تيسير فقه الصلاة :مواقيت الصلاة
عدد الفرائض:
الفرائض التي فرضها الله تعالى في اليوم والليلة خمس: فعن عبادة بن الصامت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خمس صلوات كتبهن الله على العباد، من أتى بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له) .رواه أحمد وأبو داود
وعن طلحة بن عبيد الله أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثائر الشعر فقال: (يا رسول الله أخبرني ما فرض الله علي من الصلوات؟ فقال: (الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئا) فقال: أخبرني ماذا فرض الله علي من الصيام؟.فقال: (شهر رمضان إلا أن تطوع شيئا) .
فقال: أخبرني ماذا فرض الله علي من الزكاة؟ قال: فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام كلها.
فقال: والذي أكرمك لا أتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفلح إن صدق، أو دخل الجنة إن صدق) .رواه البخاري ومسلم.
مواقيت الصلاة:
للصلاة أوقات محدودة لا بد أن تؤدى فيها، لقول الله تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) سورة النساء: 103
(كتابا )فرضا مؤكدا ثابتا ثبوت الكتاب.
(موقوتا) أي منجما في أوقات محدودة
حددت السنة هذه الأوقات فيما يلي:
1 – عن عبد الله بن عمرو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وقت الظهر إذا زالت الشمس، وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق، وقت العشاء إلى نصف الليل الأوسط، ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر وما لم تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة، فإنها تطلع بين قرني شيطان) ، رواه مسلم.
2 – وعن جابر بن عبد الله، أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل عليه السلام فقال له: (قم فصله، فصلى الظهر حين زالت الشمس، ثم جاءه العصر فقال: قم فصله، فصلى العصر حين صار ظل كل شئ مثله، ثم جاءه المغرب فقال: قم فصله، فصلى العشاء حين غاب الشفق، ثم جاءه الفجر حين برق الفجر، أو قال: (سطع الفجر) ثم جاءه من الغد للظهر فقال: قم فصله، فصلى الظهر حين صار ظل كل شئ مثله، ثم جاءه العصر فقال: قم فصله، فصلى العصر حين صار ظل كل شئ مثليه، ثم جاءه العصر فقال: قم فصله، فصلى العصر حين صار ظل كل شئ مثليه، ثم جاءه المغرب وقتا واحدا لم يزل عنه، ثم جاءه العشاء حين ذهب نصف الليل، أو قال: (ثلث الليل) فصلى العشاء.
ثم جاءه حين أسفر جدا فقال: قم فصله، فصلى الفجر، ثم قال: (ما بين هذين الوقتين وقت) رواه أحمد والنسائي والترمذي.
وقال البخاري: هو أصح شئ في المواقيت، يعني إمامة جبريل.
وقت الظهر
تبين من الحديثين المتقدمين، أن وقت الظهر يبتدئ من زوال الشمس عن وسط السماء، ويمتد إلى أن يصير ظل كل شئ مثله سوى فئ الزوال، إلا أنه يستحب تأخير صلاة الظهر عن أول الوقت عند شدة الحر، حتى لا يذهب الخشوع، والتعجيل في غير ذلك.
دليل هذا:
1 – ما رواه أنس قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتد البرد بكر بالصلاة، وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة) رواه البخاري.
2 – وعن أبي ذر قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأراد المؤذن أن يؤذن الظهر فقال: أبرد، ثم أراد أن يؤذن فقال: أبرد، مرتين أو ثلاثا، حتى رأينا فيء التلول ثم قال: (إن شدة الحر من فيح جهنم، فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة) ، رواه البخاري ومسلم.
(الفئ) : الظل الذي بعد الزوال. (التلول) جمع تل: ما اجتمع على الأرض من تراب أو نحو ذلك.
غاية الابراد
قال الحافظ في الفتح: واختلف العلماء في غاية الابراد. فقيل حتى يصير الظل ذراعا بعد ظل الزوال. وقيل: ربع قامة، وقيل: ثلثها. وقيل: نصفها، وقيل غير ذلك.
والجاري على القواعد، أنه يختلف باختلاف الأحوال ولكن بشرط أن لا يمتد إلى آخر الوقت.
وقت صلاة الجمعة
هل تصح صلاة الجمعة قبل الزوال بساعة ؟
قولان لأهل العلم :
القول الأول : اتّفق الأئمة الثلاثة مالك وأبو حنيفة والشافعي على أن وقت صلاة الجمعة هو وقت صلاة الظُّهر، الذي يدخل بزوال الشمس.
وعزاه النووي لجمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم . بل قال الإمام الشافعي رحمه الله : ” ولا اختلاف عند أحد لقيته أن لا تصلى الجمعة حتى تزول الشمس ” انتهى. “الأم” (1/223)
واستدلوا بحديثين صريحين صحيحين :
1- عن أنس بن مالك رضى الله عنه : أَنَّ النَّبِىَّ كَانَ يُصَلِّى الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ . رواه البخاري وبوَّب عليه رحمه الله بقوله : ” باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس، وكذلك يروى عن عمر وعلي والنعمان بن بشير وعمرو بن حريث رضي الله عنهم ” انتهى.
2- عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال :
( كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ إِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ نَرْجِعُ نَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ ) رواه مسلم
القول الثاني : تجوز قبل الزوال ، يعني أن بداية وقتها يسبق بداية وقت الظهر .
وهذا قول الإمام أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه .
واستدلّ الحنابلة بظاهر بعض الروايات الصحيحة، وبروايات أخر:
(أ) عن أنس قال: كنا نبكِّر بالجمعة، ونَقيل بعد الجمعة، رواه البخاري،
وفي لفظ له أيضا: كنا نصلِّي مع النبي الجمعة، ثم تكون القائِلة، فظاهر الحديث أنّهم كانوا يصلُّون الجمعة باكِر النّهار، أي أوّله.
قال الحافظ ابن حجر ردًّا على هذا الاستدلال ليلتقي مع الرّوايات الأخرَى،لكِنّ طَريقَ الإجماعِ أولَى من دَعْوى التّعارُضِ، وقد تقرّر أن التبكير يُطلَق على فعل الشيء في أول وقته أو تقديمه على غيره، وهو المراد هنا، والمعنى أنهم كانوا يبدؤون الصلاة قبل القيلولة، بخلاف ما جرت عادتهم في صلاة الظهر في الحَرّ، فإنهم كانوا يَقيلون ثم يصلُّون ، لمشروعيّة الإبراد، أي تأخير صلاة الظهر حتى يتلطّفَ الجوّ.
(ب) عن أنس قال: كان النبي إذا اشتدّ البرد بكّر بالصلاة، وإذا اشتد الحرّ أبْردَ بالصلاة يعني الجمعة ، رواه البخاري .
قالوا: إن التبكير يُفهم من فعلها قبل الزوال، وأُجيب بما أُجيب به في الحديث السابق، وقوله يعني الجمعة، يحتمل أن يكون من كلام التابعي الذي روى عن أنس، أو مَن هو دون التابعي، فهو ليس من كلام أنس؛ لأن الروايات عن أنس، أنّه كان يبكّر بها مطلَقًا، كما أخرجه الإسماعيلي وليس فيه قوله: يعني الجمعة.
(جـ) عن سهل بن سعد قال: ما كنا نَقيل ولا نتغدّى إلا بعد الجمعة، رواه الجماعة وزاد أحمد ومسلم والترمذي، في عهد النبي قالوا: إنّ الغداء والقيلولة محلُّهما قبل الزوال، وحكَوا عن ابن قتيبة أنه قال: لا يسمّى غداء ولا قائلة بعد الزوال، وأجيب بأن القيلولة هي نوم نِصف النهار بسبب شدّة الحَرّ، وذلك يكون بعد الزّوال، وكيف يكون غداء قيلولة قبل الزوال.
وقد اختلف أصحاب أحمد في الوقت الذي تصحُّ فيه قبل الزوال، هل هو الساعة السادسة أو الخامسة، أو وقت دخول صلاة العيد في أول النهار؟
(د) عن جابر ـ رضي الله عنه كان يصلِّي الجمعة ثم نذهب إلى جِمالنا فنُريحها حين تزول الشمس ، رواه مسلم وأحمد والنسائي قالوا: إن راحةَ الجِمال حين الزوال بعد صلاة الجمعة دليل على أنّها صُلِّيَت قبل الزوال. وأُجيب بأن قوله: حين تزول الشمس أي في أول وقت زوالها أو قَريبًا منه مما يدلُّ على شدة التّبكير بالصلاة في أول وقتِها.
(هـ) ثبت أن النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يخطُب خُطبتين ويجلس بينهما يقرأ القرآن ويذكِّر الناس، كما في صحيح مسلم من حديث أمِّ هشام بنت حارثة أخت عمرة بنت عبد الرحمن أنها قالت: ما حفِظتُ “ق والقرآن المَجيد” إلا مِن في “فم” رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ وهو يقرؤها على المِنبر كل جمعة، وعند ابن ماجه من حديث أبي بن كعب أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قرأ يوم الجمعة “تبارك” وهو قائم يذكّر بأيّام الله. وكان يصلّي بسورة الجمعة والمُنافقين.
كما ثبت ذلك عند مسلم من حديث على وأبي هريرة وابن عباس، قالوا: لو كانت خُطبته وصلاته بعد الزوال، ما انصرف منها إلا وقد صار للحِيطان ظِلٌّ يستظلّ به . وأجيب بعدم التسليم بأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يخطب دائمًا بسورة “ق أو تبارك” وإن كان قد تكرّر منه، لكن الغالب أنه كان ينتهي من الصّلاة مبكرًا لا يشتدُّ الحرُّ على المُصَلِّين وهم عائدون إلى بيوتِهم.
(و) وعن عبد الله بن سيدان السلمي قال: شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت خطبته وصلاتُه قبل نصف النهار، ثم شهِدتها مع عمر، فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول: انتصف النهار، ثم شهِدتها مع عثمان فكانت صلاتُه وخُطبته إلى أن أقول: زال النّهار، فما رأيت أحدًا عاب ذلك ولا أنكرَه، رواه الدارقطني وأحمد في رواية ابنه عبد الله، وأجيب بأن ابن سيدان غير معروف العدالة على الرغم من أنه تابعي كبير، قال ابن عدي عنه: شِبْه المجهول، وقال البخاري: لا يُتابَع على حديثه.وحكى في الميزان عن بعض العلماء أنه قال: هو مجهول لا حجة فيه.
على أنه لو سلم بصحة الرواية ما معنى أن خطبة عثمان وصلاته استمرّتا حتى زوال النهار، هل تعدى بهما الوقت حتى دخل وقت العصر وغابت الشمس أو كادت؟ إنّ الكلام فيه مبالغة ظاهرة، فينبغي أن يُحمل التبكير على أنه في أول وقتها وهو الزوال، والتأخير على أنه قُبيل دخول وقت العصر.
(ز) روى عن ابن مسعود أنه صلّى الجمعة ضُحًى وقال: خَشِيتُ عليكم الحرّ، كما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن سلمة، ورد بأن شعبة وغيره قالوا: إن عبد الله هذا وإن كان صدوقًا إلا أنّه تغيّر لما كَبِرَ كما روى عن معاوية أنه صلّى الجمعة أيضا ضُحًى، كما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق سعيد بن سويد، ورد بأن سعيدًا هذا ذكره ابن عدي في الضعفاء.
ومثل ذلك قيل فيما روى عن جابر وسعيد بن زيد وسعد بن أبي وقّاص، فإن الرّوايات عنهم لا تعارِض ما هو أقوى منها.
