جاءت الأحاديث مصرحة بأن المرض يكفر السيئات ويمحو الذنوب ، نذكر بعضها فيما يلي :
1 – عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” من يرد الله به خيرا يصب منه ” رواه البخاري ومسلم
2 – ورويا عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : ” ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه “
ـ نصب: تعب
ـ وَصَب: وجع أو مرض، وقيل: هو الوجع اللازم، ومنه قوله تعالى: { وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ } الصافات:9 ، أي: لازم.
ـ الهم: يكون على مكروه يتوقع في المستقبل يهتم به القلب .
ـ الحزن: على مكروه ماض من فوت محبوب أو حصول مكروه إذا تذكره أحدث له حزناً.
3 – عن ابن مسعود ، قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك ، فقلت يا رسول الله إنك توعك وعكا شديدا ، قال أجل : ” إني أوعك كما يوعك رجلان منكم . ” قلت : ذلك أن لك أجرين ؟ قال : ” أجل ذلك كذلك ، ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها ” . رواه البخاري
الوعك : حرارة الحمى وألمها . يقال : وعكه المرض وعكا ووعكة فهو موعوك ، أي اشتد به.
4- عن أم العلاء ـ رضي الله عنها ـ قالت: “عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريضة فقال: أبشري يا أم العلاء فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه كما تذهب النار خبث الذهب والفضة” وأخرجه أبو داود و قال الألباني في الصحيحة إسناده جيد
ـ أم العلاء ـ رضي الله عنها ـ: هي عمة حكيم بن حزام وكانت من المبايعات.
الصبر عند المرض :
على المريض أن يصبر على ما ينزل به من ضر ، فما أعطى العبد عطاء خيرا وأوسع له من الصبر .
1- روى مسلم عن صهيب بن سنان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير – وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن – إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ” .
2 – وروى البخاري عن أنس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” إن الله تعالى قال : إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة ” يريد عينيه .
حبيبتيه :عينيه يعنى يبتليه بالعمى .
3 – وروى البخاري ومسلم عن عطاء بن رباح عن ابن عباس قال : ألا أريك امرأة من أهل الجنة فقلت : بلى ، فقال هذه المرأة السوداء ، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إني أصرع ، وإني أتكشف ، فادع الله تعالى لي . فقال : ” إن شئت صبرت ولك الجنة ، وإن شئت دعوت الله تعالى أن يعافيك ؟ ” فقالت : أصبر ، ثم قالت ، إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف ، فدعا لها .
الشكوى من الله والشكوى من المرض :
يجوز للمريض أن يشكو للطبيب والصديق ما يجده من الألم والمرض ما لم يكن ذلك على سبيل التسخط وإظهار الجزع ، وقد تقدم قول الرسول صلى الله عليه وسلم ، ” إني أوعك كما يوعك رجلان منكم “
وينبغي أن يحمد المريض ربه قبل ذكر ما به ؛ قال ابن مسعود : إذا كان الشكر قبل الشكوى فليس بشاك والشكوى إلى الله مشروعة ، قال يعقوب : ( إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ) وقال الرسول : ” اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ” الخ .
المريض يكتب له ما كان يعمل وهو صحيح :
عن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا ” رواه البخاري
عيادة المريض
من أدب الإسلام أن يعود المسلم المريض ويتفقد حاله تطبيبا لنفسه ووفاء بحقه .
حكمها :
ذهب بعض العلماء إلى أنها سنة مؤكدة قال ابن عباس : عيادة المريض أول يوم سنة وبعد ذلك تطوع .
واختار شيخ الإسلام أنها فرض كفاية ، لما ثبت في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم : حق المسلم على المسلم ست ، قيل : ما هن يا رسول الله ؟ قال إذا لقيته فسلم عليه ، وإذا دعاك فأجبه ، وإذا استنصحك فانصح له ، وإذا عطس فحمد الله فشمته ، وإذا مرض فعده ، وإذا مات فاتبعه “
وقال البخاري : ” باب وجوب عيادة المريض عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” أطعموا الجائع وعودوا المريض : وفكوا العاني “
العاني : الأسير
فضلها :
1- عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من عاد مريضا نادى مناد من السماء طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا ” حسنه الألباني في صحيح الترمذي .
2 – وروى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” إن الله عز وجل يقول يوم القيامة : يا ابن آدم مرضت فلم تعدني .
قال : يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين ؟
قال : أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده ، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده ؟
يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال : يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين ؟ !
قال : أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه ، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي ؟
يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني ؟
قال : يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين ؟
قال : استسقاك عبدي فلان فلم تسقه ، أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي “
3 – وعن علي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” ما من مسلم يعود مسلما غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي ، وإن عاده عشية صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح ، وكان له خريف في الجنة ” صححه الألباني في صحيح الترمذي .
والخريف هو البستان ..
حد المريض الذي تجب عيادته :
هو المريض الذي يحبسه مرضه عن شهود الناس ، أما إذا كان مريضاً ولكنه يخرج ويشهد الناس فلا تجب عيادته .
عيادة الرجل المرأة الأجنبية وعيادة النساء الرجال :
ولا حرج في عيادة الرجل المرأة الأجنبية ، أو المرأة الرجل الأجنبي عنها ، إذا توفرت الشروط الآتية : التستر ، وأمن الفتنة ، وعدم الخلوة .
قال الإمام البخاري : ” باب عيادة النساء الرجال ، وعادت أم الدرداء رجلاً من أهل المسجد من الأنصار ” .
وعن عائشة أنها قالت : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر ، وبلال رضي الله عنهما .
قالت فدخلت عليهما فقلت : يا أبت كيف تجدك ؟ ويا بلال كيف تجدك ؟ قالت : وكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول : كل امرئ مصبح في أهله والموت أدنى من شراك نعله وكان بلال إذا أقلعت عنه يقول :
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة *** بواد وحولي اذخر وجليل
وهل أردن يوما مياه مجنة **** وهل يبدون لي شامة وطفيل
قالت عائشة : فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فقال :” اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد ، اللهم وصححها وبارك في مدها وصاعها ، وانقل حماها فاجعلها بالجحفة ” .
وروى مسلم عَنْ أَنَسٍ : أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِعُمَرَ رضي الله عنهم بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : ( انْطَلِقْ بِنَا إلَى أُمِّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَزُورُهَا , وَذَهَبَا إلَيْهَا ) .
قال ابن الجوزي : ” وَالأَوْلَى حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لا يُخَافُ مِنْهَا فِتْنَةٌ كَالْعَجُوزِ ” انتهى
عيادة غير المسلم :
ولا حرج في عيادة غير المسلم إذا ترتب على ذلك مصلحة ؛ فقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم غلاماً يهودياً ودعاه إلى الإسلام فأسلم . رواه البخاري
وحضر النبي صلى الله عليه وسلم موت عمه أبي طالب فدعاه إلى الإسلام فأبى . متفق عليه .
والمصلحة في ذلك قد تكون دعوته إلى الإسلام , أو كف شره أو تأليف قلبه وقلب أهله ونحو ذلك .
هل يكرر العيادة ؟
اختار بعض العلماء أنه لا يعوده كل يوم حتى لا يثقل عليه , والصواب أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال , فبعض الناس يستأنس بهم المريض ويشق عليه عدم رؤيتهم كل يوم ، فهؤلاء يسن لهم المواصلة ما لم يعلموا من حال المريض أنه يكره ذلك .
لا يطيل الجلوس عند المريض
ينبغي أن لا يطيل الجلوس عند المريض , بل تكون الزيارة خفيفة حتى لا يشق عليه , أو يشق على أهله ، فإن المريض قد تمر به حالات أو أوقات يتألم فيها من المرض ، أو يفعل ما لا يحب أن يطلع عليه أحد ؛ فإطالة الجلوس عنده يوقعه في الحرج .
ويذكر أن الإمام أبو حنيفة مرض وعاده بعض الناس في بيته وجلسوا وأطالوا في الزيارة حتى ضجر منهم فقال لهم ماالذي أتى بكم ؟
قالوا جئنا نعودك في مرضك .
قال :قوموا عني فقد شفاني الله !!!
إلا أنه يعمل في ذلك بقرائن الأحوال، فقد يحب المريض من بعض الناس طول الجلوس عنده .
وقت الزيارة :
وأما وقت الزيارة , فلم يرد في السنة ما يدل على تخصيصها بوقت معين , قال ابن القيم : لم يخص صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام , ولا وقتاً من الأوقات بعيادة , بل شرع لأمته ذلك ليلاً ونهاراً , وفي سائر الأوقات اهـ . “زاد المعاد” (1/497) .
وكان بعض السلف يعود المريض في أول النهار أو أول المساء حتى تصلي عليه الملائكة وقتاً أطول ، عملاً بالحديث المتقدم : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً إلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ , وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ ) .
لكن يجب مراعاة حال المريض والأرفق به ، فلا ينبغي للزائر أن يختار الوقت الأنسب له ، ولو كان في ذلك مشقة على المريض أو على أهله ، ويمكن تنسيق ذلك بالاتفاق مع المريض نفسه أو أهله .
وقد تتسبب كثرة زيارات الناس للمرضى وعدم مراعاتهم تخفيفها واختيار الوقت المناسب لها في زيادة المرض على المريض .
الدعاء للمريض :
وينبغي أن يدعو للمريض بما ثبت في السنة : ( لا بأس ، طهور إن شاء الله ) رواه البخاري .
ويدعو له بالشفاء ثلاثاً , فقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص وقال : ( اللهم اشف سعداً ، ثلاثاً ) رواه البخاري ومسلم
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمسح بيده اليمنى على المريض ويقول : ( أَذْهِبْ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ , وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي , لا شِفَاءَ إِلا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا ) رواه مسلم
ولأحمد وأبي داود أن النَّبِيًّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَقَالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مِرَارٍ : أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ إِلا عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ ) صححه الألباني في صحيح أبو داود .
وينبغي أن يسأله عن حاله : كيف حالك ؟ كيف تجدك ؟ ونحو ذلك ، فقد ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم . رواه الترمذي وحسنه الألباني .
وثبت ذلك عن عائشة في صحيح البخاري لما عادت أبا بكر وبلالاً رضي الله عنهما كما سبق .
وينفس له في الأجل
ورد في ذلك حديث عند الترمذي وهو حديث ضعيف : ( إِذَا دَخَلْتُمْ عَلَى الْمَرِيضِ فَنَفِّسُوا لَهُ فِي أَجَلِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لا يَرُدُّ شَيْئًا وَيُطَيِّبُ نَفْسَهُ ) ضعفه الألباني في ضعيف الترمذي .
ولكن يشهد له من حيث المعنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا بأس ، طهور إن شاء الله ) فينبغي أن يهون عليه ما يجد ، ويبشره بحصول الشفاء والعافية إن شاء الله تعالى , فإن ذلك يطيب نفس المريض .
التداوي :
الأصل في حكم التداوي أنه مشروع ، لما ورد في شأنه في السنة القولية والفعلية ، ولما فيه من حفظ النفس الذي هو أحد المقاصد الكلية من التشريع ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتداوي في أكثر من حديث :
1 – عن أسامة بن شريك أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل يا رسول الله أنتداوى ؟ فقال ” تداووا فان الله لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد ، الهرم . رواه أحمد
2- وعن ابن مسعود : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء فتداووا . ” رواه النسائي
3- وعن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله . ” رواه مسلم
وتختلف أحكام التداوي باختلاف الأحوال والأشخاص :
– فيكون واجباً على الشخص إذا كان تركه يفضي إلى تلف نفسه أو أحد أعضائه أو عجزه ، أو كان المرض ينتقل ضرره إلى غيره ، كالأمراض المعدية .
– ويكون مندوباً إذا كان تركه يؤدي إلى ضعف البدن ولا يترتب عليه ما سبق الحالة الأولى .
– ويكون مباحاً إذا لم يندرج في الحالتين السابقتين .
– ويكون مكروهاً إذا كان بفعل يخاف منه حدوث مضاعفات أشد من العلة المراد إزالتها .
حكم علاج الحالات الميئوس منها :
أ – مما تقتضيه عقيدة المسلم أن المرض والشفاء بيد الله عز وجل ، وأن التداوي والعلاج أخذ بالأسباب التي أودعها الله تعالى في الكون وأنه لا يجوز اليأس من روح الله أو القنوط من رحمته ، بل ينبغي بقاء الأمل في الشفاء بإذن الله .
وعلى الأطباء وذوي المرضى تقوية معنويات المريض ، والدأب في رعايته وتخفيف آلامه النفسية والبدنية بصرف النظر عن توقع الشفاء أو عدمه .
ب – إن ما يعتبر حالة ميئوسا من علاجها هو بحسب تقدير الأطباء وإمكانات الطب المتاحة في كل زمان ومكان وتبعاً لظروف المرضى .
هل يشترط إذن المريض ؟
أ – يشترط إذن المريض للعلاج إذا كان تام الأهلية ، فإذا كان عديم الأهلية أو ناقصها اعتبر إذن وليه حسب ترتيب الولاية الشرعية ووفقاً لأحكامها التي تحصر تصرف الولي فيما فيه منفعة المولي عليه ومصلحته ورفع الأذى عنه ؛ على أن لا يُعتد بتصرف الولي في عدم الإذن إذا كان واضح الضرر بالمولى عليه ، وينتقل الحق إلى غيره من الأولياء ثم إلى ولي الأمر .
ب – لولي الأمر الإلزام بالتداوي في بعض الأحوال ، كالأمراض المعدية والتحصينات الوقائية .
جـ- في حالات الإسعاف التي تتعرض فيها حياة المصاب للخطر لا يتوقف العلاج على الإذن .
د- لابد في إجراء الأبحاث الطبية من موافقة الشخص التام الأهلية بصورة خالية من شائبة الإكراه – كالمساجين – أو الإغراء المادي – كالمساكين – ويجب أن لا يترتب على إجراء تلك الأبحاث ضرر، ولا يجوز إجراء الأبحاث الطبية على عديمي الأهلية أو ناقصيها ولو بموافقة الأولياء
التداوي بالمحرم :
ذهب جمهور العلماء إلى حرمة التداوي بالخمر وغيرها من المحرمات ، واستدلوا بالأحاديث الآتية :
1 – روى مسلم وأبو داود والترمذي عن وائل بن حجر الحضرمي ، أن طارق بن سويد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر يصنعها للدواء ؟ .
فقال : ” إنها ليست بدواء ، ولكنها داء ” . فأفاد الحديث حرمة التداوي بها ، وأخبر بأنها داء .
2 – وروى البيهقي وصححه ابن حبان ، عن أم سلمة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم ” وذكره البخاري عن ابن مسعود.
هل يداوي الرجل المرأة والمرأة الرجل ؟
يجوز للرجل أن يداوي المرأة ، ويجوز للمرأة أن تداوي الرجل عند الضرورة .
قال البخاري : هل يداوي الرجل المرأة والمرأة الرجل ، ثم روى عن ربيع بنت معوذ بن عفراء . قالت : كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نسقي القوم ، ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة .
وقال الحافظ في الفتح : يجوز مداواة الأجانب عند الضرورة ، وتقدر بقدرها فيما يتعلق بالنظر والجس باليد وغير ذلك .
وقال ابن مفلح في كتاب الآداب الشرعية : فإن مرضت امرأة ولم يوجد من يطبها غير رجل ، جاز له منها نظر ما تدعو الحاجة إلى نظره منها حتى الفرجين ، وكذا الرجل مع الرجل .
قال ابن حمدان : وان لم يوجد من يطبه سوى امرأة ، فلها نظر ما تدعو الحاجة إلى نظرها منه حتى فرجيه .
قال القاضي : يجوز للطيب أن ينظر من المرأة إلى العورة عند الحاجة ، وكذلك يجوز للمرأة والرجل ، أن ينظرا إلى عورة الرجل عند الضرورة .
القواعد والضوابط في مسألة ” النظر للعلاج “
أولا : عورة الرجل ما بين السرّة والركبة لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ما بين السُّرَّة والركبة عورة ) حديث حسن رواه أحمد وأبو داود والدار قطني . وهذا قول جمهور أهل العلم .
ثانيا : المرأة كلها عورة ما عد الوجه والكفين أمام الأجنبي .
ثالثا : تَعمّد النظر إلى العورات من المحرمات الشديدة ويجب غضّ البصر عنها لقوله تعالى : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون . وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن .. الآية } وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ، ولا المرأة إلى عورة المرأة .. ) رواه مسلم وقال لعلي رضي الله عنه : ( لا تنظر إلى فخذ حيّ ولا ميّت ) رواه أبو داود وهو حديث صحيح
رابعا : العورات أنواع ودرجات فمنها العورة المغلّظة ( السوأتان : القُبُل والدُّبُر ) والعورة المخففة كفخذي الرّجل أمام الرّجل .
والصغير دون سبع سنين لا حكم لعورته ، والصغير المميِّز ـ من السابعة إلى العاشرة ـ عورته الفرجان ، والصغيرة المميِّزة عورتها من السرّة إلى الركبة ، ( وكلّ ذلك عند أَمْن الفتنة ) وعورة الميّت كعورة الحيّ.
خامسا : الضرورات تبيح المحظورات ، ولا خلاف بين العلماء في جواز نظر الطبيب إلى موضع المرض من المرأة عند الحاجة ضمن الضوابط الشرعية ، وكذلك القول في نظر الطبيب إلى عورة الرجل المريض ، فيباح له النظر إلى موضع العلّة بقدر الحاجة ، والمرأة الطبيبة في الحكم كالطبيب الرجل .
وهذا الحكم مبني على ترجيح مصلحة حفظ النفس على مصلحة ستر العورة عند التعارض .
سادسا : ” الضرورة تُقدَّر بقدرها ” : فإذا جاز النظر والكشف واللمس وغيرها من دواعي العلاج لدفع الضرورة والحاجة القويّة فإنه لا يجوز بحال من الأحوال التعدّي وترك مراعاة الضوابط الشرعية ومن هذه الضوابط ما يلي :
1ـ يقدّم في علاج الرجال الرجال وفي علاج النساء النساء وعند الكشف على المريضة تُقدّم الطبيبة المسلمة صاحبة الكفاية ثمّ الطبيبة الغير مسلمة ثمّ الطبيب المسلم ثمّ الطبيب غير المسلم ، وكذلك إذا كانت تكفي الطبيبة العامة فلا يكشف الطبيب ولو كان مختصا ، وإذا احتيج إلى مختصة من النساء فلم توجد جاز الكشف عند الطبيب المختص ، وإذا كانت المختصة لا تكفي للعلاج وكانت الحالة تستدعي تدخّل الطبيب الحاذق الماهر الخبير جاز ذلك ، وعند وجود طبيب مختص يتفوّق على الطبيبة في المهارة والخبرة فلا يُلجأ إليه إلا إذا كانت الحالة تستلزم هذا القدر الزائد من الخبرة والمهارة ، وكذلك يُشترط في معالجة المرأة للرجل أن لا يكون هناك رجل يستطيع أن يقوم بالمعالجة .
2ـ لا يجوز تجاوز الموضع اللازم للكشف فيقتصر على الموضع الذي تدعو الحاجة إلى النظر إليه فقط ، ويجتهد مع ذلك في غضّ بصره ما أمكن ، وعليه أن يشعر أنه يفعل شيئا هو في الأصل محرّم وأن يستغفر الله عما يمكن أن يكون حصل من التجاوز .
3ـ إذا كان وصف المرض كافيا فلا يجوز الكشف وإذا أمكن معاينة موضع المرض بالنظر فقط فلا يجوز اللمس وإذا كان يكفي اللمس بحائل فلا يجوز اللمس بغير حائل وهكذا .
4ـ يُشترط لمعالجة الطبيب المرأة أن لا يكون ذلك بخلوة فلا بدّ أن يكون مع المرأة زوجها أو محرمها أو امرأة أخرى من الثقات .
5ـ أن يكون الطبيب أمينا غير متهم في خلقه ودينه ويكفي في ذلك حمل الناس على ظاهرهم .
وختاما فإنه لا بدّ من تقوى الله في هذه المسألة العظيمة التي احتاطت لها الشريعة وجعلت لها أحكاما واضحة وحازمة . وإن مما عمّت به البلوى في هذا الزمان التساهل في مسائل الكشف عن العورات في العيادات والمستشفيات وكأن الطبيب يجوز له كلّ شيء ويحلّ عنده كلّ محظور .
منع التنفس الصناعي عن المريض وحكم قتل الرحمة
أولا : لا يجوز رفع أو منع جهاز التنفس الصناعي عن المريض إلا في حال الجزم بأنه في حكم الميت لتعطل جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً ، أو لتوقف قلبه وتنفسه توقفاً تاماً بحيث يحكم الأطباء بأن هذه التوقف لا رجعة فيه .
وقد جاء في قرار المجلس الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته العاشرة في 24/2/1408هـ :
” المريض الذي ركبت على جسمه أجهزة الإنعاش يجوز رفعها إذا تعطلت جميع وظائف دماغه نهائياً ، وقررت لجنة من ثلاثة أطباء اختصاصيين خبراء ، أن التعطل لا رجعة فيه ، وإن كان القلب والتنفس لا يزالان يعملان آلياً ، بفعل الأجهزة المركبة ، لكن لا يحكم بموته شرعاً إلا إذا توقف التنفس والقلب ، توقفاً تاماً بعد رفع هذه الأجهزة ” انتهى .
وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة الأردن من 8-13 صفر 1407هـ /11-16 تشرين الأول (أكتوبر) 1986م ، بعد التداول في سائر النواحي التي أثيرت حول موضوع أجهزة الإنعاش واستماعه إلى شرح مستفيض من الأطباء المختصين : ” يعد شرعاً أن الشخص قد مات وتترتب جميع الأحكام المقررة شرعا للوفاة عند ذلك إذا تبينت فيه إحدى العلامتين التاليتين :
1) إذا توقف قلبه وتنفسه توقفاً تاماً وحكم الأطباء بأن هذه التوقف لا رجعة فيه .
2) إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً ، وحكم الأطباء الاختصاصيون الخبراء بأن هذا التعطل لا رجعة فيه ، وأخذ دماغه في التحلل .
وفي هذه الحالة يسوغ رفع أجهزة الإنعاش المركبة على الشخص وإن كان بعض الأعضاء كالقلب مثلاً ، لا يزال يعمل آليا بفعل الأجهزة المركبة ” انتهى .
ثانياً :لا يجوز ما يسمى بقتل الرحمة سواء كان بمنع الدواء عن المريض أو بغير ذلك من الوسائل ، وهو من القتل المحرم الذي جعله النبي صلى الله عليه وسلم من أكبر الكبائر ، ولا يستثنى من ذلك إلا ما سبق ذكره فيمن كان في حكم الموتى .
وأما منع الدواء الذي تتوقف عليه الحياة ، بحجة التخفيف عن المريض وإنهاء تألمه ومعاناته فلا يجوز وهو من القتل المحرم
العلاج بالرقي والأدعية :
يشرع العلاج بالرقى والأدعية إذا كانت مشتملة على ذكر الله ، وكانت باللفظ العربي المفهوم لان مالا يفهم ، لا يؤمن أن يكون فيه شئ من الشرك
فعن عوف بن مالك . قال : كنا نرقى في الجاهلية فقلنا : يا رسول الله كيف ترى في ذلك ؟ فقال اعرضوا علي رقاكم ؛ لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك ” رواه مسلم وأبو داود
وقال الربيع : سألت الشافعي عن الرقية فقال : لا بأس أن ترقى بكتاب الله ، وبما تعرف من ذكر الله قلت : أيرقى أهل الكتاب المسلمين ؟ قال نعم ، إذا رقوا بما يعرف من كتاب الله وبذكر الله .
بعض الأدعية الواردة في ذلك:
1 – روى البخاري ومسلم عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوذ بعض أهله ، يمسح بيده اليمنى ويقول : ” اللهم رب الناس أذهب البأس ( شدة المرض ) أشف وأنت الشافي ، لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما ” .
2 – وروى مسلم عن عثمان بن أبي العاص أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا بحدة في جسده ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ضع يدك على الذي يألم من جسدك وقل : باسم الله ، وقل : سبع مرات : أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر ” قال ففعلت ذلك مرارا فأذهب الله ما كان بي فلم أزل آمر به أهلى وغيرهم .
3 – وروى الترمذي عن محمد بن سالم قال : قال لى ثابت البناني : يا محمد إذا اشتكيت فضع يدك حيث تشتكي ، ثم قل : بسم الله أعوذ بعزة الله من شر ما أجد من وجعي هذا ، ثم ارفع يدك ، ثم أعد ذلك وترا ، فان أنس بن مالك حدثني : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه بذلك .
4 – وعن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” من عاد مريضا لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرات : أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك ، إلا عافاه الله من ذلك المرض ” . رواه أبو داود والترمذي وقال : حسن . وقال الحاكم : صحيح على شرط البخاري .
5 – وروى البخاري عن ابن عباس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين : ” أعيذ كما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة ويقول : ” إن أباكما كان يعوذ بهما إسماعيل و إسحاق ” .
الهامة ” : كل ذات سم قاتل تجمع على هوام ، وقد تطلق على ما يدب من الحيوان .
” واللامة ” : التي تصيب بسوء .
أباكما : يقصد إبراهيم عليه السلام
– وروى مسلم عن سعد بن أبي وقاص ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاده في مرضه فقال : ” اللهم اشف سعدا ، اللهم اشف سعدا ، اللهم اشف سعدا ” .
حكم كتابة آيات قرآنية في إناء يغسله ويشربه المريض
لا بأس بذلك ، فقد ورد هذا عن بعض السلف ، ونَصَّ كثير من العلماء على جوازه .
قال ابن القيم رحمه الله في “زاد المعاد” (4/170) عن الرقية من العَيْن :
“ورأى جماعة من السلف أن تكتب له الآيات من القرآن ، ثم يشربها . قال مجاهد : لا بأس أن يكتب القرآن ويغسله ويسقيه المريض ، ومثله عن أبي قلابة ، ويُذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنه أمر أن يكتب لامرأة تعسر عليها ولادها أثرٌ من القرآن ، ثم يغسل وتسقى .
وقال أيوب : رأيت أبا قلابة كتب كتابا من القرآن ثم غسله بماء وسقاه رجلا كان به وجع” انتهى .
النهي عن التمائم (ما يسمى بالحجاب )
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التمائم .
1 – فعن عقبة بن عامر ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” من علق تميمة فلا أتم الله له . ومن علق ودعة فلا أودع الله له ” رواه أحمد والحاكم . وقال : صحيح الإسناد .
والتميمة : هي الخرزة التي كان العرب يعلقونها على أولادهم يمنعون بها العين في زعمهم ، فأبطله الإسلام ونهى عنه .
ودعا رسول الله على من علق تميمة بعدم التمام ، لما قصده من التعليق .
2 – وعن ابن مسعود رضي الله عنه : أنه دخل على امرأته ، وفي عنقها شئ معقود ، فجذبه فقطعه . ثم قال : لقد أصبح آل عبد الله أغنياء أن يشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا . ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الرقى والتمائم والتولة شرك ” قالوا : يا أبا عبد الله هذه التمائم والرقى قد عرفناها ، فما التولة ؟ قال : شئ يصنعه النساء يتحببن الى أزواجهن . رواه الحاكم وابن حبان وصححاه .
3 – وعن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر على عضد رجل حلقة أراه قال : ” من صفر ” ، فقال : ” ويحك ما هذه ؟ ” قال : من الواهنة . قال ” أما إنها لا تزيد إلا وهنا ، انبذها عنك ، فانك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا ” رواه أحمد .
والواهنة : عرق يأخذ في المنكب وفي اليد كلها ، وقيل : مرض يأخذ في العضد .
وقد علق الرجل حلقة من نحاس ، ظنا منه أنها تعصمه من الألم ، فنهاه الرسول عنها ، وعدها من التمائم .
4 – وروى أبو داوود عن عيسى بن حمزة قال : دخلت على عبد الله بن حكيم وبه حمرة ، فقلت ألا تعلق تميمة ؟ فقال : نعوذ بالله من ذلك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من علق شيئا وكل إليه ” .