من دروس الهجرة : لماذا يعادون الإسلام ؟

تاريخ الإضافة 24 يونيو, 2025 الزيارات : 4263

من دروس الهجرة : لماذا يعادون الإسلام ؟

 

عناصر الخطبة:

أولا/ الهجرة حدث غير مجرى التاريخ.

ثانيا /عبادة الأمل.

ثالثا/ لماذا كانوا يعادون الإسلام؟

رابعا/ تعريف الناس بالإسلام.

أولا/ الهجرة حدث غير مجرى التاريخ

من الأحداث العظيمة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم حدث الهجرة؛ ذلكم الحدث الكبير الذي غير مجرى التاريخ؛ حيث بدأ النبي صلى الله عليه وسلم دعوته بمكة يدعو الناس لعبادة الله وحده لا شريك له؛ فكان ما كان من اضطهاد وابتلاء وتضييق على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتباعه الكرام؛ فكانت الهجرة بعد ثلاثة عشر عاما من البعثة.

هاجر النبي صلى الله عليه وسلم فكانت هجرته خروجا من الضيق إلى السعة ومن الاستضعاف إلى التمكين حيث الانطلاق في آفاق الأرض كلها، ولو لم تحدث هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم لما جلسنا مجلسنا هذا ولا وقفت في مكاني هذا.

هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق بالخير الذي يحمله، والنور الذي جاء به لينتشر في مشارق الأرض ومغاربها، فما بقيت بقعة على وجه الأرض الآن إلا وفيها مسلمون، وهذا كله من فضل الله جل وعلا.

والنبي صلى الله عليه وسلم بشر بهذا الانتشار فقال: (إن الله زوى لي الأرض؛ فرأيت مشارقها، ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها) صحيح مسلم عن ثوبان رضي الله عنه.

زوى لي الأرض: جمع وضم فيما يشبه مجسم الكرة الأرضية

والإنسان بطبيعته يكره التغيير والانتقال، وقد يكره أمورا كثيرة تحدث في حياته، ثم مع مرور الوقت يرى أن ما حدث له كان خيرا كبيرا، لكن حكمة الله تعالى ألا تطلع على هذا الخير ابتلاء واختبارا.

والنبي قال لمكة وهو خارج منها: «والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت». رواه الترمذي في سننه وقال: “حديث حسن صحيح”.

ورغم هذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم فكان ما كان من انتشار الإسلام.

ثانيا /عبادة الأمل

ومع التضييق الذي كان بمكة والابتلاء الذي تعرض له المسلمون كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعبد لله بعبادة الأمل، وبث هذا الأمل في نفوس اتباعه.

جاء خباب بن الأرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا، قال: «كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه، فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون».

ومعنى متوسد: ملتف بثيابه، أو عباءته.

ومعنى تستنصر لنا: تطلب لنا النصرة من الله عن طريق الدعاء والابتهال إلى الله.

حينما نسمع الأخبار حاليا ليس فيها شيء يسرّ مذابح وقتلى وفواجع ونزاعات عرقية، وحروب أهلية، والصراع على الحكم، ومصائب كثيرة، ودماء تسيل …. فترى بقلبك كمدا وغما لما تراه، وترى مستقبلا مظلما يائسا لا يبشر بخير.

لكن أقول هذا هو الفارق بين الإيمان القوي والإيمان الضعيف، فالمؤمن القوي يعلم أن عليه أن يسعى وليس عليه تحقيق النتائج.

اليقين في الله وعدم اليأس:

هل نتخيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي خرج من مكة مستضعفا معه عدد قليل من المسلمين بالإضافة لإخوانهم بالمدينة كان عددهم ألف وخمسمئة نفس فقط !!!هل تتخيل أن هؤلاء كانوا سببا في تغيير وجه العالم، سبحان الله العظيم!!!

خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة وهو على يقين من ربه أن هذا الأمر سيتمه الله وسينتشر في المشارق والمغارب، هذا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لسراقة بن مالك، حينما تابعه ليحصل على جائزة قريش لمن يأتيهم برسول الله صلى الله عليه وسلم حيا أو ميتا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل يقين: ارجع ولك سواري كسرى!!

في هذا المشهد وهو يخرج من مكة متخفيا تطارده أمة بأكملها ليأتوا به حيا أو ميتا وفي هذا الوقت وهذا الضيق والشدة يقول لسراقة: ارجع ولك سواري كسرى!!!هذا يقين الواثق بموعود ربه يقين لا يتزعزع.

فأنت أيها المسلم في كل الأحوال تعمل وتتحرك بإيجابية بما آتاك الله في حدود القدرات، والإمكانات المتاحة، لكن لا تيأس أبدا واستبشر خيرا.

ثالثا/ لماذا كانوا يعادون الإسلام؟

أكبر سبب لعداء قريش للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هو أنه جاء ليعبّد الناس لله وحده، وأن الجميع سواء في ظل مجتمع يتنزل فيه الوحي ويحكم الرسول فيه بالعدل والمساواة، فلا يعلو أحد على أحد ولا يقال سيد وعبد، سيد له كافة الحقوق في الحياة، وعبد لا حق له في الحياة.

فعادوا الإسلام لهذا السبب، لأنه جاء لتحرير العبيد، والتسوية بين السادة والعبيد فالناس سواسية بين يدي الله عز وجل، وإنما يتفاضلون عند الله بالتقوى.

وعملوا على تشويه النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: محمد ساحر يفرق بين الابن وأبيه والزوج وزوجته محمد كاهن شاعر مجنون محمد كذا وكذا….

وكل هذا زيف المقصود منه تنفير الناس وفضهم عنه، فيبقى العبيد عبيدا أطول فترة ممكنة.

لقد كانوا على يقين أنه رسول الله لكن حرصهم على بقاء السيادة التي يحرصون عليها أدى بهم إلى معاداتهم لرسول الله، ومعاداة هذه المساواة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والرسول صلى الله عليه وسلم من أول يوم حرص على تربية أصحابه على هذه المعاني والقيم السامية؛ حتى رأينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: 

أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا

يقصد بلال بن رباح رضي الله عنه، وهذه الكلمة ما كانت تخرج من فم عمر، وهو في الجاهلية، أن يقول عن بلال الذي كان عبدا حبشيا سيدنا.

وعند فتح مكة أمر بلالا أن يعلو ظهر الكعبة ويؤذن، وتخيلوا العقلية القرشية أن أحدهم قال يومها: الحمد لله أن مات أبي قبل أن يرى هذا اليوم!!

ولا ننس هذه الحادثة ؛ وهي أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: ومن يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتشفع في حد من حدود الله ؟!)، ثم قام فاختطب، ثم قال: (إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)

فأصحاب الشهوات هم الذين يعادون أهل الحق، بل ويخوفون أتباعهم من الحق بمغازلتهم في شهواتهم وأنهم سيحال بينهم وبينها، ومن ثم يستمرون في استعبادهم وإذلالهم، بالإضافة لذلك يقودون حملات تشويه الإسلام والعداوة والتضييق والابتلاء لكل من أسلم.

ولذلك لما نزل جبريل بغار حراء على الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأخذته بعدها خديجة إلى ابن عمها ورقة بن نوفل ، فقال له ورقة: ليتني كنت حيا، ليتني كنت جذعا (شابا حديث السن) إذ يخرجك قومك.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم متعجبا أو قل مستنكرا: أو مخرجي هم؟

النبي صلى الله عليه وسلم أربعين سنة يعيش مع قومه محبوبا، حتى لقبوه بالصادق الأمين وفجأة يعادونه؟ فقال النبي مستنكرا أو مخرجي هم؟ قال ورقة : ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا عودي .

فشاء الله سبحانه وتعالى أن يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يدعو الناس للهدى ودين الحق فكان أول من ترصد له عمه والتفاصيل معروفة في أحداث السيرة.

فالعداء للنبي صلى الله عليه وسلم وللإسلام تركز في صنفين:

الأول: المنتفعين من الباطل:

لأن من يحقق المغانم، والمكاسب من وراء الباطل؛ فحتما ولا بد أن يعادي الحق، فالدود لا يعرف إلا العيش على الجيف، والخفافيش لا تحب إلا الظلام.

الأمر الثاني: الجهلة بالدين:

 من لا يعرف الإسلام حق المعرفة يعاديه، فمن جهل شيئا عاداه، وهذا الصنف المستعبد المستذل متأثر بما يمليه عليه أسياده الذين يريدون بقاءه عبدا لهم.

فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليحرر هؤلاء الجهلة المستعبدين من جهلهم ويحرك العقول، واقرأوا القرآن المكي دائما الخطاب لتحريك العقل (قل أرأيتم ) [الأنعام/46] و ( أفلا تعقلون ) [البقرة/44] ( أفلا تسمعون ) [القصص/71]

ألا تفهمون؟ أما عندكم عقول تستعملونها؟ لماذا تلغون عقولكم؟ لماذا هذا الجمود والتقليد الأعمى لآبائكم؟ لا تجعل غيرك يفكر بالنيابة عنك، لا تجعل سيدا يصيرك عبدا دائما بإلغاء عقلك.

فأراد الإسلام أن يحرر عقولهم من الجمود والتبعية والتقليد ثم الاستقلال في التفكير.

 ولذلك أختم بكلمة ربعي بن عامر حينما قال لرستم قائد جيش الفرس حينما سأله قبل معركة القادسية قائلا: ما الذي جاء بكم؟

قال : الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد،

ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام،

ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.

رابعا/ تعريف الناس بالإسلام

 الكثير من الناس ضحية تزييف الوعي وتشويه الصورة والتضليل حتى لا يتبع الناس الحق ولا يرون الإسلام ونحن لا نريد أن يدخل الناس في الإسلام؛ إنما نريد البيان والإيضاح ، والهداية بيد الله ، قال تعالى ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ) [آل عمران/64]

فكونوا على الحياد لا تصادقوا الإسلام، ولا تعادوه ( فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ) [آل عمران/64]

وهذه مرحلة مهمة جدا وهي أن يصل الناس لإدراك أن الإسلام ليس عدوا لهم ، وأنه نور الله، من أراد أن ينتفع بهذا النور فليدخل فيه ومن لم يرد أن ينتفع به فلا يعاديه ، قال تعالى : ( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) [الكهف/29]

والإسلام لم ولن ينتشر بحد السيف كما زعم المغرضون ، بل كان أولى بذلك رب العباد سبحانه أن يجبر الناس بقدرته على الدين ، أو أن يخلقهم لا يعرفون إلا الإيمان به كالملائكة.

لأن العقيدة اعتقاد بالقلب؛ لا يفرض أبدا بالقوة، أو بإغراءات مادية، ولا يفرض بالإرهاب والتقتيل والتحريق.

تنصر ويريد الذهاب للحج:

أحد الدعاة ذهب إلى إندونيسيا قال فوجدت التنصير فيها على قدم وساق، وحدث أنهم استدعوا الرئيس المسؤول عن التنصير في العالم احتفالا بمجموعة من المسلمين في قرية تنصروا وحصل كل واحد منهم على ثلاثين ألف دولار، فقال هذا الرجل لأحدهم من باب جر الكلام ماذا تفعل بالثلاثين ألف دولار ؟ قال سأحج هذا العام !!!

فهذه عقيدة هل ستغيرها بالأموال، حتى لو ثلاثين ألف دولار ولا مليون ولا بأكثر سبحان الله العظيم – فلا تفرض العقيدة بالإغراء والمال أو بالإكراه، لأن العقيدة ما انعقد عليه القلب.

فالإسلام لم ولن يفرض بالقوة ولا يروج له بالتفجيرات والاعتداءات والفتاوى العوراء والجهات المشبوهة التي تسمي نفسها بأسماء رنانة وشعارات براقة ويقولون نحن حماة الإسلام وأنصار الإسلام والجهاد ….. والآن داعش في طريقها إلى التبخر، سبحان الله العظيم!

فاعرفوا دينكم وتمسكوا به، وادعوا الناس إلى الدين بالأخلاق والسلوك واتقان العمل ، وأن تكون سفيرا لدينك في كل مكان تحل فيه فتكون سبب هداية لغيرك لا فتنة لأحدهم، لا تكن سببا لأن يكره الناس الإسلام.

 كن دائما كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان خلقه القرآن،

وكان يقول : (إنما أنا رحمة مهداة)

ويقول : (بعثت بالحنيفية السمحة)،

وكان يقول : (لم أبعث لعانا .)

Visited 43 times, 1 visit(s) today


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 16 أبريل, 2025 عدد الزوار : 14348 زائر

خواطر إيمانية

كتب الدكتور حسين عامر

جديد الموقع