شرح أسماء الله الحسنى
96- الفاطر
أولا /المعنى اللغوي:
الفاطر من فطر الشيء يفطره وفطره: شقه، وتفطر الشيء تشقق، والفطر: الشق، وجمعه فطور، وفي التنزيل: (هل ترى من فطور) (الملك: 3)، وفطر الله الخلق يفطرهم: خلقهم وبدأهم، والفطر والفطرة: الابتداء والاختراع.
ثانيا / وروده في القرآن والسنة
ورد الاسم في القرآن ست مرات هي:
1- قوله تعالى: ﴿قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم ﴾ [الأنعام:14].
2- وقوله: (فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة) (يوسف:101).
3- وقوله: (قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض) (إبراهيم: 10).
4- وقوله: (الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة) (فاطر:1).
5- وقوله: (قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة) (الزمر: 46).
6- وقوله: (فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا) (الشورى: 11).
وفي السنة النبوية:
عن عبد الله بن عمرو عن النبي قال: «يا أبا بكر قل: اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، لا إله إلا أنت، رب كل شيء ومليكه، أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءا، أو أجره إلى مسلم».
ثالثا / المعنى في حق الله تعالى
الفاطر: هو الذي فطر الخلق، أي ابتدأ خلقهم.
قال ابن عباس: «لم أكن أعلم معنى فاطر السماوات والأرض، حتى اختصم أعرابيان في بئر فقال أحدهم: أنا فطرتها، أي: استحدث حفرها.
رابعا / تأملات في رحاب الاسم الجليل
ما الفرق بين اسمي الخالق والفاطر؟
معنى الخالق: هو الذي ينشئ الشيء من العدم.
ومعنى فاطر السماوات والأرض : خالقهما؛ بمعنى موجدهما من العدم.
إلا أنه يمكن القول أن لفظة “فاطر” تشتمل على معنى آخر يزيد عن “الإيجاد من العدم” واستنادا إلى اللغة فإن معنى فطر الشيء أي شقه .. يدل على ذلك قوله تعالى: “إذا السماء انفطرت” وقوله تعالى: “هل ترى من فطور”
وبذلك يمكن القول أن فاطر السماوات والأرض تشير إلى عملية الانشقاق المصاحبة للخلق ، ولعل لفظة “ففتقناهما” الواردة في قوله تعالى: (أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما) تشير إلى ذلك المعنى.
ومما ورد في معنى لفظة “فاطر” الإيجاد من العدم على هيئة مرشحة لأن تكون عارفة بالله تعالى، ولعل مما يدل على هذا المعنى قوله تعالى: (فطرة الله التي فطر الناس عليها)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (كل مولود يولد على الفطرة)
قال الله تعالى: {أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقًا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون} [الأنبياء:30]
أي: أولم يرَ هؤلاء أن السموات والأرض، كانتا منضمتين إلى بعضهما، ملتحمتين، أو ملتصقتين، لا فضاء بينهما، ففصلناهما عن بعضهما أي: كانتا كرة واحدة، ثم انفصلتا بإرادة الله وقدرته!
وقوله تعالى: {أولم ير الذين كفروا} تقريرٌ لهم، يراد به الإنكار.
والرتق : في اللغة عكس الفتق، لأن الرتق هو الضم والالتحام والالتئام سواء كان ذلك طبيعيا أو صناعيا، يقال رتقت الشيء فارتتق أي فالتأم والتحم ، والفتق: لغة هو الفصل والشق والانشطار .
والمعني الذي نفهمه من هذه الآية الكريمة أن السموات والأرض كانتا في الأصل شيئا واحد متصلا، ملتئما، وملتحما، ففتقه ربنا تبارك وتعالى بأمر منه سبحانه إلى الأرض التي نحيا عليها، وإلى سبع سماوات من فوقنا.
والقرآن الكريم هنا يعطي الصورة الكلية الجامعة لهذا الحدث الكوني العظيم، ويترك التفاصيل لجهود العلماء والمفكرين الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض، والذين تجمعت ملاحظاتهم العلمية الدقيقة في صفحة السماء لتؤكد في منتصف القرن العشرين صدق ما قد أنزله الله تعالى في آخر كتبه، وعلى خاتم أنبيائه ورسله – عليه وعليهم أجمعين أفضل الصلاة وأزكي التسليم – من قبل ألف وأربعمائة من السنين .
وتشهد هذه الآيات الكونية الواردة في كتاب الله وأمثالها من الآيات القرآنية الأخرى المتعلقة بالكون وظواهره وبعض مكوناته بالدقة والشمول والكمال ، وبالصياغة المعجزة التي يفهم منها أهل كل عصر معنىً من المعاني يتناسب مع المستوى العلمي للعصر، وتظل هذه المعاني تتسع باستمرار مع اتساع دائرة المعرفة الإنسانية في تكامل لا يعرف التضاد، وهذا من أبلغ جوانب الإعجاز في كتاب الله .
خامسا / ثمار الإيمان بالاسم الجليل
1- أن المبتدئ لخلق السماوات والأرض، هو الله الذي لا إله إلا هو؛ وحده لا شريك له، ولا خالق سواه، وأنه تعالى الذي فتق السماء بالمطر، والأرض بالنبات. وأنه تعالى هو المبتدئ أيضا لخلق جميع المخلوقات، وقد كانت عدما، قال سبحانه: (أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا) (مريم: 67).
2- إذا كان هو المبتدئ للخلق؛ فكيف يعبد غيره ويعظم سواه؟! وقد نبه الله تعالى عباده إلى ذلك في مواضع من كتابه منها: قوله تعالى: (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين * ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين) (الأعراف: 54 – 55).
3-التوكل على فاطر السماوات والأرض إذا تأمل العبد في اسم الله فاطر السموات والأرض وعظيم فطرها لهما؛ أيقن قوته ﷻ وعظيم قدرته، وعلم أنه لا يعجزه شيء، يقول تعالى: ﴿وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا﴾ [فاطر: ٤٤]، وأن حاجته ومطلبه مهما عظم لن يعجز فاطر السموات والأرض،فيورث ذلك قلبه السكينة والطمأنينة لله، فيثق بقدرته ويتوكل عليه ويصدق في الاعتماد عليه في جلب منافعه الدينية والدنيوية، وفي دفع المضار عنه الدينية والدنيوية أيضا.
4- التأمل في خلق السماوات والأرض وقد دعا الله عباده إلى التفكر في آيات الله الكونية وما خلق في السماوات والأرض من الآيات الباهرة لذوي الألباب، وحثهم على ذلك في مواضع من كتابه، منها:قوله تعالى: ﴿قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون﴾ [يونس: 101].
5- الدعاء باسم (فاطر السماوات والأرض) أمر الله عباده أن يدعوه على وجه الخصوص باسمه فاطر السموات والأرض، فقال سبحانه: ﴿قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون﴾ [الزمر: 46].
قال سعيد بن جبير : «إني لأعرف آية ما قرأها أحد قط، فسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه: قوله تعالى: ﴿قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون﴾ [الزمر: 46]».
ودعاء يوسف ربه باسمه الفاطر السموات والأرض، فقال: ﴿رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين﴾ [يوسف: ١٠١].
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعظم ربه بهذا الاسم ويدعوه، كما قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: سألت عائشة أم المؤمنين: بأي شيء كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل؟ قالت: كان إذا قام من الليل؛ افتتح صلاته: (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة؛ أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم).
وكذا في دعاء الاستفتاح : عن علي بن أبي طالب: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه كان إذا قام إلى الصلاة؛ قال: (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا؛ وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي؛ ومحياي ومماتي؛ لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك…). فقوله:( وجهت وجهي) أي: قصدت بعبادتي الذي فطر السموات والأرض.