حل هذه المشكلة له جانبان : جانب علمي ، وجانب عملي .
أما الجانب العلمي : أن يعلم المسلم مكانة صلاة الفجر عند الله عز وجل :
1- “من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة (أي مع العشاء كما نص على ذلك حديث أبي داود والترمذي) فكأنما صلى الليل كله” رواه مسلم عن عثمان بن عفان
2- ( أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً ) رواه أحمد ، وهو في صحيح الجامع .
3- ( من صلّى الفجر فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله بشيء من ذمته ) رواه الطبراني ، وهو في صحيح الجامع. ومعنى في ذمة الله : أي في حفظه وعنايته سبحانه .
4- ( من صلّى البردين دخل الجنة ) رواه البخاري عن أبي موسى. والبردان الفجر والعصر .
5- “بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة” رواه الترمذي عن بريدة الأسلمي
6 -“ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها” ويقصد بهما ركعتا السنة رواه الإمام مسلم عن عائشة
وأما الجانب العملي فإن هناك عدة خطوات لصلاة الفجر مع الجماعة:
1- الإخلاص : و يكون بحرصك الشديد على أن ترضي الله عز وجل.. وأن تكون مستعداً للتضحية بأي شئ في سبيل ذلك.. الإخلاص لله هو خير دافع للإنسان للاستيقاظ للصلاة ، فإذا وجد الإخلاص الذي يلهب القلب ويوقظه ، فهو كفيل بإيقاظ صاحبه لصلاة الصبح مع الجماعة.
ولقد حمل الإخلاص بعضهم على استعمال وسائل عجيبة تعينهم على الاستيقاظ ، فمن ذلك أن أحدهم كان يضع عنده عدة ساعات منبهة إذا نام ، ويجعل بين موعد تنبيه كل واحدة والأخرى بضع دقائق ، حتى إذا أطفأ التي دقت أولاً دقت الثانية بعدها بقليل وهكذا ، وكان أحدهم يربط في يده عند النوم خيطاً ، ويدليه من نافذة غرفته ، فإذا مر أحد أصحابه ذاهباً إلى المسجد جذب هذا الخيط فيستيقظ لصلاة الفجر .
كيف يصلي رجال من الصين الفجر؟
أسلم بعض الصينيين وبدأوا يتعلمون الصلاة وشعائر الدين لكن واجهتهم مشكلة الاستيقاظ لصلا ة الفجر وجربوا جميع الوسائل حتى شق عليهم الأمر .. وفجأة توصلوا لطريقة للاستيقاظ ..!
لقد قرر كل واحد من هؤلاء شرب كميات كبيرة من الماء قبيل النوم لكي يستيقظ للذهاب للخلاء ومن ثم ينظر إلى ساعته ويعلم كم بقي من الزمن لصلاة الفجر فإن قارب الوقت انتظر وصلى وإلا شرب كمية أخرى من الماء ….ومع تكرار التجربة مراراً قدَّرَ هؤلاء الكميات المناسبة التي تجعلهم يستيقظون في وقت يكاد يقترب من وقت الفجر، وصار كل منهم يؤدي صلاة الفجر في وقتها
هؤلاء حديثو عهد بإسلام وبلغ حبه في قلوبهم إلى هذه الدرجة ، فأين نحن من هؤلاء ؟!!
الإخلاص الزائف : مسلم اضطرته ظروف عمله أن يستيقظ في الصباح الباكر قريباً من الفجر، أو طالب يذاكر في أيام امتحاناته فلا ينام إلا قرب الفجر.. فيجد كل منهما نفسه مستيقظاً وقت صلاة الفجر فينزل للصلاة.. فإذا تغير ميعاد عمل الأول فأصبح متأخراً، أو إذا انقطعت المذاكرة للثاني بانتهاء الامتحانات انقطع كلاهما عن صلاة الفجر !!أين الإخلاص !!
ـ مسلم ثالث يحتاج إلى الله عز وجل احتياجاً شديداً في أمر من الأمور.. كأن يكون قد وقع في أزمة شديدة.. مثل مرض ابنه، أو يكون قد وقع عليه ظلم ما..أو مات أبوه فبدأ ينتظم في صلاة الفجر، ويصلي بخشوع تام، ويدعو الله بإخلاص، ثم فرجت الأزمة، وحلت المشكلة، فانقطع عن صلاة الفجر !!
أين الإخلاص !!
2- العزيمة: من أراد أن يستيقظ للفجر فلن يحول دونه حائل !!لو يشعر المسلم فعلاً بقيمة الفجر في جماعة فسوف يرتب كل حياته ليقوم لصلاة الفجر..
يقول الله سبحانه عن المنافقين :”ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة، ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم، وقيل اقعدوا مع القاعدين” فتأتي الإرادة أولاً.. فلو كانوا حقاً وصدقاً يريدون الخروج لأعدوا له العدة المناسبة التي تمكنهم فعلاً من الخروج وكذلك الذي “يريد” أن يصلي الفجر فإنه إن لم يعد له العدة فليس من الصدق أن يقول أنا أريد ولكني لا أوفق..
على سبيل المثال إن كان ينام متأخراً، ولا يضبط منبهاً، ولا يأخذ بأي سبب من أسباب الإيقاظ، فكيف يقول أنا ” أريد” ولكني لا أسمع الآذان !! لو لم تكن هناك عزيمة صادقة فليس هناك أمل في سماع الأذان..
قال تعالى :”ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم”وحتى لو سمع المسلم الآذان وهو ضعيف العزيمة فلن يقوم!..
لكن الأخطر من ذلك أن يصل إلى المرحلة التي “يكره” الله عز وجل فيها قيامه !!!
وكيف يكره الله عز وجل قيام المسلم للصلاة ؟!
يكره ذلك عندما يجد إصراراً على مخالفة، وخوراً في العزيمة، ونية واضحة للمعصية، والله عز وجل لا يريد الذي يأتي إليه أن يأتي مضطراً كارهاً.. إنما يحب العبد الطائع عن رغبة، والملبي له عن شوق..
فإذا وجد الله عز وجل هذا الضعف في العزيمة، فإنه يكره انبعاث المسلم للصلاة، أو إلى أي من أعمال الخير.. بل ويثبطه ويمنعه من الفعل !!
قال تعالى: “ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم، وقيل اقعدوا مع القاعدين”
بعض المشاهدات الأمريكية يحكيها الدكتور راغب السرجاني(بتصرف )في زيارة لأمريكا وعند عودتي من صلاة الفجر، في السادسة صباحاً ، كنت أجد الشوارع الرئيسية مزدحمة بالسيارات!.. تعجبت في أول الأمر، وبعد ذلك تعودت على هذا المنظر.. إنهم يستيقظون للذهاب إلى أعمالهم، وكثير منهم يعمل في أماكن بعيدة جداً فيضطر إلى الاستيقاظ في الخامسة صباحاً ـ وقت صلاة الفجر ـ لكي يذهب إلى عمله في موعده..
كل هؤلاء البشر من نصارى ويهود وملاحدة يستيقظون لدنياهم في موعد صلاة الفجر.. لقد سمحت طاقتهم البشرية بهذا الاستيقاظ.. فلماذا لا تسمح طاقة المؤمنين بمثل هذا الاستيقاظ المبكر ؟!
المنظر الثاني: حضرت مؤتمراً طبياً كبيراً في أحد المدن الأمريكية، وفوجئت بأن جلسات المؤتمر تبدأ في السادسة صباحاً !!! ولما كانت صلاة الفجر في هذه الأيام متأخرة نسبياً، فقد انتهيت من الصلاة في الساعة السادسة والربع تقريباً، فذهبت إلى المؤتمر في ذلك التوقيت..
وكنت على يقين وأنا في طريقي أنني سأجد القاعة الكبيرة التي تشهد الجلسة الأولى خاوية على عروشها.. فمن ذا الذي سيأتي في هذا الوقت المبكر جداً لحضور جلسة علمية، ووصلت إلى القاعة وفوجئت بما لم أكن أتخيله !! فقد كانت القاعة مليئة عن آخرها ـ وهي تسع حوالي ثلاثة آلاف شخص ـ وبالكاد وجدت مكاناً في آخر القاعة، وجلست استمع وأنا في دهشة.. كيف استطاع هؤلاء القوم أن يكيفوا حياتهم بالصورة التي تمكنهم من حضور جلسة علمية – اختيارية وليست إجبارية – في السادسة صباحاً ؟! ولماذا لا يستطيع كثير من المسلمين تكييف حياتهم لحضور صلاة – إجبارية وليست اختيارية – في نفس هذا الموعد ؟
ويوم يستطيع المسلمون أن يجيبوا على هذه الأسئلة يوم أن يكتب لهم التمكين في الأرض إن شاء الله !!!
المنظر الثالث: منظر أكثر درامية وأشد تأثيراً !!كثيراً ما كنت أجد رجالاً أمريكيين ونساءً أمريكيات في الشوارع وأنا في طريقي إلى صلاة الفجر !! وأقول: وأنا “ذاهب” وليس وأنا “عائد”!.. بمعنى أنهم كانوا يستيقظون قبل ميعاد الفجر لغرض هام جداً في حياتهم
ما هذا الغرض الهام الذي من أجله استيقظ الأمريكي أو الأمريكية قبل الخامسة صباحاً، ولبس ملابسه، وخرج في الجو البارد جداً ً إلى شوارع المدينة ؟إنهم … يفسحون “كلابهم” في الهواء النقي !!
يستيقظ الأمريكي أو الأمريكية في الساعة الرابعة والنصف فجراً، لأن قلبه – أو قلبها – يتفطر على الكلب الذي يبقى محبوساً في البيت طيلة اليوم !! فيستيقظ في هذا الوقت المبكر جداً، ليستطيع الكلب أن يشم الهواء النظيف في الشارع !!
وأرجو منك أخي الفاضل أن تحل معي هذه المسألة المعقدة: الأمريكي ـ نصرانياً كان أو يهودياً أو ملحداً ـ يستيقظ فجراً من أجل “الكلب”، وبعض المسلمين، أو إن شئت فقل: “معظم” المسلمين لا يستيقظون من أجل “الله” عز وجل !!!
بالله عليك كيف يكون حل هذه المسألة ؟!!
كيف يمكن أن يكون حب “الكلب” دافعاً “لصاحبه” للاستيقاظ ؟
وكيف لا يمكن أن بكون حب “الله” عز وجل دافعاً “للعبد” للاستيقاظ ؟!
منظر افتراضي تخيلي !!
تخيل لو أن رجلاً من الأغنياء وعدك بأنه سيعطيك ألفاً من الجنيهات كل يوم في الساعة الخامسة صباحاً إذا أتيت له في هذا الموعد.. أكنت تذهب؟ أم كنت تعلل بأنك نمت متأخراً، أو أنك مرتبط بموعد بعد ذلك فلا تستطيع القدوم ؟
تخيل أنك ذهبت إليه بالفعل وأخذت الألف جنيه يومياً، وظللت على هذه الحالة سنة كاملة، فإنك تكون قد حصلت على 365 ألف جنيه.. أليس كذلك ؟
ثم تخيل بعد ذلك أنه قد جاءك الموت بعد نهاية هذه السنة ،تخيل نفسك وأنت ذاهب إلى قبرك محمولاً..
تخيل نفسك في هذا المقام، وأجب على هذا التساؤل بصدق :
أتود أنك تدخل قبرك ومعك 365 ألف جنيه، وليست معك صلاة فجر واحدة ؟
أم أن الأفضل أن تدخل قبرك ومعك 365 صلاة فجر، وليس معك جنيهاً واحداً ؟أجب بصدق !!أيهما يبقى وينفع ؟ كيف تفسر قيام الناس لجمع المال وعدم قيامهم لجمع الحسنات ؟
أهو شك في الموت؟ أم شك في البعث؟ أم شك في الله عز وجل؟!
3- احذر الذنوب :صلاة الفجر هديةمن الله عز وجل لا تعطي إلا للطائعين التائبين..
أما القلب الذي أشرب حب المعاصي فكيف يستيقظ لصلاة الفجر؟!..
القلب الذي غطته الذنوب كيف يسمع لنداء: حي على الصلاة، حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم؟!..
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله :”إن المؤمن إذا أذنب ذنباً كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه، فإن زاد زادت، فذلك الران الذي ذكره الله في كتابه “كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون”. رواه الترمذي وقال حسن صحيح
4- الصحبة الصالحة : فالطاعة على الإنسان الوحيد صعبة، والشيطان على من بمفرده أقدر..كما في الحديث “عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، ومن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة” رواه الترمذي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
5- التبكير في النوم : ففي الحديث الصحيح أن النبي كان يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها ، ،واتباع الهدي النبوي في كيفية الاضطجاع عند النوم ، بحيث ينام على جنبه الأيمن ، ويضع خده الأيمن على كفه اليمنى ، فإن هذه الطريقة تيسر الاستيقاظ ، و يستعين بالقيلولة في النهار ، فإنها تعينه ، وتجعل نومه في الليل معتدلاً ومتوازناً ، ولا ينام بعد العصر ، ولا بعد المغرب ، لأن هاتين النومتين تسببان التأخر في النوم ، ومن تأخر نومه تعسر استيقاظه، وينبغي الحرص على الطهارة وقراءة الأذكار التي قبل النوم ، فإنها تعين على القيام لصلاة الفجر.
6- لا تأكل كثيراً قبل النوم :والأصل ألا يأكل الإنسان كثيراً طوال فترات اليوم وليس في الليل فقط..
فالأكل الكثير قبل النوم يؤذي الجسد كثيراً ويؤدي إلى اضطرابات في النوم والصحة.. كما أنه سيؤدي على المدى البعيد إلى زيادة الوزن، وبالتالي صعوبة الحركة وكثرة الكسل وعدم القدرة على الاستيقاظ للفجر..
لذلك يقول أحد الصالحين: لاتأكل كثيراً فتنام كثيراً فيفوتك خير كثير !!
وهو بالطبع يقصد فوات قيام الليل، فما بالك بفوات فرض صلاة الصبح!!..
وبمناسبة الأكل لا داعي لشرب الشاي والقهوة ليلاً، وكذلك المياه الغازية، لأن كل ذلك يحتوي على مادة “الكافيين” والتي تؤدي إلى تنبيه العقل، وبالتالي إلى طول السهر، أو القلق أثناء النوم، كما أنهم جميعاً من مدرات البول، وتؤدي إلى كثرة الاستيقاظ ليلاً، وهذا قد يؤدي إلى الإرهاق الذي يصعب معه القيام على موعد الفجر.
7- ذكر الله تعالى عند الاستيقاظ مباشرة ، فإن بعض الناس قد يستيقظ في أول الأمر ، ثم يعاود النوم مرة أخرى ، أما إذا بادر بذكر الله أول استيقاظه انحلت عقدة من عُقد الشيطان ، وصار ذلك دافعاً له للقيام ، فإذا توضأ اكتملت العزيمة وتباعد الشيطان ، فإذا صلّى أخزى شيطانه وأصبح طيب النفس نشيطاً .
8- الهمة عند الاستيقاظ ، بحيث يهب من أول مرة ، ولا يجعل القيام على مراحل ، كما يفعل البعض وهذا الاستيقاظ المرحلي فاشل في الغالب ، فلا مناص من القفزة التي تحجب عن معاودة النوم، ويراعى إضاءة المصابيح الكهربية ، فإن لها تأثيراً في طرد النعاس بنورها .
9- نضح الماء في وجه النائم ، كما جاء في الحديث عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فإن أبت نضح في وجهها الماء، رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء)
قال الشيخ الألباني : حسن صحيح ، فنضح الماء من الوسائل الشرعية للإيقاظ
10- الأجراس الثلاثة :الجرس الأول : المنبه :ـ
1ـ اضبط المنبه على ميعاد الفجر تماماً بحيث يدق مع الآذان،
2ـ أحرص على شراء منبه بصوت مزعج غير موسيقي حتى يكون أقدر على إيقاظك..
3ـ لا تضع المنبه بالقرب من يدك، بل ضعه على مسافة بعيدة في الغرفة بحيث تضطر إلى القيام لإغلاقه.
الثاني : التليفون :ـاتفق مع أحد أصحابك أو مع بعض أصحابك أن من يستيقظ أولاً يوقظ الآخر بالتليفون
الثالث : جرس الباب :ـاتفق مع أحد جيرانك في السكن أو في المنطقة أن يمر عليك ويدق عليك جرس الباب لإيقاظك..
11- الدعاء :أكثر من الدعاء أن يمن الله عليك بصلاة الفجر في جماعة ،ندعو الله عز وجل الذي يمسك بأرواحنا أن يرسلها على صلاة الفجر.. ندعوه أن يزين الإيمان في قلوبنا..ندعوه أن ييسر لنا الطاعة.
اللهم من اعتز بك فلن يذل ، و من اهتدى بك فلن يضل
و من اعتصم بك فقد هدي إلى صراط مستقيم
الموضوع مأخوذ من كتاب الشيخ المنجد مشكلات وحلول
وكيف تحافظ على صلاة الفجر للدكتور راغب السرجاني