المبشرات بانتصار الإسلام

تاريخ الإضافة 24 يونيو, 2025 الزيارات : 16379

المبشرات بانتصار الإسلام

عناصر الخطبة:

أولا/ بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ.

ثانيا/ وعاد الإسلام غريبا كما بدأ.

ثالثا/ بشرى الرسول صلى الله عليه وسلم.

 

أولا/ بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريبا، وسيعود كما بدأ غريبا، فطوبى للغرباء) رواه مسلم .

يتحدث كثير من الدعاة عن آخر الزمان، وعن أحاديث الفتن والملاحم وأشراط الساعة، حديثا يوحي مجمله أن الكفر في إقبال، وأن الإسلام في إدبار، وأن الشر ينتصر، وأن الخير ينهزم، وأن أهل المنكر غالبون، وأهل المعروف ودعاته مخذولون.

وهذا لا شك خطأ جسيم، وسوء فهم لما ورد من بعض النصوص الجزئية، وإغفال للمبشرات الكثيرة الناصعة القاطعة، بأن المستقبل للإسلام، وأن هذا الدين سيظهره الله على كل الأديان، ولو كره المشركون.

وحسبنا قول الله تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) (التوبة: 33).

وقد تكررت هذه الآية مرتين، في سورتي التوبة والصف، وفي سورة الفتح (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا) (الفتح: 28).

فهذا وعد من الله تعالى بظهور دين الحق – الإسلام – على الدين كله، أي على الأديان كلها، وكان وعد الله حقا، فلن يخلف الله وعده، ولا زلنا ننتظر تحقيق هذا الوعد الذي جاءتنا بشائره بفضل الله.

لهذا أرى أن أوضح المعنى الصحيح لهذا الحديث وأنه وعشرات من الأحاديث غيره تبشر بعلو الإسلام وظهوره، حتى نبعث الأمل المحرك للعزائم، ونهزم اليأس القاتل للنفوس.

والمعنى الصحيح للحديث أن الإسلام بدأ غريبا ومن مظاهر غربته آنذاك:

  • التوحيد:

حينما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى توحيد الله فقالوا: (أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب) [ص:5]، فقد كانوا يعبدون ثلاثمئة وخمسة وستين صنما نصبوها حول الكعبة.

  • قلة الموحدين وكثرة المشركين:

 ولم يستجب للرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قلة قليلة ، فكان حينذاك غريبا بغربة أهله ، لقلتهم وضعفهم ؛ مع كثرة خصومهم وقوتهم وطغيانهم وتسلطهم على المسلمين ، فالإسلام بدأ قليلا غريبا في مكة لم يؤمن به إلا القليل، وأكثر الخلق عادوه وعاندوا النبي صلى الله عليه وسلم وآذوه، وآذوا أصحابه الذين أسلموا، حتى هاجر من هاجر إلى الحبشة فرارا بدينه من الفتن، وبنفسه من الأذى، والاضطهاد، والظلم، والاستبداد ، وحتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الله تعالى إلى المدينة بعد ما ناله من شدة الأذى ما ناله رجاء أن يهيئ الله له من يؤازره في دعوته ، ويقوم معه بنصر الإسلام ، وانتقل معه من قدر من أصحابه.

  • سرعة انتشاره وزيادة اتباعه:

وكان غريبا أيضا لسرعة انتشاره وتزايد اتباعه؛ حتى كثر أهله في المدينة وفي بقية الأمصار، ثم دخل الناس في دين الله أفواجا بعد أن فتح الله على نبيه عليه الصلاة والسلام مكة ، وقد حقق الله رجاءه فأعز جنده ونصر عبده وقامت دولة الإسلام، وانتشر بحول الله في أرجاء الأرض وجعل سبحانه كلمة الكفر هي السفلى، وكلمة الله دائما أبدا هي العليا ،

ورددها ربعي بن عامر في سمع الزمان ( إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.)

وامتدت دولة الإسلام من الصين شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا، ووقف عقبة بن نافع على المحيط الأطلسي (وكان يسمى وقتها بحر الظلمات ) وعمره خمس وعشرون سنة، رافعا سيفه، وقد تبللت أقدام فرسه في البحر، وقف قائلا: (والله لو أعلم أن خلف هذا البحر أرضا تنالها المطايا لخضت بفرسي هذا في سبيل الله )

وكان هارون الرشيد يخاطب السحابة قائلا (أمطري حيث شئت فسوف يأتيني خراجك) [1]

فكنا كما قال القائل:

ملكنا هذه الدنيا قرونا   *** وأخضعها جدود خالدونا

وسطرنا صحائف من ضياء *** فما نسي الزمان ولا نسينا

 

ثانيا/ وعاد الإسلام غريبا كما بدأ

ثم بدأ التفرق والوهن ودب الضعف بين المسلمين شيئا فشيئا حتى عاد الإسلام غريبا كما بدأ ، ليس ذلك لقلتهم فإنهم كانوا يومئذ كثير، وإنما لعدم تمسكهم بدينهم، واعتصامهم بكتاب ربهم وتنكبهم هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من شاء الله، فشغلهم بأنفسهم وبالإقبال على الدنيا فتنافسوا فيها كما تنافس من كان قبلهم، وتناحروا فيما بينهم على إمارتها، وتراثها ، فوجد أعداء الإسلام المداخل عليهم، وتمكنوا من ديارهم، ورقابهم؛ فاستعمروها وأذلوا أهلها، وساموهم سوء العذاب.

 وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك الأمر فعن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل يا رسول الله وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت) رواه أبو داود .

فمثل النبي صلى الله عليه وسلم حالة الوهن التي ستصيب الأمة وتكالب الأمم عليها بقوم جياع شرهين يبحثون عن وليمة باردة سهلة يأكلونها، وعندما يجدون هذه الفريسة؛ يقف كل واحد منهم يدعو للانقضاض على هذه الأمة ونهب ثرواتها وخيراتها ، كما يدعو صاحب الطعام ضيوفه إلى الوليمة.

ويوضح النبي أن القلة ليست هي السبب، بل المسلمون عندما تتداعى الأمم عليهم يومئذ كثير، ولكنهم غثاء كغثاء السيل، والغثاء وهو ما ارتفع على وجه الماء وحمله السيل من الوسخ والأعواد مما لا ينفع الناس، ولا يقوم به شيء، ومعلوم أن الغثاء تبع للسيل الجارف لا يقوى على المصادمة، ولا خيار له في الطريق الذي يسلكه مع السيل الذي يحصد كل ما أتى أمامه.

وتكالبت الدول الاستعمارية على الدولة الإسلامية المترامية الأطراف، وسموا دولة الخلافة العثمانية بتركة الرجل المريض، وبعد الحرب العالمية الأولى قسمت إلى دويلات تقاسمتها انجلترا وفرنسا باتفاقية سايكس بيكو التي تم الوصول إليها في مايو من عام 1916 بين الوزيرين: الفرنسي جورج بيكو، والبريطاني مارك سايكس، والتي اتفقا فيها على اقتسام الإمبراطورية العثمانية .

وبدأت عوامل التغريب في الفكر والثقافة والأخلاق والقيم ووصم أهل التدين بالتخلف والرجعية وظهرت دعوات الحداثة والتنوير والتغريب والعلمنة وتحرير المرأة، والانهزام النفسي والدعوة لتقليد الغربيين في كل شيء ، ونبذ الدين وفصله عن الحياة، وأن سر تقدم الغربيين هو نبذهم للدين، فلننبذ الدين كما نبذه الغربيون!!!

وسعت الدول الغربية إلى تفكيك الوحدة العقدية التي احتمى بها المسلمون في شتى بقاع الأرض، فعملت على نشر الفكر السياسي العلماني الذي يقوم على تحييد الدين في المجال السياسي والاقتصادي وحصر مفهوم التدين في أداء العبادات المحضة، وصرف اهتمام المسلمين عن الأحكام الشرعية في الجوانب الأخرى: كالمعاملات، والجنايات، والسياسة، والاقتصاد ، وما إلى ذلك.

وتبع الانحلال السياسي، انحلال عقدي وأخلاقي وفكري واجتماعي، لجعل المجتمعات الإسلامية ذات صبغة غربية في كل منطلقاتها.

ثالثا/ بشرى الرسول صلى الله عليه وسلم

وليأتين يوم قريب تتحقق فيه بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا الدين العظيم بشرى تامة كاملة صادقة حينما قال: ( ليبلغن هذا الأمر – يعني الإسلام – ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل دليل، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله به الكفر) رواه ابن حبان

ومعنى ذلك أن كل منطقة من الأرض يصلها الليل والنهار سوف يبلغها الإسلام، وهذا ما يحدث فعلا هذه الأيام لأن جميع الدول اليوم فيها مسلمون، ولأن الإسلام ينتشر ويزداد الداخلون إليه كل يوم.[2]

فتحت وطأة هذا الواقع الأليم، الذي ذكرنا طرفا منه ، وفي كثافة ضباب الانحلال الذي عم الأرجاء، بزغ نور خافت، وإذا بهذا النور يتعاظم حتى اكتمل، فإذا هي شمس الإسلام الساطعة، عادت، لتعلم كل الناس أن نور الله باق، وجاءت الصحوة الإسلامية، وظهر جيل جديد في بداية السبعينيات من القرن الماضي عرف بجيل الصحوة.

ولقد كانت صحوة الأمة الإسلامية من سكرها الذي عاشت فيه عقودا متطاولة، حدثا عظيما أحيا الله به الأمة الإسلامية بعد موات، ونهض شباب الأمة، بل وشيوخها وأطفالها ونساؤها يعاضدون هذه الصحوة، كل على قدر ما يستطيع.

