تهيئة القلوب لاستقبال رمضان
ها نحن نقترب من أيام نسائم الخير والبركة ونعد الساعات عدا لاستقبال شهر رمضان المبارك الشهر الذي يأتي هذا العام على شوق كبير، ونحتاج إلى أن نهيئ القلوب لاستقبال رمضان لأن الطريق إلى الله لا يقطع بالأقدام ؛ إنما هو طريق يقطع بالقلوب وعلى قوة الإيمان في القلب يكون السير ويكون العزم فكلما كان الإيمان قويا كان العزم قويا وكانت الهمة عالية.
وقد علمنا النبي- صلى الله عليه وسلم- (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)
لماذا؟ لأن أي حركة للجوارح هي أثر لما في القلب ؛ فصلاح القلب سبب لصلاح العمل وبالتالي سبب لصلاح عمل الجوارح فكان الاهتمام بالقلب لأنه محل نظر الرب.
عناصر الخطبة:
أولا/ لماذا يغفل الناس في شعبان؟
ثانيا/ شعبان شهر تهيئة القلب لرمضان
ثالثا/ كيف نهيأ قلوبنا لاستقبال رمضان؟
أولا/ لماذا يغفل الناس في شعبان؟
شعبان فرصة للتهيئة الإيمانية حتى إذا بلغنا رمضان كنا في أرقى وأفضل الحالات الإيمانية التي نستمر بها طوال الشهر، والنبي- صلى الله عليه وسلم- لما سأله أسامة بن زيد عن سبب إكثاره من الصيام في شعبان قال: (ذاك شهرا يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله وأحب أن يرفع عملي إلى الله وأنا صائم(
فالناس قبل الإسلام كانوا يعظمون شهر رجب لأنه شهر من الأشهر الحرم ، وشهر رمضان بطبيعة الحال الناس يعظمونه لما فيه من الصيام والقيام فالنبي قال: إن الناس تغفل عن شهر شعبان لأنه بين رجب ورمضان فيقول أحدنا: إن شاء الله نصوم في رمضان … إن شاء الله نصلي التراويح في رمضان… إن شاء الله نقرأ قرآنا في رمضان؛ فعندنا تسويف وتأجيل.
لكن الرسول- صلى الله عليه وسلم- ينبهنا على أن هذا الشهر له أهمية كبرى لأنه شهر فيه ختام أعمال السنة الإيمانية، والتي تختم في شهر شعبان ويرفع العرض السنوي على الله بأعمال العباد جميعا، نسأل الله أن يقبل صالح أعمالنا وأن يغفر لنا سيئاتنا.
ثانيا/ شعبان شهر تهيئة القلب لرمضان
في عالم الرياضة عندما تكون هناك مباراة مهمة يقومون بعمل معسكر مغلق للاعبين ، لماذا؟ حتى يقومون بالتمارين اللازمة للياقة ، ويستعدون للمباراة بما يضمن الفوز!!
نفس الحال بالنسبة لرمضان أنا سنة كاملة لم أصم لما ابدأ الصيام اثنين وخميس أصوم وأفطر فأتعود على الصيام حينا بعد حين إذا دخل رمضان لا أجد صعوبة في أول أيام رمضان لا صداع ولا تعب ولا خمول.
ولو بدأت الورد القرآني بعد الكسل الذي كنت فيه طوال العام فاستعيد الهمة مع القرآن وتلاوته والتعبد لله بتدبره.
كذلك أطهر قلبي من أي مشاحنات أو أي مشاكل أو أي خصومات، وأجهزه ليستعد لاستقبال رمضان، ولذلك سنجد النبي علمنا أن نبدأ من نصف شعبان فتطهر قلبك من أي خصومات أو غل أو حقد أو حسد قال: (إن الله يطلع على عباده ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن) فالشحناء والخصومات والقطيعة والعداوة هذه الأمور كلها تجعل القلب مشغولا بغير الله ومشغول بردات الفعل وماذا قلت؟ وماذا قالوا؟ فالحياة قصيرة والعمر أقصر؛ فماذا إذا قضينا هذه الحياة في مشاحنات وخصومات وقطيعة ومؤامرات ماذا بعد؟ بماذا فزت أصلا؟ لقد أهدرت وقتك في مهاترات ومشاحنات!! فالدنيا كلها لا تساوي عند الله جناح بعوضة فلا تضيع عمرك في خصومات، ثم حرمان من رضوان الله تعالى وحرمان من عفو الله ومغفرته وضعف في الإقبال على الله ، لأن القلب المغلول الحسود الذي فيه غيرة وفيه حقد هل سيقبل على الله؟ هل سيخشع في صلاة؟ هل سيجد همة وعزما أنه يفتح المصحف ويقرأ؟ أو يذكر الله؟
كلا فهو دائما على باله كيف ينتقم؟ على باله ماذا قالوا عنه؟ ماذا سيرد عليهم؟ ماذا سيفعل؟ فهو يعمل من أجل حظ النفس !!
ولذلك دائما يتعلم المسلم أن يتجاوز ويعلو على هذه الأمور فلا يستهلك صحته ووقته وجهده في كل هذه الأشياء التي تضيع العمر وتمرض القلب.
ثالثا/ كيف نهيأ قلوبنا لاستقبال رمضان؟
هناك ثلاثة عبادات تقوي القلب:
- الورد القرآني:
ابدأ من الآن بالورد القرآني الثابت؛ فالقرآن حياة للقلب القرآن هو الروح التي يحيا بها القلب، عندنا الروح التي يحيا بها الجسد، والروح التي يحيا بها القلب، فروح القلب كلام الله قال تعالى: (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا)[الشورى :52]
القلب البعيد عن الله قلب ميت قلب لا يؤدي وظيفته كشخص يده شلاء فإذا قلت له ناولني كذا يقول لك: أنا يدي مشلولة… أنا لا أستطيع!!
فصاحب القلب الميت إذا قلت له: الإيمان بالله فهو لا يفهم ما معنى الإيمان بالله … إذا قلت : العمل الصالح يتساءل مستنكرا ماذا تقصد بالعمل الصالح ؟! فهو قلب ميت.
أما القلب الحي فهو الذي يستقبل هدايات الله ويستقبل وحي الله القرآن، قال تعالى: (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) [الأنعام:122]
فوصف الله القلب قبل دخول نور الإسلام فيه بأنه قلب ميت فأحياه الله تعالى بأن جعل له نورا هو نور الوحي والهداية فيمشي به في الناس…هل يستوي هذا كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها؟
فتعالوا بنا نعيد الوصال بالقرآن؛ لأن اتصال القلب بالوحي سبب للهداية وسبب لحياة القلوب.
- الذكر:
ثم نروي القلوب، وري القلوب بذكر الله؛ لأن القلوب يصيبها العطش كما يعطش الزرع تماما!!! نعم والله قلوبنا ظمأى أحد عشر شهرا قلوبنا ظمأى متعبة مستنزفة مستهلكة نحتاج إلى مداواتها بذكر الله: بالاستغفار بالتسبيح حتى نعيد لها الري والنضارة والطهارة، فإذا جاء رمضان جاءنا ونحن على خير، وقد أصقلت القلوب بعد الصدأ، اللهم طهر قلوبنا.
فالذكر ري للقلوب… الذكر تطمئن به القلوب…. الذكر يعيد إلى القلوب النضارة، ويعيد إليها البهجة، ويعيد إليها السعادة، قال تعالى: (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله)[الزمر:22]
فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله الذين لا يخطر ذكر الله ببالهم ، استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله -نسأل الله عافيته- فهؤلاء الذين نسوا الله، نسوا أن الله هو الخالق وهو الرازق، وأن مردنا جميعا إلى الله؛ فبغفلتهم عن الله صاروا في هذا التيه، وهذا النسيان الذي وقعوا فيه -نسأل الله عافيته-
- نية المرء أبلغ من عمله:
وهذا ليس بحديث، لكن من كلام العلماء والمعنى صحيح بمعنى أنا الآن بيني وبين رمضان ثلاثة أسابيع جدد النية لله.
لما تسأل شخصا ماذا ستفعل في رمضان؟
يقول: والله سأصوم مثل الناس، يا أخي هذا هو الفرض التنافس فيما زاد على الفرض لأنه واجب لن يختلف فيه اثنان.
ما الجديد؟ إذا قلت لك أنت كمسلم ماذا تفعل؟
تقول أنا والله نطقت الشهادتين هذا هو شرط الإسلام … هذا أمر وجب على الجميع استوى فيه الجميع بعد الشهادتين فماذا ستفعل في رمضان سأصوم- إن شاء الله- هذا أمر لا مجال للنقاش فيه يعني هذا فرض ماذا بعد الصيام؟
ما هي أوجه الربح والفوز الذي ستتعرض له في رمضان؟
إذا كان رمضان عبارة عن صيام وتصلي العشاء على السرير وتنام!!!فما الفرق بين رمضان وسائر الشهور؟
ثلاثون يوما وليلة سنتعرض فيها لرحمات الله لفضل الله، والنبي- صلى الله عليه وسلم- يقول: (ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة) كل ليلة فيها فوز، كل ليلة فيها سعادة، كل ليلة فيها رضوان.
ما قولكم في رجل مر بثلاثين يوما وليلة يتعرض فيها لمغفرة وعتق من النار وفوز بالجنة ولا يربح شيئا من ذلك؟ هذا من الخاسرين والعياذ بالله!!
وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في بيان خُسْران من أدرك رمضان ولم يُغَفر له كثيرة، منها:
1 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رغِمَ أَنفُ (خاب وخسِر) رجلٍ ذُكِرتُ عندَهُ فلم يصلِّ عليَّ، ورَغِمَ أنفُ رجلٍ دخل عليه رمضانُ ثمَّ انسلخَ قبل أن يُغفَرَ له، ورغمَ أنفُ رجلٍ أدرَكَ عندَه أبواهُ الكِبَر فلم يُدْخِلاهُ الجنة)رواه الترمذي وصححه الألباني.
2 ـ وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (ارْتَقى النبيُّ صلى الله عليه وسلم على المنبر درجةً فقال: آمين، ثم ارتقى الثانيةَ فقال: آمين، ثم ارتقى الثالثةَ فقال: آمين، ثم استوى فجلس، فقال أصحابُه: على ما أمَّنْتَ؟ قال: أتاني جبريلُ فقال: رَغِمَ أنفُ امرئٍ ذُكِرْتَ عنده فلم يُصَلِّ عليك، فقلتُ آمين، فقال: رَغِمَ أنفُ امرئٍ أدرك أبوَيه فلم يَدخُلِ الجنة، فقلتُ: آمين، فقال: رَغِمَ أنفُ امرئٍ أدرك رمضانَ فلم يُغْفَرْ له، فقلتُ، آمِين) رواه البزار وصححه الألباني.
3 ـ وعن جابر بن سَمُرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتاني جبريل فقال: يا مُحمَّد! من أدركَ أحدَ والديْهِ فماتَ فدخلَ النَّارَ فأبعدَه الله، قُل: آمين، فقلتُ: آمين، قال: يا محمَّد، مَن أدرك شهرَ رمضانَ فماتَ فلم يُغْفَرْ لهُ فأُدْخِلَ النَّارَ فأبعدَه الله، قُل: آمين، فقلتُ: آمين، قال: ومن ذُكِرْتَ عندَه فلم يُصَلِّ عليكَ فماتَ فدخلَ النَّارَ فأبعدَه الله، قُل: آمينَ، فقلتُ: آمين) رواه الطبراني وصححه الألباني.
فنجدد النية لله من الآن ، ونتنافس في هذا الشهر الفضيل على الخيرات ومرضات الله تعالى؛ فإذا حصل عارض أو كان هناك مانع -عافاكم الله –من مرض أو سفر ولم يستطع أحدنا الصلاة بالمسجد؛ نقول له : أبشر سيكتب لك الأجر كاملا من فضل الله تعالى.
فأروا الله تعالى من أنفسكم خيرا ، فقد بدأ العد التنازلي لشهر رمضان ولنهيئ قلوبنا ونهيئ أنفسنا لاستقبال الضيف الكريم .
أسأل الله العظيم الكريم جل وعلا أن يجعلنا هداة مهتدين.
لا ضالين ولا مضلين.