ترجمة الإمام النووي- رحمه الله-(631- 676هـ)
اسمه ونسبه:
هو يحيى بن شرف بن مُرِّيِّ بن حسن بن حسين بن محمد جمعة بن حِزام.
كنيته:
أبو زكريَّا، مع أنَّه من العُلَماء العزَّاب، الذين آثَرُوا العلم على الزواج ، وإنما كنى بأبي زكريا لأن اسمه يحيى ، والعرب تكني من كان كذلك بأبي زكريا التفاتا إلى نبي الله يحيى وأبيه زكريا ـ عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ـ ، كما تكني من كان اسمه يوسف بأبي يعقوب ومن اسمه إبراهيم بأبي إسحاق ، ومن اسمه عمر بأبي حفص على غير قياس ، لأن يحيى ويوسف مولودان لا والدان ، ولكنه أسلوب عربي مسموع.
لقبه :
محيي الدين ، وقد كان رحمه الله يكره أن يلقب به،
قال اللخمي : وصح عنه أنه قال : لا أجعل في حل من لقبي محيي الدين ، وذلك منه على ما تنشأ عليه من التواضع وإلا فهو جدير به لما أحيا الله به من سن وأمات به من بدع وأقام به من معروف ، ودفع به من منكر ، وما نفع الله به المسلمين من مؤلفات
مولده:
منسوب إلى بلد اسمها نوى، هذه قريبة من دمشق الآن في سوريا، على عادة العلماء والفقهاء في زمانه بالنسبة إلى بلادهم أو صنائعهم، مثل البخاري نسبة إلى بخارى، الإمام مسلم اشتهر باسمه هو اسمه مسلم بن الحجاج، فاشتهر بالإمام مسلم، لكنه لم ينسب لا إلى صنعة ولا إلى بلد، كان عندنا بعض المشايخ الله يهديه يقول: وأنت في الدرس لو أحرجك شخص وقال لك من روى هذا الحديث؟ قل له رواه مسلم، من المسلمين يعني!!! الله المستعان
فمن العلماء من ينسب إلى بلده مثل البخاري النووي القرطبي نسبة إلى قرطبة، الترمذي نسبة إلى ترمذ، النسائي نسبة إلى بلد اسمها نساء (بفتح النون) طبعا أحد الجهلة قال: لأنه كان يحب النساء!!، فالنسائي نسبة إلى بلد اسمها نساء.
ومن العلماء من اشتهر بمهنته مثل القماش، نسبة إلى القماش، والبزاز البزاز لنوع من القماش، وهكذا -سبحان الله-!
عندنا ابن القيم مثلا، منسوب لمهنة أبيه، وأبوه ليس اسمه القيم، إنما القيم هذه وظيفة أبيه، قيم أي مدير، قيم الجوزية وهذا اسم مدرسة كانت موجودة في دمشق، مدرسة وقفية لتعليم العلم الشرعي، اسمها الجوزية، كان في مدرستين الجوزية والصدرية، فأبوه كان قيم المدرسة الجوزية.
أوقاف المدارس الشرعية:
وكان الأمراء والخلفاء والملوك يعملون وقفا للمدارس الشرعية للإنفاق منها على المشايخ وطلبة العلم، فلم يكن العالم محتاجا لفلوس من الناس أو من الحكومة، ولا كان الطلبة محتاجين، فثمرة الوقف ينفق منها على العلماء وعلي طلبة العلم، حتى الإمام أبو حامد الغزالي رحمة الله عليه كان سبب طلبه العلم أنه كان فقيرا توفى والده ووصى به لشخص هو وأخوه لكن الرجل كان فقيرا جدا فلم يقدر أن ينفق عليهما مع أولاده ،فذهب بهم إلى مدرسة فيضمن أنهم يأكلون ويشربون ولهم أجر، فهو رحمة الله عليه كان يقول : طلبنا العلم لغير الله فأبى الله إلا أن يكون خالصا له.
وكانت البيئة العلمية كالتالي، الطفل يبدأ بتعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، ثم يتلقى العلم على أيدي العلماء.
طفولة الإمام النووي:
أبو الإمام النووي يقولون: إنه كان مستور الحال له دكان يبيع فيه بعض البضائع البسيطة، يعني مثل البقالة أو ما شابه ذلك، وبدأ في حفظ القرآن الكريم وكان ملحوظا عليه من صغره الجدية حتى أن الأطفال كانوا يكرهونه على اللعب معه فلا يرضى أن يلعب أبدا، وهذه سمات شخصية، والصحيح تربويا مراعاة سن وعقل الطفل وأن يكون له وقت يلعب فيه مراعاة لطفولته، وأذكر زمان كان المدرس يقول لأحدنا: أنا رأيتك أمس في الشارع وأنت تلعب ويعاقبه، فكنا نعتقد أن اللعب حرام، فتربينا على أن اللعب حرام وطبعا هذه تربية سيئة طبعا، وكان عندنا إجازة نصف السنة أسبوعين وكان امتحان السنة النهائي في نهاية العام، فكانت الإجازة الأسبوعين معلم العربي يقول لنا: تكتبون الكتاب من أوله لغاية ما وقفنا، معلم الحساب يقول لك حلوا كل التمارين من أول الكتاب، وكان يوم الحساب هو أول يوم بعد انتهاء الإجازة يؤخذ الطالب المجرم بالنواصي والأقدام !! فالصواب هو الموازنة بين التعليم ووقت اللعب للطفل.
فالإمام النووي بطبيعة شخصيته كان الأطفال يكرهونه على أن يلعب فيرفض، وفي ترجمته إن رجلا كان اسمه الشيخ ياسين وكان من صالحي أهل زمانه لما رآه على هذه الحال ذهب إلى شيخه الذي يحفظه القرآن، فقال له إن هذا الصبي له شأن كبير فاهتم به، قال أوحي يوحى به إليك أم منجم أنت؟ قال لا والله هذه كلمة ألقاها الله على لساني، فقالوا إنه فعلا كان مقدم على أقرانه الذين هم في سنه، فختم القرآن ولم يناهز الحلم، يعني كان قريبا من البلوغ، ويذكر أنه كان نائما ذات مرة ليلة السابع والعشرين من رمضان ، فاستيقظ وكان بجانب والده فاستيقظ في منتصف الليل وأيقظ أباه قائلا قال يا أبتي إني أرى البيت مملوء نورا، فقام إليه أبوه يبحث ما الذي في الدار؟ فلم يجد شيئا فكأن الله كشف عن بصيرة النووي وهو طفل ابن سبع سنين فقال لوالده هذا الكلام قال: لعلها يا بني ليلة القدر فقام واجتهد في العبادة على أنها ليلة القدر، طبعا ليلة القدر يفتح الله تعالى بمعرفتها لمن شاء من خلقه.
وأدى الحج في سن صغير مع والده وكان عمره 22 سنة، وكان رحمة الله عليه كثير العبادة، يعرف بكثرة صيامه، وكان له ذاكرة حديدية قوية، فكان يكتب من حفظه الكثير والكثير، يسطر الصحائف ويكتب ويكتب سبحان الله العظيم.
في كتاب مشهور للإمام ابن القيم اسمه زاد المعاد، يقولون إنه ألفه في بعض الأسفار (خمسة مجلدات)، يمليها من ذاكرته، يعني- سبحان الله- هؤلاء فتح ربنا لهم فتحا عجيبا، ابن تيمية له 37 في الفتاوى وهو مسجون، وكان في هذا الوقت مسموح له أن يكتب فكان تأتيه الفتاوى وتلقى إليه ويجيب عنها فتناقلها الناس وتناقلها تلامذته حتى جاء من جمعها في 37 مجلد، من الذاكرة، وهو في السجن- سبحان الله- العظيم.
أول مؤلفاته:
الإمام النووي قالوا إن أول مؤلف ظهر له في سن الثلاثين من عمره، ويقولون: لو جمعنا الكتب اللي ألفها الإمام معنى ذلك أنه ألف في كل يوم كراستين، إشارة إلى غزارة ما كتبه رحمة الله عليه، وهذا الأمر بلا شك يعني بركة من الله- سبحانه وتعالى-.
البحث عن المعلومة ومعرفة مكانها وسياقها وتوظيفها وتحليل الأقوال ونقل نقول العلماء، كل هذا يحتاج إلى جهد، لكن هؤلاء آتاهم الله ذاكرة قوية جدا، وكانت الحياة أبسط مما نحن فيه الآن، يعني كانت البيوت بسيطة احتياجات الأكل والشرب والحركة في الحياة بسيطة جدا، لكن حياتنا الآن معقدة، كان الرجل يقضي يومه بتمرات، نحن عندنا التمر نأكله تصبيرة أو تفكه لحين إعداد الطعام ، والرسول- صلى الله عليه وسلم- كان يقول بيت لا تمر فيه جياع أهله ،والسيدة عائشة تقول : كان يمر الهلال ثم الهلال ثم الهلال ولا يوقد في بيت الرسول نار، يعني لم يكونوا يطبخون ، قال لها ابن أختها: فما كان يعيشكم يا أماه؟ قالت الأسودين التمر والماء ، فكانت الحياة بسيطة الواحد كان يحلب المعزة، ويشرب الحليب وعنده التمر، ولو فيه شوية شعير يخبزهم ويأكلهم ، وأنا لا أقول إن هذا حرام أو إسراف إنما كل زمان له سماته وطريقة الحياة ،لكن أقصد أن الحياة كانت أبسط من التعقيد الذي نحن فيه، فهذه البساطة جعلت لهم بركة في الوقت، طبعا ما في أجهزة ولا كهرباء ولا تكنولوجيا، هذه التكنولوجيا قالوا إنها لراحة الإنسان لكنها ولدت إنسانا عاجزا، إنسان عاجز كل حاجة بالأزرار ، ومن أبرز أمراض العصر أمراض السمنة لقلة الحركة….
فأقول إن سبب الذاكرة القوية عند علمائنا أن الحياة لم تكن بهذا التعقيد، لم يكن عندهم الأجهزة التي تشغل الوقت والجهد، وكان اليوم يبدأ من الفجر وفيه بركة وعندما يظلم الكون عند العشاء الناس تصلي والكل في سكون وهدوء فينعمون بالنوم الهادئ، فكان عندهم بركة، وربما من أسباب ذهاب البركة عندنا عدم تنظيم الأوقات إهدار أوقات كثيرة في تفريعات وفي تعقيدات، الله المستعان.
لماذا لم يتزوج؟
والإمام النووي لم يتزوج، وهذا الأمر ليس فيه سنة تتبع، السنة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه تزوج النساء، لكن هذا أمر خاص بالنووي، وأيضا ابن تيمية لم يتزوج، ما هو السبب؟ هل انشغلوا بالعلم؟
الله أعلم، ولم ينقل شيء عن الإمام النووي عن سبب عزوفه عن الزواج، لكن نقول إن الأصل في ذلك اتباع الرسول- صلى الله عليه وسلم-
أمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر وموقفه مع الظاهر بيبرس:
ولم يكن النووي يخش في الله لومة لائم، وعرف عنه أنه وقف للسلطان بيبرس مرتين :
مرة لما أراد أن يفرض ضرائب على الناس أثناء حربه مع التتار، فقال له قبل أن تفرض الضرائب على الناس عندك ألف جارية، كل جارية عندها علبة مجوهرات، خذ ما عندهم من ذهب وأنفقه على الجيش، وعندك العبيد يلبسون الحياصي من الذهب، الحياصي صدرية كان لها أزهار ذهبية، يعني علامة على الغنى، وبعد بيع كل هذا إن كنت محتاجا للمال فافرض على الناس الضرائب.
فغضب بيبرس وقال اقطعوا عنه راتبه واعزلوه عن منصبه، فقالوا الشيخ ليس له راتب ولا منصب، كما قلت دخله كان من الأوقاف الموقفة على المدارس الشرعية في هذا الوقت،- فقال غيب عني وجهك فقال سمعا وطاعة فخرج من دمشق إلى نوى اللي هي قريته التي ولد فيها .
ويقال إن هذا الموقف أصلى حدث له لما الظاهر بيبرس أراد أن يستخرج الأموال من الناس فقال كل من كان له أرض أو بيت يأتينا بما يثبت ملكيته لها فإن لم يأت وجب عليه أن يشتريها من الدولة، يعني باعتبار أن الدولة المالكة لهذا الشيء أصلا، فوقف له الإمام النووي أيضا ولعل الموقف تكرر وقال له كل من كان تحت يده بيت أو أرض أو دار، فليس مطالبا بأن يثبت ملكيته لها، إنما أنت الذي تثبت العكس لأن الرسول قال البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، فكفى الله تعالى المؤمنين شر هذا القانون الجائر، وكان الأمراء والسلاطين في هذا الوقت يخافون من العلماء لأنهم يتبعهم خلق كثير، وطالما أن العالم كان له كلمته التي تخرج لإرضاء ربه وليس لإرضاء ذي السلطان كانت كلمة لها وزنها.
وفي ترجمة العز بن عبد السلام لما السلطان نفر من فتاويه واتباع الناس له، قال له اخرج من مصر، فخرج فتبعه الناس فذهب السلطان بنفسه يسترضيه ليرجع، لأنه رأى الناس كلها خارجة وراءه!!
فالعالم يقول الكلمة فيسمع لها، هذا بسلطان الله- عز وجل- الذي جعله في القلوب لاتباع وسماع كلامهم، لأن العالم مؤيد بالكتاب والسنة، يقول قال الله قال رسوله وهذا سلطان الله- عز وجل-، أما السلطان في الأرض فعنده قوانين وعنده جنود؟ وشرطة لكن هذه القدسية تنهار ولا قيمة لها إذا كان فيها مخالفة لكلام الله وكلام رسوله. فكان العالم إذا قال أو إذا أفتى كان للكلمة وزنا.
طبعا انتبه السلاطين والرؤساء بعد ذلك لهذا الأمر فجعلوا الأوقاف كلها مؤممة. وتابعة للدولة تعطي من عنده ولاء للنظام وتفتح له الأبواب يعطى الألقاب إلى آخره، وتمنع من لا ولاء له للنظام، ومن هنا نشأت طبقة علماء السلطان .
فلعل من أسباب إخلاص الإمام النووي هذه الوقفات التي وقفها أمام الظلم. ولم يخش في الله لومة لائم.
مؤلفاته:
العجيب أن النووي عاش خمسا وأربعين سنة، وترك من المؤلفات ما لو قسم على سني حياته، لكان نصيبُُ ُكل يوم كُرَّاستين، فإذا علمنا أنه لم يبدأ في طلب العلم إلا في سن الثامنة عشرة، وأنه أخذ في التصنيف في حدود الستين والست مئة، وإلى أن مات كما يقول الذهبي ـ رحمه الله ـ ؛أي: بعد مكثه في دمشق بعشر سنوات، علمنا أيّ مضاء وقدرة وبركة في عمره، أضف إلى ذلك انشغاله بتعليم الطلبة، وقراءة الكتب، فإنه ما كان يضيع من وقته لحظة إلا في قراءة أو تعليم أو تأليف أو عبادة، وقد ألف النووي في علوم شتى: الفقه، والحديث، وشرح الحديث والمصطلح، واللغة، والتراجم، والتوحيد، وغير ذلك، وتمتاز مؤلفاته بالوضوح، وصحة التعبير، وانسيابِه بسهولة وعدم تكلف،
يقول الذهبي: ’إن عبارته أبسطُ من كلامه‘، وأسلوبُه أسلوبُ عصره، مع عذوبة في الألفاظ، وجزالة في التراكيب، ولثقة الناس عامَّتِهم وخاصَّتِهم بالنووي وعلمه وحسن تأليفه، بادروا إلى اقتنائها ودراستها والعَزْوِ إليها حتى انتشرت في الآفاق، وحَرَصَ عليها العلماء من جميع المذاهب.
من أهم مؤلفاته:
1- “شرح صحيح الإمام مسلم”، وهو المعروف بـ”المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج”،
2- “الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار – صلَّى الله عليه وسلَّم”،
3- “رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين – صلَّى الله عليه وسلَّم”،
4- “الأربعون حديثًا النَّوَوِيَّة”
5- “روضة الطالبين”، وهو اختصار “الشرح الكبير”؛ للإمام الرافعي في الفقه الشافعي،
6- “منهاج الطالبين”، وهو اختصار “للمُحَرَّر”؛ للإمام الرافعي مع الزيادة عليه بفرائد حسان،
7 – “الإيضاح في المناسك”،
8 – “المجموع شرح المهذب للإمام الشِّيرازي”، وصَل فيه إلى الربا،
9 – “التبيان في آداب حملة القرآن”،
وفاته:
توفي الإمام النَّوَوِيُّ سنة ست وسبعين وسِتِّمائة 676 هـ من الهجرة عن خمس وأربعين سنة – رحمه الله تعالى.
رحمة الله تعالى على عالمنا وإمامنا الإمام النووي.
فهذه مقدمة سريعة عن كتاب الأربعين النووية. نبدأ -إن شاء الله- تعالى من الأسبوع القادم مع الكتاب في الحديث الأول حديث( إنما الأعمال بالنيات)
جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم، و اقترح عليكم أن تقتنوا الكتاب، ونتعلم حديث الله- صلى الله عليه وسلم-. بارك الله فيكم ونلقاكم على خير -إن شاء الله-.