المعجزة الكبرى الإسراء والمعراج

تاريخ الإضافة 2 فبراير, 2024 الزيارات : 2661

المعجزة الكبرى الإسراء والمعراج

جاء حادث الإسراء والمعراج ليرى رسول الله صلى الله عليه وسلم حفاوة الملأ الأعلى بعد ما أصابه من أذى البشر في رحلة الطائف.

يقول الله تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) الإسراء1

ومعنى (سبحان) : أي تنزيهاً لله تعالى تنزيهاً مطلقاً، أن يكون له شبه أو مثيل فيما خلق، لا في الذات، ولا في الصفات ، ولا في الأفعال.

وكلمة (سبحان) جاءت هنا لتشير إلى أن ما بعدها أمر خارج عن نطاق قدرات البشر، ، أو أن تخضع فعله لقوانين البشر ؛ فهو متعلق بقدرة الله عز وجل ، وإدراك هذه المعجزة التي أيد الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم .

وقوله( أسرى) من السري، وهو السير ليلاً .

وقوله سبحانه(بعبده) أي: أسرى به؛ لأنه صادق العبودية لله، فالإسراء والمعراج عطاء من الله استحقه رسوله بما حقق من عبودية لله.

(ليلاً) فزمن الإسراء ليلا وقد جاء نكرة للتقليل أي بعضا من الليل ومن المعلوم أنه بعد مفارقة الغلاف الجوي المحيط بالأرض هنالك ظلام تام كما في قوله تعالى : “أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) النازعات

أغطش : أظلم

هل الإسراء كان بالروح فقط أم بالروح والجسد ؟

الذي عليه معظم السلف والخلف من أئمة الأمة وعلمائها أن الإسراء والمعراج كان بالروح والجسد معاً، يقظة لا مناماً.

يقول ابن حجر : وإلى هذا -يعني: الإسراء والمعراج بالروح والجسد- ذهب جمهور الأمة من العلماء المحدثين، والفقهاء والمتكلمين، وتواردت عليه ظواهر الأخبار الصحيحة.

ومثله قال ابن القيم في زاد المعاد، قال العلماء: وهذا هو الذي تطمئن إليه النفس (يعني: أن الإسراء بالروح والجسد، يقظة لا مناماً) ويرتاح إليه القلب، إذ لو كان الإسراء والمعراج بالروح فقط، وكان المقصود رؤيا منامية لم يستبعد المشركون ذلك، ولم ينكروه على النبي صلى الله عليه وسلم، ولما كان في ذلك آية ولا معجزة، فـ  (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا.) 

 وعلى سبيل المثال : لو أني قلت لك الآن: لقد رأيت بالأمس في نومي أني ذهبت إلى مكة، وطفت بالبيت ، ومشيت بين الصفا والمروة ثم انطلقت إلى المدينة وعدت بعد ذلك، هل ستنكر علي؟

لن تنكر علي؛ لأنني أقول لك: رأيت في الرؤيا.. رأيت فيما يرى النائم، فلو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: إنها رؤيا نوم ما أنكر المشركون على النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.

وكما يقول الشيخ الشعراوي : هب أن قائلاً قال لك: أنا صعدت بابني الرضيع قمة جبل “إفرست”، هل تقول له: كيف صعد ابنك الرضيع قمة “إفرست”؟ هذا سؤال إذن في غير محله، وكذلك في مسألة الإسراء والمعراج يقول تعالى: أنا أسريت بعبدي، فمن أراد أن يحيل المسألة وينكرها، فليعترض على الله صاحب الفعل لا على محمد.

والقاعدة تقول: إن الزمن يتناسب تناسباً عكسياً مع القوة أو القدرة.

بمعنى: لو ركبت سيارة إلى القاهرة فستقطع بك المسافة في زمن معين، ولو ركبت طائرة ستقطع بك المسافة في زمن أقل، فلو ركبت صاروخاً سيقطع بك المسافة في زمن أقل، فإن ركبت مركبة فضاء ستقطع بك المسافة في زمن أقل، وهكذا يقلّ الزمن مع قوة القدرة التي تحملك إلى هذا السفر، وإذا علمت ذلك فاعلم أن القوة التي حملت المصطفى هي قوة الله.

فإن قال قائل: مادام الفعل مع الله لا يحتاج إلى زمن، لماذا لم يأت الإسراء لمحة فحسب، ولماذا استغرق ليلة؟

نقول: لأن هناك فرقاً بين قطع المسافات بقانون الله سبحانه وبين مراء عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم في الطريق، فرأى مواقف، وتكلم مع أشخاص، ورأى آيات وعجائب، هذه هي التي استغرقت الزمن.

حين تنسب الفعل إلى فاعله يجب أن تعطيه من الزمن على قدر قوة الفاعل.

إذن لما تضاف القوة إلى الله العلى الأعلى القادر المقتدر كم تأخذ من الزمن ؟

الله جل وعلا يقول : ( وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر )القمر 50، وقال تعالى ” إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ” النحل 40 ، فأمر الله لا يحتاج لزمن ، الزمن للمخلوق وفقا للقوانين البشرية ؛ قوانين الحركة والانتقال ، لكن لما تتكلم عن قدرة الله فالله جل وعلا لا يحتاج لزمان لإيجاد شيء من العدم لطلاقة قدرته وكمال عظمته .

زمن الفيمتو ثانية:

 في موسوعة ويكبيديا كلاما مفاده عن الفيمتو ثانية :
(بالإنجليزية: Femtosecond) والفيمتو كلمة دانماركية تعني الرقم 15؛ والسر في هذه التسمية أنهم توصلوا لكاميرا عالية الدقة تتمكن من التقاط ما يحدث في جزء من مليون مليار جزء من الثانية، والمليون ستة أصفار والمليار تسعة أصفار المجموع 15صفر فمن هنا سموها الفيمتو ثانية ، وأول استخدام عملي لهذه الفترة الزمنية بالغة الضآلة كان ابتكار نظام تصوير من قبل العالم المصري “أحمد زويل ” يرصد حركة الجزيئات عند تكوينها وعند تكوين روابط كيميائية بين بعضها ببعض والوحدة الزمنية التي تلتقط فيها هذه الصورة هي الفيمتو ثانية, وذلك حينما أراد أن يصور بالضبط ما يحصل خلال التفاعلات الكيميائية وقد كان هذا الشئ مستحيلا من قبل لأن هذه التفاعلات تحدث بسرعة كبيرة جداً وعند تسليط الضوء على هذه التفاعلات يسبب الضوء تشتت الإلكترونات فلا يمكن حينها تصوير تفكك الروابط بين المركبات أو إعادة ترابطها معا ولكن تمكن زويل من تسليط أشعة الليزر على التفاعلات وتصويرها بكاميرات دقيقة تمكنت من التقاط ما يحدث في جزء من مليون مليار جزء من الثانية.

هذا إدراك بشري يستطيع أن يرصد بكاميرا دقيقة جدا جدا هذا الزمن الذي يعجز العقل عن إدراكه ( مليون مليار )جزء من الثانية ؛ فلما نتكلم عن قدرة الله وأنه أسرى بعبده وانتقل به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم من الأقصى إلى السموات العلا إلى سدرة المنتهى عندها ندرك عظمة الله جل جلاله وقدرته التي لا تحدها حدود .

الصعود للقمر واتساع آفاق الكون :

بعد رحلة الصعود للقمر التي قامت بها أمريكا وما زالت تفتخر بها وكالة ناسا الفضائية ، وبدأوا وقتها يتكلمون عن غزو الفضاء ، ومع مرور الوقت وبعد الطفرة العلمية والفلكية في معرفة الكون تبين لهم أن القمر ضاحية من ضواحي الأرض ، ثم اكتشفوا أن الكرة الأرضية عبارة عن رأس دبوس صغير في هذا الكون الواسع ، حتى قال أحد علماء الفلك حينما سئل كم تمثل الأرض بالنسبة للكون ؟ فأجاب : الكون مثل مكتبة فيها مليون مجلد تمثل الأرض نقطة فوق حرف من كتاب من كتب هذه المكتبة !!

قلت : وهذا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء )
دنيانا هذه بكل ما فيها من أراضي وبحار وجبال وأموال وبلدان ومدن … والتي يعيش الملايين لا تساوي عند الله تعالى جناح بعوضة!!!

أرأيت أرضنا التي تبدو لنا واسعة .. كم هي ضئيلة وصغيرة ليس في الكون كلّه بل في مجموعتنا الشمسيّة التي تحوي تسع كواكب ، والتي تعتبر ضئيلة للغاية في مجرّة درب التبّانة (أو اللبانة )؟؟؟

 والتي تحوي مابين 200 إلى 400 بليون نجم  ، ويبلغ عرضها أكثر من مائة ألف سنة ضوئيّة ( سرعة الضوء = 300000 كلم / ثانية أو مليار كم في الساعة .
وكان العلماء يعتقدون أنّ هناك مجرّة واحدة وهي التي يوجد فيها كوكبنا ومجموعتنا الشمسيّة .. لكن بتطوّر العلم اكتشفوا أنّ الكون يعجّ بالمجرّات وأنّ عددما اكتشفوه حتى الآن 100 مليون

فقياس معجزة الإسراء والمعراج  بالقدرة الإلهية يبين لنا عظمة الله جل وعلا ، ولك أن تسرح بخيالك عن المسافة التي بلغ بها النبي العروج من المسجد الأقصى إلى السموات العلا إلى سدرة المنتهى كم تبلغ هذه المسافة بالسنين الضوئية ؟!!

ولذلك أقول : إن المعجزات لا تؤخذ بالعقول وإنما بالإيمان لأنه أمر تطيش معه العقول .

النبي يصف المسجد الأقصى :

عن جَابِرَ بْن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ فِي الحِجْرِ فَجَلَّى اللَّهُ لِي بَيْتَ المَقْدِسِ ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ) رواه البخاري ومسلم

وقد استقبل أهل مكة هذا الحدث استقبال المكذب؛ فقالوا: كيف هذا ونحن نضرب إليها أكباد الإبل شهراً، وهم كاذبون في قولهم؛ لأن رسول الله لم يدع أنه سرى بل قال: أسرى بي.

ومعلوم أن قطع المسافات يأخذ من الزمن على قدر عكس القوة المتمثلة في السرعة.

أي: أن الزمن يتناسب عكسياً مع القوة، فلو أردنا مثلاً الذهاب إلى أي بلد سيختلف الزمن لو سرنا على الأقدام عنه إذا ركبنا سيارة أو طائرة، فكلما زادت القوة قل الزمن، فما بالك لو نسب الفعل والسرعة إلى الله تعالى، إذا كان الفعل من الله فلا زمن.

لماذا لم يحدث الإسراء نهاراً؟

حدث الإسراء ليلاً، لتظل المعجزة غيباً يؤمن به من يصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو ذهب في النهار لرآه الناس في الطريق ذهاباً وعودة، فتكون المسألة ـ إذن ـ حسية مشاهدة لا مجال فيها للإيمان بالغيب.

لذلك لما سمع أبو جهل خبر الإسراء طار به إلى المسجد وقال: إن صاحبكم يزعم أنه أسرى به الليلة من مكة إلى بيت المقدس، فمنهم من قلب كفيه تعجباً، ومنهم من أنكر.

أما الصديق أبو بكر فقد استقبل الخبر استقبال المؤمن المصدق، ومن هذا الموقف سمي الصديق، وقال قولته المشهورة: “إن كان قال فقد صدق”. إذن: عمدته أن يقول رسول الله، وطالما قال فهو صادق، هذه قضية مسلم بها عند الصديق رضي الله عنه. ثم قال: “إنا لنصدقه في أبعد من هذا، نصدقه في خبر السماء (الوحي)، فكيف لا نصدقه في هذا؟

إذن: الحق سبحانه جعل هذا الحادث محكاً للإيمان، وممحصاً ليقين الناس، حين يغربل من حول رسول الله، ولا يبقى معه إلا أصحاب الإيمان واليقين الثابت الذي لا يهتز ولا يتزعزع.

لذلك قال تعالى في آية أخرى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس }  الإسراء 60

وهذا دليل آخر على أن الإسراء لم يكن مناماً، فالإسراء لا يكون فتنة واختباراً إلا إذا كان حقيقة لا مناماً، فالمنام لا يكذبه أحد ولا يختلف فيه الناس.

لكن لماذا قال عن الإسراء (رؤيا) يعني المنامية، ولم يقل “رؤية” يعني البصرية؟ قالوا: لأنها لما كانت عجيبة من العجائب صارت كأنها رؤيا منامية، فالرؤيا محل الأحداث العجيبة.

(فكرة الموضوع من كتاب المعجزة الكبرى الإسراء والمعراج للشيخ الشعراوي- رحمه الله- مع تصرف يسير وبعض الإضافات من موسوعة ويكيبديا)


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 14 مايو, 2024 عدد الزوار : 1033 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن العظيم

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع