سلامة الصدر قبل ليلة النصف من شعبان
فضل ليلة النصف من شعبان ؟
لم يثبت في فضل قيام ليلة النصف من شعبان أو صيام نهارها خبر صحيح مرفوع يعمل به ؛وما ورد فيها من أحاديث وآثار عن بعض التابعين فهي مقطوعة السند أو ضعيفة جداً ، بل ومنها ما هو موضوع و قد اشتهرت تلك الروايات عند الكثير من أنها تكتب فيها الآجال و تنسخ الأعمار … إلخ ولم يصح شيء من ذلك بدليل صحيح .
وعلى هذا فلا يشرع إحياء تلك الليلة و لا صيام نهارها و لا تخصيصها بعبادة معينة .
فإذا أراد أن يقوم فيها كما يقوم في غيرها من ليالي العام – دون زيادة عمل ولا اجتهاد إضافي ، ولا تخصيص لها بشيء – فلا بأس بذلك .
وكذلك إذا صام يوم الخامس عشر من شعبان على أنه من الأيام البيض مع الرابع عشر والثالث عشر ، أو لأنه يوم اثنين أو خميس إذا وافق اليوم الخامس عشر يوم اثنين أو خميس فلا بأس بذلك؛ إذا لم يعتقد مزيد فضل أو أجر آخر لم يثبت .
لكن صح في فضلها حديث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله ليطّلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن) رواه ابن ماجة وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة 1144 .
وفي رواية أبي ثعلبة الخشني يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «إذا كان ليلةُ النصفِ من شعبانَ اطَّلَعَ اللهُ إلى خلْقِه فيغفرُ للمؤمنينَ، ويُملي للكافرينَ ويدعُ أهلَ الحِقْدِ بحقدِهم حتى يدَعوه» حسنه الألباني
وما ينبغى أن نتوقف عنده هو ما ورد في الحديث السابق أن الله يغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن .
أولا / من هو المشاحن ؟
“المشاحن ” : هو الذي امتلأ صدره بالعداوة والحقد على غيره؛ والشحناء: والشحناء هي التي تشحن القلب غيظا وبغضا، فتحمله على الهجر للصديق والجار، والقطيعة لذي الرحم، والعدوان بغير الحق.
من صفات المؤمن سلامة الصدر :
ولقد جاءت النصوص في كتاب الله تعالى وعلى لسان رسوله تؤكد هذا المعنى .
1- يقول تعالى ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم )الحشر 10 ، وذكر جل وعلا أن من صفات أهل الجنة سلامة قلوبهم من الغل فقال جل وعلا(ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار ) الأعراف 43.
2- وحرص الإسلام حرصًا شديدًا على تأليف قلوب أبناء الأمة بحيث تشيع المحبة وترفرف رايات الألفة والمودة، وتزول العداوات والشحناء والبغضاء والغل والحسد والتقاطع . ولهذا امتن الله على المؤمنين بهذه النعمة العظيمة فقال:(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) [آل عمران:103].
فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام النبي تبعه عبدالله بن عمرو بن العاص فقال: إني لاحيت(حدثت مشادة ) أبي فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت ؟ فقال: نعم.
قال أنس: وكان عبدالله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئاَ ؛ غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبدالله غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً .
3- بل وللحد من الشحناء والبغضاء بين المؤمنين حدد الوقت الزمني الذي لا يجوز للمؤمن ان يتجاوزه في هجرانه لأخيه المسلم فقال : (لا يحل لامرىء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام )
قال: “التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد”
1- يقول ابن عباس رضي الله عنهما: “إني لأسمع أن الغيث قد أصاب بلدًا من بلدان المسلمين فأفرح به، ومالي به سائمة”.
4- عن ربيعة رضي الله عنه قوله (… وأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضا وأعطى أبا بكر أرضا فاختلفنا في عذق نخلة قال وجاءت الدنيا فقال أبو بكر هذه في حدي فقلت لا بل هي في حدي قال فقال لي أبو بكر كلمة كرهتها وندم عليها …
قال : فقال لي: يا ربيعة قل لي مثل ما قلت لك حتى تكون قصاصا .
قال : فقلت: لا والله ما أنا بقائل لك إلا خيرا .
قال: والله لتقولن لي كما قلت لك حتى تكون قصاصا وإلا استعديت عليك برسول الله صلى الله عليه وسلم !!
قال فقلت لا والله ما أنا بقائل لك إلا خيرا.
قال فرفض أبو بكر الأرض وأتى النبي صلى الله عليه وسلم جعلت أتلوه فقال أناس من أسلم يرحم الله أبا بكر هو الذي قال ما قال ويستعدي عليك؟ قال فقلت أتدرون من هذا؟ هذا أبو بكر هذا ثاني اثنين هذا ذو شيبة المسلمين إياكم لا يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيغضب لغضبه فيغضب الله لغضبهما فيهلك ربيعة .
قال فرجعوا عني وانطلقت أتلوه حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقص عليه الذي كان قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ربيعة ما لك والصديق؟
قال فقلت مثل ما قال كان كذا وكذا فقال لي قل مثل ما قال لك فأبيت أن أقول له.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجل فلا تقل له مثل ما قال لك ، ولكن قل يغفر الله لك يا أبا بكر قال فولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهو يبكي ) .
5- ووقعت جفوة بين الحسين وأخيه محمد بن الحنفية فكتب ابن الحنفية إليه : ( بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن علي بن أبي طالب إلى الحسين بن علي بن أبي طالب . .
أما بعد : فإن لك شرفا لا أبلغه ، وفضلا لا أدركه ، أبونا ” علي ” رضي الله عنه لا أفضلك فيه ولا تفضلني وأمك فاطمة بنت رسول الله . . ولو كان ملء الأرض نساء مثل أمي ، ما وافين بأمك ، فإذا قرأت رقعتي هذه فالبس رداءك ونعليك وتعال فترضني ، وإياك أن أسبقك إلى هذا الفضل الذي أنت أولى به مني والسلام) .
فعلم الحسين أن أخاه يذكره بقول الرسول : ” لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال ، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا ، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ” فسارع الحسين رضي الله عنه وذهب إلى أخيه فترضاه .
أسباب التشاحن والتباغض
1- طاعة الشيطان:
قال تعالى: وَقُل لِعِبَادِي يَقُولُوا الّتي هِىَ أحسَنُ إنّ الشَيطَانَ يَنَزَغُ بَيَنَهُم إن الشَيطَانَ كَانَ للإنَسانِ عَدُوّاً مُبِيناً [الإسراء:53]
وقال : { إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم )رواه مسلم.
2 – الغضب:
فالغضب مفتاح كل شر.
3 – النميمة:
وهي من أسباب الشحناء وطريق إلى القطيعة والتنافر.
4 – الحسد
يولد الغيبة والنميمة والبهتان على المسلمين والظلم والكبر.
5 – التنافس على الدنيا:
فهذا يحقد على زميلة لأنه نال رتبة أعلى، والأمر دون ذلك فكل ذلك إلى زوال.
6 – حب الشهرة والرياسة:
وهي داء عضال ومرض خطير، قال الفضيل بن عياض رحمه الله: ( ما من أحدٍ أحب الرياسة إلا حسد وبغى وتتبع عيوب الناس، وكره أن يذكر أحد بخير ).
الأسباب المعينة على سلامة الصدر
1- الدعاء
(وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا).
2- حُسن الظن وحمل الكلمات والمواقف على أحسن المحامل
قال عمر: لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً.
وقال الشافعي: من أراد أن يقضي له الله بخير فليحسن ظنه بالناس.
ولما دخل عليه أحد إخوانه يعوده قال: قوّى الله ضعفك ،فقال الشافعي رحمه الله: لو قوى ضعفي لقتلني
قال الزائر :والله ما أردت إلا الخير
فقال الإمام: أعلم أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير.
3- التماس الأعذار وإقالة العثرات والتغاضي عن الزلات:
التمس لأخيك سبعين عذرًا.
يقول ابن سيرين: إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرًا فإن لم تجد فقل :لعل له عذرًا لا أعرفه.
– تذكَّر سوابق إحسانه فإنه مما يعين على التماس العذر وسلامة الصدر واعلم أن الرجل من عُدَّت سقطاته.
– استحضر أن المؤمن يلتمس المعاذير، والمنافق يلتمس العثرات.
4- ادفع بالتي أحسن:
ليس هذا من العجز، بل من القوة والكياسة قال الله تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت:34).
5 – البعد عن الغيبة والنميمة وتجنب كثرة المزاح.
6-الهدية فإنها من دواعي المحبة.
7- الإيمان بالقدر
فإن العبد إذا آمن أن الأرزاق مقسومة مكتوبة رضي بما هو فيه ولم يجد في قلبه حسدا لأحد من الناس على خير أعطاه الله إياه.
8- إفشاء السلام
فهو طريق المحبة بين المسلمين قال صلى الله عليه وسلم : ( لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أولا أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم ) رواه مسلم .
قد يمكث الناس دهرا ليس بينهم ودٌ فيزرعه التسليم واللطف.
9- أخيرا تذكر حال النبي
الذي كان يشكر ربه على النعم التي أنعم بها حتى على غيره من الخلق حين يصبح وحين
يمسي.
رزقنا الله وإياكم صدورا سليمة لا تحمل غلا ولا حسدا ولا حقدا.
أخيرا /السعي في إصلاح ذات البين:
قال : { ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى. قال: إصلاح ذات البين } [رواه أبو داود.
اللهم أصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا ولا تجعل للشيطان حظا بيننا آمين.