شرح أسماء الله الحسنى 13- المتكبر14 -الكبير
المعنى اللغوى :
الكبر: التعاظم والتعالي والترفع، والكبر والتكبر بمعنى واحد.
والكِبَرُ: الشيخوخة أي ضد الصغر، والاستكبار الامتناع عن قبول الحق معاندة ، والكبر أو الكبرياء تعنى العظمة أو العلو والرفعة ، وكبّر قال الله أكبر
والكبر: العظمة ، قال تعالى : فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ أي : أعظمنه
وكذلك الكبرياء ، يقال: ورثوا المجد كابرًا عن كابر أي: كبيرًا عن كبير في الشرف والعز
وقال تعالى : وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ الأنعام123
والأكابر جمع الأكبر،وأَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا عظماؤها ، وقيل: الرؤساء والعظماء الذين قد كبر جرمهم، واشتد طغيانهم.
معنى اسم الله الكبير : العظيم الجليل ذو الكبرياء في صفاته وأفعاله فلا يحتاج إلى شيء ولا يعجزه شيء (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)الشورى 11
معنى اسم الله المتكبر: المتكبر اسم فاعل للموصوف بالكبرياء وهو المتعالي عن
صفات الخلق المتفرد بالعظمة والكبرياء ، فلا عظمة ولا كبرياء إلا لذاته وكل الخلق له عبيد وهو العظيم القاهر لعتاة خلقه والذي تكبر عن كل سوء وعن ظلمه لخلقه و تكبر عن قبول الشريك والولد وأن يشرك في العبادة غيره .
وعلى هذا يشمل معنى المتكبر والكبير :
1- الذي تكبر عن كل سوء وشر وظلم .
2- الذي تكبر وتعالى عن صفات الخلق فلا شيء مثله .
3- الذي كبر وعظم فكل شيء دون جلاله صغير وحقير .
4- الذي له الكبرياء في السموات والأرض أي : السلطان والعظمة .
ورودهما في القرآن :
المتكبر في القرآن الكريم: جاء مرة واحدة في أواخر سورة الحشر في
قوله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) الحشر24
وأما اسم الله الكبير فقد ورد خمس مرات :
قوله تعالى (عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال)الرعد9
و (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير) الحج62
و (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير)لقمان30
و (ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير) سبأ 23
و( ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير )غافر12
معنى الله أكبر :
الله أكبر : أكبر بصيغة أفعل تفضيل ، يقتضي كونه أكبر من كل شيء بجميع الاعتبارات ، وبهذا فسره النبي في الحديث عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له حينما دعاه إلى الإسلام: يا عدي ما يفرك؟ – أي: ما الذي جعلك تهرب وتفر؟
يا عدي ما يفرك -أيفرك أن يقال: لا إله إلا الله؟ فهل تعلم من إله إلا الله؟ يا عدي ما يفرك؟ أيفرك أن يقال: الله أكبر؟ فهل من شيء أكبر من الله؟.رواه أحمد
فالنبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث يبين لنا على ماذا تقوم دعوته، إنها تقوم على إفراد الله تعالى بالعبادة وتعظيمه جل وعلا فالله سبحانه وتعالى أكبر من كل شيء ذاتاً، هو سبحانه وبحمده أكبر من كل شيء قدراً، هو جل وعلا أكبر من كل شيء معنىً وعزة وجلالاً .
ويقول الإمام ابن القيم عن معنى التكبير:« فالله سبحانه أكبر من كل شيء، ذاتًا وقدرًا وعزة وجلالة، فهو أكبر من كل شيء في ذاته وصفاته وأفعاله كما هو فوق كل شيء وعال على كل شيء ، وأعظم من كل شيء ,وأجل من كل شيء في ذاته وصفاته وأفعاله . » الصواعق المرسلة 4/1379.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( في قول “الله أكبر” إثبات عظمته، فإن الكبرياء يتضمن العظمة، ولكن الكبرياء أكمل، ولهذا جاءت الألفاظ المشروعة في الصلاة والأذان بقول “الله أكبر” فإن ذلك أكمل من قول الله أعظم . )
وقال القحطاني: هو الموصوف بصفات المجد والكبرياء، والعظمة والجلال، الذي هو أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء، وأجل وأعلى، وله التعظيم والإجلال في قلوب أوليائه وأصفيائه. قد ملئت قلوبهم من تعظيمه وإجلاله والخضوع له والتذلل لكبريائه.
قال العلَامة “ابن عثيمين”رحمه الله (في الشرح المممتع في باب صفة الصلاة)
كلمة ” الله أكبر ” معناها أن الله سبحانه وتعالى أكبر من كل شيء في هذا الوجود، وأعظم وأجل وأعز وأعلى من كل ما يخطر بالبال أو يتصوره الخيال.
” الله أكبر ” أبلغ لفظ يدل على تعظيم الله تعالى وتمجيده وتقديسه
الله أكبر كلمة جمعت الخير ففيها الشهادة لله تعالى بأنه أكبر من كل شيء وأنه سبحانه أجل من كل شيء وأنه تعالى أعظم من كل شيء.
فهو الكبير في ملكه ، الكبير في رحمته ، الكبير في عطائه ، الكبير في غناه ،الكبير في بسطه ، الكبير في عزه ، الكبير في عفوه .
الكبرياء لله وحده :
عن أبي هريرة قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم
(العز إزاره والكبرياء رداءه فمن ينازعني عذبته ) أخرجه مسلم
ومعناه : أن العظمة والكبرياء صفتان لله سبحانه ، اختص بهما ، لا يجوز أن يشاركه فيهما أحد ، ولا ينبغي لمخلوق أن يتصف بشيء منهما ، وضُرِب الرِّداءُ و الإزارُ مثالاً على ذلك ، فكما أن الرداء والإزار يلتصقان بالإنسان ويلازمانه ، ولا يقبل أن يشاركه أحد في ردائه وإزاره ، فكذلك الخالق جل وعلا جعل هاتين الصفتين ملازمتين له ومن خصائص ربوبيته وألوهيته ، فلا يقبل أن يشاركه فيهما أحد .
وإذا كان كذلك فإن كل من تعاظم وتكبر ، ودعا الناس إلى تعظيمه وإطرائه والخضوع له ، وتعليق القلب به ، فقد نازع الله في ربوبيته وألوهيته ، وهو جدير بأن يهينه الله غاية الهوان ، ويذله غاية الذل .
وعن ابن عمر رضي الله انه قال :قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)الزمر
قال: يقول الله عز وجل: أنا الجبار،أنا المتكبر،أنا الملك،أنا المتعال،يمجد نفسه. قال فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يرددها حتى رجف به المنبر،حتى ظننا انه سيخر) رواه احمد بسند صحيح
الكبرياء صفة كمال لله وصفة نقص للعبد:
يقول الشيخ الشعراوي : (باختصار من كتابه شرح أسماء الله الحسنى )
الكبر من صفات المدح للخالق وصفات الذم للمخلوق ، فالعبد الذي يتكبر إنما يتكبر على العباد بلا مقتضى ولا سند ؛ فالناس سواسية كأسنان المشط مهما اختلفت درجاتهم ، فاختلاف الدرجات والرتب لا يخرج أحدا عن كونه إنسانا ، وكلنا في هذا الوصف سواء، وهو اختلاف لا يجعل أحدنا أعظم من أخيه ، لأنه اختلاف لا فضل لنا فيه ، إذ مرجعه إلى إرادة الله عز وجل وحكمته التي ذكرها في قوله تعالى : ( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) الزخرف 32
إن الآية الكريمة صريحة في أن الله عز وجل رفع بعضنا فوق بعض درجات ، فلا فضل لنا إذن في ذلك ، وإن قال أحد : إنما أوتيته على علم عندي ، فإننا نقول له إن علمك وعملك أيضا هبة من الله عز وجل ، وقد أراد سبحانه بهذا التفاوت أن يجعل كلا منا مسخرا للآخر .
ولا يظن أحد أن هذا التفاوت يتنافى مع العدل الإلهي ، ومن يظن ذلك فإننا نقول له إنك فهمت الآية فهما خاطئا ، لأن الله سبحانه وتعالى لم يقسم عباده قسمين .. قسم مسخر ، وقسم مسخر ، بل جعل كلا منا مسخر ومسخر في آن واحد ، فالذي يعمل في تسليك المجاري ودورات المياه مسخر للطبيب والمهندس وغيرهما ، وفي نفس الوقت فإن الطبيب والمهندس وغيرهما مسخرون لخدمة عامل المجاري .. بل إن ما يبذله عامل المجاري في عمله وما يرقيه من عناء لا يمثل مثقال ذرة مما عاناه الطبيب أو المهندس من الكد والعناء طوال سنوات الدراسة وتحصيل العلم الذي يمكنه من أداء الخدمة التي يؤديها لهذا العامل .
. فالكل إذن مسخر ومسخر وفقا لمعنى الآية السابقة ، ومن أسباب التفضيل أيضا قوله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)الأنعام 165
وهذه حكمة أخرى لتفاوت الدرجات ألا وهي الابتلاء ؛ فالغنى مثلا يبتلي فيما أوتي من سعة الرزق .. هل سيخرج زكاة ماله ويؤتي الصدقات أم يكنز الأموال ؟
والفقير يبتلى هل سيصبر على ضيق ذات اليد .. أم يعترض ويسخط ؟
وهكذا الشأن في سائر النعم والنقم !!
فإذا كان التفاوت بين العباد حادثا بإرادة الله عز وجل ولحكمته ؛ وليس لنا فيه فضل ؛ فإنه لا يصح أن يتصور أحدنا أنه أعظم أو أكبر من أخيه ؛ ومن يتصور ذلك فهو متكبر ؛ والتكبر في حقه صفة ذميمة ؛ لأنه أراد أن يصف نفسه بما ليس لها ، فمهما أوتي الإنسان من زينة الدنيا فهو إنسان وهو عبد الله عز وجل ، ولن تخرجه ممتلكاته عن هذا الوصف ، وقد أوضح لنا الحق جل وعلا موقفه من المستكبرين من خلقه وأوضح لنا جزاءهم يوم القيامة فقال سبحانه : ( الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) غافر60
وقال عز وجل : ( وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا أُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)الأعراف 36
وقد مدح الله عز وجل عباده الذين لا يستكبرون عن عبادته في العديد من الآيات القرآنية منها قوله تعالى : (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ) السجدة15
أما المتكبر كاسم من أسماء الله عز وجل وصفة من صفاته ، فإنه من مقتضيات الكمال الإلهي المطلق ، وهو لا يعني أن الحق تبارك وتعالى يتكبر على عباده كما يفهم السطحيون ، وإنما يعني أنه جل وعلا عظيم بذاته ومتعالي فوق عباده بحكم كونه الخالق الموصوف بصفات الكمال المطلق وبحكم كونهم المخلوقين من العدم والقائمين به عز وجل ولا قيام لهم بدونه.
والحديث عن الصفات الإلهية دون فهم معناها يوقع في الخطأ الجسيم والضلال المبين .
وقد سمعنا من قبل مقولة أحد المستشرقين :
(أنه في الوقت الذي تصف فيه عقيدتنا السمحاء الخالق بالتواضع المطلق فإن الإسلام يصفه بالكبرياء المطلق )
وهذا القول إن دل على شيء فإنما يدل على جهله بمفهوم الصفات الإلهية في الإسلام ، فمفهومه للتكبر والتواضع بالنسبة لله عز وجل كمفهومة للتواضع والتكبر بين الناس ، وشتان بين هذا وذاك.
إن العلاقة بيننا وبين الله عز وجل فيما يتعلق بالتكبر والتواضع هي أن الحق تبارك وتعالى هو المتكبر أي العظيم بذاته والمتعالي بذاته ونحن المتواضعون له فإذا أردنا أن نتكبر على بعضنا البعض أو عليه عز وجل فقد خرجنا على مقتضى التواضع الذي هو صفة لصيقة بنا وهذا محرم شرعا , وقد قال جل وعلا في الحديث القدسي : (الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في النار )
التواضع لا يليق بالله جل وعلا :
التواضع في حق الله عز وجل خروج على مقتضى العظمة الذاتية والعلو الذاتي له جل وعلا ، وهو تكلف غير جائز على الله تبارك وتعالى ، وإن جاز أن يوصف إنسان بأنه متواضع فإنه لا يجوز أن يوصف الله عز وجل بهذا الوصف لأن التواضع في اللغة من الضعة وهي الدنو ، والدنو يليق بالمخلوق ولكنه لا يليق بالخالق عز وجل المتصف بصفات الكمال المطلق .ا.هـ
وللتوضيح أقول : إن الإنسان يتواضع لمن هو مثله في الرتبة لكن لا يقال مثلا فلان متواضع مع بهائمه !!! وإنما يقال رحيم ببهائمه .
فالله سبحانه بالناس رؤوف رحيم لكن لا يوصف بالتواضع ، فهو الكبير المتكبر .
ونلاحظ في القرآن اقتران اسم الله الكبير بالعلى والمتعال كما في قوله تعالى (عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال)الرعد9
و (وهو العلي الكبير) سبأ 23
أما المتكبر من البشر فهو حقير مهين وما أروع وصف بعض السلف للمتكبر بقوله (مثل المتكبر كرجل في شاهق جبل يرى الناس صغارا ، ويرونه صغيرا )
آثار الإيمان بهذين الاسمين :
1- إن الله أكبر من كل شيء وأكبر من أن يعرف وأن نحيط به علماً ، ولذلك نهينا أن نفكر في ذاته لأننا لن ندرك ذلك بعقولنا القاصرة وفي الحديث (تفكروا في آلاء الله ، و لا تفكروا في الله عز و جل) حسنه الألباني
وقد وقع الفلاسفة في ذلك وحاولوا أن يدركوا كيفية وماهية ربهم بعقولهم فتاهوا وضلوا ولم يجنوا سوى الحيرة والتخبط والتناقض فيما سطروه من الأقوال والمعتقدات .
2- إذا علم العبد أن ربه هو المتكبر فذلك يولد علما ويقينا راسخا أن الله عز وجل أعلى وأجل وأرفع من كل شيء ،فالتكبر لا يليق إلا به سبحانه وتعالى ، وصفة السيد التكبر والترفع وأما العبد فصفته التذلل والخشوع والخضوع .
3- الكبر ينافي حقيقة العبودية:
وأول ذنب عُصي الله به هو الكبر ، وهو ذنب إبليس حين أبى واستكبر وامتنع عن امتثال أمر الله له بالسجود لآدم ، ولذا قال سفيان بن عيينة : ” من كانت معصيته في شهوة فارجُ له التوبة ، فإن آدم عليه السلام عصى مشتهياً فغُفر له ، ومن كانت معصيته من كِبْر فاخشَ عليه اللعنة ، فإن إبليس عصى مستكبراً فلعِن “
فالكبر إذاً ينافى حقيقة العبودية والاستسلام لرب العالمين ، قال سبحانه :{سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق } الأعراف 146 ، وقال سبحانه :{إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين }( غافر 60)
وثبت في الصحيح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ) .
والكبر هو خلق باطن تظهر آثاره على الجوارح ، يوجب رؤية النفس والاستعلاء على الغير ، وهو بذلك يفارق العجب في أن العجب يتعلق بنفس المعجب ولا يتعلق بغيره ، وأما الكبر فمحله الآخرون ، بأن يرى الإنسان نفسه بعين الاستعظام فيدعوه ذلك إلى احتقار الآخرين وازدرائهم والتعالي عليهم ، وشر أنواعه ما منع من الاستفادة من العلم وقبول الحق والانقياد له ، فقد تتيسر معرفة الحق للمتكبر ولكنه لا تطاوعه نفسه على الانقياد له كما قال سبحانه عن فرعون وقومه : {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا }(النمل 14)
ولهذا فسر النبي – صلى الله عليه وسلم – الكبر بأنه بطر الحق : أي رده وجحده ، وغمط الناس أي : احتقارهم وازدراؤهم .
4- من تواضع لله رفعه :
والصفة التي ينبغي أن يكون عليها المسلم هي التواضع ، تواضعٌ في غير ذلة ، ولينٌ في غير ضعف ولا هوان ، وقد وصف الله عباده بأنهم يمشون على الأرض هوناً في سكينة ووقار غير أشرين ولا متكبرين ، وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد ) .
وقدوتنا في ذلك أشرف الخلق وأكرمهم على الله نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم – الذي كان يمر على الصبيان فيسلم عليهم ، وكان في بيته في خدمة أهله ، يخصف نعله ، ويرقع ثوبه ، ويحلب الشاة لأهله ، ويأكل مع الخادم ، ويجالس المساكين ، ويمشي مع الأرملة واليتيم في حاجتهما ، ويبدأ من لقيه بالسلام ، ويجيب دعوة من دعاه ولو إلى أيسر شيء ، وكان طلق الوجه ، متواضعاً في غير ذلة ، خافض الجناح للمؤمنين ، لين الجانب لهم ، وكان يقول: ( ألا أخبركم بمن يحرم على النار ، أو بمن تحرم عليه النار ، على كل قريب هين سهل ) رواه الترمذي
قال بعض السلف: ( ما دخل قلب امرئ من الكبر شيء إلا نقص من عقله مقدار ذلك ) .
وسئل ابن المبارك ما الكبر؟ فقال: أن تزدري الناس ،فسألته عن العجب ، قال: أن ترى أن عندك شيئا ليس عند غيرك.
Samasimo
بارك الله لكما اجابة شافية كافية