شرح أسماء الله الحسنى:41- الحافظ ، 42 الحفيظ
أولا / المعنى اللغوي:
حفظ الشيء :مراعاته والمحافظة عليه .
والحفيظ :هو الحافظ فعيل بمعنى فاعل،مبالغة من الحفظ وعدم النسيان.
ثانيا / ورود هذين الأسمين في القرآن الكريم :
ورد اسم ( الحفيظ ) في عدة آيات من القرآن منها : قوله تعالى {إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} هود: من الآية57
و{وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} سـبأ: من الآية21، وغير ذلك من الآيات.
وأما الحافظ فقد ورد في قوله تعالى: ﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ يوسف: 64.
و قوله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ الحجر: 9.
ثالثا / المعنى في حق الله تعالى
الحفيظ سبحانه : هو الذي يحفظ عباده من المهالك ويقيهم مصارع السوء ، ويحفظ على الخلق أعمالهم ويحصى عليهم أقوالهم ويعلم بنياتهم وما تكنّ صدورهم ولا تخفى عليه خافية .
رابعا / تأملات في رحاب الاسمين:
الحفيظ ، له معنيان:
أحدهما : حفيظ بمعنى عليم:
فالله لا ينسى، حفيظ لا ينسى ، يحفظ على العباد ما عملوه من خير وشر ، وطاعة ومعصية ؛ بحيث لا يفوته من ذلك مثقال ذرة ، وحفظه لهذه الأعمال بمعنى ضبطه لها وإحصائه إياها ، فهو محيطٌ علماً بجميع أعمالهم، ظاهرها وباطنها .
وقد كتب ذلك في اللّوح المحفوظ وسمّاه حفيظا فقال:{وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} ق: من الآية4.
ووكّل بعباده ملائكة حفظة كراما كاتبين ووصفهم {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} الانفطار:10.
فما من شيء، وما من حركة أو سكنة إلاّ وهي محفوظة عند الله تعالى، قال عزّ وجلّ:{وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53)} القمر.
والمعنى الثاني : أنه تعالى الحافظ لعباده من جميع ما يكرهون .
وحفظه لخلقه نوعان : عام وخاص:
أما العام فهو حفظه لجميع المخلوقات بتيسيره لها أرزاقها ، وهذا يشترك فيه البر، والفاجر بل الحيوانات، وغيرها.
وأيضا بتيسيره تعالى ما يقيها ويحفظها، وبما تهتدي به إلى مصالحها {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طـه: من الآية50]
{قُلْ مَنْ يَكْلَؤكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ} [الأنبياء: من الآية42]
{أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} النمل:63.
وهو الذي يحفظ السموات، والأرض أن تزولا، ويحفظ الخلائق بنعمه، وقد وكل بالآدمي حفظة من الملائكة الكرام يحفظونه بأمر الله، أي يدفعون عنه كل ما يضره فقال تعالى:{ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّه} الرّعد: من الآية11.
والنوع الثاني: حفظه الخاص لأوليائه سوى ما تقدم، بحفظهم عما يضر إيمانهم أو يزلزل يقينهم من الشبه، والفتن، والشهوات فيعافيهم ويخرجهم منها بسلامة وحفظ وعافية، ويحفظهم من أعدائهم من الجن والإنس فينصرهم عليهم ويدفع عنهم كيدهم ، قال الله تعالى:” إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا” الحج: 38
وقفة مع وصية الرسول صلى الله عليه وسلم :(احفظ الله يحفظك)
يعني احفظ حدوده وحقوقه وأوامره ونواهيه ، وحفظ ذلك هو الوقوف عند أوامره بالامتثال، وعند نواهيه بالاجتناب ،وعند حدوده فلا يتجاوز ما أمر به وأذن فيه إلى ما نهى عنه ، فمن فعل ذلك فهو من الحافظين لحدود الله الذين مدحهم الله في كتابه ، قال عز وجل: “هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب”سورة ق 32 ،33
وفسر الحفيظ هنا بالحافظ لأوامر الله وبالحافظ لذنوبه ليتوب منها.
وقوله صلى الله عليه وسلم (يحفظك) يعني أن من حفظ حدود الله وراعى حقوقه حفظه الله فإن الجزاء من جنس العمل كما قال تعالى :”وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم” البقرة 40
وقال “فاذكروني أذكركم” البقرة152
قال ابن رجب الحنبلي :( من شرح جامع العلوم والحكم بتصرف واختصار )
وحفظ الله لعبده يدخل فيه نوعان:
أحدهما : حفظه له في مصالح دنياه كحفظه في بدنه وولده وأهله وماله قال الله عز وجل (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) الرعد 11
أي: للعبد ملائكة يتعاقبون عليه؛ حرس بالليل، وحرس بالنهار، يحفظونه من السوء ، بأمر الله .
عن ابن عباس قال: ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، فإذا جاء قدر الله، خلوا عنه، وقال مجاهد: ما من عبد إلا له ملك موكل، يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام، فما منها شيء يأتيه يريده، إلا قال له الملك: وراءك، إلا شيء أذن الله فيه، فيصيبه.
وقال على – رضي الله عنه- : إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه وإن الأجل جنة حصينة.
وقال ابن عمر قال لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح “اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهل ومالي اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي” رواه أحمد وأبو داود والنسائي
ومن حفظ الله في صباه وقوته حفظه الله في حال كبره وضعف قوته ، ومتعه بسمعه وبصره وحوله وقوته وعقله ، وكان محب الدين الطبري قد جاوز المائة سنة وهو ممتع بقوته وعقله فوثب يوما وثبة شديدة فعوتب في ذلك فقال هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر.
وعكس هذا أن بعض السلف رأى شيخا يسأل الناس فقال إن هذا ضعيف ضيع الله في صغره فضيعه الله في كبره.
ويقول ابن الجوزي :وقد يهان الشيخ في كبره حتى ترحمه القلوب، ولا يدري أن ذلك لإهماله حق الله تعالى في شبابه!
فمن حفظ الله حفظه الله من كل أذى كما قال بعض السلف : (من اتقى الله فقد حفظ نفسه ومن ضيع تقواه فقد ضيع نفسه والله غنى عنه)
وقد يحفظ الله العبد بصلاحه بعد موته في ذريته كما قيل في قوله تعالى “وكان أبوهما صالحا” الكهف 82 أنهما حفظا بصلاح أبيهما.
وقال سعيد بن المسيب لابنه لأزيدن في صلاتي من أجلك رجاء أن أحفظ فيك ثم تلا هذه الآية “وكان أبوهما صالحا”.
ومن عجيب حفظ الله لمن حفظه أن يجعل الحيوانات المؤذية بالطبع حافظة له من الأذى كما جرى لسفينة مولى النبي صلى الله عليه وسلم عندما ركب سفينة في البحر ، وفجأة انكسرت السفينة وتعلق رضي الله عنه في لوح السفينة التي تكسرت ، فأخذت الأمواج اللوح و جعلت تدفعه إلى الشاطئ ؛ حتى قذفه الموج على الشاطئ سالما….
فنظر حوله، فوجد نفسه في غابة بها أشجار كثيرة ، و فجأة سمع صوتا رهيبا مخيفا ، فالتفت فإذا بأسد متوحش قادم عليه يريده …….فلجأ إلى الله تعالى ، ثم أقبل سفينة إلى الأسد في شجاعة و ثقة بالله و قال له : يا أبا الحارث (كنية الأسد عند العرب) أنا سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما سمع الأسد ذلك منه هدأ و طأطأ رأسه و أصبح كالقط الوديع ، ثم أقبل على سفينة رضي الله عنه يدفعه بمنكبه حتى أخرجه من الغابة كأنه يحرسه و يدله على الطريق ، ثم التفت الأسد إلى سفينة رضي الله عنه و همهم بصوت ضعيف كأنه يودعه.
وعكس هذا أن من ضيع الله ضيعه الله فضاع بين خلقه حتى يدخل عليه الضرر والأذى ممن كان يرجو نفعه من أهله وغيرهم كما قال بعض السلف إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق خادمي ودابتي.
النوع الثاني من الحفظ : حفظ الله للعبد في دينه وإيمانه:
فيحفظه في حياته من الشبهات المضلة ومن الشهوات المحرمة ويحفظ عليه دينه عند موته فيتوفاه على الإيمان وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمره أن يقول عند منامه ( إن قبضت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين)
وفي حديث عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه أن يقول: (اللهم احفظني بالإسلام قائما واحفظني بالإسلام قاعدا واحفظني بالإسلام راقدا ولا تطمع في عدوا ولا حاسدا) خرجه ابن حبان وفي سنده ضعف
وفي الجملة فإن الله عز وجل يحفظ المؤمن الحافظ لحدود دينه ويحول بينه وبين ما يفسد عليه دينه بأنواع من الحفظ وقد لا يشعر العبد ببعضها وقد يكون كارها له كما قال في حق يوسف عليه السلام (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين) يوسف 24
قال ابن عباس في قوله تعالى ” واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه” (الأنفال 24) قال يحول بين المؤمن وبين المعصية التي تجره إلى النار
وقال الحسن البصري: وقد ذكر أهل المعاصي هانوا عليه فعصوه ولو عزوا عليه لعصمهم.
خامسا / ثمار الإيمان بالاسم الجليل
1- الحافظ لهذه السماوات السبع والأرضين وما فيها هو الله وحده لا شريك له، وهو – سبحانه – يحفظ السماء أن تقع على الأرض، قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنبياء: 32]. وقال – سبحانه -: ﴿ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ الحج: 65.
2- الله – سبحانه – هو الذي يحفظ أعمال عباده فلا يضيع منها شيئًا ويوافيهم بها يوم الحساب، وفي الحديث القدسي: “يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا”. وقال تعالى: ﴿ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا ﴾ [النبأ: 29].
وقد وَكَّلَ بهذه الأعمال حَفَظَةً كِرامًا من الملائكة، قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الانفطار: 10 – 12].
ولا يسقط من الصحف شيئًا ولو صغر، قال تعالى: ﴿ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ﴾ الكهف: 49.
3- أن الله تعالى هو الذي يحفظ العبد من الشرور والآفات ويحفظه من عقابه وعذابه إن هو حفظ حدود الله واجتنب محارمه، والنبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ”
4- أن المحفوظ هو ما حفظه الله – سبحانه – وتعالى – وشاء له أن يُحفظ، وأما من شاء الله أن يضيع أو يتغير فإنه ضائع لا محالة، وقد تَكَفَّلَ الله بحفظ كتابه العزيز من التغيير، والتبديل إلى يوم القيامة، قال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9
5- الله هو الحافظ من كل أذى وسوء {فاللهُ خيرٌ حافظًا وهو أرحمُ الراحمين }يوسف 64
قالها يعقوب عليه السلام لما ضاع منه يوسف…وتذكّر أن الفرقة حلت بينه وبين ابنه الحبيب……وأن فلذة كبده لا يدري هل يعود أم لا ؟!
قال بعض العلماء فقد يعقوب عليه السلام ابنه يوسف عليه السلام أكثر من عشرين سنة !
فرده الذي هو خير حافظًا وهو أرحم الراحمين.
{فالله خيرٌ حافظًا} من كل أحد،{وهو أرحم الراحمين} أرحم بعباده من الأم بولدها.
فما ينزل بالناس من مكروه،فهو واقع بهم من رب رحيم،فهو رحمة بالنسبة لما هو أقسى منه و أوجع!
هذه عقيدة راسخة في قلوب أوليائه،ومهما حدث فإنه بتقدير الله الحكيم الذي رحمته سبقت غضبه.