شرح الأربعين النووية 17- إن الله كتب الإحسان

تاريخ الإضافة 17 يناير, 2024 الزيارات : 159

شرح الأربعين النووية
17- إن الله كتب الإحسان

عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله تعالى عنه عن رسول الله ﷺ قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء. فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته) رواه مسلم.

ترجمة الراوي:

شداد بن أوس بن ثابت بن المنذر ابن أخي حسان بن ثابت الأنصاري، يكنى أبا يعلى، نزل الشام بناحية فلسطين، من فضلاء الصحابة وعلمائهم.

قال عبادة بن الصامت: كان شداد بن أوس ممن أوتي العلم والحلم، وقال خالد بن معدان: لم يبق بالشام أحد كان أوثق ولا أفقه ولا أرضى من عبادة بن الصامت، وشداد بن أوس، ولما قتل عثمان رضي الله عنه، اعتزل، وعكف على العبادة.

مات سنة ثمان وخمسين، وهو ابن خمس وسبعين سنة، وكانت له عبادة واجتهاد.

شرح الحديث:

(إن الله كتب الإحسان على كل شيء) الكتابة الواردة في الشرع ضربان:

1- كتابة كونية قدرية وهي ما يقع قدرا لا محالة. قال تعالى: (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز). وقال تعالى: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون).

2- كتابة شرعية دينية وهي ما أمر الله به وشرعه لعباده. قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون). وقال تعالى: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم).

والمراد هنا الكتابة الشرعية، أي: أوجب عليكم الإحسان في كل شيء، ولفظ الكتابة يقتضي الوجوب عند أكثر الفقهاء والأصوليين.

(الإحسان) الإحسان لغة بذل المنفعة والخير.

واصطلاحا في عرف الشارع يطلق على أمرين:

(1) إيصال النفع إلى الآخرين.

(2) إتمام العبادة وإتقانها. فهو يشمل الإحسان في حق الله والإحسان في حق الخلق. فالمحسن هو من أحسن في عمله وأحسن إلى غيره.

(إن الله كتب الإحسان على كل شيء) دالة على العموم فيدخل في ذلك الإحسان في التعامل مع النفس، والتعامل مع من تحت يده ممن استرعاه الله ، ويدخل فيه أيضا التعامل مع الناس، والتعامل مع البهائم والدواب، والتعامل مع غيرها مما يتعاطاه الإنسان أو يتصرف فيه بلون من التصرفات من الجمادات وغيرها.

والمراد الإحسان في قتل ما يجوز قتله من الناس والدواب : إزهاق نفسه على أسرع الوجوه وأسهلها من غير زيادة في التعذيب ، فإنه إيلام لا حاجة إليه .

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن صبر البهائم ، وهو : أن تحبس البهيمة ثم تضرب بالنبل ونحوه حتى تموت ، ففي ” الصحيحين ” عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تصبر البهائم . وفيهما أيضا ، عن ابن عمر : أنه مر بقوم نصبوا دجاجة يرمونها ، فقال ابن عمر : من فعل هذا ؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من فعل هذا . 

وخرج مسلم من حديث ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه نهى أن يتخذ شيء فيه الروح غرضا ، والغرض : هو الذي يرمى فيه بالسهام .

(فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة) أي: أردتم قتل من يجوز قتله.

(فأحسنوا القتلة) و(القتلة) بكسر القاف، وهي الهيئة والحالة، بأن تختاروا أسهل الطرق وأخفها إيلاما وأسرعها زهوقا.

(وإذا ذبحتم ) ما يحل ذبحه من الحيوانات.

(فأحسنوا الذبحة)  إحسان الذبح في البهائم: الرفق بها، فلا يصرعها، ولا يجرها من موضع إلى آخر، وإحداد الآلة، وتوجيهها إلى القبلة، والتسمية، والإجهاز، ونية التقرب إلى الله بذبحها، وإراحتها، وتركها إلى أن تبرد، وشكر الله حيث سخرها لنا ولم يسلطها علينا، ولا يذبحها بحضرة أخرى.

 والقتلة والذبحة بالكسر ، أي الهيئة ، والمعنى : أحسنوا هيئة الذبح ، وهيئة القتل.

والذبح والنحر يكون فيما يحل؛ أي: فيما يؤكل، ويكون النحر للإبل، والذبح فيما سواها، والنحر يكون في أسفل الرقبة مما يلي الصدر، والذبح يكون في أعلى الرقبة مما يلي الرأس، ولا بد في الذبح والنحر من قطع الودجين، وهما العرقان الغليظان اللذان يجري منهما الدم ويتوزع على بقية البدن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه، فكلوا)، ولا ينهر الدم إلا قطع الودجين، فالشرط في حل المذكى أو المنحور أن يقطع الودجان، أما الحلقوم الذي هو مجرى النفس، والمريء الذي هو مجرى الطعام، فقطعهما أكمل في الذبح والنحر، ولكن ليس ذلك بشرط.

وأما القتل فيكون فيما لا يحل أكله، فيما أمر بقتله، وفيما أبيح قتله، ومما أمر بقتله الفأر، وكذلك العقرب، وكذلك الحية، وكذلك الكلب العقور، فتقتل هذه الأشياء، وكذلك كل مؤذ فإنه يقتل، وعند العلماء قاعدة تقول: ما آذى طبعا قتل شرعا، يعني ما كان طبيعته الأذى فإنه يقتل شرعا، وما لم يؤذ طبعا ولكن صار منه أذية فلك قتله، لكن هذا الأخير مقيد، فلو آذاك النمل في البيت، وصار يحفر البيت ويفسده، فلك قتله وإن كان منهيا عنه في الأصل، لكن إذا آذاك فلك قتله، وكذلك غيره مما لا يؤذي طبعا ولكن تعرض منه الأذية، فاقتله إذا لم يندفع إلا بالقتل؛ فمثلا إذا أردت أن تقتل فأرة – وقتلها مستحب – فأحسن القتلة، اقتلها بما يزهق روحها حالا، ولا تؤذها، ومن أذيتها ما يفعله بعض الناس حيث يضع لها شيئا لاصقا تلتصق به، ثم يدعها تموت جوعا وعطشا، وهذا لا يجوز، فإذا وضعت هذا اللاصق، فلا بد أن تكرر مراجعته ومراقبته، حتى إذا وجدت شيئا لاصقا قتلته.

أما أن تترك هذا اللاصق يومين أو ثلاثة، وتقع فيه الفارة وتموت عطشا أو جوعا، فإنه يخشى عليك أن تدخل النار بذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دخلت النار امرأة في هرة حبستها حتى ماتت، لا هي أطعمتها، ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض).

(وليحد أحدكم) اللام هنا للأمر، ويحد: يعني يجعلها حديدة سريعة القطع، والشفرة: السكين، يعني إذا أردت أن تذبح فاذبح بسكين مشحوذة؛ أي: مسنونة، بحيث يكون ذلك أقرب إلى القطع بدون ألم.

 وخرج الإمام أحمد من حديث ابن عمر ، قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحد الشفار ، وأن توارى عن البهائم ، وقال : إذا ذبح أحدكم فليجهز يعني : فليسرع الذبح .

 وخرج ابن ماجه من حديث أبي سعيد الخدري قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل وهو يجر شاة بأذنها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دع أذنها وخذ بسالفتها والسالفة : مقدم العنق .

وعن ابن سيرين أن عمر رأى رجلا يسحب شاة برجلها ليذبحها ، فقال له : ويلك قدها إلى الموت قودا جميلا .

‏خروف يسرق السكين:

حكى أحد الأخوة هذه القصة التي حدثت في السعودية قال: كان هناك تاجرغنم وعنده طلب ذبح كمية من الأغنام ، فأمسك بالسكين وأخذ يذبحها واحد تلو الآخر وبينما هو يذبح جاءه أحد الزبائن يتكلم معه فوضع السكين، وأخذ معه في الكلام حتى انتهى من الحديث معه، فلما أراد أن يرجع ليباشر ذبح الخراف لم يجد السكين وأخذ يبحث عنه في كل مكان فقال له أحد الرعاة وكان قريبا منه إن أحد الخرفان أخذ السكين بفمه وألقى به في البئر فكذبه وقال مستحيل أن يفعل هذا الفعل خروف وكانت البئر ليست عميقة فنزل الرجل بنفسه إلى البئر ليثبت كذب الراعي فإذا به يجد السكين فعلا في البئر!!!

(وليرح ذبيحته) هذا أمر زائد على شحذ الشفرة، وذلك بأن يقطع بقوة، يضع السكين على الرقبة ثم يجرها بقوة، حتى يكون ذلك أسرع من كونه يجرها مرتين أو ثلاثا، وبعض الناس يوفقه الله من مرة واحدة حتى يقطع الودجين والحلقوم والمريء؛ لأنه يأخذ السكين بقوة، وتكون السكين جيدة مشحوذة، فليسهل على الذبيحة أو المنحورة الموت.

احترام الحيوان والرفق به:

وفي الحديث دلالة ظاهرة على مشروعية احترام الحيوان والرفق به، وقد ورد في السنة أحاديث كثيرة تدل على فضل رحمة الحيوان والإحسان إليه وأن ذلك سبب لدخول الجنة.

في الصحيحين عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فسقته فغفر لها به). الموق بضم الميم هو الخف، فارسي معرب، ومعنى نزعت له بموقها أي استقت له بخفها

وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال: (أردفني (حملني) رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه، فأسر إليَّ حديثاً لا أخبر به أحداً أبدا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب ما استتر به في حاجته هدف أو حائش نخل (مجموعة)، فدخل يوما حائطاً (بستانا) من حيطان الأنصار، فإذا جمل قد أتاه فجرجر وذرفت عيناه، قال بَهْز وعفان: فلما رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم حَنَّ وذرفت عيناه، فمسح رسول الله لى الله عليه وسلم سَرَاته وذِفْراه (ظهره وأذنيه) فسكن، فقال: من صاحب الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: هو لي يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: أما تتقى الله في هذه البهيمة التي ملككها الله، إنه شكا إلىَّ أنك تجيعه وتدئبه (تتعبه) رواه أبو داود وصححه الألباني.
وفي شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية: “شكا إليَّ” بالنطق، أو بفهمه من فعله المذكور، وكل معجزة”.

وقد ورد وعيد شديد لمن عذب الحيوان أو تسبب في قتله؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت). متفق عليه.

وليس من الرفق بالحيوان تربية الكلاب ونحوها، وقد نهى الشرع عن ذلك ورتب عقوبة شديدة كما أخرج الشيخان عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اتخذ كلبا إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع انتقص من أجره كل يوم قيراط)

وإنما رخص الشرع في ذلك إذا كانت المصلحة راجحة كاتخاذه للصيد والزرع والماشية ويلحق بذلك على الصحيح استعماله في الحراسة واكتشاف المخدرات وغير ذلك من الأغراض الصحيحة لأن ذلك في معنى المنصوص عليه فالعلة متعدية والأظهر عدم قصرها على النص والله أعلم.

من فوائد هذا الحديث:

1- وجوب الإحسان في كل شيء.

2- فضل الإحسان، وهو أعلى مراتب الإيمان.

3- الأمر بالإحسان في القتل والاستيفاء.

4- الأمر بالإحسان عند الذبح.

5- وجوب إحداد السكين عند الذبح.

6- الرفق بالحيوان حيا وميتا.

7- تحريم المثلة بالإنسان والحيوان.

8- التحذير من قسوة القلب.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 51 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع