بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ

تاريخ الإضافة 18 يوليو, 2023 الزيارات : 15762

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا ، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ ) رواه مسلم

يَتحدَّث كثير من الدعاة عن آخر الزمان، وعن أحاديث الفتن والملاحم وأشراط الساعة، حدِيثًا يُوحي مُجْمَله أنَّ الكفر في إقبالٍ، وأن الإسلام في إدْبارٍ، وأن الشرَّ يَنتصر، وأن الخير يَنهزم، وأن أهل المُنكر غالبون، وأهلَ المعروف ودُعاته مَخذولون.

وهذا لا شكَّ خطأ جسيم، وسوء فهم لِمَا ورَد من بعض النصوص الجزئية، وإغفال للمبشرات الكثيرة الناصعة القاطعة، بأن المستقبل للإسلام، وأن هذا الدين سيُظهِرُه الله على كل الأديان، ولو كَرِه المشركون.

وحسبنا قول الله تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) (التوبة: 33).

وقد تكررت هذه الآية بهذه الصيغة مرتين، في سورتي التوبة والصف، وفي سورة الفتح (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدًا) (الفتح: 28).

فهذا وعد من الله تعالى بظهور دين الحق – الإسلام – على الدين كله، أي على الأديان كلها، وكان وعد الله حقًا، فلن يخلف الله وعده، ولا زلنا ننتظر تحقيق هذا الوعد الذي جاءتنا بشائره بفضل الله .

لِهذا أرى أن نوضح المعنى الصحيح لهذا الحديث وأنه وعشرات من الأحاديث غيره تبشر بعلو الإسلام وظهوره ، حتى نَبعَث الأمل المُحرِّك للعزائم، ونَهزم اليأس القاتل للنفوس.

والمعنى الصحيح للحديث أن الإسلام بدأ غريباً حينما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إليه فقالوا: (أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب ) ص (5)

فقد كانوا يعبدون ثلاثمائة وخمسة وستين صنما نصبوها حول الكعبة

، ولم يستجب للرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الواحد بعد الواحد ، فكان حينذاك غريباً بغربة أهله ، لقلتهم وضعفهم مع كثرة خصومهم وقوتهم وطغيانهم وتسلطهم على المسلمين ، فالإسلام بدأ قليلا غريبا في مكة لم يؤمن به إلا القليل، وأكثر الخلق عادوه وعاندوا النبي صلى الله عليه وسلم وآذوه، وآذوا أصحابه الذين أسلموا، حتى هاجر من هاجر إلى الحبشة فراراً بدينه من الفتن وبنفسه من الأذى والاضطهاد والظلم والاستبداد ، وحتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الله تعالى إلى المدينة بعد ما ناله من شدة الأذى ما ناله رجاء أن يهيئ الله له من يؤازره في دعوته ، ويقوم معه بنصر الإسلام ، وانتقل معه من قدر من أصحابه، وكان غريبا أيضا حتى كثر أهله في المدينة وفي بقية الأمصار، ثم دخل الناس في دين الله أفواجا بعد أن فتح الله على نبيه عليه الصلاة والسلام مكة ، وقد حقق الله رجاءه فأعز جنده ونصر عبده وقامت دولة الإسلام وانتشر بحول الله في أرجاء الأرض وجعل سبحانه كلمة الكفر هي السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم ، ورددها ربعي بن عامر في سمع الزمان ( إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.)

وامتدت دولة الإسلام  من الصين شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا ، ووقف عقبة بن نافع على المحيط الأطلسي (وكان يسمى وقتها بحر الظلمات ) وعمره خمس وعشرون سنة، رافعاً سيفه، وقد تبللت أقدام فرسه في البحر، وقف قائلا: (والله لو أعلم أن خلف هذا البحر أرضاً لخضته بفرسي هذا في سبيل الله )

وكان هارون الرشيد يخاطب السحابة قائلا ( أمطري حيث شئت فسوف يأتيني خراجك) والخراج : مقدار معين من المال أو الحاصلات يُفرض على الأراضي التي فتحها المسلمون وتركوها لأهلها الأصليين غير المسلمين لزراعتها .

فكنا كما قال القائل :

ملكنا هذه الدنيا قروناً   *** وأخضعها جدود خالدونا

وسطرنا صحائف من ضياء  *** فما نسي الزمان ولا نسينا

وعاد الإسلام غريبا كما بدأ :

ثم بدأ التفرق والوهن ودب بين المسلمين الضعف والفشل شيئاً فشيئاً حتى عاد الإسلام غريباً كما بدأ ، لكن ليس ذلك لقلتهم فإنهم يومئذ كثير، وإنما ذلك لعدم تمسكهم بدينهم واعتصامهم بكتاب ربهم وتنكبهم هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من شاء الله فشغلهم بأنفسهم وبالإقبال على الدنيا فتنافسوا فيها كما تنافس من كان قبلهم وتناحروا فيما بينهم على إمارتها وتراثها ، فوجد أعداء الإسلام المداخل عليهم وتمكنوا من ديارهم ورقابهم فاستعمروها وأذلوا أهلها وساموهم سوء العذاب ،وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك الأمر فعن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل يا رسول الله وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت)رواه أبو داود .

فمثل النبي صلى الله عليه وسلم حالة الوهن التي ستصيب الأمة وتكالب الأمم عليها بقوم جياع شرهين يبحثون عن وليمة باردة سهلة يأكلونها، وعندما يجدون هذه الفريسة؛ يقف كل واحد منهم يدعو للانقضاض على هذه الأمة ونهب ثرواتها وخيراتها  ، كما يدعو صاحب الطعام ضيوفه إلى الوليمة

ويوضح النبي أن القلة ليست هي السبب ، بل المسلمون عندما تتداعى الأمم عليهم يومئذ كثير ، ولكنهم غثاء كغثاء السيل ، والغثاء وهو ما ارتفع على وجه الماء وحمله السيل من الوسخ والأعواد …. مما لا ينفع الناس ولا يقوم به شيء ، ومعلوم أن الغثاء تبع للسيل الجارف لا يقوى على المصادمة ولا خيار له في الطريق الذي يسلكه مع السيل الذي يحصد كل ما أتى أمامه .

وتكالبت الدول الاستخرابية (التي سميت ظلما وزورا بالاستعمارية )على الدولة الإسلامية المترامية الأطراف ، وسموا دولة الخلافة العثمانية بتركة الرجل المريض وبعد الحرب العالمية الأولى قسمت إلى دويلات تقاسمتها انجلترا وفرنسا باتفاقية سايكس بيكو التي تم الوصول إليها في مايو من عام 1916 بين الفرنسي جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس والتي اتفقا فيها على اقتسام الإمبراطورية العثمانية .

 

وبدأت عوامل التغريب في الفكر والثقافة والأخلاق والقيم ووصم أهل التدين بالتخلف والرجعية وظهرت دعوات الحداثة والتنوير والتغريب والعلمنة وتحرير المرأة ، والانهزام النفسي والدعوة لتقليد الغربيين في كل شئ ونبذ الدين وفصله عن الحياة وأن سر تقدم الغربيين هو نبذهم للدين ، فلننبذ الدين كما نبذه الغربيون !!!

وسعت الدول الغربية إلى تفكيك الوحدة العقدية التي احتمى بها المسلمون في شتى بقاع الأرض، فعملت على نشر الفكر السياسي العلماني الذي يقوم على تحييد الدين في المجال السياسي والاقتصادي وحصر مفهوم التدين في أداء العبادات المحضة وصرف اهتمام المسلمين عن الأحكام الشرعية في الجوانب الأخرى كالمعاملات والجنايات والسياسة والاقتصاد وما إلى ذلك.

وبعد الانحلال السياسي، تبعه انحلال عقدي وأخلاقي وفكري واجتماعي، لجعل المجتمعات الإسلامية ذات سحنة غربية في كل منطلقاتها.

وتحت وطأة هذا الواقع الأليم، وفي كثافة ضباب الانحلال الذي عم الأرجاء، يبزغ نور خافت، وإذا بهذا النور يتعاظم حتى اكتمل، فإذا هي شمس الإسلام الساطعة، عادت ، لتعلم كل الناس أن نور الله باق، (ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون)

وجاءت الصحوة الإسلامية ، وظهر جيل جديد في بداية السبعينيات من القرن الماضي عرف بجيل الصحوة .

ولقد كانت صحوة الأمة الإسلامية من سكرها الذي عاشت فيه عقودا متطاولة، حدثا عظيما أحيا الله به الأمة الإسلامية بعد موات، ونهض شباب الأمة، بل وشيوخها وأطفالها ونساؤها يعاضدون هذه الصحوة، كل على قدر ما يستطيع، وقد مضى زمن كان رواد المساجد فيه هم (المسنون) الذين استدبروا الحياة، واقتربوا من حافة القبر، حتى ذكر الدكتور محمد موسى الشريف أن الحرم المكي في تهجد رمضان سنة 1382هـ/ 1963م كان يصلي فيه أربعة صفوف صغيرة والإمام يقرأ بلا مكبر للصوت فيسمعهم!! وذلك بسبب قلّتهم.

أما اليوم، فيشهد كل من كان بينه وبين المسجد صلة، أن رواد المساجد هم شباب في مقتبل العمر،وعاد الحجاب تزدان به الفتيات المسلمات في كل مكان، وظهرت البنوك الإسلامية والقنوات الفضائية الدينية ، ومواقع الانترنت الإسلامية بشتى اللغات الحية  .

لكن واجه شباب الصحوة حكاما غلاظا فجرة عادوا كل ما هو إسلامي وضيقوا عليه في التعليم والتعيين وحاربوهم في الأرزاق ، ومُلأت السجون بالشباب الطاهر البرئ ، حدث هذا في مصر وليبيا وتونس ، وإن كان الحكم البوليسي في تونس أشد ، والجنون سيد الموقف مع القذافي ، وإدارة الفساد مع فرعون مصر الأخير حسني مبارك ، فأخزاهم الله جميعا وكسرهم ، وجاءت ثورات الربيع العربي ، فهرب بن علي إلى جدة وسجن مبارك ، وقتل القذافي .

وعاد الحق لأهله واختارت الشعوب الإسلام مرة ثانية ففي أول انتخابات نزيهة في تونس فاز حزب النهضة الإسلامي ونفس الحال بالمغرب ومصر ، وأعلن المجلس الانتقالي في ليبيا بأنه سيلغي كل القوانين المخالفة للشريعة الإسلامية وإلغاء الفائدة الربوية …..وهاهي رياح الحرية والتغيير تطال اليمن ، وسوريا أسأل الله أن يعجل لهم بالفرج والتمكين .

وأبشر بأن الأيام القادمة هي أيام التمكين لهذا الدين العظيم مصداقا لقول الصادق المعصوم: “ ليبلغن هذا الأمر – يعني الإسلام – ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل دليل، عزًا يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر” رواه ابن حبان

 

ومعنى ذلك أن كل منطقة من الأرض يصلها الليل والنهار سوف يبلغها الإسلام، وهذا ما حدث فعلاً لأن جميع الدول اليوم فيها مسلمون.

وفي موسوعة ويكيبديا (الإسلام هو ثاني الديانات في العالم من حيث عدد المعتنقين بعد المسيحية ، ويصل عدد المسلمين اليوم إلى حوالي 1.57 مليار نسمة، وبهذا فإنهم يشكلون قرابة 23% من سكان العالم،وهو أسرع الديانات انتشارًا في العالم حاليًا

وعن النعمان بن بشير عن حذيفة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها،

ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها .

ثم تكون ملكًا عاضًا (الملك العاض أو العضوض: هو الذي يصيب الرعية فيه عسف وتجاوز، كأنما له أسنان تعضهم عضًا)، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها.

ثم تكون ملكًا جبرية (ملك الجبرية: هو الذي يقوم على التجبر والطغيان).، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها.

ثم تكون خلافة على منهاج النبوة” ثم سكت )رواه أحمد

هذا الحديث يبين أن الأمة ستمر بخمسة مراحل هي :

المرحلة الأولى : النبوة حال النبوة وهو أكمل أحوالها حيث يوجد نبيها – عليه السلام – ويتنزل الوحي إليه، ويرشد الأمة إلى الحق والخير.

المرحلة الثانية : خلافة على منهاج النبوة وهي ثلاثون سنة على ما ورد وهي تلك الفترة الذهبية من عمر هذه الأمة، وقد جاء تحديدها في الحديث الذي رواه سفينة مولى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: سمعت رسول – صلى الله عليه وسلم – يقول: الخلافة ثلاثون عاماً ثم يكون بعد ذلك الملك، قال سفينة: أمسك؛ خلافة أبي بكر سنتين ، وخلافة عمر عشر سنين، وخلافة عثمان اثنتي عشرة سنة وخلافة علي ست سنين” رواه أحمد

وإنما سميت هذه الفترة بالخلافة كما في بعض الروايات، وبخلافة النبوة في روايات أخرى، لأن الخلفاء صدقوا هذا الاسم بأعمالهم، وتمسكوا بسنة نبيهم – صلى الله عليه وسلم -، والتزموا الشرع في أحكامهم.

المرحلة الثالثة : الملك العاض أي يصيب الرعية فيه عسْفٌ وظُلْم، كأنَّهم يُعَضُّون فيه عَضًّا، و العَضُّ  هو :الشدُّ بالأَسنان على الشيء ، وأَصل العَضِيضِ اللزوم وهي كناية عن شدّة الاستمساك بأَمر ما ؛ ولَزِمَه ولَزِقَ به .

المرحلة الرابعة : الملك الجبري وأما الملك الجبري، فالمراد به الملك بالقهر والجبر.

من الإِجْبار وهو القهر والإِكراه

وواضح أن الدورين الأولين والثاني( النبوة والخلافة الراشدة) انتهيا بزوال الخلافة الراشدة ، وأن الدور الثالث( الملك العاض) استمر حتى زوال الدولة العثمانية ، وأن الدور الرابع( الملك الجبري) هو الذي نحن إن شاء الله في أواخره  ،وأن الدور الخامس( الخلافة على منهاج النبوة) قادم بإذن الله .ا.هـ

المرحلة الخامسة : خلافة على منهاج النبوة وهذه بشارة لهذه الأمة أنه سيكون في آخرها خلافة النبوة، فيعز الإسلام وتعلو رايته وينتشر دين الله في الأرض، وهذا هو أمل الأمة التي يجب عليها أن تتشبث به، وتعمل له بجد ونشاط، وتبذل وتضحي بالغالي والنفيس، وتبذل كل طاقتها لإيجاده، وتعيد البناء الذي بناه النبي صلى الله عليه وسلم.

إن سكوته صلى الله عليه وسلم. بعد إخباره عن آخر مرحلة ، يدل على أن الله سبحانه وتعالى سيظهر دينه على الدين كله .

إن بعد الليل فجرًا، وإن مع العسر يسرًا، وإن المستقبل للإسلام، وقد بدت بشائر الفجر، والحمد لله.

اللهم أقر أعيننا بعز الإسلام ورفعة المسلمين وارفع راية القرآن على العالمين.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 280 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم