شرح أسماء الله الحسنى: 67- الحي
أولا / المعنى اللغوي
الحيُّ فِي اللُّغة صِفَةٌ مشبهةٌ (1) للموصوفِ بِالحَياةِ، والحَيُّ مِنْ كُلِّ شيءٍ: نَقِيضُ الميّتِ، والجمعُ أَحْياء.
والحَيُّ يُطْلَقُ أيضًا عَلَى كُلِّ مُتَكَلِّمٍ نَاطِقٍ.
وَالحَيُّ مِنَ النَّبَاتِ مَا كَانَ أَخْضَرَ طَرِيًّا يَهْتَزُّ.
وَالحَيُّ أيضًا: هُوَ الواحدُ مِنْ أَحْياءِ العَربِ يقع على بَني أَبٍ، كثروا أم قلوا، وعلى شَعْبٍ يجمَعُ القبائلَ.
والحي أَيضًا البطنُ مِنْ بطونِ العربِ.
ثانيا / المعنى في حق الله تعالى
الحيُّ سُبْحَانَهُ هُوَ الدائمُ فِي وجودِهِ الباقي حيًّا بذاته عَلَى الدوامِ أزلًا وأبدًا، لا تأخذُهُ سِنةٌ ولا نومٌ.
ثالثا / ورود الاسم في القرآن
وَرَدَ هَذَا الاسمُ فِي خمسِ آياتٍ مِنْ الكتابِ العزيزِ، وهِيَ:
قولهُ تَعَالَى: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ﴾ [البقرة: 255].
وقولهُ تَعَالَى: ﴿ الم * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [آل عمران: 1، 2].
وقولهُ تَعَالَى: ﴿ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ﴾ [طه: 111].
وقولهُ تَعَالَى: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 58].
وقولهُ تَعَالَى: ﴿ هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [غافر: 65].
رابعا / تأملات في رحاب الاسم
الحيُّ جل جلاله هو الذي له الحياةُ الدائمةُ والبقاءُ، الذي لا أولَ لحياته ولا منتهى لها، وكل حي سواه فحياته لها بداية ولها نهاية ، ويستمد حياته وبقائه من الله واهب الحياة ، ولَـمَّا كان كلُّ ما سِوى اللهِ حياتُه قائمة على إحياءِ اللهِ، وإحياءُ الله يدلُّ بالضرورةِ عَلَى وصفِ الحياةِ، عَلَى اعتبار أنَّ الحياةَ الذاتيةَ لله هِيَ الحياةُ الحقيقيةُ وكل مَنْ سِواه يفنى أو قابلٌ للفناء بمشيئةِ اللهِ، فإنَّ اسمَ الله الحيّ دالٌّ عَلَى الوَصفينِ معًا، الحياةُ كوصفِ ذاتٍ والإحياءُ كوصفِ فعلٍ، ومِنْ هنا كانت دعوةُ الموحِّدين إِلَى الاعتمادِ على اللهِ؛ لأنه الحيُّ الذي لا يموت كما قال سُبْحَانَهُ: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ﴾ [الفرقان: 58].
ونلاحظ أن الله سبحانه وتعالى ذكر اسم الحي مباشرة بعد قوله: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ)، وفي ذلك استدلال على إثبات تفرده بالألوهية، فكأن الحي دليل لإثبات قوله: (الله لا إله إلا هو)، فالدليل على أنه لا إله إلا هو: أنه الحي، فهذا استدلال على إثبات تفرده بالألوهية وإبطال عبودية كل من سواه؛ لأنه لا يستحق العبادة إلا من كان حياً بالحياة الذاتية الدائمة الأبدية، وحيث لا حي بهذه الحياة إلا الله الأحد، فلا يستحق العبادة إلا هو، كما قال إبراهيم عليه السلام: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} [مريم:42].
وقد نبّه أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه إلى التلازم بين الحياة الدائمة واستحقاق العبودية، وهو معنى كلمة (الحي)، وأنها أتت مباشرة بعد قوله: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [البقرة:255]، وأبو بكر الصديق نبّه إلى الربط بين الحياة وبين استحقاق الألوهية والعبودية،ففي الخطبة التي ألقاها أبو بكر رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصحابة كانت الصدمة عليهم أشد ما تكون، فالمصيبة رغم عظمها إلا أن أبا بكر أراد أن يلفتهم إلى أن لا غرابة في أن يموت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا استحالة في ذلك، بدليلٍ لطيف جداً، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس إلهاً يُعبد، وإنما هو بشر من البشر، وأن الذي نعبده نحن المسلمين وحده هو الله عز وجل، فهو حي لا يموت.
فقد روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن أبا بكر رضي الله عنه خرج، وعمر رضي الله عنه يكلم الناس، حتى وصل الأمر إلى أن عمر قال: كذب من ادعى أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد قُبض، بل ذهب إلى لقاء ربه كما حصل لموسى.
ورفع السيف وقال: من ادعى أن الرسول عليه الصلاة والسلام مات لأقطعن عنقه بهذا السيف -وهذا من شدة الصدمة- فخرج أبو بكر رضي الله تعالى عنه بكل ثقة، فقال له: اجلس يا عمر، فأبى عمر رضي الله عنه أن يجلس من شدة الانفعال، فأقبل الناس عليه وتركوا عمر رضي الله عنه، فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: أما بعد: من كان منكم يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت)
والحي جل جلاله ينفرد بكمال الحياة و دوامها( لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ) [البقرة:255] ، وهذا الوصف ليس لسواه ، فأي كائن حي حياته تغالبها الغفلة والنوم وإن قاومها وأراد البقاء عدداً من الساعات فإن النوم يراوده ويأتيه فضلاً عن كون الموت يوافيه ويرديه ، وسبحان من قهر عباده بالموت، يقول عز وجل: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:185]، وقال عز وجل: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:88]، وقال عز وجل: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [العنكبوت:57]، وقال: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:26 – 27].
فلو كان لأحد من الخلق الخلود والبقاء لكان أولاهم بذلك سيد الأولين والآخرين رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، يقول عز وجل: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء:34 – 35]، وقال عز وجل: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144] وقال جل وعلا: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30].
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: (جاء جبريل عليه السلام فقال: يا محمد! عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزيٌّ به، ثم قال: واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وعزّه استغناؤه عن الناس) رواه الحاكم
قوله: (يا محمد! عِشْ ما شئت)، أي: افترض أنك تعيش ما شئت، فلا بد في النهاية من الموت، فإنك ميت.
تماثل الأسماء لا يقتضي تماثل المسمّيات:
وحينما تصف الله سبحانه وتعالى بأنه الحي فإن تماثل الأسماء لا يقتضي تماثل المسمّيات، فقد يُطلق لفظ من الألفاظ على الله وعلى غير الله، لكنّ هذا التماثل في الاسم لا يقتضي تماثل المسمّيات، فمثلاً: يوصف الله بأنه عالم، ويوصف بعض البشر بأنه أيضاً عالم، أو كريم، أو حليم، وكذلك (حي) أيضاً من أوصاف بعض المخلوقات، لكن حينما نقول: إن الله عز وجل من أسمائه الحسنى (الحي) فيجب أن ندرك الفرق بين حياتنا وبين حياة الله تبارك وتعالى، فحياتنا قبلها عدم وبعدها موت، ونحن لم نحي أنفسنا، وإنما الذي أحيانا هو الله تبارك وتعالى.
فمعنى وصف الله سبحانه وتعالى بهذا الوصف: (الحي) يعني: أنه له الحياة الذاتية التي لم تستمد من مصدر آخر، فهو دائماً عز وجل حي منذ الأزل وإلى الأبد، لم ينفصل عنه هذا الوصف أبداً تبارك وتعالى، فحياة الله حياة كاملة دائمة، ليس لها انقطاع ولا زوال، لا قبل ولا بعد.
ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أن اسم (الحي) يستلزم جميع صفات الكمال لله تبارك تعالى، ولذلك كان يرى أن (الحي) هو اسم الله الأعظم، يقول: فالحي نفسه مستلزم لجميع الصفات، وهو أصلها، ولهذا كانت أعظم آية في القرآن: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) فهو الاسم الأعظم؛ لأنه ما من حي إلا وهو شاعر مريد، فاستلزم جميع الصفات، فلو اكتفي في الصفات بالتلازم لاكتُفي بالحي.
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى في تفسير (الحي القيوم): هذان اسمان من أسمائه تعالى، وهما جامعان لكمال الأوصاف والأفعال، فكمال الأوصاف في الحي، وكمال الأفعال في القيوم؛ لأن معنى الحي: ذو الحياة الكاملة، ويدل على ذلك (أل) التي تفيد الاستغراق، وكمال الحياة من حيث الوجود والعدم، ومن حيث الكمال والنقص.
هل اسم الله الحي فيه اسم الله الأعظم؟
ورد في شأن «اسم الله الأعظم» مجموعة أحاديث، أشهرها:
1- عن أبي أمامة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (اسْمُ اللَّهِ الأَعظَمُ فِي سُوَرٍ مِنَ القُرآنِ ثَلَاثٍ: فِي البَقَرَةِ وَآلِ عِمرَانَ وَطَهَ)رواه ابن ماجه، وحسَّنه الألباني في صحيح ابن ماجه
سورة البقرة {اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}
سورة آل عمران {اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}
سورة طه {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ}
2- عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِسًا وَرَجُلٌ يُصَلِّي ثُمَّ دَعَا: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ “، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى) رواه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح أبي داود
3- عن بُرَيْدَةَ بنِ الحُصَيْب -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ”، فَقَالَ: (لَقَدْ سَأَلْتَ اللَّهَ بِالِاسْمِ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ). [رواه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح أبي داود] .. قال الحافظ ابن حجر –رحمه الله-: وهو أرجح من حيث السند من جميع ما ورد في ذلك .
4- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لفاطمة -رضي الله عنها-: (ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به، أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين). [حسن صحيح الجامع]
5- وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا كربه أمر قال: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث) رواه الترمذي وحسنه الألباني
خامسا/ ثمار الإيمان باسم الله الحي
1- إنَّ اللهَ تبارك وَتَعَالَى حيٌّ أبدًا لا يموتُ والجنُّ والِإنسُ يموتون، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 26، 27] فَهَذَا الاسمُ فيه إثباتُ صفةِ الحياةِ، وَهِيَ مِنْ الصفاتِ الذاتيةِ، فحياتهُ سُبْحَانَهُ أكملُ حياةٍ وأتمُّها، ويستلزمُ ثبوتَ كلِّ كمالٍ يُضادُّ نفيُهُ كمالَ الحياةِ.
2- وحياتهُ جلَّ وعلا مُنزهةٌ عن مشابهةِ حياةِ الخَلقِ، فلا يجري عليها الموتُ أو الفناءُ، ولا تعتريها السِّنَةُ ولا النومُ، والسِّنَةُ هِيَ النّعاسُ الذي يكون فِي العينِ ويَسْبقُ النومَ، وكلاهما يُنافي كمالَ القدرةِ والحياةِ؛ لأنَّ النومَ قاهرٌ للحيِّ مِنَّا مُعَطِّلٌ لحواسِّهِ وَقُدرتِهِ وَعلمِهِ، ولا يَصحُّ أن يُوصفَ اللهُ بِذَلِكَ.
وَكيف يُتصوَّرُ جريانُ النومِ عليه، وَلاَ قِيامَ للسماواتِ والأرضِ إِلا به؟! قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [فاطر: 41] وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: “إنَّ اللهَ لا ينامُ، ولا ينبغي له أنْ ينامَ، يَرْفُع القِسطَ وَيخفِضُهُ، وَيُرفعُ إليه عملُ النَّهارِ بالليلِ، وعملُ الليلِ بالنَّهارِ”.
3- الله جلَّ شأنهُ هو الذي يَهَبُ أهلَ الجَنَّةِ تلك الحياةَ الدائمةَ الباقيةَ التي لا تفنى ولا تبيدُ، قال سُبْحَانَهُ: ﴿ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ﴾ [العنكبوت: 64].
فحياتُهم دائمةٌ بإدامة اللهِ لها، لا أنَّ الدوامَ وَصْفٌ لازمٌ لها لذاتِها، بخلافِ حياةِ الرَّبِّ تَعَالَى، وكذلك سائرُ صفاتِهِ، فصفاتُ الخالقِ كما يَليقُ به، وصفاتُ المخلوقِ كما يليق به.
4- كَانَ مِنْ دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه كَانَ يقول: “اللهمَّ لكَ أسلمتُ، وبِكَ آمنتُ، وَعَلَيِكَ توكلتُ، وإِلَيك أنبتُ، وبك خَاصمتُ، اللهمَّ إِني أعوذُ بعزتِكَ لا إِله إِلا أنت أن تُضِلَّني أنتَ الحيُّ الذي لا يموتُ، والجنُّ والإِنس يموتون”
5- تمام التوكل عليه، ولذا قرن الله بين التوكل وبين هذا الاسم، قال -تعالى-: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ) [الفرقان:58]؛ لأن توكل العبد على غير الله توكل في غير محله، فقد ينسى الوكيل أو يموت أو ينتقل إلى بلد آخر يعجز معه الجمع بين نفعك وبين بقائه، فمَنْ عَرَفَ هذه الصِّفةَ في رَبِّه تَوَكَّلَ عليه وانقطع قلبُه إليه عن الخلق المحتاجين مثله إلى خالقهم، فكيف يرجوهم بعد ذلك؟.
6- تعظيم قدر النفس وصيانتها، وعدم التجرؤ على حق الله في الإماتة والإحياء، وذلك بتعظيم النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، فالاعتداء على شخص اعتداء على الجنس والوصف، قال -تعالى-: (… كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) [المائدة:32]، وقال -عز وجل-: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء:93] ومثله الانتحار بأن يقتل المرء نفسه تحت أي مبرر، ولأي سبب؛ ففي ذلك جناية على النفس التي أُودعَها، واعتداء على ما هو من خصوصية المحيي والمميت، المتفرد بالإحياء والإماتة، وإذا كان -عليه الصلاة والسلام- قد نهى عن مجرد تمني الموت، فكيف بالانتحار؟ جاء في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: “مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا” رواه البخاري.
إلا أن الشرع علمنا أن نفوض الأمر إلى الله العليم بما هو أصلح لعبده؛ فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: “لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُل: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي” رواه مسلم.
*******************
(1) فائدة : ما معنى قولنا :الحي في اللغة صفة مشبهة ؟
عندما نقول فلان طويل فإنها تعرب على أنها صفة مشبهة ، لكن لما نقول (فلان قائم ) فقائم اسم فاعل ، يفيد الحدوث لكنه لن يظل قائما بل ربما يكون بعد قليل قاعد أو نائم وهكذا، أما الصفة المشبهة فتفيد ثبوت الوصف ، مثل : (محمد حسن الخلق) فحسن صفة لخلق محمد لازمته على الدوام في الماضي والحاضر والمستقبل .
وقد سمي هذا النوع من المشتقات بالصفة المشبهة ، لأنها تشبه الفاعل في دلالتها على معنى قائم بالموصوف ، غير أن الفرق بينها وبين اسم الفاعل :
أنه يدل على من قام به الفعل على وجه الحدوث والتغيير والتجدد ، وهي تدل على من قام به الفعل على وجه الثبوت في الحال أو الدوام ، ولا يعني الثبوت بالضرورة الاستمرار .
فالحي في اللغة صفة مشبهة وفعلها حيّ والآية الكريمة : ” لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ” [الأنفال:42] .