فقه الطهارة: 6- نواقض الوضوء

تاريخ الإضافة 7 أكتوبر, 2023 الزيارات : 6030

نواقض الوضوء

النواقض هي المبطلات 

للوضوء نواقض تبطله وتخرجه عن إفادة المقصود منه، نذكرها فيما يلي:

1 – كل ما خرج من السبيلين: (القبل والدبر) .

ويشمل ذلك ما يأتي:

(أ) البول

(ب) والغائط، لقول الله تعالى: ( … أو جاء أحد منكم من الغائط..) وهو كناية عن قضاء الحاجة من بول وغائط.

(ج) ريح الدبر: لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) فقال رجل من حضرموت: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: (فساء أو ضراط) متفق عليه

وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شئ أم لا؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) رواه مسلم.

وليس السمع أو وجدان الرائحة شرطا في ذلك، بل المراد حصول اليقين وبخروج شئ منه.

ما الحكمة من الوضوء من الريح ؟
قال العلامة القرضاوي في فقه الطهارة: وقد سألني بعض الناس عن الحكمة في الوضوء من خروج الريح، قائلا:
الوضوء من البول والغائط معقول، لما فيه من التطهر والتنظف من أثر النجاسة. ولكني لا أفهم الحكمة في الوضوء من الريح؟
قلت له : إن الوضوء من جملة الأمور التعبدية، التي لا يشترط أن تعقل الحكمة فيها تفصيلا، إلا الامتثال للأمر من الرب، وفيه يتجلى تمام الطاعة المطلقة للأمر، وإن لم يفهم المكلف سره، بل يقول الرب: أمرت ونهيت، ويقول المكلف: سمعت وأطعت .
على أنه قد خطر لي حكمة لم أقرأها لأحد، ولم أسمعها من أحد، وهي: أن الإسلام شرع صلاة الجمعة والجماعة في المساجد، وفيها تتجمع أعداد كبيرة، لأوقات قد تطول، ولا سيما في الجمعة، وقد حرص الإسلام على أن يكون الناس في حالة من الطهارة والنظافة والزينة بحيث لا يؤذي بعضهم بعضا، بقذارته أو بسوء رائحته. ولهذا أوجب الغسل أو سَنَّه، وقال: ” من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا “.وقال: ” من أكل من هذه الشجرة ” ـ يعني الثوم ـ ” فلا يقربن مسجدنا “.
فحماهم من الرائحة الكريهة التي تأتي من فوق: من طريق الفم، وبقيت الرائحة التي تأتي من تحت: من الدبر. فلو أبيح لكل من هؤلاء أن يتبحبح في ذلك ما شاء، وقد يبلغون الآلاف في بعض المساجد، فربما كان من وراء ذلك أذى يضايق الناس، وخصوصا ذوي الحس المرهف منهم، ولا يستطيعون أن يقولوا شيئا. فكان منع ذلك باسم الدين منعا لسبب من أسباب الأذى، دون إحراج لأحد .

وقد خطر لي هذا الخاطر منذ مدة طويلة، حيث كنا مجموعة من الشباب نبيت في مكان واحد، وكان بعضنا يشكو من سوء الروائح التي غيرت جو المكان بما لا يطاق، وصار بعضهم يتهم بعضا، فأدركت السر في اعتبار ذلك ناقضا للوضوء، مانعا من الصلاة. وأعتقد أنه اعتبار مقبول، وأنها حكمة غير مرفوضة .والله أعلم .
ملحوظة :قد تحس المرأة بريح يخرج من الفرج فهذا ناتج عن حركة الرحم فلا ينتقض وضوؤها .

(د، هـ، و) المني والمذي والودي:

 لقول رسول الله في المذي: (فيه الوضوء) ولقول ابن عباس رضي الله عنهما: (أما المني فهو الذي منه الغسل، وأما المذي والودي فقال: (أغسل ذكرك أو مذاكيرك، وتوضأ وضوءك للصلاة) ، رواه البيهقي في السنن.
خروج دم الاستحاضة
يدخل دم الاستحاضة، ومن به حدث دائم في عموم الخارج من أحد السبيلين، فهل يعتبر خروجه حدثاً ناقضاً للوضوء؟
اختلف أهل العلم في ذلك:
1- يجب أن تتوضأ لوقت كل صلاة، وهو مذهب الحنفية ، والحنابلة

2- يجب أن تتوضأ لكل فريضة، مؤداة أو مقضية، وأما النوافل فتصلي بطهارتها ما شاءت. وهو مذهب الشافعية

3-  لا يعتبر خروج دم الاستحاضة حدثاً ناقضاً للوضوء، بل يستحب منه الوضوء ولا يجب. وهو مذهب المالكية

وقد رويت أحاديث في وضوء المستحاضة لكل صلاة، منها:
ما رواه البخاري عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقالت: يا رسول الله، إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: لا؛ إنما ذلك عرق، وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي.
قال هشام: وقال أبي: ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت .

وسبب اختلاف العلماء في دم الاستحاضة، هل هو حدث أم لا؟ اختلافهم في قول هشام: ” وقال أبي: ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت ” هل هذه الزيادة موقوفة أو مرفوعة؟ وهل هي متصلة أو معلقة؟ وعلى تقدير كونها مرفوعة، هل هي محفوظة أو شاذة؟
فالحديث مداره على هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة.
ورواه عن هشام جمع كثير على اختلاف يسير في متنه، وبعضهم يذكر هذه الزيادة وبعضهم لا يذكرها.
وقد جاءت الزيادة بالوضوء من طريق أبي معاوية عن هشام به.
واختلف على أبي معاوية فيه، فروى بعضهم الحديث عن أبي معاوية دون ذكر الزيادة، وبعضم رواه عن أبي معاوية مصرحاً برفعها، وبعضهم روى الزيادة عن أبي معاوية موقوفة على عروة.
والصواب أن لفظة الوضوء مدرجة في الحديث من قول عروة: فقد روى مالك، عن هشام، عن أبيه أنه قال: ليس على المستحاضة إلا أن تغتسل غسلاً واحداً، ثم تتوضأ بعد ذلك لكل صلاة .

ولهذا ذهب المالكية إلى عدم وجوب الوضوء على المستحاضة لكل صلاة.
قال ابن عبد البر: والوضوء عليها عند مالك على الاستحباب دون الوجوب، قال: وقد احتج بعض أصحابنا على سقوط الوضوء بقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «فإذا ذهب قدرها فاغتسلي وصلي» ولم يذكر وضوءاً.

وإذا لم تصح الآثار عن الرسول – صلى الله عليه وسلم – في وضوء المستحاضة، فإن النظر أيضاً يؤيد القول بعدم اعتبار خروج دم الاستحاضة وسلس البول ونحوهما حدثاً يوجب الوضوء، وذلك من وجوه:

الوجه الأول: أن من كان به حدث دائم لو تطهر فلن يرتفع حدثه، وإذا كان كذلك، كانت طهارته استحباباً لا وجوباً.
الوجه الثاني: إذا كان دم الاستحاضة لا يبطل الطهارة بعد الوضوء، وقبل الصلاة، لم يكن حدثاً يوجب الوضوء عند تجدد الصلاة أو خروج الوقت، ولذا حملنا الأمر على الاستحباب.
الوجه الثالث: إذا كان دم العرق لا ينقض الوضوء، فلو خرج دم من عرق اليد أو الرجل لم ينتقض وضوءه على الصحيح، فكذلك دم الاستحاضة، فإنه دم عرق كما في أحاديث الصحيحين، ولا يقال: إن خروجه من الفرج جعل حكمه مختلفاً؛ لأن المني يخرج من الفرج، ومع ذلك هو طاهر.
الوجه الرابع:الشارع حكيم، فلا يؤاخذ الإنسان إلا بما فعل، فإذا كان خروج الدم ليس من فعل الإنسان ولا من قصده، لم تفسد عبادته، ولهذا لا يؤاخذ الإنسان باللغو في اليمين لعدم توفر القصد.
هذه أدلة المالكية على عدم اعتبار خروج دم الاستحاضة حدثاً ناقضاً للوضوء.

 وهذا القول هو الراجح عندي، لأن الآثار في الباب لم تثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – من جهة، ولأن هذا القول موافق لقواعد الشريعة من جهة أخرى ، وفيه تيسير على المبتلى من النساء ومن به سلس بول، وقد أفتى به جماعة من أهل العلم على رأسهم الإمام مالك وربيعة وعكرمة وأيوب وطائفة .

الناقض الثاني للوضوء : النوم :

اختلف العلماء في نقض الوضوء بالنوم:

1- مذهب أبي حنيفة إن نام مستلقياً أو مضطجعاً انتقض، وإلا فلا.

لحديث صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفرا ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، لكن من غائط وبول ونوم) رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه.

2- مذهب المالكية : النوم الثقيل ناقض مطلقاً، قصر أم طال، والنوم الخفيف لا ينقض مطلقاً قصر أم طال، لكن إن طال استحب منه الوضوء.

وضابط الثقيل: ما لا يشعر صاحبه بالأصوات، أو بسقوط شيء من يده، أو سيلان ريقه ونحو ذلك، فإن شعر بذلك فهو نوم خفيف.

لما رواه مسلم من طريق كريب مولى ابن عباس، عن ابن عباس قال: بت ليلة عند خالتي ميمونة بنت الحارث فقلت لها: إذا قام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأيقظيني، فقام رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فقمت إلى جنبه الأيسر، فأخذ بيدي فجعلني من شقه الأيمن، فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني، قال: فصلى إحدى عشرة ركعة ثم احتبى حتى إني لأسمع نفسه راقداً، فلما تبين له الفجر صلى ركعتين خفيفتين

3- مذهب الشافعية إن نام ممكناً مقعده من الأرض أو نحوها لم ينتقض على أي هيئة كان في الصلاة أو في غيرها.

وعلى هذا يحمل حديث أنس رضي الله عنه قال: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضؤون) رواه الشافعي ومسلم وأبو داود والترمذي، ولفظ الترمذي من طريق شعبة: (لقد رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوقظون للصلاة حتى لأسمع لأحدهم غطيطا، ثم يقومون فيصلون ولا يتوضؤون) قال ابن المبارك: هذا عندنا وهم جلوس.

4- مذهب الحنابلة :لا ينقض النوم اليسير من قاعد أو قائم.

واستدلوا بما رواه الشيخان عن أنس، قال: أقيمت الصلاة والنبي – صلى الله عليه وسلم – يناجي رجلاً في جانب المسجد فما قال إلى الصلاة حتى نام القوم.

وسبب اختلاف العلماء في النوم اختلافهم فيه هل هو حدث في نفسه فيجب الوضوء في قليله وكثيره، أو ليس بحدث فلا ينتقض منه الوضوء، أو أنه سبب في حصول الحدث ومظنة لحصوله، ففرقوا بين النوم الثقيل والخفيف، وبين هيئة القاعد والمضطجع.

والراجح في مسألة النوم أن مداره على الإحساس، فإن فقد الإحساس بحيث لو أحدث لم يشعر انتقض وضوؤه، وإن كان إحساسه معه لكن معه مقدمات النوم، ويشعر بالأصوات من حوله، ولا يميزها من النعاس فإن طهارته باقية بذلك؛ لأن النوم ليس حدثاً في نفسه،

وبهذا تجتمع الأدلة، فحديث صفوان بن عسال دل على أن النوم ناقض للوضوء، وحديث أنس دل على أن النوم ليس بناقض، فيحمل حديث أنس على أن الإحساس ليس مفقوداً، فلو أحدث الواحد منهم لأحس بنفسه، والله أعلم.

الناقض الثالث للوضوء : زوال العقل:

سواء كان الجنون أو بالإغماء أو بالكسر أو بالدواء، وسواء قل أو كثر، وسواء كانت المقعدة ممكنة من الأرض أم لا، لأن الذهول عند هذه الأسباب أبلغ من النوم، وعلى هذا اتفقت كلمة العلماء.

الناقض الرابع للوضوء : مس الفرج بدون حائل:

وقد اختلف العلماء في مس الفرج هل ينقض الوضوء؟  على أربعة مذاهب :

الأول /أنه ناقض كيفما مسه وهو مذهب الشافعي وأحمد . واستدلُّوا بما يلي:
حديث بُسْرَة بنت صفوان أنَّ النبيَّ قال: “مَنْ مَسَّ ذكرَه فليتوضأ”
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: “إذا أفضى أحدُكُم بيده إلى ذكره؛ ليس دونها سِتْر فقد وجب عليه الوُضُوء”.
أن الإنسان قد يحصُل منه تحرُّكُ شهوةٍ عند مسِّ الذَّكر، أو القُبُل فيخرج منه شيء وهو لا يشعر، فما كان مظَّنة الحدث عُلِّق الحكم به كالنَّوم.

الثاني / أنه لا ينقض الوضوء أصلا وهو مذهب أبي حنيفة واستدلُّ بما يلي:
1- حديث طَلْقِ بْنِ عليٍّ أنه سأل النبيَّ عن الرَّجُل يمسُّ ذَكَرَه في الصَّلاة: أعليه وُضُوءٌ؟ فقال: (لا، إِنَّما هو بَضْعة منك )
2- أنَّ الأصل بقاءُ الطَّهارة، وعدمُ النقض، فلا نخرج عن هذا الأصل إِلا بدليل متيقَّن.
وحديث بُسرة وأبي هريرة ضعيفان، وإِذا كان فيه احتمالٌ؛ فالأصل بقاءُ الوُضُوء. قال : «لا ينصرف حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً»، فإِذا كان هذا في السَّببِ الموجبِ حسًّا، فكذلك السَّببُ الموجبُ شرعاً، فلا يمكن أن نلتفت إليه حتى يكون معلوماً بيقين.
3- لا خلاف في أن الذكر إذا مس الفخذ لا يوجب وضوءا ، ولا فرق بين اليد والفخذ .

الثالث : أنَّه إنْ مسَّهُ بشهوة انتقض الوُضُوء وإلا فلا وهو قول مالك ، وبهذا يحصُل الجمع بين حديث بُسرة، وحديث طَلْق بن عليٍّ، وإِذا أمكن الجمع وجب المصير إليه قبل التَّرجيح والنَّسخ؛ لأنَّ الجَمْعَ فيه إِعمال الدَّليلين، وترجيح أحدهما إِلغاء للآخر.

ويؤيد ذلك قوله : «إِنمَّا هو بَضْعَة منك»، لأنك إِذا مسَسْتَ ذَكَرَكَ بدون تحرُّكِ شهوة صار كأنما تمسُّ سائر أعضائك، وحينئذٍ لا ينتقض الوُضُوء، وإِذا مَسَسْتَه لشهوةٍ فإِنَّه ينتقض؛ لأن العِلَّة موجودة، وهي احتمال خروج شيء ناقض من غير شعور منك، فإِذا مسَّه لشهوةٍ وجب الوُضُوء، ولغير شهوة لا يجب الوُضُوءِ، ولأن مسَّه على هذا الوجه يخالف مسَّ بقية الأعضاء.
وقد توهم الألباني في تمام المنة أن هذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية ، فلزم التنويه .

الرابع : وجمع شيخ الإسلام ابن تيمية بينها بأنَّ الأمر بالوُضُوء في حديث بُسْرة للاستحباب، والنَّفيَ في حديث طَلْق لنفي الوجوب؛ بدليل أنه سأل عن الوجوب فقال: «أعليه»، وكلمة: «على» ظاهرة في الوجوب.
قال ابن عثيمين : وأما دعوى أنَّ حديث طَلْق بن عليٍّ منسوخ، لأنَّه قَدِمَ على النبيِّ وهو يبني مسجده أول الهجرة، ولم يَعُدْ إِليه بعدُ. فهذا غير صحيح لما يلي:
1- أنه لا يُصار إلى النَّسخ إلا إِذا تعذَّر الجمع، والجمع هنا ممكن.
2- أن في حديث طَلْق عِلَّة لا يمكن أن تزول، وإِذا رُبط الحُكم بعلَّة لا يمكن أن تزولَ فإن الحكم لا يمكن أن يزولَ؛ لأن الحكم يدور مع عِلَّته، والعلَّة هي قوله: «إنما هو بَضْعَة منك»، ولا يمكن في يوم من الأيام أن يكون ذكرُ الإِنسان ليس بَضْعَةً منه، فلا يمكن النَّسخ.
3- أن أهل العلم قالوا: إن التاريخ لا يُعلم بتقدُّم إِسلام الرَّاوي، أو تقدُّم أخذه؛ لجواز أن يكون الرَّاوي حَدَّث به عن غيره.

بمعنى : أنه إِذا روى صحابيَّان حديثين ظاهرهما التَّعارض، وكان أحدُهما متأخِّراً عن الآخر في الإِسلام، فلا نقول: إنَّ الذي تأخَّر إِسلامُه حديثُه يكون ناسخاً لمن تقدَّم إِسلامُه، لجواز أن يكون رواه عن غيره من الصَّحابة، أو أنَّ النبيَّ حدَّث به بعد ذلك.

والخلاصة : أن الإنسان إِذا مسَّ ذكره استُحِبَّ له الوُضُوءَ مطلقاً، سواء بشهوة أم بغير شهوة، وإِذا مسَّه لشهوة فالقول بالوجوب قويٌ جدًّا، لكنِّي لا أجزم به، والاحتياط أن يتوضَّأ. اهـ كلامه من الشرح الممتع

مَسُّ حَلْقَةِ الدُبُرٍ :عند الشافعي مَسُّ حَلْقَةِ الدُبُرٍ من النواقض لأنَّه داخل في عموم مسِّ الفَرْج، والدُّبُر فَرْجٌ ،لأنه منفرجٌ عن الجوف، ويخرج منه ما يخرج، وعلى هذا فإنه ينتقضُ الوضوءُ بمسِّ حلْقة الدبر.

والجمهور على أنه لا ينقض لأن الدبر لا يسمى فرجا ولا يصح القياس على الذكر لعدم العلة الجامعة بين مس الدبر والذكر ، فإن قيل : كلاهما مخرج للنجاسة فالجواب :أن مس النجاسة لا ينقض الوضوء ،ومن المعلوم أن المخرج يطهر بالاستنجاء .

الناقض الخامس للوضوء : لمس المرأة بدون حائل:

وفيه أقوال للعلماء :

القول الأول: ـ وهو مذهبُ أحمد ومالك أن مسَّ المرأة بشهوة ينقض الوُضُوء، أما بغير شهوة فلا ينقض واستدلُّوا:
بقوله تعالى: (أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ)المائدة: 6 وفي قراءة: «أَوْ لَمَسْتُمُ النِّسَاءَ» والمسُّ واللمس معناهما واحد، وهو الجسُّ باليد أو بغيرها، فيكون مسُّ المرأة ناقضاً للوُضُوء.
فإن قيل الآية ليس فيها قيدُ الشَّهوة، إذ لم يقل الله «أو لامستم النساء بشهوة »، فالجواب: أن مظنَّةَ الحدث هو اللمس بشهوة، فوجب حمل الآية عليها، ويؤيد ذلك حديث عائشةُ (كنت أنام بين يدي النبيَّ ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي ) وهذا الحديث في الصحيحين .
وروى مسلم عن عائشة (فقدت النبي ذات ليلة فجعلت أطلبه فوقعت يداي على قدميه وهما منصوبتان وهو ساجد يقول : أعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ) فلو كان مجردُ اللَّمس ناقضاً لانتقض وضوءُ النبيِّ واستأنفَ الصَّلاة.
القول الثَّاني : أنه ينقضُ مطلقاً، ولو بغير شهوة، أو قصد وهو قول الشافعية واستدلُّوا: بعموم الآية.
وأجابوا عن حديث عائشة: بأنه يحتمل أن الرَّسول كان يمسُّها بظُفره، والظُّفر في حكم المنفصل، أو بحائل، والدَّليل إِذا دخله الاحتمال بطل الاستدلال به، وفي هذا الجواب تكلف.
القول الثَّالث :قول أبي حنيفة : لا ينقض مسُّ المرأة مطلقاً،  ولو بشهوة إذ أن المقصود من قوله تعالى (أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ) .بأن المُراد بالملامسة الجماع لما يلي:
1- أن ذلك صحَّ عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال الله حيي كريم يكني بما يشاء عما يشاء إنما هو الجماع .
2- أنَّ في الآية دليلاً على ذلك فالسياق فيه بيان ما يبيح التيمم فعبر عن الحدث الأصغر بقوله (أو جاء أحد منكم من الغائط ) ثم عبر عن الحدث الأكبر بقوله (أو لا مستم النساء)
فالرَّاجح: أن مسَّ المرأة، لا ينقضُ الوُضُوءَ مطلقاً إِلا إِذا خرج منه شيءٌ فيكون النَّقضُ بذلك الخارج.

الناقض السادس للوضوء : خروج الدم من غير المخرج المعتاد:

 سواء كان بجرح أو حجامة أو رعاف، وسواء كان قليلا أو كثيرا: للفقهاء ثلاثة أقوال :
1/ النقض مطلقا وهم الحنفية .
2/ عدم النقض مطلقا وهم المالكية والشافعية .
3/ ينقض الكثير منها ، وهو قول الحنابلة .

والراجح الثاني لأن نقض الوضوء أمر تعبدي لا يثبت إلا بالدليل ، ولا دليل هنا على النقض ، ولعل حادثة غزوة ذات الرقاع ، وصلاة المسلمين في جراحاتهم في المعارك تثبت صحة هذا القول . قال الحسن رضي الله عنه: (ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم) رواه البخاري، وقال: وعصر ابن عمر رضي الله عنهما بثرة وخرج منها الدم فلم يتوضأ. وبصق ابن أبي أوقى دما ومضى في صلاته، وصلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجرحه يثعب دما أي يجري.

وقد أصيب عباد بن بشر بسهام وهو يصلي فاستمر في صلاته، رواه أبو داود وابن خزيمة والبخاري تعليقا.

الناقض السابع للوضوء : القئ:

قال الحنفية وأحمد إنه ينقض الوضوء إذا كان ملء الفم بأن لم يقدر على إمساكه والجمهور على استحباب الوضوء من القئ لا وجوبه

الناقض الثامن للوضوء :  أكل لحم الإبل:

اختلف العلماء في الوضوء من لحم الجزور على قولين :

الأول : يجب منه الوضوء، وهو المشهور من مذهب أحمد  ، واستدلوا بما رواه مسلم عن جابر بن سمرة أن رجلا سأل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا توضأ، قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم، فتوضأ من لحوم الإبل.

 الثاني : قول الجمهور: إنه لا ينقض وقالوا أن الأمر بالوضوء منها منسوخ بما رواه أبو داود عن جابر (كان آخر الأمرين من رسول الله ترك الوضوء مما مست النار )
وقول ابن عباس الوضوء مما خرج ، وليس مما دخل .

 وحجتهم في ذلك أن (ما) في الحديث للعموم أي من كل ما مسته النار سواء كان لحم إبل أم غيره ، ومن أبرز الدلائل أن هذا هو قول الخلفاء الراشدين جميعا ، وقول جماهير الصحابة ، ولا يعقل أن يكون أكل لحم الإبل ينقض الوضوء ويخفى على هؤلاء وهم ألصق الناس برسول الله وأقربهم إليه وأعرفهم بسنته ، وكيف عاشوا ثلاثين بعد وفاته ولم يعرفوا هذا الحكم المتكرر في حياتهم .

تنبيه : البعض يخترع قصة مفادها أن صحابيا أحدث في وليمة أكلوا فيها لحم جزور فأراد النبي رفع الحرج عنه فقال (من أكل لحم جزور فليتوضأ ) فهذه قصة باطلة لا أساس لها من الصحة .

الناقض التاسع للوضوء : شك المتوضئ في الحدث:

إذا توضأ، ثم شك هل أحدث، فهل ينتقض وضوؤه ؟ قولان :

الأول : لا ينتقض، بل يبني على اليقين مطلقاً، سواء كان في صلاة أم في غيرها، وهو مذهب الجمهور، ورواية ابن نافع، عن مالك.

وقيل: ينقض مطلقاً، وهو رواية ابن القاسم عن مالك.

الثاني : الشك ينقض الوضوء خارج الصلاة، ولا ينقض داخلها، وهو المشهور من مذهب المالكية .

دليل الجمهور على عدم النقض: الأصل  أن اليقين لا يزول بالشك، فمن تيقن الطهارة وشك بالحدث، أو تيقن النجاسة وشك في الطهارة، بنى على اليقين، وهذا الأصل له أدلة شرعية صحيحة، منها.

ما رواه البخاري عن عباد بن تميم، عن عمه، أنه شكا إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال: لا ينفتل أو لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً، ورواه مسلم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وجد أحدكم في نفسه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شئ أم لا؟ فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) رواه مسلم وأبو داود والترمذي

وليس المراد خصوص سماع الصوت ووجدان الريح، بل العمدة اليقين بأنه خرج منه شئ، قال ابن المبارك: إذا شك في الحدث فإنه لا يجب عليه الوضوء حتى يستيقن استيقانا يقدر أن يحلف عليه، أما إذا تيقن الحدث وشك في الطهارة فإنه يلزمه الوضوء بإجماع المسلمين.

دليل من قال بوجوب الوضوء بالشك بالحدث إلا أن يكون في صلاة: 

قالوا: إنما أوجب الوضوء بالشك؛ لأن الطهارة شرط، والشك في الشرط مؤثر، بخلاف الشك في طلاق زوجته، أو عتق أمته، أو شك في الطهارة أو الرضاع لا يؤثر؛ لأنه شك في المانع، وهو لا يؤثر، وإنما أثر في الشرط دون المانع، لأن العبادة محققة في الذمة فلا تبرأ منها إلا بطهارة محققة، والمانع يطرأ على أمر محقق وهو الإباحة أو الملك من الرقيق، فلا تنقطع بأمر مشكوك فيه .

وأما وجه الفرق بين الحدث داخل الصلاة وخارج الصلاة فقد أخذوا ذلك من ظاهر الحديث، فقد روى البخاري، عن عباد بن تميم،عن عمه، أنه شكا إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال: لا ينفتل أو لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً، 

فأمره الرسول – صلى الله عليه وسلم – إذا شك في الصلاة أن يستمر فيها، ولا ينصرف عنها إلا بيقين، قالوا: وأما إذا شك خارج الصلاة، فالحكم مختلف، فيلزمه أن يأتي بالطهارة بيقين.

وتعليل آخر: قالوا: قياساً على النوم، فإن وجوب الوضوء من النوم لوجود الشك في الحدث، فكذلك إذا شك في الحدث بدون نوم فإنه يوجب الوضوء.

الراجح من القولين: بعد استعراض الأدلة يتبين لنا والله أعلم أن قول الجمهور أقوى، لأن الشك لا يقضي على اليقين، وأن الأصل استصحاب المتيقن حتى ينتقل عنه إما بيقين أو بغلبة ظن، وأما الشك الذي هو استواء الطرفين، فإنه لا يقضي على اليقين، والله أعلم.

الناقض العاشر للوضوء : القهقهة في الصلاة

قال بذلك الحنفية واستدلوا بما ورد عن جابر، قال: قال لنا رسول الله صلى الله عيه وسلم “من ضحك منكم في صلاته فليتوضأ، ثم ليعد الصلاة “رواه الدار قطني وفيه ضعف ونكارة
والجمهور على أن القهقهة لا تنقض الوضوء، لعدم صحة ما ورد في ذلك ، و
إذا كانت القهقهة خارج الصلاة لا تنقض الطهارة، لم تنقض الطهارة داخل الصلاة ، وأيضا الكلام ممنوع في الصلاة، ومع ذلك لا ينقض الطهارة ولو تعمده الإنسان بطلت صلاته دون طهارته، فكذلك القهقهة فهي من جنس الكلام.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 241 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم

جديد الموقع