جوانب العظمة في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم-

تاريخ الإضافة 15 سبتمبر, 2023 الزيارات : 11345

جوانب العظمة في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم-
حينما نتكلم عن العظماء فإننا بذلك نستشرف للتعرف على هذه النماذج التي قدمت للبشرية عطاء كبيرا ونفعا عظيما ، وكل العظماء في كفة ، ورسول الله في كفة فمهما تكلمنا عن عظمته -صلى الله عليه وسلم- فإن الأنفاس تنقطع عند الشرف الكبير الذي شرفه الله تعالى به وهو شرف الوحي ، قال تعالى : -( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي)- [الكهف/110] فالوحي من الله عز وجل هو الشرف الكبير الذي تميز به رسول الله ، فهو الذي تنزل عليه نور السماء.
حينما يتكلمون عن العظماء يبرزون جانب الذكاء والنبوغ الفطري والعبقرية ، لكننا عندما نتكلم عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيكفينا أن نقول أنه خير خلق الله وأعلاهم قدرا وشرفا ، وأنه الذي اصطفاه الله وخصه بتبليغ وحيه إلى خلقه.
وسوف نتكلم عن عظمة الرسول -صلى الله عليه وسلم- من ثلاثة جوانب :
الجانب الأول :الأخلاق الفاضلة .
الجانب الثاني : القدوة الحسنة .
الجانب الثالث :المنهج التربوي.

الجانب الأول :الأخلاق الفاضلة:
وهذا من أهم الجوانب ، ونحتاج نحن أتباع النبي محمد أن نستوعبه ،لأن الملاحظ تاريخيا أن الكثيرين ممن دخلوا الإسلام لم يدخلوه طمعا في أموال ولا بقوة حجتنا في المناظرة ، إنما أوسع وأكبر باب دخل منه الكثيرون في دين الله عز وجل هو باب الأخلاق الفاضلة.
وإنك لعلى خلق عظيم:

ومهما أثنى المثنون ومدح المادحون في شخص نبينا -صلى الله عليه وسلم- لن يبلغوا قول الله لنبينا -( وإنك لعلى خلق عظيم )- [القلم/4] فلم يمدح فيه طول صلاته ولا قيامه ولا كثرة صيامه إنما مدحه في أخلاقه، وقد رأيت بعيني هنا في هذا البلد حينما أسأل من يعتنق الإسلام ما سبب دخولك في الإسلام ؟ قليل منهم من دخل عن طريق الدراسة والبحث ، وآخرين دخل الإسلام متأثرا بصديق ، لكن الأكثرية منهم تأثر بموقف أخلاقي لمسلم حدث معه فغير مجرى حياته.
العبادات لها ثمرة أخلاقية:

ولا أبالغ إن قلت إن العبادات التي أمرنا الله سبحانه وتعالى بها لها ثمرة أخلاقية ، فنقرأ قوله تعالى : -( وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر )- [العنكبوت/45] وقال عن الزكاة : -( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)- [التوبة/103] فمن يخرج زكاته يطهره الله من قسوة القلب والبخل والكبر ، والأنانية وحب الذات ، ويغرس في نفس المزكي الرحمة والتواضع وحب فعل الخير ومنفعة الناس .
وفي الصيام ثمرته -( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )- [البقرة/183] فالثمرة هي لعلكم تتقون ، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) وفي الحج قال : -( فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج )- [البقرة/197]
فثمرات العبادات ثمرات أخلاقية تنطبع على السلوك ، فحينما ترى عابدا سئ الأخلاق مع الناس فاعلم أن عبادته فيها خلل ، خلل في النية أو في الأداء ، فلا يعقل أن يكون هناك من يركع ويسجد لله وعنده خلل في المعاملة ، أو يستحل المال الحرام فيسرق أموال الناس بالنصب أو بالغش والكذب لا يعقل هذا ، فلا بد وأن هناك خللا أدى إلى ذلك .
فكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- معروفا بحسن أخلاقه وكان يلقب قبل الإسلام بين قومه بالصادق الأمين ، وهذا لقب كبير في مجتمع الكلمة العليا فيه للأقوياء فقط ، حتى لما أراد المشركون أن ينالوا من شخصه ببعض التهم الباهتة الكاذبة فقالوا : ساحر شاعر مجنون كاهن لكن لم يستطيعوا أن يقولوا عليه أي وصف سئ من الناحية الأخلاقية .

ولعلكم تتعجبون أنه رغم هذه الحملات القائمة على تشويه الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلا أنهم كانوا لا يزالون يأتمنونه على ودائعهم ، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لما أراد الهجرة أبقى علي أبن أبي طالب رضي الله عنه فترة بمكة ليرد الودائع إلى أهلها ، فلم ينتهزها فرصة أنه مغادر للبلد كلها ويستولى على أموالهم حاشاه أن يفعل ذلك -صلى الله عليه وسلم-
فالله حرم علينا أكل الحرام مع المسلم وغير المسلم وحرم الغش أيضا مع المسلم وغير المسلم ، أقول هذا لأن البعض يفسر النصوص النبوية على مزاجه ويقول النبي يقول : “من غش أمتى فليس منا ” فلا بأس بغش غيرنا ولهؤلاء أقول هل الإسلام يكيل بمكيالين ؟ والحديث ورد بثلاث روايات :
1- ( من غشنا فليس منا )
2- ( مَنْ غَشَّ ، فَلَيْسَ مِنِّي ) .
3- (من غشَّ المسلمين فليس منهم)
فالغش حرام على المسلم في جميع معاملاته مع المسلمين وغير المسلمين .

أَخٌ كَرِيمٌ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ :
( وإنك لعلى خلق عظيم )- [القلم/4] لما فتح النبي مكة لم تجر أرضها بالدماء ، ولم يعد مع عشرة آلاف جندي من أتباعه لينتقم ، ولوأراد بإشارة واحدة قتل هؤلاء انتقاما منهم لجرائمهم وأفعالهم معه هو وأصحابه لأيده الكثيرون في ذلك ؛ لكنه قال لأهل مكة مَاتَظُنُّونَ أني فاعل بكم ؟ قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ، قَالَ: فَإِنِّي أَقُولُ كَمَا قَالَ أَخِي يُوسُفُ: لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، قال اذهبوا فأنتم الطلقاء .
الآن عادوا لمدحه بما يستحق أَخٌ كَرِيمٌ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ بعد أن قالوا ساحر وشاعر …الخ ، ولكنه نبي الرحمة الذي لا يعرف الوحشية ولا الانتقام ، وكل مزاعمهم أن ذبح الرهائن والأسرى من الإسلام  كلها مزاعم كاذبة (يقصد داعش) ، إسلام هؤلاء هو إسلام لا علاقة له بالإسلام ولا وجود له إلا في رؤوسهم المريضة التي ملأها العنكبوت وعقولهم الخربة.
فعفا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الجميع ليعيش الجميع في سلام .
دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة في 20 رمضان 10هـ ومعه 10 آلاف وخرج في شهر شوال لغزوة حنين ومعه 12 ألف مقاتل ، سبحان الله العظيم !!!
فالمعاملة الطيبة والأخلاق الكريمة هي من أفضل أبواب الدعوة إلى الله وتعريف الناس بهذا الدين ، فلن يختلف اثنان على البسمة في وجه الغير ، أوالكلمة الطيبة أو حسن المعاملة ، فهذا هو نبينا الذي ندرك مدى عظمته في أخلاقه ، قال تعالى : -( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك )- [آل عمران/159] فكان لينا هينا سهلا -صلى الله عليه وسلم- الجانب الثاني من جوانب العظمة : القدوة الحسنة :
قال تعالى : -( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا )- [الأحزاب/21] والأسوة أي القدوة ، وجاء لفظ ( حسنة ) نكرة لإفادة التعميم إشارة إلى أنه قدوة لجميع المسلمين باختلاف أنواعهم وطبقاتهم ، ولو تأملنا حياته لرأينا أنه تقلب في كل الأحوال والابتلاءات : نشأ يتيما ، عمل برعي الغنم ، ثم التجارة ، وهو قدوة للاب ، والزوج،  والجد والداعية ، والمعلم ، والحاكم ، والقائد العسكري….الخ ، ليتحقق معنى القدوة الكامل فيه -صلى الله عليه وسلم-

 لو قلنا مثلا لأتباع عيسى عليه السلام : ما هو القدوة في عيسى كزوج ؟ المسيح لم يتزوج، بالتالي فالقدوة هنا معدومة .

والقرآن أبرز جوانب معينة في الأنبياء كأيوب في الصبر وموسى نموذج الداعية في مواجهة الطاغية ، وهكذا لكن القدوة الكاملة نراها في النبي -صلى الله عليه وسلم-

حكمة إرسال الرسول بشرا:

ولاحظوا أن الله أرسل الرسول بشرا لهذا المعنى وهو تحقيق الاقتداء به -صلى الله عليه وسلم- فكان المشركون يتعجبون قائلين: -( لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك)- [هود/12] فالله أراد أن ينزل منهجا يقوم الرسول بتطبيقه ليكون قدوة لأتباعه ، وليس مجرد تعليمات تبقى حبرا على ورق .
البعض يظن أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان جالسا على كرسي يتكلم ليل نهارا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال رسول الله …. أبدا كان رسول الله يتكلم وينصح ويفعل ويتحرك ويطبق (كان قرآنا يمشي) ولذلك عرف العلماء السنة بأنها هي كل ما نقل عن رسول الله من قول أو فعل أو تقرير أو صفة .
غالب السنة المنقولة إلينا فعلية فيها أفعال ومواقف النبي -صلى الله عليه وسلم- ، والصحابة لم يقصروا في نقل كل ذلك لنا ، فالقدوة في رسول الله ليست مستحيلة بل هي ممكنة ، وليست صعبة ، فلو فرضنا جدلا أن تارك الصلاة أوقف بين يدي الله وسأله يوم القيامة : لماذا لم تصلي ؟ يقول معتذرا يارب أرسلت إلينا رسولا ملكا كان لا يتعب من الركوع والسجود ركع ليلة كاملة وسجد يوما كاملا ، وقائما أسبوع فلم أستطع ذلك لأن ظهري كان يؤلمني ورأسي كذلك !!!
وأنت لم لم تصم شهر رمضان ؟ يارب لقد أرسلت إلينا ملكا لا يأكل ولا يشرب أنا صمت إلى الظهر فلم أستطع إكمال اليوم !!!
وأنت لم وقعت في الزنا ؟ يارب أرسلت إلينا ملكا رسولا لا حاجة له في النساء لكن أنا لم أستطع فغلبتني شهوتي ووقعت في هذا الأمر !!
لكن الله أرسل رسولا بشرا مثلنا يأكل ويشرب ويصح ويمرض وينام ويستيقظ شأنه شأن سائر البشر -صلى الله عليه وسلم- فالمريض يقتدي به في مرضه ، والفقير والغني …. ، فحينما يقال لمن لا يصلي لماذا لا تصلي عندك رسول وصل به الأمر إلى أنه كان يصلي حتى تتورم قدماه ، فالعوارض البشرية أصابته بحكم طول قيامه -صلى الله عليه وسلم-
والمريض  يقتدي به في مرضه ، ولذلك لما دخل ابن مسعود عليه وهو يُوعَك، فقال: يا رسول الله، إنك تُوعَك وعْكاً شديداً، قال: أجل، إني أُوعَك كما يوعك رجلان منكم قلت: ذلك أن لك أجرين؟ قال: أجل، ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى، شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته، وحُطت عنه ذنوبه كما تَحُطُّ الشجرةُ ورقها.
فلا يبقى لصاحب عذر عذرا فيحتج على الله بأي عذر كاذب ، قال تعالى : -( رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما )- [النساء/165]
فمن أبرز جوانب العظمة في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه ليس قدوة مستحيلة فوق طاقات وقدرات الناس إنما كما قال :

(إنَّما أنا أعلمُكُم باللَّهِ و أخشاكم له و لكنِّي أقومُ و أنامُ وأصومُ و أفطِرُ و أتزوَّجُ النِّساءَ فمَن رغِبَ عن سُنَّتي فليسَ منِّي)

أسرع طرق التربية القدوة :

علماء التربية يقولون : إن التربية بالقدوة أسرع طريقة من طرق التربية لأن الناس يفهمون بعيونهم أكثر من آذانهم، لما ترى موقف عملي متجسد أمامك الكل يتساوى في الرؤية ، الكل يرى ، لكن حينما تتكلم فالناس يتفاوتون في الوعي والإدراك لما قيل ولما يسمع .

فجعل الله  سبحانه وتعالى التربية بالقدوة في شخص نبينا  صلى الله عليه وسلم بهذا الشكل ، والاستجابة العاجلة تأتي أكثر من الكلام ،إذا أمرت ابنك بأمر وأنت أبعد ما تكون عنه ستجد فيه تباطؤا أو رفضا داخليا لما أمرته به ،وإذا رآك لما أمرته به فاعلا له تجده سريع الاستجابة ، فكان  صلى الله عليه وسلم بهذا الشكل.

الجانب الثالث : المنهج الذي ربى عليه أصحابه
نتكلم عنه الأسبوع القادم إن شاء الله .(على هذا الرابط)

 

(3) تعليقات



اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 48 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع