شرح أسماء الله الحسنى (7)القدوس
وقد ذكر مرتين في القرآن في سورتي الحشر والجمعة
قال تعالى (هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام ) الحشر 23
و(يسبح لله مافي السموات وما في الأرض الملك القدوس العزيزالحكيم ) الجمعة 1
المعنى اللغوي
تقدّس في اللغة يعني تطهر
ومنها التقديس أي التطهير
والقدس ( بسكون الدال وضمها ) تعنى الطهر ومنها سميت الجنة حظيرة القدس .. وسمى جبريل روح القدس .
والقداسة تعنى الطهر والبركة
وقدس الرجل لله أي طهر نفسه بعبادته وطاعته ، وعظمه وكبره :
ومنها قوله تعالى :
(وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم مالا تعلمون . )البقرة 30
ومعنى ونقدس لك : يعني يا رب نحن نطهر أنفسنا ، ونقدسها كي نكون أهلاً للإقبال عليك ، وهذه مهمة الإنسان في الدنيا ، يجب أن يقدس نفسه كي ينال مقعد صدق عند مليك مقتدر .
والقدوس المطهر المعظم فهو الطاهر المنزه عن العيوب والنقائص.
قال الغزالي : هو المنزه عن كل وصف يدركه حس أو يتصوره خيال أو يسبق إليه وهم .
وقَال ابن القيم َ : القدوس: المنزه من كل شر ونقص وعيب ، كما قَالَ أهل التفسير : هو الطاهر من كل عيبَّ المنزه عما لا يليق به .
ثانيا تأملات وإيمانيات :
مفهوم الطهارة الإلهية يختلف عن مفهوم الطهارة البشرية :
فالطهارة البشرية لها أكثر من معنى .. منها الطهارة من الدنس .. ومن كل ما يكون سببا للإصابة بالآفات والأمراض كما في قوله تعالى : ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ) الأنفال 11
وقوله سبحانه وتعالى : ( وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ* وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ )المدثر 4، 5
وقوله جل وعلا : ( فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ)البقرة 222
ومنا أيضا الطهارة من الآفات القلبية والنفسية كالحقد والحسد والبغض والبخل كما في قوله تعالى :( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) التوبة 102
وكما في قوله : ( أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) المائدة 41
ومنا أيضا التخلص من كل عبادة غير عبادة الحق جل وعلا والتخلص من معصيته
كما في قوله تعالى على لسان قوم لوط : أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ) أي يتطهرون من المعاصي
هذا عن الطهارة البشرية .. فماذا عن مفهوم القداسة الإلهية ؟
لا يمكن أن تكون القداسة أو الطهارة الإلهية بهذا المعنى ، بل إنها تختلف اختلافا مطلقا عن الطهارة البشرية .
ولكي نفهم هذا الاختلاف ينبغي أن ندرك أن النجاسة خاصة المادية كالبول والبراز وخلافه مرتبطة بالبنية المادية للإنسان ، فلولا الجسد لما كان هناك بول أو براز أو عَرَق أو دم الحيض .
ونظرا لأن الإنسان يتكون من روح وجسد فإنه لم يخل من كافة وجوه الدنس المرتبطة بتركيبه المادي .
أما الحق جل وعلا فهو مبرأ من المادة .. أي أن المادة لا تدخل في تركيبة ، وكيف تدخل المادة في تركيبه وهي مخلوق من مخلوقاته عز وجل ؟!
لقد كان الحق تبارك وتعالى ولم يكن معه شيء على الإطلاق كان الله ولم تكن المادة .
وكونه سبحانه وتعالى مبرأ من المادة يجعله مبرأ تبعا لذلك من جميع وجوه النجاسة والدنس التي تصيب البشر بسبب بنيتهم المادية .
وإذا انتقلنا إلى النجاسة أو الدنس المعنوي كالكفر والشرك والمعصية نجد أنها منتفية في حق الله عز وجل لأنه غيرخاضع لتكليف حتى يوصف بهذه الأوصاف .
وبالنسبة للآفات القلبية فهي أيضا منتفية في حقه تعالى ، لأنه واحد أحد فرد صمد وليس له شبيه أو مثيل حتى ينظر إليه نظرة الحاسد أو الحاقد .
فماذا تعنى القداسة أو الطهارة الإلهية إذن ؟
إن القداسة الإلهية تعنى أن الحق جل وعلا مبرأ من كل عيب أو نقص يتعارض مع كماله المطلق .
وهذا يعني أن جميع صفات الله عز وجل مطلقة وليست نسبية .
فمثلا صفة القدرة بالنسبة للإنسان نسبية يقدر على أشياء ولا يقدر على أخرى بينما نجد صفة القدرة لدى الحق جل وعلا مطلقة بمعنى أنه سبحانه قادر على كل شيء فلا يعجزه شيء ولا يقف ضد إرادته حائل.
فجميع صفاته مطلقة أي تبلغ منتهى الكمال في الوصف ، فرحمته مطلقة وعلمه مطلق ، وحكمته مطلقة وسمعه مطلق ، وعزته مطلقة وعدله مطلق ، وهكذا شأن جميع صفاته تبارك وتعالى
فهو سبحانه وتعالى الحي المطهر عن الموت .. العزيز المطهر عن الذل .. القادر المطهر عن العجز .. الكريم المطهر عن البخل .. العليم المطهر عن الجهل .. وهكذا شأن سائر أسماء ذاته الإلهية العلية .
فالحق سبحانه وتعالى) لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) وهو جل وعلا منزه ومطهر عن المثيل والشبيه والند والسمي والكفؤ والمضاد ، فتباركت ربنا وتعاليت
فكل شئ ألّه من دون الله عاجز ضعيف غير مقدس ولا مطهر بل عاجز ضعيف محتاج لا يقوم بأمر نفسه فضلا عن أن ينفع غيره .
ولعلنا نتأمل حوار الخليل إبراهيم مع قومه حينما رأى الكوكب ثم القمر ثم رأى الشمس ، ويسمى هذا الأسلوب (مجاراة الخصم ) وقد أراد إبراهيم بذلك إقناع قومه أن ما تعبدون من دون الله آلهة عاجزة ضعيفة تحضر وتغيب
(فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78))الأنعام
قوله { هَـذَا رَبِّي } على زعمكم وعلى ظنكم
{ فَلَمَّا أَفَلَ } يعني زال وذهب النجم
{ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ } لأن من كان إلها لا يمكن أن يغيب ولا يمكن أن تغيب عنه غائبة لا في السماء ولا في الأرض
{ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً } يعني طالعا
{ قَالَ هَـذَا رَبِّي } على زعمكم وعلى ظنكم
{ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ } فيه إشارة إلى أنكم ضلّال فانتبهوا ، لأن من يغيب ليس بإله .
{ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ } يعني أكبر من النجم وأكبر من القمر
{ فَلَمَّا أَفَلَتْ } أي زالت وذهبت ولم ينتفعوا
{ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } لم ينفع هؤلاء موعظة
فكأن إبراهيم أراد من ذلك بيان عجزها وضعفها وأنها تغيب أما إلهي وخالقي فهو حاضر لا يغيب .
وبين الله تعالى بشرية المسيح وأمه وأنهما ليس بإلهين كما زعم النصارى فقال
(مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) المائدة: 75
فقوله ( كانا يأكلان الطعام ) دليل على البشرية والاحتياج الدائم للطعام والإخراج ومن كان كذلك فليس بإله .
وفي هذا المعنى يقول الشاعر :
أيا عباد المسيح لنا سؤال …. نريد جوابه ممـن وعاه
إذا مات الإله بصنع قوم … أماتوه فما هذا الإله
و يا عجبا لقبر ضم ربا… و أعجب منه بطن قد حواه
أقام هناك تسعا من شهور… في الظلمات و من حيض غذاه
و شق الفرج مولوداً صغيراً… ضعيفا فاتحاً للثدى فاه
يأكل ثم يشرب ثم يأتي … بلازم ذاك فهل هذا اله
تعالى الله عن إفك النصارى …. سيسأل كلهم عما افتراه
فالله منزه عن النقائص كلها متصف بالكمالات كلها جل جلاله .
يقول على بن أبي طالب (ربي لا يدرك بالحواس ، ولا يقاس بالناس ، ليس قبله شيء ، وليس بعده شيء ، وليس فوقه شيء ، وليس دونه شيء ، وهو لا كشيء في شيء ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)
دلالة ذِكْرُ اسم القدوس في القرآن والسنة مقروناً بالمَلك :
وذلك في موضعين من القرآن سبق الإشارة إليهما :
(1) (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ ) الحشر 23
(2) ( يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ..) الآتيان 1 ، 2 من سورة الجمعة
معلوم أن ملوك البشر لا يَخْلُون من النقص والعيب فِي الذات والصفات ، بل يحتاج أحدهم ضرورة إلى أعوان ورجال وجنود ، ولا يخلو حكمه مِنَ الظلم ، ثم هو فَقيْرَ فقر البشر ، وقد يُغْلب ويُسلب ملكه ، و يريد ما لا يفعل ، وقد يفعل ما لا يريد ، ويمرض ويموت ، وهكذا من النقص والعيب الكثير .
أما الملك القدوس سبحانه ، فقد جاء اسمه القدوس مقروناً باسمه الملك وصفاً له بالكمال المقدس ذاتاً وأسماءً وصفاتٍ وأفعالا فلا سبيل إليه لشيء من تلك النقائص بوجه ما ، فهو وحْده الفعال لما يريد ، وهو الملك القدوس فلا يظلم مثقَالَ ذرة ، ورسالاته وشرائعه وأمره ونهيه وأحكامه وجزاؤه وثوابه وعقابه كل ذلك على القداسة ، فلا عيب ولا شر ولا ظلم .
اسم القدوس في السنة مقروناً بالمَلك :
(1) عن أبى بن كعب قَالَ : ( كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْوِتْرِ بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَإِذَا سَلَّمَ قَالَ سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ)
هذا الذكر بعد صلاة الوتر ، أي بعد نهاية عمل اليوم والليلة كمسك الختام للعمل اليومي ، الذي هو تقديس لله عز وجل ثم هو تقديس ( تطهير وتبريك ) للروح والقلب ليكون لائقاً بمقام القدوس ولقائه عز وجل.
(2) في صحيح مسلم عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ)
إن أعداد الملائكة لا يمكن تصورها بالعقل البشرى ، كما لا يمكن تسجيلها على الأوراق بكل الأرقام التي يعرفها البشر ، كما لا يمكن إحصاء الوظائف التي يقومون بها في السماوات والأرض وما بينهما ، وكذلك العبادة والتسبيح بالحمد والتقديس .
ثمار الإيمان بهذا الاسم :
1. وصف الله بكل كمال وتنزيهه عن كل نقص :
فلا نؤمن باسم من أسماء الله إلا وننفي عن الله ضده فنؤمن أنه العزيز وننفي عنه الذل ، وأنه العليم وننفي عنه الجهل ، وأنه الكريم وننفي عنه البخل ، ومن هنا نعلم خطأ بعض الألفاظ الجارية على الألسن مثل :
(أ) ربنا عايز كده : لأن العوز هو الفقر والحاجة،والله منزه عن الفقر والاحتياج .
(ب) يارب ليه الظلم ليه : فالله لا يظلم عباده مثقال ذرة
(ج) يدي الحلق للي بلا ودان (آذان) وهذا معناه أن الله أعطى شيئا لمن لا يستحقه ، وأفعال الله كلها منزهة عن العبث أو الخطأ
(د) فلان ربنا افتكره :والله لا ينسى أبدا (وما كان ربك نسيا )
(هـ) عبث الأقدار ، لعبة الأقدار ، سخرية القدر : فكلها ألفاظ لا تليق بالله جل وعلا ، فهو سبحانه منزه عن العبث واللعب والسخرية .
كذلك تنزيه الله عن العوارض البشرية :
فالله لا يأكل ولا يشرب ولا ينام ، ولا يموت ولا يتزوج ،ولا يمرض ولا يهرم (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد )
2. تطهير النفس ظاهرا وباطنا وقلبا وقالبا للملك القدوس :
يقول ابن القيم في إغاثة اللهفان ما مختصره :
قضي الله تعالي أن لا يجاوره في جنته إلا كل طيب طاهر لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا.
وصرح الله جل وعلا بمحبته للمتطهرين في كتابه في موضعين قال تعالى( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) البقرة222
وقال تعالى( والله يحب المطهرين) التوبة108
و صلي سلمان الفارس وأبو الدرداء في بيت نصرانية فقال لها أبو الدرداء هل في بيتك مكان طاهر نصلي فيه فقالت طهرا قلوبكما ثم صليا أين أحببتما فقال له سلمان خذها من غير فقيه .
وقال أيضا : من تطهر في الدنيا ولقي الله طاهراً من نجاساته دخل الجنة بغير معوق.
وأما من لم يتطهر في الدنيا فأن كانت نجاسته عينيه كالكافر ( إنما المشركون نجس) لم يدخلها بحال .
وإن كانت نجاسته كسبية عارضة دخلها بعد ما يتطهر في النار من تلك النجاسة.
والله سبحانه بحكمته جعل الدخول عليه موقوفا على الطهارة فلا يدخل المصلي عليه حتى يتطهر وكذلك جعل الدخول إلى جنته موقوفا على الطيب والطهارة فلا يدخلها إلا طيب طاهر فهما طهارتان :
طهارة البدن
وطهارة القلب
ولهذا شرع للمتوضىء أن يقول عقيب وضوئه أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فطهارة القلب بالتوبة وطهارة البدن بالماء فلما اجتمع له الطهران صلح للدخول على الله تعالى والوقوف بين يديه ومناجاته
وسألت شيخ الإسلام عن معنى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللهم طهرني من خطاياي بالماء والثلج والبرد كيف يطهر الخطايا بذلك وما فائدة التخصيص بذلك وقوله في لفظ آخر : والماء البارد والحار أبلغ في الإنقاء فقال :
الخطايا توجب للقلب حرارة ونجاسة وضعفا فيرتخى القلب وتضطرم فيه نار الشهوة وتنجسه فإن الخطايا والذنوب له بمنزلة الحطب الذي يمد النار ويوقدها ولهذا كلما كثرت الخطايا اشتدت نار القلب وضعفه والماء يغسل الخبث ويطفىء النار فإن كان باردا أورث الجسم صلابة وقوة فإن كان معه ثلج وبرد كان أقوى في التبريد وصلابة الجسم وشدته فكان أذهب لأثر الخطايا .
ويقول في كتاب آخر :-
فتأمل محاسن الوضوء بين يدي الصلاة وما تضمَنُه من النظافة والنزاهة ومُجَانَبَة الأوساخ والمستقذرات ، وتأمل كيف وضع على الأعضاء الأربعة التي هي آلةُ البطش والمشي ومَجْمع الحواس التي تعلق أكثر الذنوب والخطايا بها ، ولهذا خصَّها النبي صلى الله علية وسلم بالذكر في قوله
( إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فالعين تزني وزناها النظر والأذن تزني وزناها السمع واليد تزني وزناها البطش والرجل تزني وزناها المشي ، والقلب يتمني ويشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه )
فلما كانت هذه الأعضاء هي أكثر الأعضاء مباشرة للمعاصي ، كان وسخُ الذنوب ألْصقَ بها وأعْلَق من غيرها ، فَشَرع أحْكَم الحاكمين الوُضُوء عليها لتَتَضَمَّن نَظَافَتَها وطهارتها من الأوساخ الِحِّسية وأوساخ الذنوب والمعاصي ، وقد أشار النبي صلي الله عليه وسلم إلى هذا المعنى بقوله :
( إذا توضأ العبد المسلم خرجت خطاياه مع الماء أو مع آخر قطرة من الماء حتى يخرج من تحت أظفاره …) الحديث أخرجه النسائي، والأحاديث في هذا الباب كثيرة فاقتضت حكمة أحكم الحاكمين ورحمته أن شرع الوضوءَ على هذه الأعضاء التي هي أكثر الأعضاء مباشرة للمعاصي ، وهي الأعضاء الظاهرة البارزة للغبار والوسخ ، أيضا وهي أسهل الأعضاء غسلا فلا يشق تكرار غسلها في اليوم والليلة ) أ. هـ مفتاح دار السعادة صـ 374 ، صـ 375 .
3. الله لا يحب في ساحته إلا الأطهار فلن يشعر بحلاوة العبادة ويتذوق طعم الخشوع إلا طاهر القلب :
ولذلك قال السلف (إن قيام الليل دعوة لساحة الملك ولا يدعو الملك لساحته إلا من يحب )
وشكا رجل للحسن البصري عدم قيامه بالليل قال : أثقلتك ذنوبك
4. الاكثار من التسبيح:
فإن التسبيح يجمع كل معاني اسم الله القدوس ومن رحمة الله أن جعل الثناء عليه مجموع في كلمة واحدة (سبحان الله ) هذه الكلمة يستوي في قولها جميع العباد الأمي والمتعلم ، الكل يقولها بسهولة
وكلمة “سبحان” أصلها مأخوذ من “السَّبْح”: وهو البُعد”العرب تقول: سبحان مِن كذا، أي ما أبعدَه .
فتسبيح الله عز وجل معناه: إبعاد القلوب والأفكار عن أن تظن به سبحانه نقصا، أو تنسب إليه شرا، وتنزيهه عن كل عيب نسبه إليه المشركون والملحدون .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: “سبحان الله” تنزيه الله عز وجل عن كل سوء.
فالأمر بتسبيحه يقتضي تنزيهه عن كل عيب وسوء، وإثبات صفات الكمال له، أسبح الله أنزه الله فأصفه بكل كمال وأنزهه عن كل نقص.
ولعظم معناها أخبر النبي أن (سبحان الله تملأ الميزان )