جوانب العظمة في حياة الرسول ﷺ

تاريخ الإضافة 26 أغسطس, 2025 الزيارات : 12380

جوانب العظمة في حياة الرسول ﷺ

حينما نتكلم عن العظماء فإننا بذلك نستشرف للتعرف على هذه النماذج التي قدمت للبشرية عطاء كبيرا ونفعا عظيما .

وكل العظماء في كفة ، ورسول الله في كفة فمهما تكلمنا عن عظمته ﷺ فإن الأنفاس تنقطع عند الشرف الكبير الذي شرفه الله تعالى به وهو شرف الوحي ، قال تعالى :  ( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي) [الكهف/110]

 فالوحي من الله عز وجل هو الشرف الكبير الذي تميز به رسول الله ، فهو الذي تنزل عليه نور السماء.

وحينما يتكلم المؤرخون عن العظماء يبرزون جانب الذكاء والنبوغ الفطري والعبقرية ، لكننا عندما نتكلم عن الرسول ﷺ فيكفينا أن نقول أنه خير خلق الله وأعلاهم قدرا وشرفا ، وأنه الذي اصطفاه الله وخصه بتبليغ وحيه إلى خلقه.

عناصر الخطبة

الحديث عن عظمة الرسول ﷺ من ثلاثة جوانب :
الجانب الأول :الأخلاق الفاضلة .
الجانب الثاني : القدوة الحسنة .
الجانب الثالث :المنهج التربوي.

الجانب الأول :الأخلاق الفاضلة

وهذا من أهم الجوانب ، ونحتاج نحن أتباع النبي ﷺ محمد أن نستوعبه ،لأن الملاحظ تاريخيا أن الكثيرين ممن دخلوا الإسلام لم يدخلوه طمعا في أموال ولا بقوة حجتنا في المناظرة ، إنما أوسع وأكبر باب دخل منه الكثيرون في دين الله عز وجل هو باب الأخلاق الفاضلة.

وإنك لعلى خلق عظيم:

ومهما مدح المادحون في شخص نبينا ﷺ لن يبلغوا قول الله لنبينا ( وإنك لعلى خلق عظيم ) [القلم/4] فلم يمدح فيه طول صلاته ولا قيامه ولا كثرة صيامه ؛ إنما مدحه في أخلاقه.

 وقد رأيت بعيني هنا في كندا حينما أسأل من يعتنق الإسلام ما سبب دخولك في الإسلام ؟

قليل منهم من دخل عن طريق الدراسة والبحث ، وآخر دخل الإسلام متأثرا بصديق ، لكن الأكثرية منهم تأثر بموقف أخلاقي لمسلم حدث معه فغير مجرى حياته.

العبادات لها ثمرة أخلاقية:

ولا أبالغ إن قلت إن العبادات التي أمرنا الله سبحانه وتعالى بها لها ثمرة أخلاقية ، فنقرأ قوله تعالى : ( وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) [العنكبوت/45]

وقال عن الزكاة : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) [التوبة/103] فمن يخرج زكاته يطهره الله من قسوة القلب والبخل والكبر، والأنانية وحب الذات، ويغرس في نفس المذكي الرحمة والتواضع وحب فعل الخير ومنفعة الناس .

وفي الصيام ثمرته ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) [البقرة/183]

فالثمرة هي لعلكم تتقون ، ولذلك قال النبي ﷺ (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه )

وفي الحج قال : ( فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) [البقرة/197]

فثمرات العبادات ثمرات أخلاقية تنطبع على السلوك ، فحينما ترى عابدا سيء الأخلاق مع الناس فاعلم أن عبادته فيها خلل ، خلل في النية أو في الأداء ، فلا يعقل أن يكون هناك من يركع ويسجد لله، وعنده خلل في المعاملة ، أو يستحل المال الحرام فيسرق أموال الناس بالنصب أو بالغش والكذب لا يعقل هذا ، فلا بد وأن هناك خللا أدى إلى ذلك .

فكان الرسول ﷺ معروفا بحسن أخلاقه وكان يلقب قبل الإسلام بين قومه بالصادق الأمين ، وهذا لقب كبير في مجتمع الكلمة العليا فيه للأقوياء فقط ، حتى لما أراد المشركون أن ينالوا من شخصه ببعض التهم الباهتة الكاذبة فقالوا : ساحر شاعر مجنون كاهن ؛ لم يستطيعوا أن يقولوا عليه أي وصف سيء من الناحية الأخلاقية .

ولعلكم تتعجبون أنه رغم هذه الحملات القائمة على تشويه الرسول ﷺ إلا أنهم كانوا لا يزالون يأتمنونه على ودائعهم .

 والنبي ﷺ لما أراد الهجرة أبقى عليا بن أبي طالب رضي الله عنه فترة بمكة ليرد الودائع إلى أهلها ، فلم ينتهزها فرصة أنه مغادر للبلد كلها ويستولى على أموالهم حاشاه أن يفعل ذلك ﷺ.

فالله حرم علينا أكل الحرام مع المسلم وغير المسلم وحرم الغش أيضا مع المسلم وغير المسلم ، أقول هذا لأن البعض يفسر النصوص النبوية على مزاجه ويقول النبي يقول : “من غش أمتى فليس منا ” فلا بأس بغش غيرنا ولهؤلاء أقول هل الإسلام يكيل بمكيالين ؟

والحديث ورد بثلاث روايات :

  • من غشنا فليس منا
  • مَنْ غَشَّ ، فَلَيْسَ مِنِّي .
  • من غشَّ المسلمين فليس منهم.

فالغش حرام على المسلم في جميع معاملاته؛ مع المسلمين وغيرهم.

أَخٌ كَرِيمٌ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ :

لما فتح النبي مكة لم تجر أرضها بالدماء ، ولم يعد مع عشرة آلاف جندي من أتباعه لينتقم ، ولو أوراد بإشارة واحدة قتل هؤلاء انتقاما منهم لجرائمهم وأفعالهم معه هو وأصحابه لأيده الكثيرون في ذلك ؛ لكنه قال لأهل مكة:

 ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا: خيرا، أخ كريم، وابن أخ كريم، قال: فإني أقول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ، قال اذهبوا فأنتم الطلقاء .

الآن عادوا لمدحه بما يستحق أَخٌ كَرِيمٌ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ ؛ بعد أن قالوا ساحر وشاعر …الخ ، ولكنه نبي الرحمة الذي لا يعرف الوحشية ولا الانتقام .
فعفا النبي ﷺ عن الجميع ليعيش الجميع في سلام .
دخل النبي ﷺ مكة في 20 رمضان 10هـ ومعه 10 آلاف وخرج في شهر شوال لغزوة حنين ومعه 12 ألف مقاتل ، سبحان الله العظيم !!!

فالمعاملة الطيبة والأخلاق الكريمة هي من أفضل أبواب الدعوة إلى الله وتعريف الناس بهذا الدين .

 ولن يختلف اثنان على أن البسمة في وجه الناس ، والكلمة الطيبة و حسن المعاملة لها أبلغ الأثر في قلوب الناس، فهذا نبينا كان لينا هينا سهلا ﷺ مع الناس ، قال تعالى : ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) [آل عمران/159]

 الثاني من جوانب العظمة : القدوة الحسنة 

قال تعالى : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ) [الأحزاب/21]

والأسوة أي القدوة ، وجاء لفظ ( حسنة ) نكرة لإفادة التعميم إشارة إلى أنه قدوة لجميع المسلمين باختلاف أنواعهم وطبقاتهم ، ولو تأملنا حياته لرأينا أنه تقلب في كل الأحوال والابتلاءات : نشأ يتيما ، عمل برعي الغنم ، ثم التجارة ، وهو قدوة للاب ، والزوج،  والجد والداعية ، والمعلم ، والحاكم ، والقائد العسكري….الخ ، ليتحقق معنى القدوة الكامل فيه ﷺ

 لو قلنا مثلا لأتباع عيسى عليه السلام : ما هي القدوة في عيسى كزوج ؟ المسيح لم يتزوج، بالتالي فالقدوة هنا معدومة .

والقرآن أبرز جوانب معينة في الأنبياء كأيوب في الصبر وموسى نموذج الداعية في مواجهة الطاغية ، وهكذا لكن القدوة الكاملة نراها في النبي ﷺ

حكمة إرسال الرسول بشرا:

ولاحظوا أن الله أرسل الرسول بشرا لهذا المعنى وهو تحقيق الاقتداء به ﷺ فكان المشركون يتعجبون قائلين: ( لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك) [هود/12] فالله أراد أن ينزل منهجا يقوم الرسول بتطبيقه ليكون قدوة لأتباعه ، وليس مجرد تعليمات تبقى حبرا على ورق .

البعض يتصور أن الرسول ﷺ كان جالسا على كرسي يتكلم ليل نهارا قال رسول الله ﷺ وقال رسول الله …. كلا، كان رسول الله يتكلم وينصح ويفعل ويتحرك ويطبق القرآن (كان قرآنا يمشي)

ولذلك عرف العلماء السنة بأنها: هي كل ما نقل عن رسول الله من قول أو فعل أو تقرير أو صفة .

غالب السنة المنقولة إلينا فعلية فيها أفعال ومواقف النبي ﷺ ، والصحابة لم يقصروا في نقل كل ذلك لنا ، فالقدوة في رسول الله ليست مستحيلة بل هي ممكنة ، وليست صعبة .

 فلو فرضنا جدلا أن تارك الصلاة أوقف بين يدي الله وسأله يوم القيامة : لماذا لم تصلي ؟ سيقول معتذرا يا رب أرسلت إلينا رسولا ملكا كان لا يتعب من الركوع والسجود ركع ليلة كاملة وسجد يوما كاملا ، وبقي قائما أسبوع فلم أستطع ذلك لأن ظهري كان يؤلمني ورأسي كذلك !!!

وأنت لماذا لم تصم شهر رمضان ؟ يا رب لقد أرسلت إلينا ملكا لا يأكل ولا يشرب أنا صمت إلى الظهر فلم أستطع إكمال اليوم !!!

وأنت لم وقعت في الزنا ؟ يا رب أرسلت إلينا ملكا رسولا لا حاجة له في النساء لكن أنا لم أستطع فغلبتني شهوتي ووقعت في هذا الأمر !!

لكن الله أرسل رسولا بشرا مثلنا يأكل ويشرب ويصح ويمرض وينام ويستيقظ شأنه شأن سائر البشر ﷺ فالمريض يقتدي به في مرضه ، والفقير والغني …الخ.

فحينما يقال لمن لا يصلي لماذا لا تصلي، وقدوتك رسول وصل به الأمر إلى أنه كان يصلي حتى تتورم قدماه ، فأصابته العوارض البشرية بحكم طول قيامه ﷺ

والمريض يقتدي به في مرضه وصبره واحتسابه، ولذلك لما دخل ابن مسعود عليه وهو يُوعَك، فقال: يا رسول الله، إنك تُوعَك وعْكاً شديداً، قال: أجل، إني أُوعَك كما يوعك رجلان منكم قلت: ذلك أن لك أجرين؟ قال: أجل، ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى، شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته، وحُطت عنه ذنوبه كما تَحُطُّ الشجرةُ ورقها.

فلا يبقى لصاحب عذر عذرا فيحتج على الله بأي عذر كاذب ، قال تعالى : ( رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما ) [النساء/165]

فمن أبرز جوانب العظمة في رسول الله ﷺ أنه ليس قدوة مستحيلة فوق طاقات وقدرات الناس إنما كما قال 🙁 أنا أعلمُكُم باللَّهِ وأخشاكم له و لكنِّي أقومُ و أنامُ وأصومُ و أفطِرُ و أتزوَّجُ النِّساءَ فمَن رغِبَ عن سُنَّتي فليسَ منِّي)

أسرع طرق التربية القدوة :

علماء التربية يقولون : إن التربية بالقدوة أسرع طريقة من طرق التربية لأن الناس يفهمون بعيونهم أكثر من آذانهم، لما ترى موقف عملي متجسد أمامك الكل يتساوى في الرؤية ، الكل يرى ، لكن حينما تتكلم فالناس يتفاوتون في الوعي والإدراك لما قيل ولما يسمع ، والاستجابة بعد رؤية العمل وهو يطبق تأتي أسرع من سماع الكلام فقط

الجانب الثالث : المنهج الذي ربى عليه أصحابه
نتكلم عنه (على هذا الرابط)

خلاصة الخطبة:

  • العظمة الحقيقية للرسول ﷺ تكمن في كونه خير خلق الله شرفه الله بالوحي.
  • دخول كثير من الناس للإسلام كان بسبب الأخلاق الحسنة للمسلمين، وليس فقط المناظرة أو الدراسة.
  • العبادات هدفها ثمرات أخلاقية كالتواضع، والرحمة، وترك المنكرات.
  • النبي ﷺ عفا عن أهل مكة بعد الفتح رغم ما لاقاه من ظلم، وهو مثال للرحمة وعدم الانتقام.
  • البسمة والكلمة الطيبة واللين من صفاته ﷺ، مما يجعل الأخلاق الطيبة من أفضل أبواب الدعوة.
  • الله أمر بالاقتداء بالرسول ﷺ لأنه أسوة حسنة لكل المسلمين .
  • النبي ﷺ كان بشراً مثلنا لتحقيق الاقتداء به.
  • القدوة في النبي ﷺ ليست صعبة ولا مستحيلة، بل واقعية وقابلة للتطبيق.
  • التربية بالقدوة أسرع وأسهل من التربية بالكلام فقط، لأنها تظهر بالعمل الملموس.

 

Visited 494 times, 1 visit(s) today

(3) تعليقات



اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 16 أبريل, 2025 عدد الزوار : 14348 زائر

خواطر إيمانية

كتب الدكتور حسين عامر

جديد الموقع