فقه الجنائز : 9- فقه الجنازة : التعزية
معناها :
العزاء : الصبر، والتعزية التصبير والحمل على الصبر بذكر ما يسلي المصاب ويخفف حزنه ويهون عليه مصيبته .
حكمها :
اتفق العلماء على مشروعية التعزية واستحبابها .
فضلها :
لا شك أن التعزية مما يخفف على المصاب ويذهب الهم ، ويزيل الغم ، ولذلك جاءت الشريعة باستحباب تعزية من أصيب بمصيبة ، تحقيقا لمقصد التعاون على البر والتقوى ، والتصبر والرضا بالقضاء والقدر ، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر ، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يعزي أصحابه في مصائبهم ، وما زال المسلمون يعزي بعضهم بعضهم ، ويواسي بعضهم بعضا ، وهي داخلة أيضا في قول الله تعالى : ( وتعاونوا على البر والتقوى ) المائدة/2 ، وهذا أحسن ما يستدل به في التعزية .
وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه )
وقد ورد في فضلها حديث سنده ضعيف نذكره للاستئناس عنعمرو بن حزم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ إِلَّا كَسَاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) رواه ابن ماجة
ألفاظها :
تحصل التعزية بكل لفظ يسلي المصاب ويصبره ، ويحثه على احتساب الأجر عند الله، فكل ما يجلب للمصاب صبراً يقال له : تعزية ، بأي لفظ كان .
ومما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم حينما أرسلت إحدى بناته إليه تدعوه وتخبره أن ابنا لها في الموت ، فقال للرسول : ( ارجع إليها ، فأخبرها أن لله تعالى ما أخذ ، وله ما أعطى ، وكل شيء عنده بأجل مسمى ، فمرها فلتصبر ولتحتسب…) رواه البخاري ومسلم
ومعنى : ( أن لله تعالى ما أخذ ) ، أن العالم كله ملك لله تعالى ، فلم يأخذ ما هو لكم ، بل أخذ ما هو له عندكم في معنى العارية .
ومعنى : ( وله ما أعطى ) ، أن ما وهبه لكم ليس خارجا عن ملكه ، بل هو له سبحانه يفعل فيه ما يشاء ، ( وكل شيء عنده بأجل مسمى ) ، فلا تجزعوا ، فإن من قبضه قد انقضى أجله المسمى فمحال تأخره أو تقدمه عنه ، فإذا علمتم هذا كله ، فاصبروا واحتسبوا ما نزل بكم .
وأما جواب التعزية فيؤمن المعزى ويقول للمعزي : آجرك الله ، شكر الله سعيك ، جزاك الله خيراً، ونحوها من الكلمات .
حكم قول : البقية في حياتك :
هذا القول خطأ ، فأي بقية بقيت ، والله عز وجل يقول : ( فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) الأعراف /34
فالميت يموت وقد استوفى أجله تماماُ ، ولم يتقدم ولم يتأخر فأين تلك البقية ؟.
ثم إن في ذلك مخالفة للسنة في التعزية ، فالسنة أن يقال : لله ما أخذ ولله ما أعطى ، أو أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك ، وغفر لميتك وهكذا
حكم قول : “فلان ربنا افتكره“
لا تجوز هذه الكلمة لأن معناها أن الله تذكره ثم أماته فهذه كلمة لا تليق بالله عز وجل ، لأنه يقتضي أن الله عز وجل ينسى ، والله سبحانه وتعالى لا ينسى ، كما قال موسى عليه الصلاة والسلام لما سأله فرعون : (قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى * قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى) طه/51 ، 52. وقائل هذه العبارة ينبه ويعلم .
حكم قول (فلان المرحوم). و(تغمده الله برحمته) و(انتقل إلى رحمه الله)
لا بأس بها، لأن قولهم (المرحوم) و(انتقل إلى رحمه الله) من باب التفاؤل والرجاء، وليس من باب الخبر، وإذا كان من باب التفاؤل والرجاء فلا بأس به.
وقتها :
ويبدأ وقت التعزية من حين يموت الميت ، فتستحب قبل الدفن وبعده ، والمبادرة بها أفضل في حال شدة المصيبة والأفضل عند جمهور العلماء أن تكون بعد الدفن.
جاء في “الموسوعة الفقهية” (12/288) : ” ذهب جمهور الفقهاء: إلى أن الأفضل في التعزية أن تكون بعد الدفن لأن أهل الميت قبل الدفن مشغولون بتجهيزه; ولأن وحشتهم بعد دفنه لفراقه أكثر, فكان ذلك الوقت أولى بالتعزية.
وقال جمهور الشافعية: إلا أن يظهر من أهل الميت شدة جزع قبل الدفن, فتعجل التعزية, ليذهب جزعهم أو يخف..” انتهى .
حكم وقوف أهل الميت على شكل صف:
تقبل أهل الميت العزاء من المعزين في المقبرة قبل الدفن أو بعده : لا حرج فيه .
ولو وقف أهل الميت على شكل صف ، في المقبرة أو غيرها ، عند العزاء ، ليكون ذلك أسهل على المعزين ، وأيسر عليهم في تعزيتهم كلهم فلا بأس به .
هل تشرع المعانقة والتقبيل عند التعزية ؟
إن شاء صافح المعزي وإن شاء لم يصافح ، أما المعانقة فإنها تكون للقادم من سفر أومن لم تره منذ مدة كبيرة ، لما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال : “قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ ؟ قَالَ : لا . قَالَ : أَفَيَلْتَزِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ ؟ قَالَ : لا . قَالَ : أَفَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ” والحديث حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي .
وعنه أيضا رضي الله عنه قال : (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا ، وإذا قدموا من سفر تعانقوا) رواه الطبراني وصححه الألباني
وأما التقبيل والمعانقة لغير القادم من سفر فلا تشرع تعبدا ، وإن كانت جائزة ، فإن وجد أن احتضانه لمن يعزيه لتهدئته ، والترفق به ومواساته رحمة به فلا بأس بهذه النية.
هل يعزي بعد ثلاثة أيام ؟
بعض الفقهاء قيدوا التعزية بثلاثة أيام ، واستدلوا لذلك بإذن الشارع في الإحداد في الثلاث فقط , بقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث , إلا على زوج : أربعة أشهر وعشرا ) لكن الاستدلال بهذا الحديث فيه نظر؛ لأن الحديث في الإحداد وليس في التعزية، والصواب : أن التعزية مشروعة ما دامت المصيبة باقية ، ولو كان ذلك بعد ثلاثة أيام .
قال النووي رحمه الله: ” وحكى إمام الحرمين – وجهاً – أنه لا أمد للتعزية , بل يبقى بعد ثلاثة أيام وإن طال الزمان , لأن الغرض الدعاء , والحمل على الصبر , والنهي عن الجزع , وذلك يحصل مع طول الزمان , وبهذا الوجه قطع أبو العباس بن القاص في التلخيص..” انتهى من ” شرح المهذب ” (5/278) .
وهذا يحدث كثيرا هنا بكندا أن يسافر شخص لحضور جنازة أحد أقاربه بموطنه الأصلي فور سماعه لخبر وفاته ، ثم يعود مثلا بعد أسبوع ويتقبل العزاء من إخوانه بكندا بعد أسبوع أو أسبوعين من الوفاة.
حكم الجلوس للتعزية:
المقصود من الاجتماع للتعزية : أن يجلس أهل الميت ويجتمعوا في مكان معين ، بحيث يقصدهم فيه من أراد العزاء ، سواء اجتمعوا في بيت أهل الميت ، أو في قاعة أو ما شابه ذلك .
وهذه المسألة من مسائل الخلاف المعتبر بين أهل العلم ، وللعلماء فيها قولان:
الأول : مذهب الشافعية والحنابلة وكثير من المالكية كراهة الاجتماع لأجل العزاء .
وأقوى ما استدلوا به القائلون بالكراهة أمران :
1- أثر جرير بن عبد الله قَالَ : ( كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ ، وَصَنِيعَةَ الطَّعَامِ بَعْدَ دَفْنِهِ : مِنْ النِّيَاحَةِ ). رواه أحمد
2- أن هذا الأمر لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه ، فهو من المحدثات ، وفيه مخالفة لهدي السلف الصالح ، الذين لم يجلسوا ويجتمعوا للعزاء .
القول الثاني :مذهب بعض الحنفية وبعض المالكية وبعض الحنابلة أنه لاحرج من الاجتماع والجلوس للتعزية إذا خلا المجلس من المنكرات والبدع ، ومن تجديد الحزن وإدامته ، ومن تكلفة المؤنة على أهل الميت
وأقوى ما استدل به القائلون بالجواز :
1- حديث عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ ، ثُمَّ تَفَرَّقْنَ إِلَّا أَهْلَهَا وَخَاصَّتَهَا ، أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ ، ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ فَصُبَّتْ التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا ، ثُمَّ قَالَتْ : كُلْنَ مِنْهَا ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ ، تَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ). رواه البخاري ، ومسلم
التلبينة : هي حساء يعمل من دقيق ونخالة الشعير ، وربما جعل معه عسل ، وسميت به تشبيها باللبن ، لبياضها ورقتها.
فهذا الحديث فيه الدلالة الواضحة على أنهم كانوا لا يرون في الاجتماع بأساً ، سواء اجتماع أهل الميت ، أو اجتماع غيرهم معهم .
2- وعَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ : ” لَمَّا مَاتَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ اجْتَمَعَنْ نِسْوَةُ بَنِي الْمُغِيرَةِ يَبْكِينَ عَلَيْهِ ، فَقِيلَ لِعُمَرَ: أَرْسِلْ إلَيْهِنَّ فَانْهَهُنَّ ، لاَ يَبْلُغُك عَنْهُنَّ شَيْءٌ تَكْرَهُهُ .فَقَالَ عُمَرُ : ” وَمَا عَلَيْهِنَّ أَنْ يُهْرِقْنَ مِنْ دُمُوعِهِنَّ عَلَى أَبِي سُلَيْمَانَ ، مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ ، أَوْ لَقْلَقَةٌ “. رواه ابن أبي شيبة في “المصنف” بسند صحيح.
وَالنَّقْعُ: التُّرَابُ عَلَى الرَّأْسِ ، وَاللَّقْلَقَةُ : الصَّوْتُ ، أي ما لم يرفعن أصواتهن أو يضعن التراب على رؤوسهن.
وأجاب هؤلاء عن أثر جرير بن عبد الله بجوابين :
الأول : أن الراجح فيه أنه ضعيف ، فقد أعله الإمام أحمد ، والدراقطني.
الثاني : على القول بصحته فالمقصود منه : الاجتماع الذي يكون فيه صنعٌ للطعام من أهل الميت لإكرام من يأتيهم ومن يجتمع عندهم ، ولذلك نص في الأثر على الأمرين : ( كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ ، وَصَنِيعَةَ الطَّعَامِ بَعْدَ دَفْنِهِ : مِنْ النِّيَاحَةِ ) ، فاجتماع هذين الوصفين معاً ، هو الذي يعد من النياحة .
وأما القول بأن الاجتماع للعزاء لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فهو من البدع المحدثة .
فيجاب عنه : بأن الاجتماع للعزاء من العادات ، وليس من العبادات ، والبدع لا تكون في العادات ، بل الأصل في العادات : الإباحة .
ثم إن التعزية أمر مقصود شرعاً ، ولا وسيلة لتحصيلها في مثل هذه الأزمنة إلا باستقبال المعزين ، والجلوس لذلك ، فإن ذلك مما يعينهم على أداء السنة ، وحتى على القول بالكراهة ، فإن الكراهة تزول عند وجود الحاجة كما هو معلوم عند العلماء ، ولا شك أن الجلوس للتعزية تشتد لها الحاجة في هذا الزمن لما فيها من تيسير على المعزين ورفع للحرج عنهم ؛ فقد يكون أبناء الميت وأقاربه في مدن مختلفة أو في نواح متباعدة داخل المدينة الواحدة مما يصعب فيه على من أراد التعزية التنقل بينهم ، وفي العصور المتقدمة كان الناس قليلين ، ويمكنك أن ترى آل الميت في المسجد ، وأن تراهم في الطريق ، وتعزي ، وكان الأمر رِفقاً ، بل قلّ أن يموت ميت إلا وعلم أهل القرية كلهم وشهدوا دفنه ، فكان العزاء يسيراً ، لكن في هذه الأزمنة اتسع العمران ، وصعُب عليك أن تذهب لكل قريب في بيته ، ويحصل بذلك من المشقة ما الله به عليم ، وفيه عناء ؛ لذلك لو اجتمعوا في بيت قريبٍ منهم كان أرفق بالناس وأرفق بهم ، وأدعى لحصول المقصود من تعزية الجميع والجبر بخواطر الجميع ؛ ولذلك لا حرج -في هذه الحالة- من جلوسهم ، ولا يعتبر هذا من النياحة ، بل إنه مشروع لوجود الحاجة له ؛ ثم لا يخفى أن القول بالجواز هو الأقرب إلى اليسر ورفع الحرج ، فلو لم يكن في القول بالجواز إلا رفع المشقة والحرج عن الناس لكان كافياً في ترجيحه ، فكيف وقد عضدته الأدلة الصريحة الصحيحة !
ماحكم الأكل من الطعام الذي يصنعه أهل الميت في العزاء ؟
السنة أن يبادر الجيران والأقارب والأصدقاء بصنع الطعام وإهدائه لأهل الميت ؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما بلغه موت ابن عمه جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في غزوة مؤتة قال : ( اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا ، فَقَدْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ ) رواه الترمذي وحسنه الألباني.
وكره جمهور العلماء لأهل الميت أن يصنعوا طعاماً لتقديمه للناس ، سواء كان ذلك يوم الموت أو في اليوم الرابع أو العاشر أو الأربعين أو على رأس السنة ، فكل ذلك مذموم .
وقال ابن قدامة : ” فَأَمَّا صُنْعُ أَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامًا لِلنَّاسِ : فَمَكْرُوهٌ ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةً عَلَى مُصِيبَتِهِمْ ، وَشُغْلًا لَهُمْ إلَى شُغْلِهِمْ ، وَتَشَبُّهًا بِصُنْعِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ “. انتهى من “المغني” (3/ 497).
والقول بالكراهة هو الذي عليه مذاهب الأئمة الأربعة ، وذهب بعض العلماء إلى التحريم ، خاصة إذا كان من أموال اليتامى فإنه أشد حرمة .
ويستثنى من الكراهة : صنع الطعام لمن ينزل بهم من الضيوف إذا كان صنعه على سبيل الإكرام ، لا بسبب الوفاة ؛ فَإِنَّهُ رُبَّمَا جَاءَهُمْ مَنْ يَحْضُرُ مَيِّتَهُمْ مِنْ الْقُرَى وَالْأَمَاكِنِ الْبَعِيدَةِ ، وَيَبِيتُ عِنْدَهُمْ ، وَلَا يُمْكِنُهُمْ إلَّا أَنْ يُضَيِّفُوهُ ، كما أنه لا حرج على أهل الميت أن يدعوا من شاءوا من الجيران والأقارب ليتناولوا معهم ما أهدي لهم من الطعام .
وكما يكره لأهل الميت صنع الطعام لمن يقدم لعزائهم ، كذلك يكره الأكل من الطعام الذي أعدوه لهذا السبب ، وإن كان الطعام من مال الورثة الصغار فالأكل منه : حرام .
وفي “الموسوعة الفقهية” (16/ 44) : ” وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ تُكْرَهُ الضِّيَافَةُ مِنْ أَهْل الْمَيِّتِ ؛ لأِنَّهَا شُرِعَتْ فِي السُّرُورِ ، لاَ فِي الشُّرُورِ… وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ الأْكْل مِنْ طَعَامِ أَهْل الْمَيِّتِ ، فَإِنْ كَانَ مِنْ تَرِكَةٍ وَفِي مُسْتَحِقِّيهَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ : حُرِّمَ فِعْلُهُ ، وَالأْكْل مِنْهُ .
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ ، بِأَنَّهُ يَحْرُمُ تَهْيِئَةُ الطَّعَامِ لِنَائِحَاتٍ ؛ لأِنَّهُ إِعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ .
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ اتِّخَاذُ الطَّعَامِ فِي أَيَّامٍ مُتَعَارَفٍ عَلَيْهَا كَالْيَوْمِ الأْوَّل ، وَالثَّالِثِ ، وَبَعْدَ الأْسْبُوعِ ” انتهى .
ما حكم إقامة الأربعين على الميت ؟
إقامة مأتم الأربعين على الميت بعد مرور أربعين يوما على وفاته بدعة سيئة فرعونية الأصل لا أصل لها في دين المسلمين، فهي لم تكن في عهد النبوة ولا في عهود الصحابة والتابعين ولم تكن معروفة عن جماهير المسلمين إلى وقت قريب، وفيها من إضاعة الأموال وتجديد الحزن على الميت ما يؤكد نكارتها ويدعو إلى نبذها، ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، بل تجاوزه عند كثير من ذوي الأهواء وجعلوا ذكرى أولى بمناسبة مرور عام على الوفاة وذكرى ثانية ، وهكذا مما لا يتفق مع عقل ولا نقل .