(ح) قال الحنابلة: إن النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال عن يوم الجمعة “إن هذا يومٌ جعله الله عيدًا للمسلمين” فلمّا سمّاه عيدًا جازت الصلاة فيه وقت صلاة العيد “الفطر والأضحى” ورُدَّ بأنّ التّسمية لا تقتضي التشبيهَ في كل شيء، ألا ترى أن يوم العيد يحرُم صومه، أما يوم الجمعة فلا، وبخاصّة إذا سُبِق بصيام يوم الخميس، أو أُتبِعَ بصيام يوم السبت؟
قال العلامة القرضاوي : هذه هي أدلة الجمهور وأدلة أحمد، وقد رأيت أن أدلة الجمهور أقوى، وإنْ كان الشوكاني قال في الجمع بين الرأيين: إن أدلة الجمهور لا تنفي جواز صلاة الجمعة قبل الزوال، أي ليس فيها أسلوب الحصر الذي يمنع ما عداه، وأنا أميل إلى أن وقت صلاة الجمعة هو وقت صلاة الظُّهر، وإن كان من المُمكن صلاتُها قبل الزوال بوقت قصير عند الضرورة، كالحرِّ الشديد ونحوه، والضّرورة تقدّر بقدْرِها. ولكلِّ بلد ظروفه، ولكل زمن ما يُناسِبه، والله أعلم “راجع فتح الباري لابن حجر ج 3 ص 37 ونيل الأوطار للشوكاني ج 3 ص 330 والمغني لابن قدامة”.
وعلى ضوء هذا يمكننا الاستفادة من هذه الرخصة في المذهب الحنبلي ، إذا وجدنا المسلمين في حاجة إليها، حتى لا تضيع على المسلمين الجمعة خارج دار الإسلام، وهي من الأمور المهمة التي يجب أن يحرص عليها المسلمون، ويتشبثوا بها، لما فيها من تقوية الروابط، وتوثيق الصلة بالدين وشعائره، وتذكير المسلمين إذا نسوا، وتقويتهم إذا ضعفوا، وتأكيد هويتهم، وتثبيت أخوتهم.
فإذا استطعنا أن يصلي المسلمون الجمعة في الوقت المتفق عليه، وهو بعد الزوال إلى العصر، فهو الأولى والأحوط، والواجب على المسلمين أن يحرصوا على الخروج من المختلف فيه إلى المتفق عليه ما وجدوا إلى ذلك سبيلا.
أما إذا تعارض ذلك مع ظروف المسلمين في بعض البلدان أو في بعض الأوقات، أو في بعض الأحوال، فلا حرج في الأخذ بالمذهب الحنبلي في التبكير بالصلاة قبل الزوال، ولو في وقت صلاة العيد عند الضرورة، فإن للضرورات أحكامها.
وقت صلاة العصر
للعلماء فيها قولان :
القول الأول: أن آخر وقت الظهر إذا صار طول ظل الشيء كمثله (كأن تنصب عصا في الشمس، فإن تساوى ظل العصا مع طولها فهذا آخر وقت الظهر، وهذا قول المالكية والشافعية والحنابلة، وهو قول عند الحنفية قال به الأئمة محمد بن الحسن وأبو يوسف , وزفر, و الطحاوي, ونقل الحصكفي عن غرر الأذكار: هو المأخوذ به, وفي البرهان هو الأظهر لبيان جبريل (يعني حديث جابر أن جبريل -عليه السلام- صلى بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الوقت )، أخرجه أحمد وفي الفيض: وعليه عمل الناس اليوم وبه يفتى. أ هـ.
وهذا ما يدل عليه حديث عبد الله بن عمرو، أن رسول الله قال: “وقت الظهر إذا زالت الشمس، وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر ” صحيح مسلم
فقوله ما لم يحضر العصر يدل على أنه بخروج وقت الظهر يدخل وقت العصر مباشرة.
القول الثاني: أن آخر وقت الظهر إذا صار طول ظل الشيء مثليه (الضعف)،
وقد رُويَ عن الإمام أبي حنيفة في وقت العصر روايتان، الأولى: إذا صار ظل كل شئ مثله، والثانية: إذا صار ظل كل شئ مثليه!
والرواية الأولى هي قول الجمهور كما سبق ، ومعهم صاحبا الإمام أبو يوسف ومحمد بن الحسن، وصحح جمهور أئمة المذهب الرواية الثانية، وقالوا هي ظاهر الرواية عن الإمام، واستقر اعتمادهم لها!
ودليل الإمام أبي حنيفة: قوله صلى الله عليه وسلم “أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم”قال الموصلي في الاختيار “ولا إبراد قبل أن يصير ظل كل شيء مثليه، لأن شدة الحر قبله خصوصاً في الحجاز!”
واستُدل للإمام رحمه الله أيضاً بحديث إمامة جبريل المذكور آنفاً نفسه! لأن جبريل صلى الظهر بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني “حين صار ظل كل شئ مثله” فدل على أنه وقتٌ للظهر لا العصر!
قال ابن نجيم في البحر الرائق ” وإذا تعارضت الآثار لا ينقضي الوقت بالشك!”
وقول الجمهور هو القول الصحيح الذي دلت عليه الأدلة الصحيحة، وهو قول عدد من أئمة الحنفية كما تقدم بيانه .
وقت الاختيار ووقت الكراهة :
وينتهي وقت الفضيلة والاختيار باصفرار الشمس، وأما تأخير الصلاة إلى ما بعد الاصفرار فهو وإن كان جائزا إلا أنه مكروه إذا كان لغير عذر، فعن أنس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعا. لا يذكر الله إلا قليلا) رواه الجماعة، إلا البخاري، وابن ماجه.
تأكيد تعجيلها في يوم الغيم:
عن بريدة الأسلمي قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فقال: (بكروا بالصلاة في اليوم الغيم، فإن من فاتته صلاة العصر فقد حبط عمله) رواه أحمد وابن ماجه.
قال ابن القيم: الترك نوعان: ترك كلي لا يصليها أبدا، فهذا يحبط العمل جميعه، وترك معين، في يوم معين، فهذا يحبط عمل اليوم) .
صلاة العصر هي الصلاة الوسطى :
قال الله تعالى: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) .
وقد جاءت الأحاديث الصحيحة مصرحة بأن صلاة العصر هي الصلاة الوسطى.
1 – فعن علي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب: (ملا الله قبورهم وبيوتهم نارا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس) رواه البخاري ومسلم.
ولمسلم وأحمد وأبي داود: (شغلونا عن الصلاة الوسطى، صلاة العصر) .
2 – وعن ابن مسعود قال: حبس المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة العصر حتى احمرت الشمس واصفرت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (شغلونا عن الصلاة الوسطى، صلاة العصر، ملا الله أجوافهم وقبورهم نارا) ، (أو حشا أجوافهم وقبورهم نارا) رواه أحمد ومسلم وابن ماجه.
وقت صلاة المغرب
قولان للعلماء :
الأول مذهب مالك والأوزاعي والشافعي أن المغرب لها وقت واحد بعد الغروب بمقدار ما يتطهر المصلي ويستر عورته ويؤذن ويقيم للصلاة وحجتهم حديث جبريل ، والشاهد أنه صلى المغرب في اليوم الأول والثاني حين غربت الشمس وقتا واحدا
أما المذهب الثاني : وهو قول الثوري وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأ ي وبعض الشافعية وعلى رأسهم النووي وابن المنذر …قالوا أن آخره إلى أن يغيب الشفق الأحمر ، وهو الراجح لحديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وقت صلاة المغرب إذا غابت الشمس ما لم يسقط الشفق) رواه مسلم.
الشفق كما في القاموس: هو الحمرة في الأفق من الغروب إلى العشاء أو إلى قريبها، أو إلى قريب العتمة.
قال النووي في شرح مسلم: (وذهبت المحققون من أصحابنا إلى ترجيح القول بجواز تأخيرها ما لم يغب الشفق، وأنه يجوز ابتداؤها في كل وقت من ذلك، ولا يأثم بتأخيرها عن أول الوقت) .
و ما رواه البخاري أن زيد بن ثابت قال لمروان بن الحكم مالك تقرأ في صلاة المغرب بقصار المفصل ؟ وقد كان رسول الله يقرأ بطولى الطوليين ؟) وكما قال ابن حجر أنها سورة الأعراف فتأمل يقرأ بسورة الأعراف مرتلة وهي جزء ونصف من القرآن فبعد كم ينتهي من صلاته ؟ فهذا دليل آخر على امتداد وقتها .
وأوضح منه حديث ابن عمرو (وقت المغرب ما لم يغب الشفق) رواه مسلم
وأما ما تقدم في حديث إمامة جبريل: أنه صلى المغرب في اليومين في وقت واحد حين غربت الشمس، فهو يدل على استحباب التعجيل بصلاة المغرب، وقد جاءت الأحاديث مصرحة بذلك.
1 – فعن السائب بن يزيد أن: رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال أمتي على الفطرة ما صلوا المغرب قبل طلوع النجوم) رواه أحمد والطبراني.
2 – وفي المسند أن ابن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلوا المغرب لفطر الصائم وبادروا طلوع النجوم) .
3 – وفي صحيح مسلم عن رافع بن خديج: (كنا نصلي المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا وانه ليبصر مواقع نبله) .
4 – وفيه عن سلمة بن الأكوع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب..
وقت العشاء
للعلماء أقوال في آخر وقت صلاة العشاء:
الأول: مذهب الشافعي وأبو حنيفة آخر وقتها إلى ثلث الليل وحجتهم حديث جبريل وإمامته للنبي وفيه أنه (صلاها بالنبي في اليوم الثاني ثلث الليل)
الثاني: قول مالك والشافعي في القديم و الثوري وابن المبارك وإ سحق وأبي ثور آخر وقتها نصف الليل لحديث أنس في الصحيح (أخر النبي صلاة العشاء إلى نصف الليل)
الثالث : قول عطاء وداود الظاهري وابن المنذر وهو مروي عن ابن عباس وأبي هريرة آخر وقتها طلوع الفجر الصادق وحجتهم حديث أبي قتادة (إنما التفريط على من لم يصل حتى يجئ وقت الصلاة الأخرى ) رواه مسلم.
وجمع الشوكاني بين هذين القولين بأن آخر وقت الاختيار هو نصف الليل وأما وقت الجواز والاضطرار فممتد إلى الفجر مستدلا بحديث أبي قتادة السابق قال فإنه ظاهر في امتداد وقت كل صلاة إلى دخول وقت الصلاة الأخرى إلا صلاة الفجر فإنها مخصوصة من هذا العموم بالإجماع ،وكذلك حديث أنس وهو مخرج في الصحيح (أخر رسول الله صلاة العشاء إلى نصف الليل ثم صلى ) فمعنى الحديث أن رسول الله صلى بعد نصف الليل مما يرجح صحة القول بأن وقت العشاء ممتد إلى الفجر.
استحباب تأخير صلاة العشاء عن أول وقتها:
والأفضل تأخير صلاة العشاء إلى آخر وقتها المختار، وهو نصف الليل،
لحديث عائشة قالت: أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل، حتى نام أهل المسجد ثم خرج فصلى فقال: (إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي) رواه مسلم والنسائي.
(أعتم) : أي أخر صلاة العشاء.
(عامة الليل) أي كثير منه، وليس المراد أكثره بدليل قوله: إنه لوقتها.
قال النووي: ولا يجوز أن يكون المراد بهذا القول إلى ما بعد نصف الليل، لأنه لم يقل أحد من العلماء إن تأخيرها إلى ما بعد نصف الليل أفضل.
وقد تقدم حديث أبي هريرة، وحديث أبي سعيد، وهما في معنى حديث عائشة، وكلها تدل على استحباب التأخير وأفضليته، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك المواظبة عليه لما فيه من المشقة على المصلين، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يلاحظ أحوال المؤتمين، فأحيانا يعجل وأحيانا يؤخر.
فعن جابر قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ، والعصر، والشمس نقية، والمغرب، إذا وجبت الشمس، والعشاء، أحيانا يؤخرها وأحيانا يعجل، إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطأوا أخر، والصبح كانوا أو كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها بغلس) ، رواه البخاري ومسلم.
(الهاجرة) شدة الحر نصف النهار عقب الزوال.
(الغلس) ظلمة آخر الليل.
النوم قبلها والحديث بعدها :
يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها، لحديث أبي برزة الأسلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها.رواه الجماعة.
وعلة كراهة النوم قبلها والحديث بعدها:
أن النوم قد يفوت على النائم الصلاة في الوقت المستحب أو صلاة الجماعة، كما أن السمر بعدها يؤدي إلى السهر المضيع لكثير من الفوائد، فإن أراد النوم وكان معه من يوقظه أو تحدث بخير فلا كراهة حينئذ.
فعن ابن عمر قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمر عند أبي بكر الليلة كذلك في أمر من أمور المسلمين، وأنا معه) رواه أحمد والترمذي وحسنه، وعن ابن عباس قال: (رقدت في بيت ميمونة ليلة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها، لأنظر كيف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل، فتحدث النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد) .رواه مسلم.
وقت صلاة الصبح
يبتدئ الصبح من طلوع الفجر الصادق ويستمر إلى طلوع الشمس، كما تقدم في الحديث.
استحباب المبادرة لها :
يستحب المبادرة بصلاة الصبح بأن تصلي في أول وقتها، لحديث أبي مسعود الأنصاري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الصبح مرة بغلس، ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها، ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات، ولم يعد أن يسفر.رواه أبو داود والبيهقي، وسنده صحيح.
وعن عائشة قالت: (كن نساء مؤمنات يشهدن مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس) . رواه الجماعة.
(متلفعات بمروطهن) : ملتحفات بأكسيتهن
وأما حديث رافع بن خديج: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أصبحوا
بالصبح فإنه أعظم لأجوركم) ، وفي رواية: (أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر) .رواه الخمسة ، فإنه أريد به الإسفار بالخروج منها، لا الدخول فيها: أي أطيلوا القراءة فيها، حتى تخرجوا منها مسفرين، كما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يقرأ فيها الستين آية إلى المائة آية، أو أريد به تحقق طلوع الفجر، فلا يصلي مع غلبة الظن.
كيف تحافظ على صلاة الفجر :
هذه المسألة تناولتها في الموقع على هذا الرابط:
مسألة : هل يجوز تأخير الصَّلاة لشدَّة الخوف بحيث لا يتمكَّن الإنسانُ من الصَّلاة بوجه من الوجوه؛ لا بقلبه؛ ولا بجوارحه ؟
على قولين، والصَّحيح منهما أنه يجوز في هذه الحال؛ لأنَّه لو صَلَّى؛ فإنَّه لا يدري ما يقول ولا ما يفعل، ولأنَّه يدافع الموت.
وقد ورد ذلك عن بعض الصَّحابة كما في حديث أنس في فتح تُسْتَر، فإنَّهم أخَّروا صلاةَ الفَجر عن وقتها إلى الضُّحى حتى فَتَح اللَّهُ عليهم، وعليه يُحمل تأخير النَّبيِّ يوم الخندق الصلاةَ عن وقتها، فإنَّ النبيَّ قال: «شَغلونا عن الصَّلاة الوسطى» أي: بحيث لم يستطع أن يصلِّيَها في وقتها.
وغزوة الخندق كانت في السَّنةِ الخامسة، وغزوة ذات الرِّقاع كانت في السَّنة الرَّابعة على المشهور، وقد صلَّى فيها صلاة الخوف، فتبيَّن أنَّه أخَّرها في الخندق لشدَّة الخوف، فيكون هذا الاستثناء الثَّاني في التأخير.
وعليه يكون تأخير الصَّلاة عن وقتها في موضعين:
أحدهما: عند الجمع.
والثَّاني: في شدَّة الخوف الذي لا يتمكَّن معه من الصَّلاة بأيِّ وَجْهٍ من الوجوه كما سبق.