شرح الأربعون النووية 3- بني الإسلام على خمس

تاريخ الإضافة 3 نوفمبر, 2025 الزيارات : 968

3- حديث بني الإسلام على خمس

نص الحديث

عَنْ أَبِيْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْن الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ النبي ﷺ يَقُوْلُ: ” بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُوْلُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيْتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ البِيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ”[1]

الاختلاف في تقديم الحج على الصوم:

في الرواية التي معنا قدم الحج على صوم رمضان قال وحج البيت وصوم رمضان لكن في رواية للإمام مسلم عن ابن عمر من طريق آخر أن عبدالله بن عمر قال وصوم رمضان وحج البيت، قال رجل والحج وصوم رمضان قال: لا، صيام رمضان والحج هكذا سمعتها من رسول الله ﷺ، وهذا معناه دقة الصحابة في نقل كلام رسول الله ﷺ، رغم أنك تقول الأول صوم رمضان أو الحج ما في مشكلة لكن الضبط والدقة، وهذه الرواية التي معنا في الصحيحين العلماء قالوا: إن التقديم والتأخير من تصرف الرواة، لأن كلام رسول الله ﷺ ليس نصا كالقرآن الكريم، فقد يحدث تقديم أو تأخير مثلا في رواية عن رواية هذا حفظ وهذا نسي، وربما كان النبي ﷺ يكرر الكلام ليحفظ عنه في أكثر من مشهد في أكثر من موضع، والنبي ﷺ كان يخطب الجمعة ويلتقي بالصحابة، وعنده الأمور التي يستفتى فيها؛ فربما الكلام الواحد يتكرر بأكثر من وجه وربما يختلف حفظ الرواة من راو إلى راو آخر، وربما نجد الرواية بالمعنى التي ترجع إلى الضبط والحفظ والإتقان.

منزلة الحديث:

 قال النووي: إنَّ هذا الحديث أصل عظيم في معرفة الدين وعليه اعتماده وقد جمع أركانه.

وقال ابن رجب – رحمه الله : والمقصود تمثيل الإسلام ببنيان، ودعائم البنيان هذه الخمس، فلا يثبت البنيان بدونها، وبقية خصال الإسلام كتتمة البنيان، فإذا فقد منها شيء نقص البنيان، وهو قائم لا ينتقض بنقض ذلك، بخلاف نقض هذه الدعائم الخمس، فإن الإسلام يزول بفقدها جميعًا بغير إشكال، وكذلك يزول بفقد الشهادتين.

ترجمة الراوي:

عبدالله بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي المكي المدني، وأمه زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة الجمحي، أخت عثمان بن مظعون، أسلم بمكة قديمًا مع أبيه وهو صغير، وهاجر معه، وكان من فقهاء الصحابة وزهَّادهم، ولا يصح قول من قال: إنه أسلم قبل أبيه وهاجر قبله، ولم يشهد بدرًا لصغر سنه، وعُرض على النبي ﷺ يوم أحد وهو ابن أربعة عشر عامًا فرده، ثم عرض عليه يوم الخندق وهو ابن خمسة عشر فأجازه، لم يتخلف بعد عن النبي ﷺ، وهو أحد العبادلة الأربعة، وثانيهم ابن عباس، وثالثهم عبدالله بن عمرو بن العاص، ورابعهم عبدالله بن الزبير، ومن كرمه أنه أتاه اثنان وعشرون ألف دينار في مجلس فلم يقم حتى فرقها، وعاش سبعًا وثمانين سنة، ومات سنة ثلاث وسبعين رضي الله عنه.

شرح الحديث

(بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ) الإسلام: هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والخلوص والبراءة من الشرك وأهله.

أي: فمن أتى بهذه الخمس فقد أتم إسلامه، كما أن البيت يتم بأركانه كذلك الإسلام يتم بأركانه، وهي خمس، وهذا بناء معنوي شبه بالحسي، ووجه الشبه أن البناء الحسي إذا انهدم بعض أركانه لم يتم، فكذلك البناء المعنوي.

الركن الأول: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُوْلُ اللهِ

  كلمة (شهادة) هل هي مرفوعة أم مضمومة؟

 لو قلنا بني الإسلام على خمس، على حرف جر، وكلمة شهادة بدل من خمس، والبدل له حكم المبدل منه فتكون مجرورة وهكذا ما بعدها (وَإِقَامِ، وَإِيْتَاءِ، وَحَجِّ، وَصَوْمِ) كلها مجرورة لأنها بدل من خمس.

الوجه الثاني في الإعراب (شَهَادَةُ) مرفوعة على أنها خبر لمبتدأ محذوف، فهي جملة مستأنفة جديدة بني الإسلام على خمس ثم تبدأ الكلام: أحدها: (شهادةُ أن لا إله إلا الله) فإعرابها هنا على أنها خبر لمبتدأ محذوف دل عليه سياق الكلام.

ومثلها في الإعراب:(وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان)

لماذا قدمت الشهادتان أولا؟ 

لأنها أصل الدين، فكل عمل لا يفيد شيئا ولا جزاء له عند الله سبحانه وتعالى إلا إذا نطق بالشهادتين.

 معنى الشهادتين:

  كلمة أشهد أو الشهادة بمعنى الحضور شهد أي حضر ، كما أنك تشهد معنا هذا الدرس بالمسجد، والشاهد الذي يشهد بما رأت عيناه، يشهد بكذا يحلف أنه رأى كذا، فالشهادة تأتي بمعنى الحضور وتأتي بمعنى أن تشهد بما رأيت، وتأتي بمعنى اليقين الجازم بالشيء ، قال تعالى :  ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق: 37] ، ليس المقصود هنا الشهيد في القتال؛ كلا (وهو شهيد) أي حاضر القلب يعي ويدرك ما يقول أو ما يسمع، وألقى السمع أصغى سمعه وهو شهيد يشهد  يتيقن ويعرف ماذا يقال من آيات الله عز وجل.

 فمعنى أشهد أن لا إله إلا الله: أنا أقر يقينا كمن رأى وعاين بعينه أنه لا إله إلا الله، فأنا حينما تتلى علي آيات القرآن الكريم، أعلم يقينا أن الله هو الذي يقول، فرب العالمين يقول: (يا أيها الذين آمنوا) أعلم يقينا أن الذي ينادي هو الله، وحينما أقرأ ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ  إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ  إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء: 58] أعلم يقينا أن الذي يأمر هو الله.

أشهد أن لا إله إلا الله، فأنا أوقن بها غير شاك، ولا متردد،  قال تعالى : ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات: 15] ، فأنت تقول أشهد أن لا إله إلا الله يقين، جازم، لا جدال ولا مراء ولا شك فيه، وقولك: (وأشهد أن محمدا رسول الله) أقر إقرار المتيقن أنه رسول من عند الله عز وجل، جاء بالهدى ودين الحق صلوات ربي وتسليماته عليه.

وهناك تلازم بين الاثنين، من الذي قال لنا: قولوا: أشهد أن لا إله إلا الله؟

 الجواب محمد رسول الله، فأنت إذا شهدت أن لا إله إلا الله يستلزم معها تبعا، وأشهد أن محمدا رسول الله.

 وتعجب أن بعض الناس يسمون أنفسهم اسم جميل جدا “القرآنيون” لكن حقيقة الاسم كمرارة الحنظل قالوا: نأخذ بالقرآن ولا نأخذ بالسنة، لا إله إلا الله، طيب الذي تلى القرآن هو رسول الله، فإذا آمنت وصدقت أنه صادق فكيف صدقته في القرآن وكذبته في السنة؟ فهذه دعوى باطلة .

الركن الثاني: إِقَامِ الصَّلاةِ

مكانة الصلاة من الدين:

فرض الله الصلاة بدون واسطة الوحي إشارة إلى عظيم منزلتها، وسموِّ مكانتها في الدين ، كيف لا وهي عماد الدين وأساس اليقين، ومنطلق التحرُّر من كل عبودية، إلا من العبودية لله وحده، والتخلص من كل ذلٍّ، إلا لربه وخالقه ورازقه، فقد أكرم الله عزّ وجلّ عبده ونبيه محمدًا ﷺ بالعروج إليه، ليلة الإسراء والمعراج، وهناك عند سدرة المنتهى فرض عليه الصلاة وحيًا مباشرًا، فالصلاة معراج المؤمن إلى ربه، ومدَدَ متصل بين الأرض والسماء، ففي الصلاة يعرج الإنسان بروحه، ويطوي فواصل البعد بينه وبين خالقه عزّ وجلّ، ولا يشعر بهذه الرحلة إلا من يكتمل خشوعه في صلاته، وبهذا يتحقق المعنى الحقيقي للصلاة وهي الصلة بين العبد وربه.

فمنزلة الصلاة من الإسلام، منزلة الرأس من الجسد، فهي عماده ودعامته، وركنه وشعيرته، وهي قُرَّةُ العين، وأُنْسُ النفس، وبهجة القلب، والصِّلَة بين العبد والرب، وإن نداء الله أكبر المتكرر في اليوم يجعل المسلم على يقين أن ماعدا الله الكبير المتعال صغير، والوقوف تجاه القبلة وإشارة اليدين بطرح الدنيا كلها خلف الظهر، وتيمم وجهك وقلبك وجسدك إلى بيت الله سبحانه، حتى ولو كنت إمامًا فتأخذ المأمومين معك إلى الله ووجهك ووجوههم إلى الله وظهرك وظهورهم إلى الدنيا.

الرسول ﷺ في حديث معاذ قال: (ألا أدلك على رأس الأمر وعموده وذروة سنامه إلا أن رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد)[2]

ما معنى عموده الصلاة؟

الخيمة لها أربعة أوتاد، وفي الوسط عمود الخيمة اسمه الفسطاط، هذا الذي يرفع قبة الخيمة، فشبه الصلاة بعمود الخيمة فقال: إن الصلاة عمود الدين، فهي منار الإسلام، وهي علامة فارقة بين الإيمان والنفاق، لأن الرسول ﷺ بين أن من أثقل الصلوات على المنافقين صلاتي العشاء والفجر، فالمؤمن يحافظ على الصلاة وينشط إليها والمنافق، كما وصف الله: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء: 142]

معنى إقام الصلاة : إقامة الصلاة بثلاثة أمور:

  • صلاتها في وقتها.
  • والمحافظة على أركانها.
  • الخشوع فيها.

فمن ضيعها فقد توعده الله بقوله: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم: 59]، و)إضاعة الصلاة) تعني :

  • الترك الكلي للصلاة:تركها تمامًا وعدم أدائها، أما من يصلي الصلاة في وقتها فقد قال الله عنهم: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون: 9-11]
  • التهاون بأركانها وواجباتها:عدم القيام بالصلاة على الوجه الذي أمر الله به، كترك بعض أركانها أو واجباتها عمدًا ، والرسول ﷺ قال: (أسوأ الناس سرقة الذي يسرق في صلاته، قالوا كيف يسرق في الصلاة يا رسول الله؟ قال لا يتم الركوع ولا السجود)[3]
  • فوات وقتها:تأخير الصلاة عن وقتها المحدد وعدم أدائها في وقتها الشرعي. 

الخشوع في الصلاة:

 ومن إقامة الصلاة الخشوع فيها ، والخاشع إذا انصرف من صلاته وجد خفّة من نفسه، وأحس بأثقال قد وضعت عنه، فوجد نشاطا وراحة وروحا، حتى يتمنى أنه لم يكن خرج منها، لأنها قرّة عينه ونعيم روحه، وجنة قلبه، ومستراحه في الدنيا، فلا يزال كأنه في سجن وضيق حتى يدخل فيها، فيستريح بها، لا منها.

 فالمحبون يقولون: نصلي فنستريح بصلاتنا، كما قال النبي ﷺ: (يا بلال أرحنا بالصلاة) ولم يقل أرحنا منها.

وقال: (جعلت قرة عيني بالصلاة) فمن جُعلت قرّة عينه في الصلاة، كيف تقرّ عينه بدونها وكيف يطيق الصبر عنها؟

قد يقول قائل: لكن الخشوع صعب جدا؟

استعن بالله، لأن الخشوع في الصلاة يتوقف عليه الأجر والثواب، فلو أديت الأركان صحيحة صحت الصلاة، لكن إذا فاتك شيء من الخشوع أو أصابك شيء من عدم التركيز في الصلاة السرحان أو الانشغال أو كذا، الصلاة صحيحة لكن ينقص من أجرها، لكن لا يطلب منك أن تكرر الفاتحة وتكرر التشهد وتكرر الصلاة، فهذا يفتح على نفسك باب وسواس.

 الركن الثالث إيتاء الزكاة

 إيتاء: إعطاء، آتى الشيء : أعطى، والزكاة منها ما هو فرض أوجبه الله تعالى على المسلم الذي يبلغ ما له النصاب، ويمر عليه عام هجري كامل، ومنها ما هو تطوع أي مستحب.

والزكاة هي الصدقة والصدقة هي الزكاة لكن غلب في استعمالنا العرفي أن الزكاة هي الفريضة والصدقة هي التطوع، لكن جاء في القرآن تسمية الفريضة صدقة: قال تعالى:﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ﴾ [التوبة: 60] ، وقوله: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾ [التوبة: 103]

وكلمة زكاة مشتقة من الفعل زكى: أي نما وزاد، لكن كيف يزيد المال بالزكاة؟ فلو أن معي ألف، طلعت منهم زكاة مئة، فأصبحوا الآن تسعمئة، أما لو أخرجت المال بالربا الألف سيزيدون مئة فيكون مالي ألف ومئة؟

والجواب عن ذلك سهل يسير : فقد وعد الله المتصدق بالخلف العاجل والبركة، ووعد المرابين بالمحق والنقص، قال تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ  وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ [البقرة: 276] ، وقال: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ  وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ [الروم: 39]، ومعنى الآية: أن ما أعطيتم من أموالكم قرضا بالربا، فهذا العمل لا يربو أي لا ينمو أو يزيد عند اللّه لكونه ممحوق البركة وفيه غضب من الله على آكله.

وقوله: {وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون} أي: الذين يضاعف الله لهم الثواب والجزاء، كما في الصحيح: (وما تصدق أحد بعدل تمرة من كسب طيب إلا أخذها الرحمن بيمينه، فيربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله، حتى تصير التمرة أعظم من أحد) [4]

وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ: 39]، فالفعل زكى بمعنى النماء فالله تعالى وعد كل من يزكي بالنماء فاذا أنفقت فإن الله يمدك بالعون، وبالخلف وبالبركة بما لا تستطيع شراءه مثل الصحة والعافية والنجاح والتوفيق وهكذا، نسأل الله تعالى أن يرزقنا من فضله العظيم.

المعنى الثاني: زكى بمعنى طاب ومنه قوله تعالى: ﴿ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا ﴾ [الكهف: 19] فمعنى زكاه طيبه وطهره.

وهذا معنى الآية (تطهرهم وتزكيهم بها) فالزكاة فيها تطهير للنفس، لأن من يعطي الزكاة يتصف بصفات عديدة، يطهر نفسه من الأنانية، والكبر، وقسوة القلب، فهو متصف بالرحمة، ومتصف بالتواضع، ومتصف بالربانية لأنه يعامل الله، ينفق فينفق الله عليه، ويخرج حق الله فيخلف الله تعالى عليه،  ومن يمنع الزكاة وصف بصفات عديدة، قال تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون: 1-7]

الركن الرابع صوم رمضان

والصوم معناه الإمساك من الفجر إلى المغرب عن الطعام والشراب وسائر المفطرات.

وكلمة رمضان مشتقة من الرمضاء والرمضاء من شدة حرارة الشمس تصبح الرمال كأنها تشبه الرماد، ملتهبة ساخنة حتى قالت العرب: والمستجير بعمر كالمستجير بالرمضاء من النار.

 والظاهر أنهم لما سموا رمضان كان يأتي في وقت اشتداد الحر فسموه بهذا الاسم، وبقي على هذا الأساس.

والكلام عن رمضان وفقه الصيام فيه تفصيل في كتب الفقه.

الركن الخامس الحج

الحج من حج، أي قصد، لكنه القصد في الأمور العظيمة، قصد توجه إلى أمر عظيم، ثم غلب استعمالها على الحج.

والحج عبادة متميزة لأنه عبادة بدنية ومالية، الصلاة والصيام عبادتان بدنيتان والزكاة عبادة مالية، اما الحج فهو عبادة تجمع بين البدنية والمالية، لأن المؤمن يبذل فيها جهدا ببدنه، ويبذل فيها ماله لأنه يسافر ويرحل فيحتاج لنفقات، لذلك نرى الحج هو الفريضة التي ذكر الله فيها من استطاع إليه سبيلا ، قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران: 97]

وفي رواية أخرى للحديث: (وحج البيت من استطاع إليه سبيلا)  لأن كل إنسان قادر على أن يصلي أو يصوم، لكن ليس لكل إنسان أن يكون قادر اعلى أن يذهب إلى الأرض المقدسة، لذلك كان من رحمة الله سبحانه وتعالى أن جعله مرة واحدة في العمر؛ لأن الله سبحانه لا يريد أن يكلف عباده شططا ولا أن يرهقهم من أمرهم عسرا، يريد الله بهم اليسر ولا يريد بهم العسر وما جعل عليهم في الدين من حرج.

فالتكليف في الإسلام بحسب الوسع.

فوائد هذا الحديث:

  1. ذكر العدد في أول الكلام من هدي النبي ﷺ؛ لما فيه مِن تحفيز السامع على استيعاب المعدود، وتشويقه لمعرفته، ومطالبة نفسه بتحصيله وضبطه، بحيث إنّه إذا فاته منه شيء، سعى في تحصيل ما نقصه منه.
  2. تلازم الشهادتين، ووجوب الجمع بينهما، وأنه لو اقتصر على إحداهما لم تنفعه.
  3. الشهادتان هما أساس الدين، وهما أساس لبقية الأركان، ولكل عمل يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى، وإذا لم يكن العمل مبنيًا على الشهادتين فإنه يكون مردودًا على صاحبه وغير مقبول، ولا ينفع صاحبه عند الله عز وجل.
  4. أهمية الإتيان بالصلاة على وجهها الصحيح وإقامتها.
  5. أهمية الصوم والزكاة والحج، وأن من انتقص منها شيئًا نقص من دينه.
  6. لا يقتصر دين الإسلام على هذه الأمور الخمسة بل يشمل أعمالا وشعبا كثيرة وإنما اقتصر النبي ﷺ على ذكر هذه الأركان الخمسة لأنها بمنزلة الدعائم للبنيان ، والمقصود تمثيل الإسلام بالبنيان وهذه الخمس هي دعائمه التي يقوم عليها فلا يثبت البنيان بدونها وبقية خصال الإسلام تتمة للبنيان فإذا فقد منها شيء نقص البنيان وهو قائم لا ينتقض بنقص ذلك بخلاف نقص هذه الدعائم الخمس فإن الإسلام يزول بزوالها جميعا بغير إشكال وكذلك يزول بفقد الشهادتين .

[1] أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب الإيمان، باب دعاؤكم إيمانكم، حديث رقم 8)، ومسلم في صحيحه (كتاب الإيمان، باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام، حديث رقم 16).

[2] أخرجه الترمذي في سننه (كتاب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة، حديث رقم 2616)، وأحمد في المسند (حديث رقم 22159)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (حديث رقم 2110).

[3] أخرجه الإمام أحمد في المسند (حديث رقم 20158)، وأخرجه الحاكم في المستدرك (كتاب الصلاة، حديث رقم 872)، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (حديث رقم 524).

[4] أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب الزكاة، باب الصدقة من كسب طيب، حديث رقم 1410)، ومسلم في صحيحه (كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب، حديث رقم 1014)

Visited 116 times, 1 visit(s) today


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 16 أبريل, 2025 عدد الزوار : 14348 زائر

خواطر إيمانية

كتب الدكتور حسين عامر

جديد الموقع