وقولوا للناس حُسناً
لما كان الإنسان لا يسَعُ الناس بإحسانه من جهة ماله، مهما كان عنده من المال – أمره تعالى بالإحسان إلى كل مخلوق، وهو الإحسان بالقول؛ فقال تعالى: ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [البقرة: 83]، وهذا الأمر الإلهي يصلح أن يكون قاعدة تضبط أقوال العبد في كلامه مع الناس، فلا يخرج من لسانه إلا الخير والكلمة الطيبة.
أولا / ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾:أي: كلموهم طيبًا، ولينوا لهم جانبًا، ويدخل في ذلك كل كلمة طيبة في التعامل مع الخَلْقِ؛ من الوالدين والأزواج والأولاد والإخوان والمؤمنين، وعموم الناس، مسلمين وغير مسلمين، ومن القول الحسن أيضًا الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الناس العلم، وبذل النصيحة، والسلام مع البشاشة، وطريقة التخاطب العادي بين الناس، وغير ذلك من كل كلام طيب.
وقال سبحانه: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ}[الحج: 24] ومعناه أن الله يرشدهم إلى أقوال، أي يلهمهم أقوالًا حسنة يقولونها بينهم ، فالكلمة الطيبة والقول الحسن هداية الله وفضله لعباده.
وقال عز وجل: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا } [الإسراء: 53] وهذا أمر بكل كلام يقرب إلى الله ، والقول الحسن داع لكل خلق جميل وعمل صالح فإن من ملك لسانه ملك جميع أمره، { إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ} في كثير من الأحيان هناك من يتكلم بكلام عادي لا يقصد به شئ فينزغ الشيطان في قلب المقابل ويقول له أنت المقصود بهذا الكلام ، يريد أن يوقع بين الناس ، هذا الكلام العادي يؤول الى كلام مقصود ، فكيف إذا كانت كلمة سيئة؟ لا شك أن النزغ يكون أكثر وأشد مما يوقع العداوة بين الناس ، { إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا}.
والقول الحسن والكلمة الطيبة وقاية من النار كما أخبر بذلك النبي-صلى الله عليه وسلم-: (فَلْيَتَّقِيَنَّ أَحَدُكُمُ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ) .
وعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا» فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ» رواه الترمذي.
قال ابن عثيمين رحمه الله: “الكلمة الطيبة تنقسم إلى قسمين طيبة بذاتها طيبة بغاياتها، أما الطيبة بذاتها كالذكر؛ لا إله إلا الله، الله أكبر، الحمد لله، لا حول ولا قوة إلا بالله، وأفضل الذكر قراءة القرآن. وأما الكلمة الطيبة في غايتها فهي الكلمة المباحة؛ كالتحدث مع الناس إذا قصدت بهذا إيناسهم وإدخال السرور عليهم، فإن هذا الكلام وإن لم يكن طيبا بذاته لكنه طيب في غاياته في إدخال السرور على إخوانك، وإدخال السرور على إخوانك مما يقربك إلى الله عز وجل” [شرح رياض الصالحين 1/290].
ثانيا / النهي عن قول السوء:
دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى عفة اللسان، وطيِّب الكلام، ففي سنن الترمذي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلَا اللَّعَّانِ، وَلَا الْفَاحِشِ، وَلَا الْبَذِيءِ».والطعان: الوقَّاع في أعراض الناس، والعيَّاب يعيب ما لإخوانه.واللعان: كثير اللعن.والفاحش: الذي يتكلم بما يثير الشهوة.
البذيء: الكلام الذي يحمل عليه عدم الحياء.
وعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رضي الله عنهما قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ» رواه البخاري ومسلم.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ» رواه البخاري.
فمن لازم القول الحسن اجتناب قول السوء، فيدخل في ذلك كل قول قبيح؛ من شتم وفحش وبذاءة، ولعن ومخاصمة، ونميمة وغيبة وكذب، ودعوة إلى منكر، حتى ما يكون فيه أدنى أذية للناس، وغير ذلك من كل كلام باطل وقبيح.
وجاء رجل هارون الرشيد فأغلظ له القول، فقال: “إن الله أرسل من هو خير منك إلى من هو شر مني فقال: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ** فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} [طه/43، 44].
ثالثا/ انتبه لمرض الانتقاص الدائم ممن حولك :
ومن الآفات التي في بعض المجتمعات موضوع الانتقاص الدائم ممن حولك، وكل من تتعامل معه، هذا يولد كبتا وعقدا نفسية وإثارة للأحقاد والشحناء ، وبعض الناس يعتقد أنه لن يتميز إلا بذم غيره، لن يعلو إلا بإذلال غيره ، لن يصل إلى مرحلة من العلم أو مكانة مرموقة بالشركة أو المؤسسة التي يعمل بها إلا إذا سفه الجميع دونه ليبقى هو صاحب العقلية الفذة المتفردة الملهم العبقري الموهوب …الخ ، وهذا نوع من أنواع الكبر.
رابعا/ الصبر على أذى الغير :
شاحنة النفايات
يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله: ذات يوم كنت متوجهاً للمطار مع صاحب التاكسي ”الأجرة”. وبينما كنا نسير في الطريق وكان سائق التاكسي ملتزما بمساره الصحيح.
انطلقت سيارة من موقف سيارات بجانب الطريق بشكل مفاجئ أمامنا.
وبسرعة ضغط سائق الأجرة بقوة على الفرامل، وكاد أن يصطدم بتلك السيارة.
الغريب في الموقف أن سائق السيارة الأخرى “الأحمق” أدار رأسه نحونا وانطلق بالصراخ والشتائم تجاهنا!!
فما كان من سائق التاكسي إلا أن كظم غيظه ولوَّح له بالاعتذار والابتسامة !!
استغربتُ من فعله وسألته: لماذا تعتذر منه وهو المخطئ ؟ هذا الرجل كاد أن يتسبب لنا في حادث صِدام ؟
هنا لقَّنني سائق التاكسي درساً، أصبحت أسميه فيما بعد: قاعدة “شاحنة النفايات”
قال: كثير من الناس مثل شاحنة النفايات، تدور في الأنحاء مُحَمَّلة بأكوام النفايات “المشاكل بأنواعها ، الإحباط، الغضب، الفشل ، وخيبة الأمل” وعندما تتراكم هذه النفايات داخلهم، يحتاجون إلى إفراغها في أي مكان قريب .. فلا تجعل من نفسك مكبّاً للنفايات !!!
لا تأخذ الأمر بشكل شخصي، فقط ابتسم وتجاوز الموقف ثم انطلق في طريقك، وادع الله أن يهديهم ويفرِّج كَربَهم. وليكن في ذلك عبرة لك ، واحذر أن تكون مثل هذه الفئة من الناس تجمع النفايات وتلقيها على أشخاص آخرين في العمل، البيت، أو في الطريق،فالأشخاص الناجحون لا يسمحون أبداً لشاحنات النفايات أن تستهلك يومهم وأعصابهم وتفكيرهم ..!!
وكما قال الشافعي رحمه :
إذا نطق السفيه فلا تجبه *** وخير من إجابته السكـوت
إذا أجبـــته فــرجــت عنه *** وإذا تركته كمـــــدا يموت
وإذا كان لا بد من الجواب فليكن بالقول الحسن : مر المسيح عليه السلام بقوم فقالوا له شرا، فقال لهم خيرا، فقيل له: إنهم يقولون شرا، وتقول لهم خيرا ؟ ! فقال: كل واحد ينفق مما عنده.