شرح الأربعين النووية 15- من كان يؤمن بالله واليوم الآخر

تاريخ الإضافة 14 ديسمبر, 2023 الزيارات : 441

شرح الأربعين النووية
15- من كان يؤمن بالله واليوم الآخر

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-  قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) رواه البخاري ومسلم.

هذا الحديث النبي صلى الله عليه وسلم يرشدنا فيه إلى ثلاثة أمور:

الأمر الأول/ حفظ اللسان.
الأمر الثاني/ إكرام الجار.
الأمر الثالث/ إكرام الضيف.

علق النبي صلى الله عليه وسلم هذه الثلاثة بقوله: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر)، قال العلماء: المقصود هنا كمال الأيمان بالله واليوم الآخر لأن هذه الأعمال من جملة الأيمان، وليس المقصود أن من تركها خرج من الأيمان، هذا يسميه العلماء من باب المبالغة في الدعوة لهذه الأفعال.
كما أقول مثلا أي طبيب في الدنيا لا يجهل أسباب كذا، أي مهندس في الدنيا لا ينبغي أن يجهل كذا، فهنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول أي مؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر فليفعل كذا وكذا، فكما تقول لابنك: إن كنت ابني فاسمع كلامي، فهل لو عصاك فليس ابنك؟ كلا ، فالمقصود إن كنت ابني حقا، ابني البار ابني الصالح، فهذا هو المقصود الحث أو التحريض على فعل هذه الثلاثة أشياء، والنبي ذكرها بصيغة المضارع (من كان يؤمن) إشارة إلى أنها ليست أفعال يفعلها الإنسان وتنتهي إنما دوام فعلها.
وسمي يوم القيامة باليوم الآخر لأنه لا ليل بعده، وأهل الجنة كيف ينامون؟ لا نوم في الجنة، ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم أينام اهل الجنة؟ قال لا النوم أخو الموت.

لماذا قال النبي (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) فذكر هذا الركن من أركان الإيمان ولم يذكر غيره؟
لأن اليوم الآخر مرتبط بالجزاء على الأعمال، لأن من كان يؤمن بالله فهو الأمر الناهي سبحانه وتعالى وهو المشرع، وكذلك يؤمن العبد بأن هناك يوم سيجازى العباد على أعمالهم خيرا أو شرا، فليفعل كذا وكذا وكذا.

الأمر الأول/ حفظ اللسان

قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليصمت) فليقل اللام الساكنة للأمر كقوله (وليطوفوا)، واللام المفتوحة تكون للتأكيد كقوله: (لتدخلن)، والمكسورة تكون للتعليل، كقوله: (ولتبتغوا) ولام الأمر الأصل فيها السكون ويجوز هنا فيها الكسر لأنها سبقها حرف الفاء، (فليقل أو فليقل)، بالسكون أو الكسر.

(خيرا أو ليصمت) يعني قل كلاما تثاب عليه أو كلاما مباحا، فإذا تكلمت تكلم بخير، فإذا لم تجد خيرا فلا تنطق بالشر، كالغيبة والسب والكذب …الخ.

ما الفرق بين الصمت والسكوت؟
الصمت أن تمتنع عن الكلام مع القدرة عليه، إنما السكوت هو عدم الكلام لا يوجد نية للكلام، أنتم الآن تسمعون للدرس، هذا صمت، أي واحد فيكم قادر أن يتكلم لكنه صامت لأنه يحب أن يسمع ويستفيد ويتعلم وهكذا، وطبعا هذه من دقائق اللغة لكن من الممكن استعمال كل منهما محل الآخر فيأتي الصمت بمعنى السكوت والسكوت بمعنى الصمت في كلام الناس.
قال ابن عبد البر في التمهيد : (وفي هذا الحديث آداب وسنن، منها التأكيد في لزوم الصمت، وقول الخير أفضل من الصمت؛ لأن قول الخير غنيمة، والسكوت سلامة، والغنيمة أفضل من السلامة)
وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم : (وأما قوله صلى الله عليه وسلم : (فليقل خيرا أو ليصمت) فمعناه : أنه إذا أراد أن يتكلم؛ فإن كان ما يتكلم به خيرا محققا يثاب عليه واجبا أو مندوبا فليتكلم، وإن لم يظهر له أنه خير يثاب عليه فليمسك عن الكلام، سواء ظهر له أنه حرام أو مكروه أو مباح مستوي الطرفين؛ فعلى هذا يكون الكلام المباح مأمورا بتركه، مندوبا إلى الإمساك عنه؛ مخافة من انجراره إلى المحرم أو المكروه، وهذا يقع في العادة كثيرا أو غالبا) 

وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى قول الخير أو السكوت، ولو كان مباحا، والحكمة – والله أعلم – لأن الكلام في المباحات يجر إلى المنهيات، فأرشد عليه الصلاة والسلام إلى أن ينظر الإنسان فيما يقوله، فإن كان خيرا تكلم به، وإن كان سوى ذلك أمسك، وبهذا ينال كمال الإيمان.
والعكس بالعكس، فإن كثيرا من الناس جره لسانه إلى كثير من المهالك، فاستعمله إما في التنازع والتخاصم أو السب أو الشتم أو الكذب أو الغيبة أو النميمة أو الشهادة بالزور، أو قول المنكر أو الفحش أو البذاءة أو الاستهزاء والسخرية أو الفرية أو نحو ذلك من الآفات، وإن سلم من أكثرها، فلن يسلم من الاسترسال في الكلام المباح وفضوله، الذي يفسد القلب، والله المستعان.

فالمؤمن الصادق هو الذي يعيش في حذر دائم من فلتات لسانه، فيجعل عمله كثيرا وكلامه قليلا، وذلك خير له، فكثير الكلام يندم على كثرة كلامه، ولن يندم صامت على صمته في الغالب؛ فالعمل يكثر أو يقل بمقدار كثرة الكلام أو قلته؛ فكثير الكلام قليل العمل، وقليل الكلام كثير العمل.

وفي الحديث (رحم الله امرءا تكلم فغنم أو سكت فسلم) [رواه البيهقي في الشعب] فاعبد الله صامتا إن كان الخير في الصمت، واعبد الله متكلما إن كان الخير في الكلام.

إن اللسان السائب حبل مرخي في يد الشيطان، فإذا صمت ولم يتكلم كان من أهل الجنان، وإذا تكلم وجهه الشيطان كيف يشاء ومتى أراد، فإذا لم يملك الإنسان أمره كان فمه مدخلا للنفايات وقلبه محطا للملوثات، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه”.

فالعاقل هو الذي يتحرى الكلمة قبل أن ينطق بها؛ فما أحسن حفظ اللسان! والإنسان لو حفظ لسانه ما هلك، قال أحدهم: “الكلام كالدواء؛ إن أقللت منه نفع، وإن أكثرت منه قتل”.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من صمت نجا) [صححه الألبانى فى صحيح الجامع] .
من صمت أي : سكت عن الشر نجا : أي : فاز وظفر بكل خير، أو نجا من آفات الدارين.

وعن سماك قال: قلت لجابر بن سمرة: أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: “نعم، وكان طويل الصمت، قليل الضحك، وكان أصحابه يذكرون عنده الشعر، وأشياء من أمورهم، فيضحكون، وربما تبسم”. رواه أحمد.

وعن إبراهيم بن أدهم، قال: “كان يقال ليس شيء أشد على إبليس من العالم الحليم، إن تكلم تكلم بعلم وإن سكت سكت بحلم”

وقال لقمان لابنه: “يا بني، إذا افتخر الناس بحسن كلامهم، فافتخر أنت بحسن صمتك”.

وقال بعض السلف: “إذا جالست الجهال فأنصت لهم، وإذا جالست العلماء فأنصت لهم؛ فإن في إنصاتك للجهال زيادة في الحلم، وفي إنصاتك للعلماء زيادة في العلم”

وسأل رجل حكيما فقال: متى أتكلم؟ قال: إذا اشتهيت الصمت، فقال: متى أصمت؟ قال: إذا اشتهيت الكلام.

و أخذ أبو بكر الصديق، رضي الله عنه بطرف لسانه وقال: (هذا الذي أوردني الموارد) 
– وعن علي رضي الله عنه قال: (بكثرة الصمت تكون الهيبة)

والصمت ينقسم إلى قسمين:
1- صمت محمود:أي أن تصمت عن كل ما حرم الله ونهى عنه، مثل الغيبة والنميمة والبذاءة وغيرها، وكذلك الصمت عن الكلام المباح الذي يؤدي بك إلى الكلام الباطل.
2- صمت مذموم: كالصمت في المواطن التي يتطلب منك أن تتكلم فيها، مثل الأماكن التي ترى فيها المنكرات، وكذلك الصمت عن نشر الخير، وكتم العلم.

وقال الغزالي رحمه الله : فإن قلت: فهذا الفضل الكبير للصمت ما سببه ؟
فاعلم أن سببه كثرة آفات اللسان ، من الخطأ والكذب والغيبة والنميمة والرياء والنفاق والفحش والمراء وتزكية النفس والخوض في الباطل والخصومة والفضول والتحريف والزيادة والنقصان وإيذاء الخلق وهتك العورات ، فهذه آفات كثيرة ، وهي سباقة إلى اللسان ، لا تثقل عليه ، ولها حلاوة في القلب ، وعليها بواعث من الطبع ، ومن الشيطان ، والخائض فيها قلما يقدر أن يمسك اللسان ، فيطلقه بما يحب ، ويكفه عما لا يحب فإن ذلك من غوامض العلم – كما سيأتي تفصيله – .ففي الخوض خطر، وفي الصمت سلامة ، فلذلك عظمت فضيلته .
هذا ، مع ما فيه من جمع الهم ، ودوام الوقار ، والفراغ للفكر والذكر والعبادة ، والسلامة من تبعات القول في الدنيا، ومن حسابه في الآخرة، فقد قال الله تعالى (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) انتهى من “إحياء علوم الدين” (3/ 111-112) .

 

الأمر الثاني/ إكرام الجار

قال: (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) ووردت في بعض الروايات (فليحسن إلى جاره)، ووردت (فلا يؤذي جاره)، فربما تعددت مواطن قول النبي-صلى الله عليه وسلم- للحديث أو هو من رواية الحديث بالمعنى.

من هو الجار؟
الجار هو جار السكن، وورد في بعض الآثار أن كل أربعين دارا فهو جارك، والمقصود هنا الاقرب فالأقرب من أبناء المكان الواحد أو الحي الواحد كما نقول، وقد حده علي رضي الله عنه بقوله: (من سمع النداء فهو جار)، ولعل الأرجح والله أعلم : أن من تعارف الناس على تسميته بالجار يسمى كذلك، وله حق الجوار أما الأحق بحقوق الجوار: فقد حدده لنا النبي صلى الله عليه وسلم، في حديث عائشة -رضي الله عنها – أنها قالت: (قلت: يا رسول الله، إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟ قال: إلى أقربهما منك بابا)؛ رواه البخاري.

الوصية بالجار:
وضع الإسلام نظاما فريدا للعلاقات والصلات الاجتماعية، فهي قائمة بالتراحم والتعاطف، والتكافل والتكاتف، وعلى التعاون على البر والتقوى، والتناهي عن الإثم والعدوان، ومن عظمة حق الجوار أوصى به الكريم سبحانه، وأنزله في كتابه العزيز، مقترنا بأوجب الواجبات وهو الأمر بعبادته وحده لا شريك له، فقال عز وجل: ﴿واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا﴾ [النساء: 36]
وقوله: ﴿والجار ذي القربى﴾ يعني الذي بينك وبينه قرابة، ﴿والجار الجنب﴾ الذي ليس بينك وبينه قرابة، وقوله: ﴿والصاحب بالجنب﴾ هو جليسك في الحضر، ورفيقك في السفر.

وقد وردت أحاديث كثيرة في شأن الجار نذكر بعضها:
1- عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه” رواه البخاري ومسلم
يعني أن جبريل يقول للنبي -صلى الله عليه وسلم- كثيرا ذكر أمتك بالإحسان إلى الجار، لدرجة أن النبي يقول من كثرة وصية جبريل بالإحسان إلى الجار ظننت أنه سينزل بوحي من الله أن الجار يرث في جاره.
2- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره”.أخرجه الترمذي، وصححه الألباني.

3- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله عز وجل بعبد خيرا عسله، قيل: وما عسله؟ قال: يحببه إلى جيرانه) رواه أحمد وإسناده جيد.

4- وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: (إن خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني: إذا طبخت مرقا فأكثر ماءه، ثم انظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم منها بمعروف) رواه مسلم.

5- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه)، رواه الحاكم وصححه الذهبي في التلخيص، والألباني في صحيح الأدب المفرد.

6- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف لي أن أعلم إذا أحسنت وإذا أسأت؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا سمعت جيرانك يقولون: أن قد أحسنت فقد أحسنت، وإذا سمعتهم يقولون: قد أسأت فقد أسأت) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.

7- ولقد تعلم الصحابة رضي الله عنه من الرسول صلى الله عليه وسلم حسن معاملة الجيران، فقد ذبحت شاة لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، فجعل يقول لغلامه: (أهديت لجارنا اليهودي؟ أهديت لجارنا اليهودي؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه).

8- ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه) رواه البخاري.

9- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قال رجل: يا رسول الله، إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: هي في النار، قال: يا رسول الله، فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها، وإنها تصدق بالأثوار من الأقط أي بالقطع ولا تؤذي جيرانها بلسانها، قال: هي في الجنة) رواه أحمد والحاكم وصححه، وابن أبي شيبة بإسناد جيد.

10- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو جاره، فقال: اذهب فاصبر، فأتاه مرتين أو ثلاثا، فقال: اذهب فاطرح متاعك في الطريق، فطرح متاعه في الطريق، فجعل الناس يسألونه فيخبرهم خبره، فجعل الناس يلعنونه أي: يلعنون ذلك الجار المؤذي فيقولون: فعل الله به وفعل وفعل، فجاء إليه جاره فقال له: ارجع لا ترى مني شيئا تكرهه) رواه أبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

ومما نقل عن لقمان الحكيم أنه قال لابنه: (يا بني، قد حملت الحجارة والحديد والحمل الثقيل، فلم أجد شيئا قط أثقل من جار السوء).

أنواع الجيران:
دلت النصوص الشرعية على أن الجيران ثلاثة:

1 جار له ثلاثة حقوق، وهو الجار المسلم القريب ذو الرحم، له حق الجوار، وحق الإسلام، وحق القرابة.
2 جار له حقان، وهو الجار المسلم، له حق الجوار، وحق الإسلام.
3 جار له حق واحد، وهو الجار الكافر، له حق الجوار فقط.

ما هو حق الجار؟
1- الإحسان إلى الجار بالقول والفعل.

2- تعهده بالهدية بين الحين والآخر: فالهدية إلى الجار طريق إلى المحبة والألفة، وهي تأسر القلب وتملك الفؤاد؛ ولذلك جاءت الأحاديث مصرحة بذلك؛ فقد أخرج الإمام مسلم عن أبي ذر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (يا أبا ذر، إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك)، وفي رواية: قال أبو ذر – رضي الله عنه -: “إن خليلي أوصاني: إذا طبخت مرقة، فأكثر ماءها، ثم انظر أهل بيت من جيرانك، فأصبهم منها بمعروف”.
فمن الإحسان أن تهدي إلى جيرانك ولو شيئا يسيرا؛ فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: (يا نساء المسلمات، لا تحقرن جارة لجارتها، ولو فرسن شاة) والمعنى: لا تحقرن أن تهدي إلى جارتها شيئا، ولو أنها تهدي إليها ما لا ينتفع به في الغالب”

3- حل مشكلاته وقضاء مصالحه: أخرج البخاري ومسلم أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (من كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته).

4- من حق جارك إذا استقرضك فأقرضه؛ فإذا قدر الله – عز وجل – أن تمر به ضائقة مالية، وأتى إليك ليستقرض منك مالا، فعليك أن تعطيه إن كان معك هذا المال، وعلى الجار أن ييسر على أخيه؛ لييسر الله عليه، وفي صحيح مسلم أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (من يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد، ما كان العبد في عون أخيه).

5- أن تنصره ظالما أو مظلوما: لقول النبي – صلى الله عليه وسلم – : (انصر أخاك ظالما أو مظلوما)، فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلوما، أرأيت إن كان ظالما كيف أنصره؟ قال: (تحجزه أو تمنعه من الظلم؛ فإن ذلك نصره)
6- تعليمه العلم الشرعي، ومصاحبته إلى المساجد ومجالس العلم، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر.
7- زيارته في مرضه، والسؤال عن صحته، والدعاء له بالشفاء والصبر.
8- السير في جنازته عند موته، وتقديم العزاء فيه، والمساهمة في إعداد الطعام وتقديمه لأهله.
9- دعوته إلى المناسبات، مثل: الأعراس، وحفلات النجاح وغيرها، كذلك تلبية دعوته إلى مناسباته.
10- ستر عيوبه، وعدم التكلم بها أمام الناس، وحفظ عرضه.
11- عدم رمي القاذورات أمام بيته، وإماطة الأذى عنه.
12. عدم إيذائه بتطاول البنيان عليه، وعدم رفع الأصوات وإيذائه بها، مثل صوت الأغاني الصاخب.

هل تصح قصة الجار اليهودي للرسول؟
من القصص المشهورة قصة الجار اليهودي الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحسن إليه وكان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم، ويضع القمامة والشوك في طريقه.

هذه القصة لا أصل لها في كتب السنة، ولم يذكرها أحد من أهل العلم، وإنما اشتهرت لدى الوعاظ والقصاص من غير أصل ولا إسناد، وفي متنها نكارة، إذ من المستبعد جدا أن يؤذي اليهودي النبي صلى الله عليه وسلم في جواره له من غير اعتراض الصحابة ولا دفاعهم عن نبيهم عليه الصلاة والسلام.

أما الحديث الصحيح فهو: عن أنس رضي الله عنه قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: أسلم!! فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم، صلى الله عليه وسلم. فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (الحمد لله الذي أنقذه من النار) .رواه البخاري
فأين هذا مما ذكر من أنه كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم ؟!! ولا يمنع ذلك أن يكون هذا الغلام جارا للنبي صلى الله عليه وسلم.

الأمر الثالث/ إكرام الضيف

قوله: (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) كان العرب قبل الإسلام يحرصون على مكارم الأخلاق، وكانوا يتسابقون إليها ويتفاخرون بها، ويعتبرون فقدها منقصة وعارا على الرجل لا يكاد يفارقه، ثم جاء الإسلام، وبعث الله نبيه محمدا -صلى الله عليه وسلم- ليتمم الأخلاق الحسنة التي كانت فيهم وتهذيبها، ومن هذه الأخلاق الحميدة: إكرام الضيف.

وفي السنة جملة من الأحاديث النبوية التي اعتنت بموضوع إكرام الضيف منها:
1- أنه سبب لنيل التوفيق من الله وتجنب الخزي: ففي حديث عائشة رضي الله عنها أن خديجة طمأنت النبي -صلى الله عليه وسلم- وأقسمت أن لا يخزيه الله أبدا لأجل اتصافه بمكارم الأخلاق، ومنها إكرام الضيف: فقد قالت له: ” كلا، أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا، فوالله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق ” رواه البخاري ومسلم. وتقري الضيف : أي تهيئ له طعامه ونزله.

2- أنه من أسباب دخول الجنة : فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : ” يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا والناس نيام تدخلون الجنة بسلام ” رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.

3- أن الله جعله من جملة الأسباب التي يتحصل بها العبد على نعيم خاص من نعيم الجنة : ففي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : ” إن في الجنة لغرفا يرى بطونها من ظهورها، وظهورها من بطونها ” فقال أعرابي: يا رسول الله لمن هي؟ قال: ” لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وصلى لله بالليل والناس نيام ” رواه أحمد وحسنه الأرناؤوط.

4- أن إكرام الضيف عمل محبوب إلى الله ويدل عليه ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من تعجب الله سبحانه وتعالى من صنيع من أكرما ضيفيهما: فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث إلى نسائه، فقلن: ما معنا إلا الماء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من يضم أو يضيف هذا؟ ” فقال رجل من الأنصار: أنا. فانطلق به إلى امرأته، فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني فقال: هيئي طعامك وأصبحي سراجك ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيأت طعامها وأصبحت سراجها ونومت صبيانها، ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «ضحك الله الليلة أو عجب من فعالكما، فأنزل الله عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث إلى نسائه، فقلن: ما معنا إلا الماء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يضم أو يضيف هذا؟» فقال رجل من الأنصار: أنا. فانطلق به إلى امرأته، فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني فقال: هيئي طعامك وأصبحي سراجك ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيأت طعامها وأصبحت سراجها ونومت صبيانها، ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ” ضحك الله الليلة أو عجب من فعالكما، فأنزل الله: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} ” رواه البخاري ومسلم.
قوله : (أصبحي سراجك) أي أوقديه، وقوله : (فباتا طاويين) أي بغير عشاء. قاله ابن حجر في الفتح.

من آداب إكرام الضيف:

ورد في السنة عدد من الآداب والأحكام التي ينبغي مراعاتها عند إكرام الضيف، ومن هذه الآداب والأحكام :

1- أن حق الضيف في الضيافة ثلاثة أيام، فإن زاد عليها كانت من المضيف صدقة عليه، فعن أبي شريح العدوي رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته” قيل: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: “يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام، فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ” رواه البخاري ومسلم.
قوله: (جائزته يوم وليلة) معناه: أنه يتكلف له إذا نزل به الضيف يوما وليلة فيتحفه ويزيده في البر على ما يحضره في سائر الأيام، وفي اليومين الأخيرين يقدم له ما حضر، فإذا مضى الثلاث فقد مضى حقه فإن زاد عليها استوجب به أجر الصدقة .

2- أن لا يتكلف المضيف لضيفه ما ليس عنده: فعن سلمان رضي الله عنه أنه دخل عليه رجل فدعا له بما كان عنده، فقال: ” لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا، أو لولا أنا نهينا، أن يتكلف أحدنا لصاحبه لتكلفنا لك ” رواه أحمد وقال الألباني: قوي بمجموع الطرق.
قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم : ” دل على أنه لا تجب عليه المواساة للضيف إلا بما عنده، فإذا لم يكن عنده فضل لم يلزمه شيء. وأما إذا آثر على نفسه كما فعل الأنصاري الذي نزل فيه {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} فذلك مقام فضل وإحسان وليس بواجب “.

وقال النووي في شرح مسلم: ” وقد كره جماعة من السلف التكلف للضيف، وهو محمول على ما يشق على صاحب البيت مشقة ظاهرة؛ لأن ذلك يمنعه من الإخلاص وكمال السرور بالضيف، وربما ظهر عليه شيء من ذلك فيتأذى به الضيف، وقد يحضر شيئا يعرف الضيف من حاله أنه يشق عليه وأنه يتكلفه له فيتأذى الضيف لشفقته عليه، وكل هذا مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم : ” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ” لأن أكمل إكرامه إراحة خاطره وإظهار السرور به .

وليس من إكرام الضيف ما يقوم به بعض الناس من مظاهر الترف والسرف؛ تباهيا ومراءاة للناس، وطلبا للشهرة، سيما وأن كل الأحاديث تدل على أن إكرام الضيف عبادة يبتغى بها وجه الله، بل من مقتضيات الإيمان التي أمر بها الإسلام، فكيف تكون قربة تتحول إلى معصية بالسرف والمخيلة التي تتنافى مع مبدأ التعبد.

3- أن يقوم على خدمة أضيافه بنفسه، ويرحب به، ويبتسم في وجهه،ويؤنسه بالحديث معه.

من فوائد الحديث:

1- الحديث دليل على الحث على حفظ اللسان، واستعماله في الخير. 

2- الحديث فيه بيان فضل إكرام الجار، والإحسان إليه، وعدم إيذائه.

3- الحديث فيه بيان فضل إكرام الضيف؛ حيث جعل إكرامه علامة على كمال الإيمان بالله واليوم الآخر.

4- أن الإيمان بالله واليوم الآخر يبعث على المراقبة والخوف والرجاء.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 48 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع