شرح أسماء الله الحسنى 94،95-  الحيي والستير

تاريخ الإضافة 1 يناير, 2024 الزيارات : 453

شرح أسماء الله الحسنى

94،95-  الحيي والستير

 أولا /المعنى اللغوي:

معنى “الحيي” في اللغة: استحياه واستحيا منه من الحياء ، وقوله : ” إن الله حيي ” فعيل من الحياء ، أي كثير الحياء .

 أما معنى “الستير” في اللغة فهوعلى وزن فعيل من صيغ المبالغة، فعله ستر الشيء يستره سترا أخفاه، والستير هو الذي من شأنه حب الستر والصون والحياء، والسترة ما يستر به كائنا ما كان، وكذا الستارة والجمع الستائر، وستر الشيء غطاه، وتستر أي تغطى.

ثانيا / ورودهما في القرآن والسنة

ورد الاسم الأول بصيغة الفعل في الكتاب العزيز في قوله عزوجل : ( إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها ) [ البقرة : 26] 

أما في السنة فعن يعلى بن أمية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يغتسل بالبراز بلا إزار، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل حيي ستير يحب الحياء والستر فإذا اغتسل أحدكم فليستتر) رواه أبو داود والنسائي وأحمد، وصححه الألباني في “صحيح أبي داود”

 وحديث سلمان رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن ربكم حيي كريم، يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين) رواه الترمذي.

 ثالثا / المعنى في حق الله تعالى

حيي: حياء الله حياء كرم وبر وجود، وهو ترك ما لا يتناسب مع سعة رحمته ، وكمال جوده وكرمه ، وعظيم عفوه وحلمه.

والستير: سبحانه هو الذي يحب الستر، ويبغض القبائح، ويأمر بستر العورات، ويبغض الفضائح، يستر العيوب على عباده ، ويغفر الذنوب مهما عظمت ، وإذا ستر عبده في الدنيا ستره يوم القيامة.

رابعا / تأملات في رحاب الاسمين الجليلين

معنى حياء الله تعالى:

حياؤه تعالى وصف يليق به، ليس كحياء المخلوقين، الذي هو تغير وانكسار يعتري الشخص عند خوف ما يعاب أو يذم، وأما حياء الرب تبارك وتعالى من عبده فنوع آخر لا تدركه ولا تكيفه العقول، فإنه حياء كرم وبر وجود، فإنه كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين.

وقال الشيخ محمد خليل الهراس : ورد في السنة وصفه تعالى بالحياء ، كقوله ﷺ : ( إن الله حيي يستحي من عبده إذا مد يديه إليه أن يردهما صفرا )، وكقوله عليه السلام في شأن النفر الثلاثة الذين وقفوا على مجلسه : ( أما أحدهم فأقبل فأقبل الله عليه ، وأما لآخر فاستحيا فاستحيا الله عز وجل منه ، وأما الثالث فأعرض فأعرض الله عز وجل عنه)

وحياؤه تعالى وصف يليق به ، ليس كحياء المخلوقين الذي هو تغير وانكسار يعتري الشخص عند خوف ما يعاب أو يذم ، بل هو ترك ما ليس يتناسب مع سعة رحمته ، وكمال جوده وكرمه ، وعظيم عفوه وحمله . فالعبد يجاهره بالمعصية مع أنه أفقر شيء إليه ، وأضعفه لديه ، ويستعين بنعمه على معصيته ، ولكن الرب سبحانه مع كمال غناه وتمام قدرته عليه ، يستحي من هتك ستره وفضيحته ، فيستره بما يهيؤه له من أسباب الستر ، ثم بعد ذلك يعفر عنه ويغفر ، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما : ( إن الله عز وجل يذني المؤمن فيضع عليه كنفه ثم يسأله فيما بينه وبينه : ألم تفعل كذا يوم كذا ؟ حتى إذا قرره بذنوبه ، وأيقن أنه قد هلك ، قال له : سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم” ، وكذلك يستحي سبحانه من ذي الشيبة في الإسلام أن يعذبه ، ويستحي ممن يدعوه ويمده إليه يديه أن يردهما خاليتين ، وهو من أجل أنه حيي ستير : يحب أهل الحياء والستر من عباده ، فمن ستر مسلما ستر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ويكره المجاهرة بالفسوق والإعلان بالفاحشة ، وإن من أمقت الناس عنده من بات على معصية والله يستره ، ثم يصبح فيكشف ستر الله عليه ، وقد توعد الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنو بأن لهم عذابا أليما في الدنيا والآخرة . وفي الحديث : ” كل أمتي معافي إلا المجاهرين ” .

المجاهرة بالمعاصي:

يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- : “كل أمتي معافاة إلا المجاهرين، وإن من الإجهار أن يعمل العبد بالليل عملا ثم يصبح قد ستره ربه فيقول: يا فلان، قد عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، فيبيت يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه” رواه مسلم.

وفي زماننا هذا نرى ضعاف الإيمان يمارسون المنكرات ويقومون بتصوير أنفسهم وينشرون ذلك على سبيل الافتخار! رغم أن المجاهرة من الكبائر، ودليل على فساد القلب وقسوته، ومرضه وطغيانه.

قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: العصاة يوم القيامة قسمان: من تكون معصيته مستورة في الدنيا، فهذا يسترها الله عليه في القيامة، وقسم معصيته مجاهر بها، فيفضحه الله بين الناس ولا يستره. 

ويقول الإمام ابن القيم: ومن أضرار الذنوب: أن ينسلخ من القلب استقباحها، فتصير له عادة، فلا يستقبح من رؤية الناس له، ولا كلامهم فيه؛ حتى يصل العاصي أن يفتخر بالمعصية، ويحدث بها من لم يعلم أنه عملها! وهذا القسم من الناس لا يعافون مما هم فيه، ويسد عليهم طريق التوبة، وتغلق عنهم أبوابها في الغالب، والعياذ بالله!.

ومن لطف الله بنا أنه ليس للذنوب رائحة، وقد نقل عن التابعي الجليل محمد بن واسع -رحمه الله- قوله: “لو كانت للذنوب رائحة ما استطاع أحد أن يجالسني من نتن رائحتي”.

أحسن الله بنا *** أن الخطايا لا تفوح

فإذا المستور منا *** بين ثوبيه فضوح

وقال بعض السلف: “اعلم أن الناس إذا أعجبوا بك، فإنما أعجبوا بجميل ستر الله عليك”.

فنحن بحاجة إلى ستر الله لأمرين: لأننا خطاءون ضعفاء تستهوينا النفس الأمارة، وتغلبنا الشهوات والمنكرات، و”كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون”.

ونحتاج إلى الستر لأن كثيرا من الناس لا يفقهون في الترجيح بين سيئات المؤمن وحسناته، فإذا علموا عنه خطيئة لم يروا له خيرا قط، بل قد يأخذون بالإشاعات والظنون! 

كيف نستطيع الجمع بين الحديثين الشريفين: ( لأعلمن أقواماً يأتون بحسنات ) و ( كل أمتي معافى إلا المجاهرين )؟

نص الحديثين موضع الإشكال :

أ. عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا ) قال ثوبان : يا رسول الله صفهم لنا ، جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم ، قال : ( أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ) رواه ابن ماجه ، وصححه الألباني في ” صحيح ابن ماجه ” .

الهباء في الأصل : الشيء المنبث الذي تراه في ضوء الشمس .

محارم الله : هي كل ما حرمه الله تعالى من المعاصي ، الصغائر ، والكبائر .

ب. عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( كل أمتي معافى إلا المجاهرين ، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول : يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه ).رواه البخاري ومسلم .

كيف نستطيع الجمع بين الحديثين الشريفين؟

إن الذي دعا إلى استشكال الحديثين هو ما حواه معناهما مما ظاهره التعارض ، فإن الحديث الأول ليس فيه أن أصحاب المعاصي قد جاهروا بمعاصيهم ، وبمقتضى الحديث الثاني فهم ” معافون ” ، فكيف تحبط أعمالهم ، ويتوعدون بالسخط والعذاب ؟! ومن هنا جاء الإشكال في ظاهر الحديثين

فمن العلماء من قال : إن حديث ثوبان في المنافقين ، وحديث أبي هريرة في المسلمين ، فلا تعارض بينهما ، لا سيما إذا حملنا النفاق هنا على النفاق العملي الذي لا ينافي أخوة الإيمان ، والواقع أن المتأمل في حال بعض من يقع في المنكرات هذه الأيام من أهل الخير والصلاح الظاهر ، وباعتراف من يتوب منهم يجد عجبا ، من ارتكاب ذنوب ” الخلوات ” بشكل يمكن إطلاق وصف ” انتهاك ” عليه ! فمن هؤلاء من تكون خلواته في مشاهدة الفضائيات الفاسدة ، والنظر في الإنترنت إلى مواقع الجنس الفاضح ، واستعمال أسماء مستعارة للمحادثة والمراسلة مع الأجنبيات ، ثم تجد هؤلاء لهم نصيب في الظاهر من الاستقامة ، في اللباس ، والصلاة ، والصيام ، ومن هنا كان هذا الحديث محذرا لهؤلاء أن يكون حالهم حال المنافقين ، أو أن يكونوا أعداء لإبليس في الظاهر ، أصدقاء له في السر ، كما قال بعض السلف .

وقوله صلى الله عليه وسلم ( إذا خلوا بمحارم الله ) لا يقتضي خلوتهم في بيوتهم وحدهم ! بل قد يكونون مع جماعتهم ، ومن على شاكلتهم ، فالحديث فيه بيان خلوتهم بالمحارم ، لا خلوتهم مع أنفسهم في بيوتهم ، فليس هؤلاء بمعافين ، والمعافى الذي في حديث أبي هريرة الذي يظهر لنا أنه يفعل المعصية الغالبة عليه وحده ، ولذا جاء في الحديث أنه شخص بعين ، وأن ربه قد ستره ، (يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله عليه ) ، وحديث ثوبان فيه الجمع ( قوم ) و ( خلوا ) .

قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله:الذي يبدو أن ( خلوا بمحارم الله ) ليس معناها ” سرا ” ، وإنما : إذا سنحت لهم الفرصة انتهكوا المحارم ، ف ” خلوا ” ليس معناها ” سرا ” ، وإنما من باب ” خلا لك الجو فبيضي واصفري ”  سلسلة الهدى والنور ” شريط رقم ( 226 ) .

و وصف هؤلاء المذكورون في حديث ثوبان بأنهم “ينتهكون” محارم الله ، وهو وصف يدل على استحلالهم لذلك ، أو مبالغتهم فيها في هذه الحال ، وأمنهم من مكر الله ، وعقوبته ، وعدم مبالاتهم باطلاعه عليهم . فلذا استحقوا العقوبة بحبوط أعمالهم ، وليس الوعيد على مجرد الفعل لتلك المعصية ، ولعله لذلك سأل ثوبان رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلي حال أولئك ، وأن يصفهم ؛ خشية أن يكونوا منهم ، وهم لا يدرون ، ومثل هذا إنما هو طلب لمعرفة حال قلوب أولئك العصاة ، وليس لمعرفة أفعالهم مجردة .

قال الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله :أي : أن عندهم استهتارا ، واستخفافا بالله عز وجل ، فهناك فرق بين المعصية التي تأتي مع الانكسار ، والمعصية التي تأتي بغير انكسار ، بين شخص يعصي الله في ستر ، وبين شخص عنده جرأة على الله عز وجل ، فصارت حسناته في العلانية أشبه بالرياء ، وإن كانت أمثال الجبال ، فإذا كان بين الصالحين : أحسن أيما إحسان ؛ لأنه يرجو الناس ولا يرجو الله ، فيأتي بحسنات كأمثال الجبال ، فظاهرها حسنات ، ( لكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ) فهم في السر لا يرجون لله وقارا ، ولا يخافون من الله سبحانه وتعالى ، بخلاف من يفعل المعصية في السر وقلبه منكسر ، ويكره هذه المعصية ، ويمقتها ، ويرزقه الله الندم ، فالشخص الذي يفعل المعصية في السر وعنده الندم ، والحرقة ، ويتألم : فهذا ليس ممن ينتهك محارم الله عز وجل ؛ لأنه – في الأصل – معظم لشعائر الله ، لكن غلبته شهوته ، فينكسر لها ، أما الآخر : فيتسم بالوقاحة ، والجرأة على الله ؛ لأن الشرع لا يتحدث عن شخص ، أو شخصين ، ولا يتحدث عن نص محدد ، إنما يعطي الأوصاف كاملة .

من الناس من إذا خلا بالمعصية : خلا بها جريئا على الله ، ومنهم من يخلو بالمعصية ، وهو تحت قهر الشهوة ، وسلطان الشهوة ، ولو أنه أمعن النظر وتريث : ربما غلب إيمانه شهوته ، وحال بينه وبين المعصية ، لكن الشهوة أعمته ، والشهوة قد تعمي وتصم ، فلا يسمع نصيحة ، ولا يرعوي ، فيهجم على المعصية فيستزله الشيطان ، قال تعالى : ( إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم ) آل عمران/ 155 ، فإذا حصل الاستزلال من الشيطان ، فزلت قدم العبد ، لكن في قرارة قلبه الاعتراف بالمعصية ، والله يعلم أنه لما وقع في المعصية أنه نادم ، وأنه كاره لها ، حتى إن بعضهم يفعل المعصية وهو في قرارة قلبه يتمنى أنه مات قبل أن يفعلها : فهذا معظم لله عز وجل ، ولكنه لم يرزق من الإيمان ما يحول بينه وبين المعصية ، وقد يكون سبب ابتلاء الله له أنه عير أحدا ، أو أنه عق والدا ، أو قطع رحمه ، فحجب الله عنه رحمته ، أو آذى عالما ، أو وقع في أذية ولي من أولياء الله ، فآذنه الله بحرب ، فأصبح حاله حال المخذول ، مع أنه في قرارة قلبه لا يرضى بهذا الشيء … .

فالذي يعصي في السر على مراتب : منهم من يعصي مع وجود الاستخفاف ، فبعض العصاة تجده لما يأتي إلى معصية لا يراه فيها أحد : يذهب الزاجر عنه ، ويمارسها بكل تهكم ، وبكل وقاحة ، وبكل سخرية ، ويقول كلمات ، ويفعل أفعالا ، ولربما نصحه الناصح ، فيرد عليه بكلمات كلها وقاحة ، وإذا به يستخف بعظمة الله عز وجل ، ودينه ، وشرعه ، لكنه إذا خرج إلى الظاهر صلى ، وصام ، وإذا خلا بالمعصية لا يرجو لله وقارا – والعياذ بالله – فليس هذا مثل من يضعف أمام شهوة ، أو يفتن بفتنة يراها ، ويحس أن فيها بلاء ، وشقاء ، ويقدم عليها ، وقلبه يتمعر من داخله ، ويتألم من قرارة قلبه ، ثم إذا أصاب المعصية ندم .

فهذا الحديث – أي : حديث ثوبان – ليس على إطلاقه ، وإنما المراد به : من كانت عنده الجرأة – والعياذ بالله – ، والاستخفاف بحدود الله .” شرح زاد المستقنع ” ( رقم الدرس 332 ) .

نسأل الله أن يحبب إلينا الإيمان ، وأن يزينه في قلوبنا ، ونسأله أن يبغض إلينا الكفر ، والفسوق ، والعصيان .

الجواب نقلا عن موقع الإسلام سؤال وجواب باختصار يسير

التوبة الصادقة من أسباب الستر:

ذكر ابن قدامة في كتابه التوَّابين قصةً في بني إسرائيل أن موسى عليه السلام خرج يومًا يستسقي، فلم ير في السماء قزعة – أي سحابة – واشتدَّ الحرُّ، فقال موسى: يا رب، اللهم إنا نسألك الغيث فاسقنا، فقال الله جل وعلا: يا موسى، إن فيكم عبدًا يُبارزني بالذنوب أربعين عامًا، فصِحْ في القوم ونادِ إلى العباد: الذي بارز ربه بالذنوب والمعاصي أربعين عامًا أن اخرج، فقال موسى: يا رب، القوم كثير، والصوت ضعيف، فكيف يبلغهم النداء؟! فقال الله: يا موسى، قل أنت، وعلينا البلاغ، فنادى موسى بما استطاع، وبلغ الصوت جميع السامعين الحاضرين، فما كان من ذلك العبد العاصي – الذي علم أنه المقصود بالخطاب، المرقوم في الكتاب أنه ينادي بعينه بين الخلائق، فلو خرج من بين الجموع، عرف وهتك ستره، وانفضحت سريرته وكشفت خبيئته، فما كان منه إلا أن أطرق برأسه، وأدخل رأسه في جيب درعه أو قميصه، وقال: يا رب، اللهم إني أتوب إليك فاسترني، اللهم إني أتوب إليك فاسترني، اللهم إني أتوب إليك فاسترني، فما لبث موسى ومن معه إلا أن أظلَّهم الغيم، وانفتحت السماء بمطر كأفواه القرب، فقال موسى: يا رب، سقيتنا وأغثتنا ولم يخرج منا أحد، فقال الله: يا موسى، إن من منعتكم السقيا به تاب، وسألني وأعطيته وسقيتكم بعده، فقال موسى: يا رب، أرني ذلك الرجل، فقال الله جل وعلا: يا موسى، سترته أربعين عامًا وهو يعصيني، أفأفضحه وقد تاب إلي وبين يدي؟!

ستر الله على عبده يوم القيامة:

من أعظم الستر ستر الله للمؤمن يوم القيامة، (يوم تبلى السرائر) [الطارق:9] أي: تختبر سرائر الصدور، ويظهر ما كان في القلوب من خير وشر على صفحات الوجوه، وقد جاءت البشارة بذلك للمؤمنين : أن من ستر الله عيبه في الدنيا ، فإنه سيستره في الآخرة . فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال : (لا يستر الله على عبد في الدنيا ، إلا ستره الله يوم القيامة ) رواه مسلم.

وقال -صلى الله عليه وسلم-: “إن الله -عز وجل- يدني المؤمن، فيضع عليه كنفه ويستره من الناس، ويقرره بذنوبه، ويقول له: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ حتى إذا قرره بذنوبه، ورأى في نفسه أنه قد هلك، قال الله له: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وإني أغفرها لك اليوم، ثم يعطى كتاب حسناته” متفق عليه.

فاللهم استرنا يا ستير، اللهم استرنا فوق الأرض، ويوم العرض يا رحمان يا رحيم.

ما حكم التسمية بعبد الستار؟

علمنا الآن أن الستير من أسماء الله الحسنى ، أما الستار فليس من أسماء الله الحسنى، وإنما هو من باب الإخبارعن الله، أي نخبر عن الله أنه ستار، وهوأوسع من باب الأسماء، لكن إذا تسمى شخص بعبدالستار فلا يغير الاسم؛ لأن الله تعالى يخبر عنه بأنه الستار والساتر، فالمعنى صحيح ، وقد جاء في كلام العلماء تفسيرا لاسم الله تعالى الغفار فقالوا: اسم مبالغة من الغفر، وهو الستر أي الستار لذنوب من أراد من عباده المؤمنين، فلا يظهرها بالعقاب عليها .

 

خامسا / ثمرات الإيمان بالاسمين الجليلين

1- الله سبحانه هو الحيي الستير، حياء وسترا يليق بجلاله وعظيم سلطانه، فحياؤه وستره يتناسب مع سعة رحمته، وكمال جوده وكرمه، وعظيم عفوه وحلمه سبحانه.

2- أنه سبحانه مع كمال غناه عن خلقه، إلا أنه يهيئ أسباب التوبة لعباده، ويتوب عليهم ويغفر لهم ذنوبهم، يقول تعالى: ﴿وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون﴾ [الشورى: 25].

3- ملازمة باب الله والإلحاح بالدعاء فإنه سبحانه حيي كريم لا يرد من سأله خائبا ، يقول ﷺ «إن ربكم  حيى كريم، يستحيى من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا»

3-  لما كان الله تعالى موصوفا بالحياء ، فإنه يحب أهله والمتصفين به من عباده ، بل قد جعله الرسول ﷺ شعبة من شعب الإيمان فقال ﷺ : ” الإيمان بضع وستون شعبة ، والحياء شعبة من الإيمان ”

4- أعظم الحياء ينبغي أن يكون من الله تعالى ، الذي نتقلب في نعمه وإحسانه الليل والنهار ، ولا نستغني عنه طرفة عين ، ونحن تحت سمعه وبصره ، لا يغيب عنه من حالنا وقولنا وفعلنا شيء ، قال بعض السلف : علمت أن الله تعالى مطلع على فاستحييت أن يراني على معصية وقد أحسن من قال :

وإذا خلوت بريبة في ظلمة               والنفس داعية إلى العصيان

فاستح من نظر الإله وقل لها             إن الذي خلق الظلام يراني

وحكي عن بعض السلف : خف الله على قدر قدرته عليك ،واستح منه على قدر قربه منك .

5- أمر الله تبارك وتعالى بالستر ، وكره المفاخرة بالمعصية ، أو مجرد محبة ذكرها وإشاعتها بين المؤمنين ، قال سبحانه : (إن ٱلذين يحبون أن تشيع ٱلفٰحشة فى ٱلذين ءامنوا۟ لهم عذاب أليمۭ فى ٱلدنيا والآخرة وٱلله يعلم وأنتم لا تعلمون ) [ النور : 19] 

6-  كما حث ﷺعلى الستر على عباد الله ، ورغب في ذلك فقال :  ( ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ) ، ونهى عليه الصلاة والسلام عن تتبع عورات المسلمين والبحث عنها وكشفها ، فقال : “يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه ، لا تغتابوا المسلمين ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من يتبع عوراتهم ، يتبع الله عورته ومن يتبع عورته يفضحه في بيته” .

7- أن الله يحب الستر فإذا تلبس المؤمن بشيء من هذه القاذورات، فعليه التوبة، وأن يستر ذلك ويكثر من الأعمال الصالحة، فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عنها، فمن ألم فليستتر بستر الله، وليتب إلى الله، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله عز وجل»رواه الحاكم في مستدركه.

وهذه أم المؤمنين عائشة ، تقول: «يا نساء المؤمنين، أتعجز إحداكن إذا أذنبت فستر الله عليها أن تستره على نفسها فإن الناس يعيرون ولا يغيرون، وإن الله يغير ولا يعير» .

8- كان من دعائه صلى الله عليه وسلم طلب الستر من الله، روى أبو داود في سننه من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الكلمات حين يمسي وحين يصبح: «اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عورتي، – وقال عثمان: عوراتي- وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي»

9- الإيمان باسمي الله الحيي الستير يورث في القلب محبة الله، وذلك بما يقتضيه معناهما من الحلم، والكرم، والعفو، والحياء، والستر منه سبحانه على عباده، وحق لمن هذه صفاته أن يجرد له الحب كله، والإخلاص، والتعظيم، والحمد والثناء، واللهج بشكره والتقرب إليه بطاعته.

 

 


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 80 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع