فقه الجنائز : 7- فقه صلاة الجنازة
صلاة الجنازة :
حكمها :
الصلاة على الميت ، فرض كفاية ، لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ، ولمحافظة المسلمين عليها .
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين فيسأل هل ترك لدينه فضلا ؟ فإن حدث أنه ترك وفاء صلى ، وإلا قال للمسلمين : ” صلوا على صاحبكم ” .
فضلها :
1 -قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ. رواه مسلم
2- وروى الجماعة عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” من تبع جنازة وصلى عليها ، فله قيراط ؛ ومن تبعها حتى يفرغ منها فله قيراطان ، أصغرهما مثل أحد أو أحدهما مثل أحد ” .
فله قيراط : معناه : إن العمل يتجسم على قدر جرم الجبل المذكور تثقيلا للميزان .
3 – عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ . قِيلَ : وَمَا الْقِيرَاطَانِ ؟ قَالَ : مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ ) رواه البخاري ومسلم .
4- وروى مسلم عن خباب رضي الله عنه ، قال : يا عبد الله بن عمر ، ألا تسمع ما يقول أبو هريرة ؟ إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” من خرج مع جنازة من بيتها وصلى عليها ثم تبعها حتى تدفن كان له قيراطان من أجر ، كل قيراط مثل أحد . ومن صلى عليها ثم رجع
كان له مثل أحد . ” فأرسل ابن عمر رضي الله عنهما خبابا إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة ثم يرجع إليه فيخبره ما قالت ، فقال : قالت عائشة : صدق أبو هريرة فقال ابن عمر رضي الله عنهما : لقد فرطنا في قراريط كثيرة .
هل تشييع الجنازة بدون صلاة له أجر أم لا ؟
من تبع الجنازة دون أن يصلي عليها أو يشهد دفنها ، لا يدخل في هذا الوعد ، لكن يرجى له أن يحصل له ثواب بحسب نيته .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : ” قال الزين بن المنيّر ما محصله : … القيراط لا يحصل إلا لمن اتبع وصلى ، أو اتبع وشيّع وحضر الدفن ، لا لمن اتبع مثلا وشيع ثم انصرف بغير صلاة ؛ وذلك لأن الاتباع إنما هو وسيلة لأحد مقصودين : إما الصلاة وإما الدفن ، فإذا تجردت الوسيلة عن المقصد لم يحصل المرتب على المقصود ، وإن كان يرجى أن يحصل لفاعلِ ذلك فضلٌ ما بحسب نيته ” انتهى من “فتح الباري” (3/230) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في “شرح كتاب الجنائز من بلوغ المرام” :” من فوائد الحديث ( يعني حديث أبي هريرة المذكور) :أن القيراطين لا يحصلان إلا لمن شهد الصلاة والدفن ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ومن شهدها حتى تدفن ) لأنه من المعلوم أن الصلاة سابقة على الدفن .
فإن شهد الدفن دون الصلاة ، مثل أن يمر رجل بأناس في المقبرة يدفنون ميتاً فحضر وشاركهم في الدفن ، فالحديث ليس فيه دليل على أنه يحصل له بالدفن وحده قيراط ، إنما يحصل له بالدفن قيراط إذا انضم إلى الصلاة ، ولا يلزم من حصول الأجر بانضمام شيء إلى آخر أن يحصل به منفرداً ” انتهى من الشريط السادس ، الوجه الثاني .
والحاصل أن اتباع الجنازة على خمس مراتب :
الأولى : أن يشهدها منذ خروجها من بيتها ، حتى يصلي عليها ويفرغ من دفنها ، وهذه أكمل المراتب ، وفيها قيراطان عظيمان من الأجر .
الثانية : أن يشهدها منذ خروجها من بيتها حتى يصلي عليها ، فله قيراط .
الثالثة : أن يصلي عليها ، وإن لم يخرج معها من بيتها ، فله قيراط ، لكنه دون من شهدها من بيتها .
الرابعة : أن يشهد دفنها فقط دون أن يصلي عليها ، فظاهر الحديث أنه ليس له قيراط ، وإن كان له ثواب في الجملة بقدر عمله .
الخامسة : أن يتبعها مدة ثم ينصرف ، دون أن يشهد الصلاة أو الدفن ، فهذا يرجى له ثواب على قدر نيته .
والله أعلم .
شروطها :
صلاة الجنازة يتناولها لفظ الصلاة ، فيشترط فيها الشروط التي تفرض في سائر الصلوات المكتوبة من الطهارة الحقيقية والطهارة من الحدث الاكبر والاصغر واستقبال القبلة وستر العورة .
روى مالك عن نافع : أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول : لا يصلي الرجل على الجنازة إلا وهو طاهر .
وتختلف عن سائر الصلوات المفروضة ، في أنه لا يشترط فيها الوقت ، بل تؤدى في جميع الاوقات متى حضرت ، ولو في أوقات النهي عند الأحناف والشافعية .
وكره أحمد وابن المبارك وإسحاق الصلاة على الجنازة وقت الطلوع والاستواء والغروب ، إلا إن خيف عليها التغير .
أركانها :
صلاة الجنازة لها أركان تتركب منها حقيقتها ولو ترك منها ركن بطلت ووقعت غير معتد بها شرعا ، نذكرها فيما يلي :
1 – النية :
لقول الله تعالى : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إنما الاعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ” .
وتقدم في أبواب الصلاة حقيقة النية وأن محلها القلب وأن التلفظ بها غير مشروع .
2 – القيام للقادر عليه :
وهو ركن عند جمهور العلماء ، فلا تصح الصلاة على الميت لمن صلى عليه راكبا أو قاعدا من غير عذر .
ويستحب أن يقبض بيمينه على شماله أثناء القيام كما يفعل في الصلاة .
3 – التكبيرات الاربع :
لما رواه البخاري ومسلم عن جابر : أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي فكبر أربعا .
قال الترمذي : والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم يرون التكبير على الجنازة أربع تكبيرات ، وهو قول سفيان ومالك وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق .
حكم رفع اليدين عند التكبير :
قال ابن قدامة : أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ عَلَى الْجَنَائِزِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ يُكَبِّرُهَا، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ وَبِهِ قَالَ سَالِمٌ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعَطَاءٌ، وَقَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَالزُّهْرِيُّ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي الْأُولَى؛ لِأَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ مَقَامُ رَكْعَةٍ، وَلَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي جَمِيعِ الرَّكَعَاتِ.
وَلَنَا، مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ» رَوَاهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَفْعَلَانِ ذَلِكَ.
وَلِأَنَّهَا تَكْبِيرَةٌ حَالَ الِاسْتِقْرَارِ أَشْبَهَتْ الْأُولَى، وَمَا ذَكَرُوهُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، فَإِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ فَإِنَّهُ يَحُطُّهُمَا عِنْدَ انْقِضَاءِ التَّكْبِيرِ، وَيَضَعُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، كَمَا فِي بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ. وَفِيمَا رَوَى ابْنُ أَبِي مُوسَى «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ، فَوَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ.»
4 و 5 – قراءة الفاتحة سرا والصلاة والسلام على الرسول :
لما رواه الشافعي في مسنده عن أبي أمامة بن سهل أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الامام ، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الاولى سرا في نفسه ، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويخلص الدعاء في الجنازة في التكبيرات ، ولا يقرأ في شئ منهن ، ثم يسلم سرا في نفسه. قال في الفتح : وإسناده صحيح .
ورأي الجمهور أن القراءة والصلاة على النبي والدعاء والسلام يسن الاسرار بها إلا بالنسبة للإمام فانه يسن له الجهر بالتكبير والتسليم للإعلام .
وروى البخاري عن طلحة بن عبد الله قال : صليت مع ابن عباس على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب ، فقال : إنها من السنة .
ورواه الترمذي وقال : والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من الصحابة وغيرهم يختارون أن يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الاولى .
وهو قول الشافعي وأحمد وإسحق .
ومن حجج القائلين بفرضية القراءة : أن الرسول صلى الله عليه وسلم سماها صلاة بقوله : ” صلوا على صاحبكم ” ، وقال : ” لا صلاة لمن لا يقرأ بأم القرآن ” .
صيغة الصلاة والسلام على رسول الله وموضعها :
ويؤتى بها بعد التكبيرة الثانية كما هو الظاهر ، وتؤدى الصلاة والسلام على رسول الله بأي صيغة ، ولو قال اللهم صل على محمد ، لكفى ، واتباع المأثور أفضل مثل : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كمال باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد .
6 – الدعاء :
وهو ركن باتفاق الفقهاء ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء ” . رواه أبو داود
ويتحقق بأي دعاء مهما قل ، والمستحب فيه أن يدعو بأية دعوة من الدعوات المأثورة الآتية :
1 – قال أبو هريرة : دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة على الجنازة فقال : ” اللهم أنت ربها ، وأنت خلقتها ، وأنت رزقتها ، وأنت هديتها للإسلام ، وأنت قبضت روحها ، وأنت أعلم بسرها وعلانيتها ، جئنا شفعاء له ، فاغفر له ذنبه ” .
2 – وعن وائلة بن الاسقع قال : صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم على رجل من المسلمين فسمعته يقول : ” اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك ، وحبل جوارك . فقه من فتنة القبر وعذاب النار ، وأنت أهل الوفاء والحق . اللهم فاغفر له وارحمه فإنك أنت الغفور الرحيم ” . رواهما أحمد وأبو داود .
الذمة : الحفظ ، والحبل : العهد .
3 – عن عوف بن مالك قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم – وقد صلى على جنازة – يقول : ” اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه وعافه وأكرم نزله ، ووسع مدخله ، واغسله بماء وثلج وبرد ، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الابيض من الدنس ، وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه ، وقه فتنة القبر وعذاب النار ” . رواه مسلم .
4 – عن أبي هريرة قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فقال : ” اللهم اغفر لحينا وميتنا ، وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا وشاهدنا وغائبنا ، اللهم من أحييته منا فأحيه على الاسلام ، ومن توفيته منا فتوفه على الايمان ، اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تضلنا بعده ” . رواه أحمد وأصحاب السنن .
فإذا كان المصلى عليه طفلا استحب أن يقول المصلي : اللهم اجعله لنا سلفا وفرطا وذخرا . رواه البخاري
قال النووي : وإن كان صبيا أو صبية اقتصر على ما في حديث : ” اللهم اغفر لحينا وميتنا . . الخ ” ، وضم اليه : ” اللهم اجعله فرطا لأبويه وسلفا وذخرا وعظة واعتبارا وشفيعا وثقل به موازينهما وأفرغ الصبر على قلوبهما ولا تفتنهما بعده ، ولا تحرمهما أجره ” .
والظاهر أنه يدعو بهذه الالفاظ الواردة في هذه الاحاديث ، سواء كان الميت ذكرا ، أو أنثى ، ولا يحول الضمائر المذكرة إلى صيغة التأنيث ، إذا كان الميت أنثى ، لان مرجعها الميت ، وهو يقال عن الذكر والانثى .
هل يقال في حق المرأة في صلاة الجنازة : وأبدلها زوجاً خيراً من زوجها ؟
اختلف أهل العلم رحمهم الله : هل يقال في حق المرأة : أبدلها زوجاً خيراً من زوجها ، أو هو خاص بالرجل ؟ على قولين :
القول الأول : أن الدعاء بالإبدال خاص بالرجل ، فلا يقال في حق المرأة : أبدلها زوجا خيرا من زوجها ؛ لأن المرأة في الآخرة إذا كانت من أهل الجنة ، فهي لزوجها الذي في الدنيا .
قال السيوطي رحمه الله : ” ( وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجه ) قَالَ طَائِفَة مِنْ الْفُقَهَاء : هَذَا خَاصّ بِالرَّجُلِ وَلَا يُقَال فِي الصَّلَاة عَلَى الْمَرْأَة أَبْدِلْهَا زَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجهَا ؛ لِجَوَازِ أَنْ تَكُون لِزَوْجِهَا فِي الْجَنَّة ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَا يُمْكِن الِاشْتِرَاك فِيهَا ، وَالرَّجُل يَقْبَل ذَلِكَ ” شرح السيوطي لسنن النسائي (4/73) .
القول الثاني : أن الدعاء بالإبدال يقال في حق المرأة ، كما يقال في حق الرجل ؛ أخذاً بعموم الحديث : ( وزوجاً خيراً من زوجه ) ، فهو شامل للرجل والمرأة ، ويكون المعنى في حق المرأة : إبدال صفات لا إبدال ذوات ، فكأنه دعاء بأن يبدل الله خلق زوجها وصفاته إلى الأفضل والأكمل ، لا أن تزوج بزوج آخر .
قال الرملي رحمه الله : ” ( قوله : وزوجا خيرا من زوجه ) قضيته أن يقال ذلك ، وإن كان الميت أنثى .والظاهر أن المراد بالإبدال في الأهل والزوجة : إبدال الأوصاف لا الذوات … ” نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (2/477) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” قوله : ( وزوجا خيرا من زوجه ) أي : سواء كان المصلى عليه رجلا أم امرأة .
وهناك إشكال ؛ لأنه إن كان المصلى عليه رجلا ، وقلنا : ( أبدله زوجا خيرا من زوجه ) ، فهذا يقتضي أن الحور خير من نساء الدنيا ، وإن كان امرأة ، فإننا نسأل الله أن يفرق بينها وبين زوجها ، ويبدلها خيرا منه . فهذان إشكالان ؟
أما الجواب عن الأول : ( أبدله زوجا خيرا من زوجه ) ، فليس فيه دلالة صريحة على أن الحور خير من نساء الدنيا ؛ لأنه قد يكون المراد خيرا من زوجه في الأخلاق ، لا في الخيرية عند الله عز وجل .
وبهذا الجواب يتضح الجواب عن الإشكال الثاني ، فنقول : إن خيرية الزوج هنا ليست خيرية في العين ، بل خيرية في الوصف ، وهذا يتضمن أن يجمع الله بينهما في الجنة ؛ لأن أهل الجنة ينزع الله ما في صدورهم من غل ، ويبقون على أصفى ما يكون ، والتبديل كما يكون بالعين يكون بالصفة ، ومنه قوله تعالى : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) إبراهيم : 48 ، فالأرض هي الأرض بعينها ، لكنها اختلفت ، وكذلك السموات ” .
انتهى من ” الشرح الممتع ” (5/327) .
الدعاء بعد التكبيرة الرابعة :
وهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم رحمهم الله .
جاء في ” الموسوعة الفقهية ” (16/128) : ” ثم يكبر الرابعة ولا دعاء بعد الرابعة, وهو ظاهر مذهب الحنفية ومذهب الحنابلة.
وقيل عند الحنفية: يقول: ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . )
وقيل : ( ربنا لا تزغ قلوبنا ) إلخ
وقيل: يخير بين السكوت والدعاء, وعند الشافعية والمالكية يدعو بعد الرابعة..” انتهى.
والقول باستحباب الدعاء بعد التكبيرة الرابعة هو الأقرب إلى الصواب .
وقال الشافعي : يقول بعدها : اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تفتنا بعده .
وقال النووي رحمه الله : ودليل استحبابه ـ أي من قال بالمشروعية ـ : (أن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما كبر على جنازة بنت له فقام بعد التكبيرة الرابعة قدر ما بين التكبيرتين يستغفر لها ويدعو , ثم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع هكذا) .
وفي رواية : (كبر أربعاً فمكث ساعة حتى ظننا أنه سيكبر خمساً, ثم سلم عن يمينه وعن شماله, فلما انصرف قلنا له ، فقال : إني لا أزيدكم على ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع, أو هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه الحاكم في المستدرك والبيهقي قال الحاكم : حديث صحيح ” انتهى من ” شرح المهذب ” (5/199) .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله : “والدعاء بين التكبيرة الأخيرة والتسليم مشروع؛ لحديث أبي يعفور عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه… ثم ذكر الحديث” انتهى من ” أحكام الجنائز ” (1/126) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” والقول ؛ بأنه يدعو بما تيسر أولى من السكوت؛ لأن الصلاة عبادة ليس فيها سكوت أبداً إلا لسبب كالاستماع لقراءة الإمام، ونحو ذلك ” انتهى من ” الشرح الممتع ” (5/163) .
السلام :
وهو متفق على فرضيته بين الفقهاء ما عدا أبا حنيفة القائل بأن التسليمتين يمينا وشمالا واجبتان وليستا ركنين .
استدلوا على الفرضية بأن صلاة الجنازة صلاة ، وتحليل الصلاة التسليم .
لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:” ثلاث خلال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلهن تركهن الناس،إحداهن التسليم على الجنازة مثل التسليم في الصلاة ” .أخرجه البيقهي بإسناد حسن
وقد ثبت في ” صحيح مسلم ” وغيره عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمتين في الصلاة ، فهذا يبين أن المراد بقوله في الحديث الاول :” مثل التسليم في الصلاة ” أي التسليمتين المعهودتين .
وأقله : السلام عليكم ، أو سلام عليكم .
وذهب أحمد إلى أن التسليمة الواحدة هي السنة ، يسلمها عن يمينه ، ولا بأس إن سلم تلقاء وجهه ، لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه : ” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة ، فكبر عليها أربعا ، وسلم تسليمة واحدة ” . أخرجه الدار قطني واسناده حسن
واستحب الشافعي تسليمتين ، يبدأ بالأولى ملتفتا إلى يمينه ويختم بالأخرى ملتفتا إلى يساره.
كيفية الصلاة على الجنازة :
أن يقف المصلي بعد استكمال شروط الصلاة ناويا الصلاة على من حضر من الموتى رافعا يديه مع تكبيرة الاحرام ، ثم يضع يده اليمنى على اليسرى ويشرع في قراءة الفاتحة ، ثم يكبر و يصلي على النبي ، ثم يكبر ويدعو للميت ، ثم يكبر ويدعو ، ثم يسلم .
موقف الامام من الرجل والمرأة :
من السنة أن يقوم الامام حذاء رأس الرجل ، ووسط المرأة لحديث أنس ، أنه صلى على جنازة رجل ، فقام عند رأسه فلما رفعت ، أتي بجنازة امرأة ، فصلى عليها فقام وسطها ، فسئل عن ذلك وقيل له : هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من الرجل حيث قمت ، ومن المرأة حيث قمت ؟ قال : نعم . رواه أحمد
الصلاة على أكثر من واحد :
إذا اجتمع أكثر من ميت وكانوا ذكورا أو إناثا صفوا واحدا بعد واحد بين الامام والقبلة ليكونوا جميعا بين يدي الامام ووضع الافضل مما يلي الامام ، وصلى عليهم جميعا صلاة واحدة .
وإن كانوا رجالا ونساء جاز أن يصلي على الرجال وحدهم والنساء وحدهن ، وجاز أن يصلي عليهم جميعا ، وصفت الرجال أمام الامام ، وجعلت النساء مما يلي القبلة .
وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى على تسع جنائز رجال ونساء فجعل الرجال مما يلي الامام ، وجعل النساء مما يلي القبلة ، وصفهم صفا واحدا .
ووضعت جنازة أم كلثوم بنت علي امرأة عمر ، وابن لها – يقال له زيد – والامام يومئذ سعيد بن العاص ، وفي الناس يومئذ ابن عباس وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو قتادة . فوضع الغلام مما يلي الامام قال رجل : فأنكرت ذلك ، فنظرت إلى ابن عباس وأبي هريرة ، وأبي سعيد وأبي قتادة . فقلت : ما هذا ؟ . قالوا : هي السنة . رواه النسائي والبيهقي . قال الحافظ : وإسناده صحيح .
وإن كان فيه رجال ونساء وصبيان كان الصبيان مما يلي الرجال .
استحباب الصفوف الثلاثة وتسويتها :
يستحب أن يصف المصلون على الجنازة ثلاثة صفوف (أقل صف اثنان) وأن تكون مستوية ، لما رواه مالك بن هبيرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ما من مؤمن يموت فيصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون أن يكونوا ثلاثة صفوف إلا غفر له ” فكان مالك ابن هبيرة يتحرى إذا قل أهل الجنازة أن يجعلهم ثلاثة صفوف . رواه أحمد
قال أحمد : أحب إذا كان فيهم قلة أن يجعلهم ثلاثة صفوف .
قالوا : فإن كان وراءه أربعة كيف يجعلهم ؟ قال : يجعلهم صفين ، في كل صف رجلين ، وكره أن يكونوا ثلاثة فيكون في صف رجل واحد .
استحباب الجمع الكثير :
ويستحب تكثير جماعة الجنازة لما جاء عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة ؛ كلهم يشفعون له إلا شفعوا ” رواه أحمد ومسلم والترمذي .
يشفعون له إلا شفعوا : يخلصون له الدعاء ويسألون له المغفرة إلا قبلت شفاعتهم .
وعن ابن عباس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا ، لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه . ” رواه أحمد ومسلم وأبو داود .
المسبوق في صلاة الجنازة :
إذا أتى المصلي للصلاة على الجنازة وقد سبقه الإمام ببعض التكبير فهل يقضي ما فاته من تكبير أم يكتفي بما أدركه مع الإمام ؟
اختلف العلماء على أقوال :
القول الأول أن المسبوق يجب عليه أن يقضي ما فاته من تكبير ، وهو قول الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عند الحنابلة ،واستدلوا بحديث “إذا أقيمت الصلاة فامشوا إليها وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ”
القول الثاني : يستحب للمسبوق أن يقضي ما فاته وهو المذهب عند الحنابلة ، واستدلوا بحديث عائشة ( إني أصلي على الجنازة ويخفى علي بعض التكبير قال ماسمعت فكبري وما فاتك فلا قضاء عليك ) قال صاحب الرسالة وقد قمت بالبحث عن هذا الحديث ولم أعثر عليه وكذلك قال محقق المغني !
القول الثالث : قالوا لا يقضي ما فاته وروي عن ابن عمر وبه قال الحسن وربيعه والأوزاعي ، وقالوا أن عدم القضاء روي عن ابن عمر ولم يعرف له مخالف من الصحابة .
والقول الأول هو الراجح لقوة ما استدلوا به
كيفية القضاء :
القول الأول : أن ما أدركه المصلي هو أول صلاته فإذا كبر شرع في الفاتحة ثم يرتب ما بقي …
القول الثاني قالوا ليس له ذلك بل يتابع إمامه فإن كان في الدعاء فإنه يدعوا مباشرة !! واختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
استدل أصحاب القول الأول بأن المسبوق يمكنه أن يأتي بما يقتضيه ترتيب صلاته مع المتابعة فإذا سلم الإمام يأتي بما بقي
استدل أصحاب القول الثاني بحديث : “إذا أقيمت الصلاة فامشوا إليها وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا” وجه الدلالة أن هذا الحديث يفيد أن المسبوق في جميع الصلوات يصلي ما أدركه ويقضي بعد ذلك ما فاته .
والراجح القول الأول واعترض على استدلال أصحاب القول الثاني بأنه يفيد أن المسبوق يأتي بما سبقه الإمام وقد ورد ( فأتموا )
من يصلى عليهم ومن لا يصلى عليهم :
اتفق الفقهاء على أن يصلى على المسلم ذكرا كان أم أنثى ، صغيرا كان أم كبيرا قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن الطفل إذا عرفت حياته واستهل يصلى عليه .
فعن المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” الراكب خلف الجنازة ، والماشي أمامها قريبا منها عن يمينها أو عن يسارها ، والسقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة ” رواه أحمد وأبو داود .
الصلاة على السقط :
السقط : الولد ينزل من بطن أمه قبل مدة الحمل وبعد تبين خلقه .
السقط إذا لم يأت عليه أربعة أشهر فإنه لا يغسل ، ولا يصلى عليه ، ويلف في خرقة ، ويدفن من غير خلاف بين جمهور الفقهاء .
فإن أتى عليه أربعة أشهر فصاعدا واستهل غسل وصلي عليه باتفاق .
والاستهلال : الصياح أو العطاس أو حركة يعلم بها حياة الطفل .
فإذا لم يستهل فإنه لا يصلى عليه عند الأحناف ومالك والاوزاعي والحسن ، لما رواه الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه والبيهقي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إذا استهل السقط صلي عليه وورث ” ففي الحديث اشتراط الاستهلال في الصلاة عليه .
وذهب أحمد وسعيد وابن سيرين وإسحاق إلى أنه يغسل ويصلى عليه للحديث المتقدم .
وفيه : ” والسقط يصلى عليه ” ولأنه نسمة نفخ فيه الروح ، فيصلى عليه كالمستهل ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه ينفخ فيه الروح لأربعة أشهر ، وأجابوا عما استدل به الاولون بأن الحديث مضطرب ، وبأنه معارض بما هو أقوى منه ، فلا يصلح للاحتجاج به .
الصلاة على الشهيد :
الشهيد هو الذي قتل في المعركة بأيدي الكفار ، وقد جاءت الاحاديث الصحيحة المصرحة بأنه لا يصلى عليه .
1 – روى البخاري عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم ، ولم يغسلهم ولم يصل عليهم .
2 – وروى أحمد وأبو داود والترمذي عن أنس : أن شهداء أحد لم يغسلوا ، ودفنوا بدمائهم ، ولم يصل عليهم .
وجاءت أحاديث أخرى صحيحة مصرحة بأنه يصلى عليه منها:
روى البخاري عن عقبة بن عامر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات .
وقد اختلفت آراء الفقهاء تبعا لاختلاف هذه الاحاديث ، فأخذ بعضهم بها جميعا ، ورجح بعضهم بعض الروايات على بعض .
فممن ذهب مذهب الاخذ بها كلها ” ابن حزم ” فجوز الفعل والترك قال : فإن صلي عليه فحسن . وإن لم يصل عليه فحسن .
وهو إحدى الروايات عن أحمد ، واستصوب هذا الرأي ابن القيم فقال : والصواب في المسألة انه مخير بين الصلاة عليهم وتركها لمجئ الآثار بكل واحد من الامرين ، وهذه إحدى الروايات عن أحمد ، وهو الاليق بأصول مذهبه .
قال : والذي يظهر من أمر شهداء أحد : أنه لم يصل عليهم عند الدفن .
وقد قتل معه بأحد سبعون نفسا ، فلا يجوز أن تخفى الصلاة عليهم .
وحديث جابر بن عبد الله في ترك الصلاة عليهم صحيح صريح وأبوه عبد الله أحد القتلى يومئذ ، فله من الخبرة ما ليس لغيره.
ويرجح أبو حنيفة والثوري والحسن وابن المسيب روايات الفعل . فقالوا بوجوب الصلاة على الشهيد .
ورجح مالك والشافعي وإسحاق وإحدى الروايات عن أحمد العكس وقالوا بأنه لا يصلى عليه .
من جرح في المعركة وعاش حياة مستقرة :
من جرح في المعركة وعاش حياة مستقرة ثم مات ، يغسل ويصلى عليه ، وإن كان يعتبر شهيدا ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم غسل سعد بن معاذ ، وصلى عليه بعد أن مات بسبب إصابته بسهم قطع أكحله فحمل إلى المسجد فلبث فيه أياما ثم انفتح جرحه فمات شهيدا رحمه الله .
الاكحل : عرق في اليد .
فإن عاش عيشة غير مستقرة فتكلم أو شرب ثم مات ، فإنه لا يغسل ولايصلى عليه .
قال في المغني . وفي فتوح الشام : إن رجلا قال : أخذت ماء لعلي أسقي به ابن عمي إن وجدت به حياة . فوجدت الحارث بن هشام . فأردت أن أسقيه . فإذا رجل ينظر إليه ، فأومأ لي أن أسقيه ، فذهبت إليه لأسقيه ، فإذا رجل ينظر إليه ، فأومأ لي أن أسقيه ، فذهبت إليه لأسقيه ، فإذا آخر ينظر إليه . فأومأ لي أن أسقيه حتى ماتوا كلهم . ولم يفرد أحد منهم بغسل ولا صلاة ، وقد ماتوا بعد انقضاء الحرب .
الصلاة على من قتل في حد
من قتل في حد غسل وصلي عليه ، لما رواه البخاري عن جابر : أن رجلا من أسلم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا ، فأعرض عنه حتى شهد على نفسه أربع مرات ، فقال : ” أبك جنون ؟ ” قال : لا . قال : ” أحصنت (تزوجت ) ؟ ” قال : نعم . فأمر به فرجم بالمصلى فلما أذلقته الحجارة فر فأدرك فرجم حتى مات . فقال له – أي عنه – النبي صلى الله عليه وسلم خيرا
المصلى : المكان الذي كان يصلى فيه العيد وصلى عليه .
وقال أحمد : ما نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة على أحد إلا على الغال وقاتل نفسه .
الصلاة على الغال وقاتل نفسه وسائر العصاة
ذهب جمهور العلماء إلى أنه يصلى على الغال (الغال : الذي سرق من الغنيمة قبل القسمة ) وقاتل نفسه وسائر العصاة قال النووي : قال القاضي ” مذهب العلماء كافة : الصلاة على كل مسلم ومحدود ومرجوم وقاتل نفسه وولد الزنا ” وما روي أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل على الغال وقاتل نفسه فلعله للزجر عن هذا الفعل كما امتنع عن الصلاة على المدين وأمرهم بالصلاة عليه .
قال ابن حزم : ويصلى على كل مسلم ، بر ، أو فاجر ، مقتول في حد أو حرابة أو في بغي ، ويصلي عليهم الامام وغيره ، وكذلك على المبتدع ما لم يبلغ الكفر وعلى من قتل نفسه وعلى من قتل غيره ولو أنه شر من على ظهر الارض ، إذا مات مسلما ، لعموم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ” صلوا على صاحبكم ” والمسلم صاحب لنا ، قال تعالى : ( إنما المؤمنون إخوة ) وقال تعالى : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) فمن منع الصلاة على مسلم ، فقد قال قولا عظيما ، وإن الفاسق لأحوج إلى دعاء إخوانه المؤمنين من الفاضل المرحوم ! !
وصح أن رجلا مات بخيبر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” صلوا على صاحبكم إنه قد غل في سبيل الله ” قال : ففتشنا متاعه ، فوجدنا خرزا لا يساوي درهمين .
وصح عن عطاء أنه يصلى على ولد الزنا ، وعلى أمه ، وعلى المتلاعنين ، وعلى الذي يقاد منه (أي يقتص منه) ، وعلى المرجوم ، وعلى الذي يفر من الزحف فيقتل .
قال عطاء : لا أدع الصلاة على من قال : ” لا إله إلا الله ” قال تعالى : ( من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ) .
وصح عن إبراهيم النخعي أنه قال : لم يكونوا يحجبون الصلاة عن أحد من أهل القبلة ، والذي قتل نفسه يصلى عليه ، وأنه قال : السنة أن يصلى على المرجوم . وصح عن قتادة أنه قال : ما أعلم أحدا من أهل العلم اجتنب الصلاة عمن قال ” لا إله إلا الله “
وصح عن ابن سيرين : ما أدركت أحدا يتأثم من الصلاة على أحد من أهل القبلة .
وعن أبي غالب : قلت لابي أمامة الباهلي : الرجل يشرب الخمر ، أيصلى عليه ؟ قال : نعم . لعله اضطجع مرة على فراش فقال ” لا إله إلا الله ” فغفر له .
وصح عن الحسن أنه قال : يصلى على من قال : ” لا إله إلا الله ” وصلى إلى القبلة . إنما هي شفاعة .
الصلاة على الكافر:
لا يجوز لمسلم أن يصلي على كافر ، لقول الله تعالى : ( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ، ولا تقم على قبره ، إنهم كفروا بالله ورسوله ) وقال : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم . وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو الله تبرأ منه ) .
وكذلك لا يصلى على أطفالهم لان لهم حكم آبائهم إلا من حكمنا بإسلامه بأن يسلم أحد أبويه أو يموت أو يسبى منفردا من أبويه أو من أحدهما فإنه يصلى عليه .
الصلاة على القبر
تجوز الصلاة على الميت بعد الدفن في أي وقت ، حتى ولو صلى عليه المسلمون بالمسجد قبل دفنه ، وقد تقدم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على شهداء أحد بعد ثمان سنين . وعن زيد بن ثابت قال : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما وردنا البقيع إذا هو بقبر جديد ، فسأل عنه ؟ فقيل : فلانة ، فعرفها ، فقال : ” ألا آذنتموني بها ؟ ” قالوا : يارسول الله ، كنت قائلا صائما ، فكرهنا أن نؤذيك .
فقال : ” لا تفعلوا ، لا يموتن فيكم ميت ما كنت بين أظهركم إلا آذنتموني به فإن صلاتي عليه رحمة . ” ثم أتى القبر فصفنا خلفه وكبر عليه أربعا . رواه أحمد والنسائي والبيهقي والحاكم وابن حبان وصححاه . قال الترمذي : والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي وغيرهم ، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحق
آذنتموني : أي أعلمتموني . في هذا دليل على جواز إعادة الصلاة على الميت لمن فاتته الصلاة عليه .
قائلا : من القيلولة وهو النوم وقت الظهيرة .
وفي الحديث : أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى على القبر بعد ما صلى عليها أصحابه قبل الدفن ، لانهم ما كانوا ليدفنوها قبل الصلاة عليها .
وفي صلاة الاصحاب معه على القبر ما يدل على أن ذلك ليس خاصا به صلوات الله عليه .
قال ابن القيم : ردت هذه السنن المحكمة بالمتشابه من قوله : ” لا تجلسوا على القبور ، ولا تصلوا إليها ” وهذا حديث صحيح ، والذي قاله هو الذي صلى على القبر فهذا قوله وهذا فعله ، ولا يناقض أحدهما الاخر ، فإن الصلاة المنهي عنها إلى القبر غير الصلاة التي على القبر ، فهذه صلاة الجنازة على الميت التي لا تختص بمكان ، بل فعلها في غير المسجد أفضل من فعلها فيه ، فالصلاة عليه على قبره من جنس الصلاة عليه على نعشه ، فإنه المقصود بالصلاة في الموضعين ، ولا فرق بين كونه على النعش ، وعلى الارض وبين كونه في بطنها بخلاف سائر الصلوات ، فإنها لم تشرع في القبور ، ولا إليها لأنها ذريعة إلى اتخاذها مساجد ، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك ، فأين ما لعن فاعله وحذر منه ؟ وأخبر أن أهله شرار الخلق كما قال : ” إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ، والذين يتخذون القبور مساجد ” إلى ما فعله صلى الله عليه وسلم مرارا متكررة .
مدة جواز الصلاة عند القبر :
قال ابن قدامة : وَلَا يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ شَهْرٍ، وَبِهَذَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُصَلَّى عَلَيْهِ أَبَدًا وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – صَلَّى عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ. حَدِيثٌ صَحِيحٌ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُصَلَّى عَلَيْهِ مَا لَمْ يَبْلَ جَسَدُهُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُصَلِّي عَلَيْهِ الْوَلِيُّ إلَى ثَلَاثٍ، وَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِ غَيْرُهُ بِحَالٍ. وَقَالَ إِسْحَاقُ: يُصَلِّي عَلَيْهِ الْغَائِبُ إلَى شَهْرٍ، وَالْحَاضِرُ إلَى ثَلَاثٍ.
وَلَنَا، مَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ «، أَنَّ أُمَّ سَعْدٍ مَاتَتْ وَالنَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – غَائِبٌ، فَلَمَّا قَدِمَ صَلَّى عَلَيْهَا، وَقَدْ مَضَى لِذَلِكَ شَهْرٌ.» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: أَكْثَرُ مَا سَمِعْنَا أَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – صَلَّى عَلَى قَبْرِ أُمِّ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ بَعْدَ شَهْرٍ. وَلِأَنَّهَا مُدَّةٌ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بَقَاءُ الْمَيِّتِ فِيهَا، فَجَازَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فِيهَا، كَمَا قَبْلَ الثَّلَاثِ، وَكَالْغَائِبِ، وَتَجْوِيزُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا بَاطِلٌ بِقَبْرِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَإِنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ الْآنَ اتِّفَاقًا، وَكَذَلِكَ التَّحْدِيدُ بِبِلَى الْمَيِّتِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لَا يَبْلَى، وَلَا يُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَالْخَبَرُ دَلَّ عَلَى الْجَوَازِ بَعْدَ شَهْرٍ، فَكَيْفَ مَنَعْتُمُوهُ؟ قُلْنَا: تَحْدِيدُهُ بِالشَّهْرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – كَانَتْ عِنْدَ رَأْسِهِ، لِيَكُونَ مُقَارِبًا لِلْحَدِّ، وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ بَعْدَ الشَّهْرِ قَرِيبًا مِنْهُ؛ لِدَلَالَةِ الْخَبَرِ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ بَعْدَ ذَلِكَ لِعَدَمِ وُرُودِهِ.
الصلاة على الغائب
تجوز الصلاة على الغائب في بلد آخر ، سواء أكان البلد قريبا أم بعيدا ، فيستقبل المصلي القبلة ، وإن لم يكن البلد الذي به الغائب جهة القبلة ، ينوي الصلاة عليه ، ويكبر ويفعل مثل ما يفعل في الصلاة على الحاضر ، لما رواه الجماعة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه ، وخرج بهم إلى المصلى ، فصف أصحابه وكبر أربع تكبيرات
قال ابن حزم : ويصلى على الميت الغائب بإمام وجماعة ، وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ” النجاشي ” رضي الله عنه ، ومات بأرض الحبشة ، وصلى معه أصحابه صفوفا ، وهذا إجماع منهم لا يجوز تعديه . وخالف في ذلك أبو حنيفة ومالك ، وليس لهما حجة يمكن أن يعتد بها .
من مات في بلد ليس فيها من يصلي عليه ، صلاة الحاضر ، فهذا يصلي عليه طائفة من المسلمين صلاة الغائب ، لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي وقد رواها جماعة من أصحابه يزيد بعضهم على بعض ،وقد جمعت أحاديثهم فيها ، ثم سقتها في سياق واحد تقريبا للفائدة . والسياق لحديث أبي هريرة :” إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم نعى للناس وهو بالمدينة النجاشي أصحمه صاحب الحبشة في اليوم الذي مات فيه : قال : إن أخا قد مات وفي رواية:مات اليوم عبد لله صالح بغير أرضكم فقوموا فصلوا عليه
قالوا : من هو ؟
قال النجاشي وقال :استغفروا لأخيكم
قال: فخرج بهم إلى المصلى ثم تقدم فصفوا خلفه صفين
قال : فصففنا خلفه كما يصف على الميت وصلينا عليه كما يصلى على الميت
أخرجه البخاري ومسلم
قال ابن القيم رحمة الله ، في ” زاد المعاد ” :
” ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسنته الصلاة على كل ميت غائب ، فقد مات خلق كثير من المسلمين وهو غيب، فلم يصل عليهم، وصح عنه أنه صلى على النجاشي صلاته على الميت ، فاختلف في ذلك على ثلاثة طرق :
1. أن هذا تشريع وسنة للأمة الصلاة على كل غائب وهذا قول الشافعي وأحمد
2. وقال ، أبو حنيفة ومالك : هذا خاص به ، وليس ذلك لغيره .
3. وقال شيخ الاسلام ابن تيمية : الصواب أن الغائب إن مات ببلد لم يصل عليه فيه ، صلي عليه صلاة الغائب كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي لأنه مات ببن الكفار، ولم يصل عليه وإن صلي عليه حيث مات لم يصل عليه صلاة الغائب ، لان الفرض سقط بصلاة المسلمين عليه ، والنبي صلى الله عليه وسلم صلى على الغائب وتركه كما وفعله وتركه سنة . وهذا له موضع والله أعلم .
ومما يؤيد عدم مشروعية الصلاة على كل غائب أنه لما مات الخلفاء الراشدون وغيرهم لم يصل أحد من المسلمين عليهم صلاة الغائب . ولو فعلوا لتواتر النقل بذلك عنهم .
فقابل هذا بما عليه كثير من المسلمين اليوم من الصلاة على كل غائب لاسيما إذا كان له ذكر وصيت ، ولو من الناحية السياسية فقط ولا يعرف بصلاح أو خدمة للإسلام “
من فتاوى المجلس الاوربي للافتاء
لا خلاف بين أهل العلم أن الأصل في صلاة الجنازة أن تكون على ميت حاضر، وأن توضع بين يدي الإمام والمصلين معه، كما ثبت ذلك في السنة القولية والفعلية والتقريرية.
فأماالصلاة عليه وهو غائب فقد ثبتت أحاديث صحاح مشهورة متفق عليها: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي حين مات بأرض الحبشة، فنعاه إلى المسلمين وقال: «قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش، فهلم فصلوا عليه»، قال جابر بن عبداللَّه: فصففنا، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم عليه ونحن صفوف. وفي رواية قال: «إن أخاً لكم قد مات، فقوموا فصلوا عليه»أخرجه البخاري
والصلاة على الميت دعاء ورحمة، ينتفع بها الغائب كما ينتفع بها الحاضر، وهذا معنى صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي وهو غائب، وهو مذهب الشافعية والمعتمد عند الحنابلة.
ولا يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي لأنه لم يصل عليه أحد، فإنه لم يأت في الأحاديث أنه لم يصل عليه أحد، بل عللت الصلاة عليه بكونه رجلاً صالحاً، ولم تعلل بكونه لم يصل عليه أحد.
كذلك الصلاة على من صُلّي عليه مشروعة أيضاً، كما ثبت عن يزيد بن ثابت أخي زيدٍ قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما وردنا البقيع إذا هو بقبر جديد، فسأل عنه، فقيل: فلانة فعرفها. فقال: «ألا آذنتموني بها »؟ قالوا: يا رسول اللَّه كنت قائلاً( من القيلولة، وهي: الاستراحة نصف النهار.) صائماً، فكرهنا أن نؤذيك. فقال: «لا تفعلوا، لا يموتن فيكم ميت ما كنت بين أظهركم إلا آذنتموني به، فإن صلاتي عليه رحمة» ثم أتى القبر، فصففنا خلفه، وكبر عليها أربعاً) أخرجه النسائي من حديث يزيد بن ثابت أخي زيد بن ثابت.
فرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كرر الصلاة على ميت بعد دفنه بعد أن صلى عليه أصحابه.
فخلاصة الذي نراه جواز الصلاة على الغائب ما لم يتخذ عادة، واتخاذه عادة غير مشروع فإن الأمة لم تعرف الصلاة على كل ميت غائب، إنما كانوا يفعلون ذلك لمن كان له اعتبار خاص عند المسلمين، كالنجاشي لما له من نصرة المسلمين الذي هاجروا إليه للحبشة، وكالمرأة السوداء التي كانت تنظف مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لما لها من المعروف للمسلمين.
ونذكر إخواننا بأن هذه المسألة من مسائل الخلاف، فلا ينكر فيها على المخالف ولا يصح وصفها بالبدعة.
هل يصلى على الغريق إذا لم يجد جسده؟
في الموسوعة الكويتية (9/9) :
الصلاة على الميت في المسجد
لا بأس بالصلاة على الميت في المسجد ، إذا لم يخش تلويثه ، لما رواه مسلم عن عائشة قالت : ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد .
وصلى الصحابة على أبي بكر وعمر في المسجد بدون إنكار من أحد لأنها صلاة كسائر الصلوات .
وأما كراهة ذلك عند مالك وأبي حنيفة استدلالا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من صلى على جنازة في المسجد فلا شئ له (أي لا شئ له من الثواب . ) ” فهي معارضة بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه من جهة ، ولضعف الحديث من جهة أخرى .
قال أحمد بن حنبل : هذا حديث ضعيف ، تفرد به صالح مولى التوأمة ، وهو ضعيف .
وصحح العلماء هذا الحديث فقالوا : إن الذي في النسخ الصحيحة المشهورة من سنن أبي داود يلفظ : ” فلا شئ عليه ” أي من الوزر .
قال ابن القيم : ولم يكن من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الراتب الصلاة على الميت في المسجد ؛ وإنما كان يصلي على الجنازة خارج المسجد ، إلا لعذر ، وربما صلى أحيانا على الميت كما صلى على ابن بيضاء ، وكلا الامرين جائز ، والافضل الصلاة عليها خارج المسجد .
حكم وضع النعش في القبلة :
لا حرج في وضع الجنازة أمام المصلين حتى يصلوا الفريضة ثم يصلوا عليها .
فقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : لو أحضرت جنازة يوم الجمعة أثناء الصلاة ، هل نضعها أمامنا أو وراءنا ؟ وشكرا لكم .
فأجاب رحمه الله : ” الأمر في هذا واسع ، سواء وضع أمام أو خلف ، أو عن يمين المصلين أو شمالهم ، لا حرج في ذلك ، الميت يوضع في المسجد أو قرب المسجد حتى يصلي الناس ، ثم يقدم حتى يصلي الناس عليه ، ولا حرج في أن يكون موضوعا أمام المصلين ، أو عن يمينهم أو عن شمالهم أو خلفهم ، لا أعلم بهذا بأسا ” انتهى من “فتاوى نور على الدرب”
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ما حكم الجنازة إذا وضعت أمام المصلين ليصلوا صلاة الفرض ، ثم يصلوا عليها ؟
فأجاب : ” لا حرج في ذلك إذا علمنا أنها لا تشغلهم ، أما إذا علمنا أنها تشغلهم ، فإنه يكره أن يستقبل المصلي ما يشغله ، وكونها لا تشغل المصلين ، مثل : أن تكون في زاوية من زوايا المسجد ليست في وسط الصف “
” انتهى من “فتاوى نور على الدرب”
فلا بأس بصلاة الناس للفريضة والجنائز معترضة أمامهم ؛ لعدم الدليل على المنع ، وأما قوله صلى الله عليه وسلم : (لا تصلوا إلى القبور) رواه مسلم
فلا دليل فيه ؛ لأن الجنازة لا تسمى قبرا لا لغة ولا عرفا ولا شرعا . والله أعلم “
جواز صلاة النساء على الجنازة
يجوز للمرأة أن تصلي على الجنازة مثل الرجل ، سواء أصلت منفردة أو صلت مع الجماعة : فقد انتظر عمر أم عبد الله حتى صلت على عتبة .
وأمرت عائشة أن يؤتى بسعد بن أبي وقاص لتصلي عليه .
وقال النووي : وينبغي أن تسن لهن الجماعة كما في غيرها ، وبه قال الحسن بن صالح وسفيان الثوري وأحمد والأحناف ، وقال مالك : يصلين فرادى .
أولى الناس بالصلاة على الميت
اختلف الفقهاء فيمن هو أولى وأحق بالإمامة في صلاة الجنازة .
فقيل : أحق الناس الوصي ، ثم الامير ، ثم الأب وإن علا ، ثم الابن وإن سفل ، ثم أقرب العصبة ، وإلى هذا ذهبت المالكية والحنابلة
وقيل : الاولى الاب ، ثم الجد ، ثم ابن ثم ابن الابن ، ثم الاخ ، ثم ابن الاخ ، ثم العم ، ثم ابن العم على ترتيب العصبات . وهذا مذهب الشافعي وأبي يوسف .
ومذهب أبي حنيفة ومحمد بن الحسن أن الاولى : الوالي إن حضر ، ثم القاضي ، ثم إمام الجهة ، ثم ولي المرأة الميت ، ثم الاقرب فالأقرب على ترتيب العصبة ، إلا الاب فإنه يقدم على الابن إذا اجتمعا .
قَالَ ابن قدامة : (وَأَحَقُّ النَّاسِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ مَنْ أَوْصَى لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ) هَذَا مَذْهَبُ أَنَسٍ، وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَأَبِي بَرْزَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَابْنِ سِيرِينَ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: الْوَلِيُّ أَحَقُّ، لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ تَتَرَتَّبُ بِتَرَتُّبِ الْعَصَبَاتِ، فَالْوَلِيُّ فِيهَا أَوْلَى، كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ.
وَلَنَا، إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَوْصَى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ عُمَرُ قَالَهُ أَحْمَدُ قَالَ:وَعُمَرُ أَوْصَى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ صُهَيْبٌ وَأُمُّ سَلَمَةَ أَوْصَتْ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ وَأَبُو بَكْرَةَ أَوْصَى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ أَبُو بَرْزَةَ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: عَائِشَةُ أَوْصَتْ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ مَسْعُودٍ أَوْصَى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ الزُّبَيْرُ، وَيُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ أَوْصَى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ
وَأَبُو سَرِيحَةَ أَوْصَى أَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ فَجَاءَ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ وَهُوَ أَمِيرُ الْكُوفَةَ لِيَتَقَدَّمَ فَيُصَلِّيَ عَلَيْهِ. فَقَالَ ابْنُهُ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ إنَّ أَبِي أَوْصَى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ فَقَدَّمَ زَيْدًا
وَهَذِهِ قَضَايَا انْتَشَرَتْ، فَلَمْ يَظْهَرْ مُخَالِفٌ، فَكَانَ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ، فَإِنَّهَا شَفَاعَةٌ لَهُ، فَتُقَدَّمُ وَصِيَّتُهُ فِيهَا كَتَفْرِيقِ ثُلُثِهِ.
حمل الجنازة والسير بها
يشرع في حمل الجنازة والسير بها أمور نذكرها فيما يلي :
1 – يشرع تشييع الجنازة وحملها ، والسنة أن يدور على النعش ، حتى يدور على جميع الجوانب . روى ابن ماجة والبيهقي وأبو داود الطيالسي عن ابن مسعود .
قال : من اتبع جنازة فليحمل بجوانب السرير كلها فإنه من السنة ؛ ثم إن شاء فليتطوع وإن شاء فليدع .
و قول الصحابي : من السنة كذا يعطي حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وعن أبي سعيد : أن النبي قال : ” عودوا المريض ، وامشوا مع الجنازة تذكركم الاخرة ” رواه أحمد ورجاله ثقات .
2 – الاسراع بها ، لما رواه الجماعة عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه ، وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم ” .
وروى أحمد والنسائي وغيرهما عن أبي بكرة قال : لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنا لنكاد نرمل بالجنازة رملا (الرمل : المشي السريع مع هز الكتفين . ) .
وروى البخاري في التاريخ : أن النبي صلى الله عليه وسلم أسرع حتى تقطعت نعالنا يوم مات سعد بن معاذ .
قال في الفتح : والحاصل أنه يستحب الاسراع بها ، لكن بحيث لا ينتهي إلى شدة يخاف معها حدوث مفسدة الميت أو مشقة على الحامل أو المشيع لئلا يتنافى المقصود من النظافة وإدخال المشقة على المسلم .
وقال القرطبي : مقصود الحديث أن لا يتباطأ بالميت عن الدفن . لان التباطؤ ربما أدى إلى التباهي والاختيال .
3 – المشي أمامها أو خلفها أو عن يمينها أو شمالها قريبا منها ، وقد اختلف العلماء في أيهما :
فاختار الجمهور وأكثر أهل العلم المشي أمامها وقالوا : إنه الافضل ، لان الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمامها . رواه أحمد وأصحاب السنن . ويرى الأحناف أن الافضل للمشيع أن يمشي خلفها ، لان ذلك هو المفهوم من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع الجنازة ، والمتبع هو الذي يمشي خلف .
ويرى أنس بن مالك أن ذلك كله سواء لما تقدم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” الراكب يسير خلف الجنازة ، والماشي يمشي خلفها وأمامها وعن يمينها وعن يسارها قريبا منها ” .
والظاهر ان الكل واسع ، وأنه من الخلاف المباح الذي ينبغي التساهل فيه .
فعن عبد الرحمن بن أبزى : أن أبا بكر وعمر كانا يمشيان أمام الجنازة وكانعلي يمشي خلفها ، فقيل لعلي : إنهما يمشيان أمامها . فقال : إنهما يعلمان أن المشي خلفها أفضل من المشي أمامها ، كفضل صلاة الرجل في جماعة على صلاته فذا ، ولكنهما سهلان يسهلان للناس . رواه البيهقي وابن أبي شيبة . قال الحافظ : وسنده حسن .
وأما الركوب عند تشييع الجنازة فقد كرهه الجمهور إلا لعذر ، وأجازوه بعد الانصراف بدون كراهة .
لحديث ثوبان : أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بدابة وهو مع جنازة فأبى أن يركبها ، فلما انصرف أتي بدابة فركب ، فقيل له ، فقال : ” إن الملائكة كانت تمشي ، فلم أكن لأركب وهم يمشون ، فلما ذهبوا ركبت ” رواه أبو داود والبيهقي والحاكم ، وقال : صحيح على شرط الشيخين .
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جنازة ابن الدحداح ماشيا ورجع على فرس . رواه الترمذي ، وقال : حسن صحيح .
ولا يعارض القول بالكراهة ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم ” الراكب يمشي خلفها ” فإنه يمكن أن يكون لبيان الجواز مع الكراهة .
ويرى الأحناف أنه لا بأس بالركوب ، وإن كان الافضل المشي إلا من عذر ، والسنة للراكب أن يكون خلف الجنازة للحديث المتقدم . قال الخطابي في الراكب : لا أعلمهم اختلفوا في أنه يكون خلفها .
ما يكره مع الجنازة
يكره في الجنازة الاتيان بفعل من الافعال الاتية :
1 – رفع الصوت بذكر أو قراءة أو غير ذلك
قال ابن المنذر : روينا عن قيس بن عباد أنه قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت عند ثلاث : عند الجنائز ، وعند الذكر ، وعند القتال .
وكره سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن والنخعي وأحمد وإسحاق قول القائل خلف الجنازة : استغفروا له . قال الاوزاعي : بدعة .
قال فضيل بن عمرو : بينا ابن عمر في جنازة إذ سمع قائلا يقول : استغفروا له غفر الله له . فقال ابن عمر : لا غفر الله لك .
وقال ابن قدامة : وَيُسْتَحَبُّ لِمُتَّبِعِ الْجِنَازَةِ أَنْ يَكُونَ مُتَخَشِّعًا، مُتَفَكِّرًا فِي مَآلِهِ، مُتَّعِظًا بِالْمَوْتِ، وَبِمَا يَصِيرُ إلَيْهِ الْمَيِّتُ، وَلَا يَتَحَدَّثُ بِأَحَادِيثِ الدُّنْيَا، وَلَا يَضْحَكُ، قَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: مَا تَبِعْت جِنَازَةً فَحَدَّثْت نَفْسِي بِغَيْرِ مَا هُوَ مَفْعُولٌ بِهَا. وَرَأَى بَعْضُ السَّلَفِ رَجُلًا يَضْحَكُ فِي جِنَازَةٍ، فَقَالَ: أَتَضْحَكُ وَأَنْتَ تَتْبَعُ الْجِنَازَةَ؟ لَا كَلَّمْتُك أَبَدًا.
وقال النووي : واعلم ان الصواب ما كان عليه السلف من السكوت حال السير مع الجنازة ، فلا يرفع صوت بقراءة ، ولا ذكر ولا غيرهما ، لأنه أسكن لخاطره وأجمع لفكره فيما يتعلق بالجنازة ، وهو المطلوب في هذا الحال ، فهذا هو الحق ولا تغتر بكثرة ما يخالفه ، وأما ما يفعله الجهلة من القراءة على الجنازة بالتمطيط وإخراج الكلام عن موضعه فحرام بالإجماع .
2 – أن تتبع بنار ، لان ذلك من أفعال الجاهلية .
قال ابن المنذر : يكره ذلك كل من يحفظ عنه من أهل العلم .
قال البيهقي : وفي وصية عائشة وعبادة بن الصامت وأبي هريرة ، وأبي سعيد الخدري وأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم : أن لا تتبعوني بنار .
وروى ابن ماجه : أن أبا موسى الاشعري حين حضره الموت قال : لا تتبعوني بمجمر. قالوا : أو سمعت فيه شيئا ؟ قال : نعم من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
المجمر : على وزن متبر : ما يوضع فيه الجمر والبخور .
وفي اسناده أبو حريز مولى معاوية وهو مجهول .
فإن كان الدفن ليلا واحتاجوا إلى ضوء فلا بأس به ، وقد روى الترمذي عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل قبرا ليلا فأسرج له سراج . وقال : حديث ابن عباس حديث حسن .
3 – قعود المتبع لها قبل أن توضع على الارض .
قال البخاري : من تبع جنازة فلا يقعد حتى توضع عن مناكب الرجال . فإن قعد أمر بالقيام . ثم روى عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال : ” إذا رأيتم الجنازة فقوموا . فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع ” .
وروى عن سعيد المقبري عن أبيه قال : كنا في جنازة . فأخذ أبو هريرة رضي الله عنه بيد مروان فجلسا قبل أن توضع ، فجاء أبو سعيد رضي الله عنه فأخذ بيد مروان
فقال : قم . فو الله لقد علم هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن ذلك ، فقال أبو هريرة : صدق . رواه الحاكم . وزاد : أن مروان لما قال له أبو سعيد : قم ، قام . ثم قال له : لم أقمتني ؟ فذكر له الحديث . فقال لابي هريرة : فما منعك أن تخبرني ؟ فقال : كنت إماما فجلست فجلست .
وهذا مذهب أكثر الصحابة والتابعين والأحناف والحنابلة والاوزاعي وإسحاق .
وقالت الشافعية : لا يكره الجلوس لمشيعها قبل وضعها على الارض .
واتفقوا على أن من تقدم الجنازة فلا بأس أن يجلس قبل أن تنتهي إليه .
قال الترمذي : روي عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أنهم كانوا يتقدمون الجنازة ويقعدون قبل أن تنتهي إليهم ، وهو قول الشافعي . فإذا جاءت وهو جالس لم يقم لها . وعن أحمد قال : إن قام لم أعبه ، وإن قعد فلا بأس .
4 – القيام لها عندما تمر :
لما رواه أحمد عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ . قال : شهدت جنازة في بني سلمة ، فقمت فقال لي نافع بن جبير : اجلس فإني سأخبرك في هذا بثبت (حجة ) :حدثني مسعود بن الحاكم الزرقي أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : كان النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بالقيام في الجنازة . ثم جلس بعد ذلك ، وأمرنا بالجلوس .
ورواه مسلم بلفظ : رأينا النبي صلى الله عليه وسلم قام فقمنا ، فقعد فقعدنا . يعني في الجنازة ، قال الترمذي : حديث علي حسن صحيح وفيه أربعة من التابعين بعضهم عن بعض ، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم .
قال الشافعي : وهذا أصح شئ في هذا الباب . وهذا الحديث ناسخ للحديث الاول : ” إذا رأيتم الجنازة فقوموا ” .
وقال أحمد : إن شاء قام وإن شاء لم يقم ، واحتج بان النبي صلى الله عليه وسلم قد روي عنه أنه قام ثم قعد . وهكذا قال إسحق بن إبراهيم . ووافق أحمد وإسحق ابن حبيب وابن الماجشون من المالكية .
قال النووي : والمختار : إن القيام مستحب ، وبه قال المتولي وصاحب المذهب .
قال ابن حزم : ويستحب القيام للجنازة إذا رآها المرء . وإن كانت جنازة كافر حتى توضع أو تخلفه ، فإن لم يقم فلا حرج . استدل القائلون بالاستحباب بما رواه الجماعة عن ابن عمر عن عامر بن ربيعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها حتى تخلفكم أو توضع “
ولأحمد : وكان ابن عمر إذا رأى جنازة قام حتى تجاوزه . وروى البخاري ومسلم عن سهل بن حنيف وقيس بن سعد أنهما كانا قاعدين بالقادسية ، فمروا عليهما
بجنازة فقاما . فقيل لهما : إنها من أهل الارض – أي من أهل الذمة – فقالا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام .
فقيل له : إنها جنازة يهودي .
فقال : ” أو ليست نفسا ” .
وللبخاري عن أبي ليلى قال : كان ابن مسعود وقيس يقومان للجنازة .
والحكمة في القيام :
ما جاء في رواية أحمد وابن حبان والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا ” إنما تقومون إعظاما للذي يقبض النفوس ” ، ولفظ ابن حبان ” إعظاما لله تعالى الذي يقبض الارواح ” .
وجملة القول : إن العلماء اختلفوا في هذه المسألة فمنهم من ذهب إلى القول بكراهة القيام للجنازة ، ومنهم من ذهب إلى استحبابه ، ومنهم من رأى التخيير بين الفعل والترك ، ولكل حجته ودليله . والمكلف إزاء هذه الآراء له أن يتخير منها ما يطمئن له قلبه . والله أعلم .
5 – اتباع النساء لها :
لحديث أم عطية قالت : نهينا أن نتبع الجنائز ، ولم يعزم علينا . (أي لم يوجب علينا ) رواه أحمد والبخاري ومسلم وابن ماجه . وعن عبد الله ابن عمرو قال : بينما نحن نمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ بصر بامرأة
قال الحافظ في الفتح : ” ولم يعزم علينا ” أي لم يؤكد علينا في المنع كما أكد علينا في غيره من المنهيات ، فكأنها قالت كره لنا اتباع الجنائز من غير تحريم .
وقال القرطبي : ظاهر سياق أم عطية أن النهي نهي تنزيه ، وبه قال جمهور أهل العلم ، ومال مالك إلى الجواز ، وهو قول أهل المدينة ، ويدل على الجواز ما رواه ابن أبي شيبة من طريق محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي هريرة ” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في جنازة ، ورأى عمر امرأة فصاح بها ، فقال : ” دعها يا عمر . . ” الحديث : وأخرجه ابن ماجه والنسائي من هذا الوجه ومن طريق أخرى عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سلمة بن الازرق عن أبي هريرة . ورجاله ثقات .
وقال المهلب : في حديث أم عطية دلالة على أن النهي من الشارع على درجات . لا نظن أنه عرفها ، فلما توجهنا إلى الطريق وقف حتى انتهت إليه ، فإذا فاطمة رضي الله عنها . فقال : ” ما أخرجك من بيتك يا فاطمة ؟ ” قالت : أتيت أهل هذا البيت ، فرحمت إليهم ميتهم ، وعزيتهم . فقال : ” لعلك بلغت معهم الكدى (القبور ) ؟ ” قالت : معاذ الله أن أكون قد بلغتها معهم وقد سمعتك تذكر في ذلك ما تذكر . قال : لو بلغتها ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك ” رواه أحمد والحاكم والنسائي والبيهقي ، وقد طعن العلماء في هذا الحديث وقالوا إنه غير صحيح لان في سنده ربيعة بن سيف وهو ضعيف الحديث ، عنده مناكير .
وروى ابن ماجه والحاكم عن محمد بن الحنفية عن علي رضى الله عنه . قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم فإذا نسوة جلوس ، فقال : ” ما يجلسكن ؟ ” قلن : ننتظر الجنازة قال : ” هل تغسلن ؟ ” قلن : لا . قال : ” هل تحملن ؟ ” قلن : لا . قال : ” هل تدلين (تنزلن الميت في القبر ) فيمن يدلي ؟ ” قلن : لا . قال : ” فارجعن مأزورات (آثمات) غير مأجورات ” .
وفي إسناده دينار بن عمر ، قال أبو حاتم : ليس بالمشهور .
وقال الازدي : متروك .
وقال الخليلي في الارشاد : كذاب .
وهذا مذهب ابن مسعود وابن عمر وأبو أمامة وعائشة ومسروق والحسن والنخعي والاوزاعي وإسحاق والحنفية والشافعية والحنابلة .
وعند مالك : أنه لا يكره خروج عجوز لجنازة مطلقا ، ولا خروج شابة في جنازة من عظمت مصيبته عليها بشرط أن تكون مستترة ولا يترتب على خروجها فتنة .
ويرى ابن حزم أن ما استدل به الجمهور غير صحيح ، وأنه يصح للنساء اتباع الجنازة .
فيقول : ولا نكره اتباع النساء الجنازة ، ولا نمنعهن من ذلك . جاءت في النهي عن ذلك آثار ليس شئ منها يصح ، لأنها إما مرسلة ، وإما عن مجهول . وإما عمن لا يحتج به .
ثم ذكر حديث أم عطية المتقدم وقال فيه : لو صح مسندا لم يكن فيه حجة ، بل كان يكون كراهة فقط ، بل قد صح خلافه كما روينا من طريق شعبة : عن وكيع عن هشام بن عروة ، عن وهب بن كيسان عن محمد بن عمرو ابن عطاء عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في جنازة ، فرأى عمر امرأة ، فصاح بها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” دعها يا عمر . فإن العين دامعة ، والنفس مصابة ، والعهد قريب ” .
قال : وقد صح عن ابن عباس أنه لم يكره ذلك .
ترك الجنازة من أجل المنكر :
قال صاحب المغني : فإن كان مع الجنازة منكر يراه أو يسمعه ، فإن قدر على إنكاره وإزالته أزاله ، وإن لم يقدر على إزالته ففيه وجهان : أحدهما ينكره ويتبعها فيسقط فرضه بالإنكار و لا يترك حقا لبالطل .
والثاني يرجع لأنه يؤدي إلى استماع محظور ورؤيته مع قدرته على ترك .