 وقد مضى زمن كان رواد المساجد فيه هم (المسنون) الذين استدبروا الحياة، واقتربوا من حافة القبر، أما اليوم، فيشهد كل من كان بينه وبين المسجد صلة، أن رواد المساجد هم شباب في مقتبل العمر، وعاد الحجاب تزدان به الفتيات المسلمات في كل مكان، وظهرت البنوك الإسلامية والقنوات الفضائية الدينية، ومواقع الانترنت الإسلامية بشتى اللغات الحية .

وعن النعمان بن بشير عن حذيفة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها،

ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا عاضا [3]، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبرية[4]، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت) رواه أحمد

هذا الحديث يبين أن الأمة ستمر بخمسة مراحل هي:

المرحلة الأولى: النبوة حال النبوة وهو أكمل أحوالها حيث يوجد نبيها – عليه السلام – ويتنزل الوحي إليه، ويرشد الأمة إلى الحق والخير.

المرحلة الثانية: خلافة على منهاج النبوة وهي ثلاثون سنة على ما ورد وهي تلك الفترة الذهبية من عمر هذه الأمة.

 وقد جاء تحديدها في الحديث الذي رواه سفينة مولى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: سمعت رسول – صلى الله عليه وسلم – يقول: الخلافة ثلاثون عاما ثم يكون بعد ذلك الملك، قال سفينة: أمسك؛ خلافة أبي بكر سنتين ، وخلافة عمر عشر سنين، وخلافة عثمان اثنتي عشرة سنة وخلافة علي ست سنين رواه أحمد

وإنما سميت هذه الفترة بالخلافة كما في بعض الروايات، وبخلافة النبوة في روايات أخرى، لأن الخلفاء صدقوا هذا الاسم بأعمالهم، وتمسكوا بسنة نبيهم – صلى الله عليه وسلم ، والتزموا الشرع في أحكامهم.

المرحلة الثالثة: الملك العاض أي يصيب الرعية فيه عسف وظلم، كأنهم يعضون فيه عضا، والعض هو: الشد بالأسنان على الشيء، وأصل العضيض اللزوم وهي كناية عن شدة الاستمساك بأمر مما لزمه ولزق به .

المرحلة الرابعة: الملك الجبري والمراد به الملك بالقهر والجبر، من الإجبار وهو القهر والإكراه

وواضح أن الدورين الأول والثاني(النبوة والخلافة الراشدة) انتهيا بزوال الخلافة الراشدة .

 وأن الدور الثالث( الملك العاض) استمر حتى زوال الدولة العثمانية .

 وأن الدور الرابع( الملك الجبري) هو الذي نحن إن شاء الله في أواخره .

 وأن الدور الخامس( الخلافة على منهاج النبوة) قادم بإذن الله .

المرحلة الخامسة: خلافة على منهاج النبوة وهذه بشارة لهذه الأمة أنه سيكون في آخرها خلافة النبوة، فيعز الإسلام وتعلو رايته وينتشر دين الله في الأرض، وهذا هو أمل الأمة التي يجب عليها أن تتشبث به، وتعمل له بجد ونشاط، وتبذل وتضحي بالغالي والنفيس، وتبذل كل طاقتها لإيجاده، وتعيد البناء الذي بناه النبي صلى الله عليه وسلم.

إن سكوته صلى الله عليه وسلم بعد إخباره عن آخر مرحلة، يدل على أن الله سبحانه وتعالى سيظهر دينه على الدين كله .

إن بعد الليل فجرا، وإن مع العسر يسرا،

وإن المستقبل للإسلام، وقد بدت بشائر الفجر، والحمد لله.

اللهم أقر أعيننا بعز الإسلام ورفعة المسلمين

 وارفع راية القرآن على العالمين.


[1] والخراج: مقدار معين من المال أو الحاصلات يفرض على الأراضي التي فتحها المسلمون وتركوها لأهلها الأصليين غير المسلمين لزراعتها.

[2] في موسوعة ويكيبديا: الإسلام هو ثاني الديانات في العالم من حيث عدد المعتنقين بعد المسيحية، ويصل عدد المسلمين اليوم إلى حوالي 1.9 مليار نسمة، وبهذا فإنهم يشكلون قرابة 24.8% من سكان العالم، وهو أسرع الديانات انتشارا في العالم حاليا.

[3] الملك العاض أو العضوض: هو الذي يصيب الرعية فيه عسف وتجاوز، كأنما له أسنان تعضهم عضا.

[4] الملك الجبري: هو الذي يقوم على التجبر والطغيان.

Visited 58 times, 1 visit(s) today


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 16 أبريل, 2025 عدد الزوار : 14304 زائر

خواطر إيمانية

كتب الدكتور حسين عامر

جديد الموقع