عندما بايعه الانصار قَالَ قَائِلُهُمْ : سَلْ يَا مُحَمَّدُ لِرَبِّكَ مَا شِئْتَ، ثمَّ سَلْ لِنَفْسِكَ وَلأَصْحَابِكَ مَا شِئْتَ، ثمَّ أَخْبِرْنَا مَا لَنَا مِنَ الثَّوَابِ عَلَى اللهِ عز وجل وَعَلَيْكُمْ إِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ. قَالَ: فَقَالَ: «أَسْأَلُكُمْ لِرَبِّي عز وجل أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شيئًا، وَأَسْأَلُكُمْ لِنَفْسِي وَلأَصْحَابِي أَنْ تُؤْوُونَا وَتَنْصُرُونَا وَتَمْنَعُونَا مِمَّا مَنَعْتُمْ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ». قَالُوا: فَمَا لَنَا إِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ؟ قَالَ: «لَكُمُ الْجنَّةُ». قَالُوا: فَلَكَ ذَلِكَ.
لم يقل لكم الملك أو الكنوز أو …. فكان التنافس من أجل الجنة .
ويقول  الرسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (مَن أصبح منكم اليوم صائمًا؟)، قال أبو بكر: أنا، قال: (فمَن تَبِعَ منكم اليوم جنازة؟)، قال أبو بكر: أنا، قال:(فمَن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟)، قال أبو بكر: أنا، قال: (فمَن عاد منكم اليوم مريضًا؟)، قال أبو بكر: أنا، فقال صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمعْنَ في امرئ إلا دخل الجنَّة)

شكوى فقراء المهاجرين :

 عن أبي هريرة: أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهل الدثور (المال الكثير) بالدرجات العلا والنعيم المقيم قال: وما ذاك؟ قالوا: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق ويعتقون ولا نعتق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أفلا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم، وتسبقون من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم، إلا من صنع مثل ما صنعتم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (تسبحون الله وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة) فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) قال سمي: فحدثت بعض أهلي بهذا الحديث فقال: وهمت، إنما قال لك تسبح ثلاثا وثلاثين، وتحمد ثلاثا وثلاثين، وتكبر أربعا وثلاثين.

من يشتري بئر رومة وله الجنة ؟

ولما قدم النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ المدينة قَالَ مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ وَلَهُ الْجَنّةُ ؟ فَاشْتَرَاهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ مِنْ يَهُودِيّ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ اشْتَرَى مِنْهُ نِصْفَهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا على أن يأخذها عثمان يوما واليهودي يوما، فَكَانَ النّاسُ يَسْتَقُونَ مِنْهَا فِي يَوْمِ عُثْمَانَ لِلْيَوْمَيْنِ فَقَالَ الْيَهُودِيّ أَفْسَدْتَ عَلَيّ بِئْرِي فَاشْتَرِ بَاقِيهَا فَاشْتَرَاهُ بِثَمَانِيَةِ آلَافٍ .

أَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ ، وَتَرْجِعُوا بِرَسُولِ اللَّهِ إلَى رِحَالِكُمْ ؟

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ . قَالَ : لَمَّا أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا ، فِي قُرَيْشٍ وَفِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ وَجَدَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِهِمْ ؟ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُمْ الْقَالَةُ حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ : لَقَدْ لَقِيَ وَاَللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ قَوْمَهُ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ الْأَنْصَارِ قَدْ وَجَدُوا عَلَيْكَ فِي أَنْفُسِهِمْ ، لِمَا صَنَعْتُ فِي هَذَا الْفَيْءِ الَّذِي أَصَبْتَ ، قَسَمْتُ فِي قَوْمِكَ ، وَأَعْطَيْتُ عَطَايَا عِظَامًا فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ ، وَلَمْ يَكُ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ .
قَالَ : فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ ؟ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا أَنَا إلَّا مِنْ قَوْمِي .
قَالَ : فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ .

قَالَ : فَخَرَجَ سَعْدٌ ، فَجَمَعَ الْأَنْصَارَ فِي تِلْكَ الْحَظِيرَةِ . قَالَ : فَجَاءَ رِجَالٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَتَرَكَهُمْ ، فَدَخَلُوا ، وَجَاءَ آخَرُونَ فَرَدَّهُمْ . فَلَمَّا اجْتَمَعُوا لَهُ أَتَاهُ سَعْدٌ ، فَقَالَ : قَدْ اجْتَمَعَ لَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ، ثُمَّ قَالَ : يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ : مَا قَالَةٌ ، بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ ، وَجِدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا عَلَيَّ فِي أَنْفُسِكُمْ ؟ أَلَمْ آتِكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمْ اللَّهُ ، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ ، وَأَعْدَاءً فَأَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ قَالُوا : بَلَى ، اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ وَأَفْضَلُ .

ثُمَّ قَالَ : أَلَا تُجِيبُونَنِي يَا مَعْشَرَالْأَنْصَارِ ؟

قَالُوا : بِمَاذَا نُجِيبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنُّ وَالْفَضْلُ .

قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَمَا وَاَللَّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ ، فَلَصَدَقْتُمْ وَلَصُدِّقْتُمْ : أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ ، وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاكَ ، وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ ، وَعَائِلًا فَآسَيْنَاكَ . أَوَجَدْتُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِكُمْ فِي لُعَاعَةٍ مِنْ الدُّنْيَا تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا . وَوَكَلْتُكُمْ إلَى إسْلَامِكُمْ ، أَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ ، وَتَرْجِعُوا بِرَسُولِ اللَّهِ إلَى رِحَالِكُمْ ؟

فَوَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ شِعْبًا ، لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ . اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْأَنْصَارَ ، وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ . وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ .
قَالَ : فَبَكَى الْقَوْمُ حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ ، وَقَالُوا : رَضِينَا بِرَسُولِ اللَّهِ قَسْمًا ، وَحَظًّا . ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَتَفَرَّقُوا.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 241 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم

جديد الموقع