شرح أسماء الله الحسنى 33- اللطيف
أولا / وروده في القرآن الكريم والسنة المطهرة :
ورد هذا الاسم في القرآن سبع مرات منها:
قوله تعالى : (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) الأنعام (103)
و قوله تعالى : (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) الملك (14)
وقوله تعالى : (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) يوسف (100)
وروده في السنة الشريفة:
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: ( لَتُخْبِرِينِي أَوْ لَيُخْبِرَنِّي اللطِيفُ الْخَبِيرُ ) رواه مسلم
ثانيا / المعنى اللغوي :
لَطَف ( بفتح الطاء) :من البر والرفق .
ولطُف (بضم الطاء) : من الدقة والخفاء.
ونلاحظ هذا في كلام العلماء عندما يقول أحدهم : وهنا لطيفة ، أي معنى خفي .
واللطف (بسكون الطاء) : البر والتكرمة والاحتفاء
“لَطَف اللهُ بالعبد لُطفًا” يعني: رفق به
ثالثا / المعنى في حق الله تعالى
ينتظم هذا الاسم في ثلاثة معاني :
1- اللطيف: بعباده الرفيق بهم الذي يوصل إليهم مصالحهم بالطرق الخفية، التي لا يشعر بها العبد ، ولا يسعى فيها كقوله – سبحانه – :
﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾ [الشورى: 19].
2- اللطيف: الذي لطف علمه ودق حتى أحاط بالخفيات من الأمور ، فمن دقة علمه وعظيم إحاطته بخفي ودقيق المعلومات انه يرى النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء.
3- الذي لطف عن أن يحاط به أو يدرك بالكُنه(بالحقيقة) والكيفية، يقول تعالى: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ *وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) فقد أحاط سبحانه بجميع الموجودات، ولم يحط به علما أحد من خلقه، وإن علموا شيئا من أسمائه وصفاته، مما تفضل عليهم بتعليمهم إياه، إلا أنهم لم يعلموا حقائقها، ولا كنه ذاته العلية تعالى وتعاظم سبحانه.
سر اقترانه باسم الخبير:
لم يقترن اسم الله اللطيف إلا باسمه الخبير ، ويرجع السبب لان الاسميين يتلاقيان في المعنى … فالله تعالى يطلِّع على بواطن الأمور ويلطف بعباده، فلا يُقدِر لهم إلا ما فيه الخير .. وقد يخفى على العبد هذا الخير، فيُقابل قضاء الله بالاعتراض .. والله تعالى يقول {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14] فلا يلطف بك إلا من عرفك وكان خبيرا بمواطن ضعفك وقوتك وبكل أحوالك.
رابعا / تأملات في رحاب الاسم الجليل :
التأمل هنا يكون في ثلاثة معان :
الأول : الله لطيف بعباده أي رفيق بهم.
الثاني : اللطيف: الذي لطف علمه ودق.
الثالث : الذي لطف عن أن يحيط به علما أحد من خلقه .
تأملات في المعنى الأول : الله لطيف بعباده أي رفيق بهم :
لطف الله هو ترفق الله بعباده وهو منتهى الرعاية والحماية فنحن دائما نقول الله لطف بحالنا أو هذا من لطف الله بنا وذلك عندما نشعر برعاية ورحمة الله بنا .
لطف الله فيما أمر وشرع :
فهو لم يجعل تكاليف الإسلام صعبة فهو سبحانه لم يأمر بأمر إلا ومنح معه المعونة والقدرة على أدائه فقد قال عز وجل : (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ) وهذا من لطف الله بنا فالرخص من الله في كل الأمور هي لطف فنحن في الحج وهي رحلة عبادة يتفرغ بها المؤمن للذكر وأداء المناسك نرى لطف الله واضحا في رخصة قصر الصلاة وجمعها في عرفات وذلك لمعرفة الله بشدة الزحام في هذا المكان وصعوبة الوصول إلى أماكن الوضوء فشرع لنا اللطيف القصر والجمع في وقت ومكان قمة العبادة وهو الحج وهذا دليل على أن الله لا يكلف الإنسان إلا ما يستطيع فلم يلزمه بالحج في الصلاة في وقتها وعددها الذي كلفه بها في غيره من الأوقات والأماكن لأنه خبير بنا عارف بمواطن ضعفنا وكيف لا يكون ذلك وهو خالقنا .
وكذلك الحال عند الحيض فالمرأة مكلفة بقضاء الصوم ولكنها غير مكلفة بقضاء الصلاة لأنها ستكون شاقة عليها فكل تكليف يكلف الله به عبده يمنحه معه المعونة.
لطف الله في قضائه وقدره :
ومن لطفه أيضًا: أنه يقدّر على عباده أنواعَ المصائب، وضروبَ المحن، والابتلاءَ بالأمر والنهي الشاق؛ رحمةً بهم وسَوْقًا إلى كمالِهم وكمالِ نعيمهم،كما قال تعالى: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة : 216] .
ولهذا من لطف الله تعالى بعبده:أنه أحيانًا تطمحُ نفسه لسببٍ من أسباب الدنيا الذي يظنّ أنه ينفعه، واللهُ عزّ وجلّ يعلمُ أنه يضرّه فَيَحُولُ بينه وبين الدنيا، فيظلّ العبد كارهًا لهذه الأسباب التي أحالته عن مراده، ولا يدري أنّ اللهَ لطف به؛ حيث صرف عنه الأمرَ الضارّ، وأوصل له الأمرَ النافع.
لذلك كان الإيمان بالقضاء والقدر في هذه الأمور من أعلى المنازل في الإيمان.
وأيضًا من لطف الله بعبده:أن يبتليَه ببعض المصائب، ويوفقه للقيام بوظيفة الصبر، فينيله بهذا التوفيق الدرجاتِ العالية، التي لا يدركها بعمله، ويُوجِدُ في قلبه حلاوةَ رَوْح الرجاء وحلاوةَ تأميلِ الرحمة وكشف الضرّ، فيخِفُّ ألمُه وتنشطُ نفسُه.
كما أن الله يتلطف بنا في أقداره فقد يأتينا القدر وفي ظاهرة شر ولكن بعد فترة من الزمن يتبين لنا لطف الله في هذا القدر فمثلا نرى إنسان يريد أن يسافر لبعثة دراسية ويتعب من اجل إتمام الإجراءات فالوقت محدود جدا ونراه يسارع في تجهيز متاعه وحجز تذكرة السفر وفي الوقت المحدد للذهاب إلى المطار يتأخر لظروف معينه إما لزحام في الطريق أو لفقدانه لجوازه أو لغيرها وعندما يصل إلى المطار يتفاجأ بإقلاع الطائرة فيصيبه الحزن والغم ولكن بعد فترة يسمع بخبر تحطم الطائرة التي كان من المفترض أن يسافر على متنها فيعرف هنا لطف الله به وان ما كان في ظاهرة شر هو في الحقيقة خير له فقد قال عز وجل :
(وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً )
( وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) وذلك لان الله لا تخفى عليه خافية فهو يعلم السر وأخفى فتأتي أقدار الله فتتلطف وتترحم بنا وقد لا ندرك ذلك في وقته ولكننا ندركه بعد سنوات .
وينسب إلى علي بن أبي طالب هذه الأبيات :
وكم لله من لطفٍ خفيٍّ يَدِقّ خَفَاهُ عَنْ فَهْمِ الذَّكِيِّ
وَكَمْ يُسْرٍ أَتَى مِنْ بَعْدِ عُسْرٍ فَفَرَّجَ كُرْبَة َ القَلْبِ الشَّجِيِّ
وكم أمرٍ تساءُ به صباحاً وَتَأْتِيْكَ المَسَرَّة ُ بالعَشِيِّ
إذا ضاقت بك الأحوال يوماً فَثِقْ بالواحِدِ الفَرْدِ العَلِيِّ
وَلاَ تَجْزَعْ إذا ما نابَ خَطْبٌ فكم للهِ من لُطفٍ خفي
لطف الله في تقدير الأرزاق :
من لطفه سبحانه وتعالى بعباده:أنه يقدر أرزاقهم بحسب علمه بمصلحتهم لا بحسب مراداتهم،فأحيانًا كثيرة يريدون شيئًا ما في حين أنّ غيرَه أصلحُ لهم، فيقدِّر اللهُ لهم الأصلح، وإن كرهوه؛ لطفًا بهم وبرًّا وإحسانًا، كما أتى في سياق سورة الشورى: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ} [الشورى: 19[ يعني: أن تقدير الله لأرزاق العباد أتى من لطفه سبحانه وتعالى، كما أتى في قوله تعالى في نفس السورة بعد هذه الآية بسياق: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} [الشورى : 27] أي: ينزل من الرزق بقدر ما ينفع العباد .
تأملات في المعنى الثاني: اللطيف: الذي لطف علمه ودق
يقول تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) الأنعام (59)
وإذا قلنا الله لطيف بعباده، فالله عز وجل معك يسمع صوتك، ويعلم ما في قلبك، و ما في رأسك من أفكار من وطموحات، و صراعات، و آراء، ومعتقدات، و تصورات و تخيلات، ويعلم ما في قلبك من هموم و متاعب وآلام و ضغوط من خوف ومن قلق ، قال تعالى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)﴾ (سورة الحديد)
و قال تعالى ( يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)لقمان: 16
و”المِثْقال”: ما يُقَدَّر به الثِّقَل، يعني: ما يُوزَن به الشيءُ.
و”الخَرْدَل” نباتٌ له ساق وله أوراق، لكن حبوبه صغيرة جدًّا في نهاية الدقة ؛ الواحدة منه تسمى “خَردلة”.
ومعنى الآية : لو كانت حبة الخردل في داخل صخرة صُّلبة صَّمَّاء ، أو كانت في مكان أعزَّ مَنالًا فَسِيحًا لا يُدْرَى بها فيه كالسموات ، أو تكن في أي مكان في الأرض يَأْتِ بِهَا اللَّهُ.
فكلُّ ذلك في جَنْب علم الله تعالى سواءٌ؛ سواء كانت في أي مكان من العالم العلوي أم السفلي، كما قال – سبحانه وتعالى – عن نفسه: ( لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) [سبأ: 3].ومعنى لا يعزب : لا يغيب
وكونُه – سبحانه وتعالى – يأتي بها فذلك دليلٌ التمكُّن، ودليل العلم التام؛ لأن الإتيان بأدق الأجسام من أقصى الأمكنة وأعمقها وأصلبها لا يكون إلا عن عِلمٍ بكونها في ذلك المكان، وعن عِلم بأسلوب استخراجها سليمةً من ذلك المكان. فالمعنى الأول: أنه لا يأتي بها إلا وهو عالِمٌ بمكانها، أليس كذلك؟ والمعنى الثاني: أنه لا يأتي بها إلا وهو قادِرٌ على الإتيان بها.
فـ”اللطيفُ” – كما ذكرنا – مَنْ يعرف دقائقَ الأشياء، ويَسْلُك في إيصالها إلى مَنْ تَصْلُح له مَسْلَكَ الرِّفقِ.
ووصفُ اللُّطفِ هذا وصفٌ مُؤْذِنٌ بالعلم والقدرة الكامِلَيْنِ، أي: يَعْلَم ويَقْدِر وتَنْفُذُ قدرتُه – سبحانه وتعالى – . لذلك فالتعقيبُ بوصفه ( لَطِيفٌ ) بعد قوله تعالى: ( يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ) … كما في الآية ، التعقيبُ بـ”اللطيف” فيه إشارةٌ إلى التمكُّن منها وامتلاكها بكيفيَّةٍ دقيقة تُناسِب فَلْقَ الصخرة واستخراجَ الخردلة، مع سلامتها وسلامةِ ما اتَّصَل بها، مع عدم اختلال نظام كونه – سبحانه وتعالى – وصُنْعِه، يعني: يستخرج – سبحانه وتعالى – هذه الخردلة سليمةً، وتكون الصخرةُ على هيئتها لا تَفْسُد حالَ استخراجها منها؛ لذلك قال جل وعلا: ( ..يَأتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ) وهذا معنى جميلٌ يُبين لك لُطْفَ الله تعالى وقدرتَه التامة على أصغر الأشياء، بحيث يستخرجها ويُوصِلها بذلك الرفق، ولا ينبني على ذلك الإتيانِ فسادٌ لها ولا فسادٌ حالَ استخراجها مما حولها.
تأملات في المعنى الثالث : الذي لطف عن أن يحيط به علما أحد من خلقه
ومن معاني اسم اللطيف ، أن الله عز وجل من اللطف بحيث لا تراه العيون ، بل ولا تدركه الحواس كلها ، وهذا أحد المعاني لكلمة لطيف، لهذا جاء في الحديث الصحيح: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: الإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَبِلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ، قَالَ: مَا الإِسْلامُ ؟ قَالَ: الإِسْلامُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمَ الصَّلاةَ وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ، قَالَ: مَا الإِحْسَانُ ؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ. ) اللهم اجعلنا نخشاك كأننا نراك .
هل يصح إطلاق القول بأن الله منزّه عن المكان والزمان ؟
إذا قال القائل ” ننزه الله عن المكان ” بمعنى أن الله تعالى لا يحيط به شيء من مخلوقاته، فهذا معنى صحيح ؛ إذ كيف يحيط بالله الأول والآخر والظاهر والباطن كيف يحيط به شيء من مخلوقاته ؛ بل الرب تعالى أعظم وأكبر من كل مخلوق ، وسع كرسيه السموات والأرض، كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( يَقْبِضُ اللَّهُ الْأَرْضَ وَيَطْوِي السَّمَوَاتِ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ : أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ ؟ ) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :” إن أراد بنفي المكان : المكان المحيط بالله – عز وجل – فهذا النفي صحيح ، فإن الله تعالى لا يحيط به شيء من مخلوقاته ، وهو أعظم وأجل من أن يحيط به شيء ، كيف لا ( والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ) ؟ .
وإن أراد بنفي المكان : نفي أن يكون الله تعالى في العلو ، فهذا النفي غير صحيح ، بل هو باطل بدلالة الكتاب والسنة ، وإجماع السلف والعقل والفطرة .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للجارية : أين الله ؟ . قالت : في السماء . قال لمالكها : ( أعتقها فإنها مؤمنة ) رواه مسلم .
ومثل ذلك : القول بأن الله تعالى منزه عن الزمان ؛ فإن كان المعنى أن الله تعالى قبل كل شيء ، وبعد كل شيء ، فهذا معنى صحيح ، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم : ( اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ … ) . رواه مسل
إذن: اسم اللطيف من أسماء التنزيه، فهو معك لكن بلا شعور، لا تُدرِكُه الأبصار لأنه لطيف وهو يُدرِك الأبصار، إنه لطيف لا تُحِس بوجوده، فوجوده ليسَ ثقيلاً عليك، لكنه موجود، يَحولُ بين المرء وقلبه، ويعلم السر وأخفى .
ـ وقيل لأبي بكر الصديق رضي الله عنه : يا أبا بكر بم عرفت ربك ؟ فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه :عرفت ربي بربي ، ولولا ربي ما عرفت ربي .
فقيل له : فكيف عرفت ربك ؟ فقال : العجز عن الإدراك إدراك ، والبحث في ذات الله إشراك.
المعنى أنَّ الله جعل الإيمان به فطرة مركوزة في الأنفس وهو الذي أرسل الرسل وأنزل الشرائع فبين لخلقه أسماءه وصفاته وكمالاته ، فلولا أن الله هدانا إليه ما اهتدينا .
وأما قوله : ” العجز عن الإدراك إدراك” أي أن من علم من نفسه العجز عن إدراك الله فهو إدراك بجلاله وعظمته ، أما الجاهل الذي لا يدرك شيئا من ذلك فهو لا يعترف بعجزه لجهله بعظمة الله وجلاله ، وهذا الجاهل لو بحث في ذات الله بجهله سينسب لله مالا يليق .
وقيل لعلي بن أبي طالب ” رضي الله عنه ” يا علي .. صف لنا ربك ؟
فقال ” ـ سبحان ربي لايدرك بالحواس .. ولا يقاس بالقياس ..فوق كل شيء .. وليس تحته شيء ..وهو في كل شيء .. لا كشيء في شيء ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)
وقال تعالى : ” لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ” [الأنعام:103]، فهذا الآية تدلل عَلَى كمال عظمته، وأنه أكبر من كل شيء، وأنه لكمال عظمته لا يدرك بحيث يحاط به، فإن “الإدراك” هو الإحاطة بالشيء -وهو قدر زائد عَلَى الرؤية- كما قال تعالى: فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:61، 62]، فلم ينف موسى عَلَيْهِ السَّلام الرؤية، وإنما نفى الإدراك، فالرؤية والإدراك كل منهما يوجد مع الآخر وبدونه، فالرب تَعَالَى يرى ولا يدرك(بضم الياء في الفعلين)، كما يعلم ولا يحاط به علماً.
ولا يفهم من الآية نفي رؤية المؤمنين لله في الجنة كما زعمت بعض الفرق الكلامية لأن الإدراك المنفي في الآية هو الرؤية مع إحاطة بالكنه(بالحقيقة)، أما مطلق الرؤية فلا تدل الآية على نفيه، بل هو ثابت بالآيات القرآنية، والأحاديث الصحيحة، واتفاق أهل السنة والجماعة على ذلك، فمعنى: “لا تدركه الأبصار”: لا تحيط به، كما أنه تعالى يعلمه الخلق ولا يحيطون به علما، كما في قوله تعالى عن فرعون: “حتى إذا أدركه الغرق( (يونس: 90) أي: أحاط به من كل جانب.
وهذا معنى قول ابن عباس قال (ذلك الله عز وجل إذا تجلى بنوره لم يقم له شيء) فالرب تبارك وتعالى يرى يوم القيامة بالأبصار عيانا ،ولكن يستحيل إدراك الأبصار له وان رأته، فالإدراك أمر وراء الرؤية، ولذلك قال ابن عباس لمن سأله عن الرؤية وأورد عليه:(لا تدركه الأبصار)
فقال “ألست ترى السماء” ؟
قال :بلى ،
قال : أفتدركها ؟
قال : لا .
قال فالله تعالى أعظم واجل.
خامسا / ثمار الإيمان بالاسم الجليل :
1- الإيمان باسمه اللطيف واثبات ما تضمنه من وصف الجمال والجلال والعظمة .
2- الإيمان بعظيم علم الله تعالى فلا يخفى عليها من المعلومات شيء وإن دقت وخفيت ولطفت.
3- أن الله لطيف بعباده، يريد لهم الخير واليُسر، ويقيض لهم أسباب الصلاح والبر، ومن لطفه بعباده أنه يسوق إليهم أرزاقهم، وما يحتاجونه في معاشهم، قال – تعالى -: ﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ ﴾ [الشورى: 19].
4- عدم اليأس والقنوط من رحمته سبحانه، وإحسان الظن به مهما تكالبت الخطوب واشتدت النوازل، فلرب فرج عظيم في باطن ضيق وهم،ولرب سعادة دائمة غُلفت بشقاء عابر، يقول ابن القيم –رحمه الله- عن يوسف وما جرى عليه من الأحداث : ” فكان ظاهر ما امتحن به يوسف من مفارقة أبيه، وإلقائه في السجن، وبيعه رقيقا، ثم مراودة التي هو في بيتها عن نفسه، وكذبها عليه، وسجنه، محنًا ومصائب، وباطنها نعمًا وفتحًا، جعلها الله سببًا لسعادته في الدنيا والآخرة” ا. هـ.، فقضاء الله كله خير للعبد المؤمن إن صبر واحتسب وأحسن الظن في اللطيف الخبير سبحانه.
5- الرفق بعباد الله : ، فإذا دعوت إلى الله عز وجل فكُنّ لطيفاً وكن ليناً وكُنْ رحيماً ، وإذا ولاك الله رئاسة أو مسؤولية فارفق بمن معك ، فالنبي عليه الصلاة والسلام دعا فقال ( اللهم من وليَ من أمرِ أمتي شيئًا فشقَّ عليهم ، فاشقق عليهِ ، ومن ولىَ من أمرِ أمتي شيئًا فرفقَ بهم ، فارفقْ بهِ ) رواه مسلم
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ” صحيح مسلم
وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ألا أخبركم بمن يحرم على النار ومن تحرم عليه النار؟ .. على كل قريب هين سهل” رواه الترمذي وصححه الألباني.
6- المحــــــاسبة والمراقبة :فإذا عَلِمَ العبد أن ربَّه متصفٌ بدقة العلم، وإحاطته بكل صغيرة وكبيرة، حــــاسب نفسه على أقواله وأفعاله، وحركاته وسكناته ؛ لأنه يعلم في كل وقتٍ وحين أنه بين يدي اللطيـــف الخبيــر{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14]
محمد أبو عبد الله
سلام الله عليكم و رحمته و بركاته
أسأل الله أن يلطف بك و لك ، و أن يجعل حظك من لطفه أعظم حظ و أوفر نصيب، و أن يلطف بك و من تحب حتى يسكنك الفردوس الأعلى.
محاضرة قيمة و رائعة استفدت منها كثيرة.
و لي طلب منك فضليتكم و أرجو أن تلطف بي و تتقبله بقبول لطيف.
قلت حفظكم الله ( لا يشغل حيّزاً وليس له جهة، ولا مكان، ولا زمان، وليس بجسم …. ولا متبعّض ولا متجزّئ ، فهذا الاسم من صفات التنزيه أي سبحانه أن يكون له جسم، أو أن يكون متحيّزاً، أو أن يَشغُل مكاناً، سبحانه أن يُحيط به زمان، سبحانه. ) فياليت تراجع هذه العبارات حيث لم ترد في الكتاب و السنة.
ز منهج أهل السنة في اللقاظ التي لم ترد في الكتاب و السنة هو التفصيل فيها : فينظر في المقصود منها فان كان جقا أثبتناه و أن كان باطلا رددناه.
مع الحرص على وصف الله بالاوصاف الشرعية ما أمكن.
و كذلك قلت ( و لا صورة ) و اطلاق صفة الصورة على الله وارد في السنة (فيأتيهم الله -تبارك وتعالى- في صورة غير صورته التي يعرفون) (متفق عليه)
نشهد الله على حبك و جمعنا بك في زمرة المتحابين في جلاله.
و نخن في خدمتك في السعودية محافظة جدة.
abojannah
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته اللهم آمين أجمعين
جزاكم الله خيرا وبارك فيك على النصيحة أخي محمد وقد تم التعديل لتكون العبارات واضحة على مذهب أهل السنة والجماعة
وأسأل الله أن يسعنا بعفوه ولطفه جميعا وأحبك الله الذي أحببتني فيه