عبادة “جبر الخواطر”

تاريخ الإضافة 8 يوليو, 2024 الزيارات : 20753

عبادة “جبر الخواطر”

يظن الكثير منا أن العبادات هي الصلاة والصيام والزكاة فقط ،لكن مفهوم العبادة يتسع لكل قول أوفعل يرضي الله سبحانه وتعالى؛ كما عرفها شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله -بقوله: العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة .
وهناك عبادات أصبحت خفية -ربما لزهد الناس بها وغفلتهم عنها- وأجر هذه العبادات في وقتها المناسب يفوق كثيراً من أجور العبادات والطاعات، ومن هذه العبادات عبادة “جبر الخواطر”.
وجبر الخواطر بمعنى أن الإنسان منا تعتريه بعض حالات الضعف ، إما أن يكون مريضا أو خسر في تجارة أو عليه ديون أو حدث له حادث أو كربة أو وفاة قريب ….الخ ، كل هذه من المواقف الصعبة التي يمر بها الإنسان ،في هذه المواطن يحتاج الواحد منا إلى أن يسمع كلمة تواسيه وتأخذ بخاطره أو تخفف عنه مصابه ، وهذا ما نتكلم عنه ( عبادة جبر الخواطر )
والجبر كلمة مأخوذة من أحد أسماء الله الحسني “الجبار” فهو سُبْحَانَهُ “الذِي يَجْبُرُ القلب الكسير فكم من فقير أغنى ، وكم من عليل أصح بدنه ، وكم من ضعيف جبر كسره سبحانه وتعالى، فهو الذي يجبر قلوب المنكسرين والمحرومين .

والمسلم حينما يتصف بهذه الصفة فإنما يدل ذلك على قوة إيمانه لأنه يتعامل مع الله ، لا مع الخلق ، يرضي الله عز وجل في الضعيف والمسكين ، عندما أؤدي خدمة لشخص غني أو ذو وجاهة فلا شك في الأغلب أني ابتغي من وراء ذلك رضاه ،أو منفعة دنيوية عساني أحتاج إليه بيوم من الأيام ، لكن حينما أساعد الفقير واليتيم والمحتاج والمنكسر فهنا يتحقق معنى الإخلاص لله ، فأنا لا أبتغي بمساعدته إلا وجه الله ، قال تعالى : -( وكان الله شاكرا عليما )- [النساء/147] فهذا يدل على قوة إيمان صاحبه وسعة صدره ، وسلامة عقله ، وهذا ماكان عليه نبينا المصطفى الكريم صلى الله عليه وسلم في مواقف عديدة سنذكرها .
جبر الخواطر في القرآن الكريم :
أشار القرآن الكريم لهذه العبادة في عدة مواضع منها :
1-قوله تعالى : {فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } يوسف:15، وفي تفسيرهذه الآية يقول ابن كثير : يقول تعالى ذاكرا لطفه ورحمته وعائدته وإنزاله اليسر في حال العسر : إنه أوحى إلى يوسف في ذلك الحال الضيق ، تطييبا لقلبه ، وتثبيتا له : إنك لا تحزن مما أنت فيه ، فإن لك من ذلك فرجا ومخرجا حسنا ، وسينصرك الله عليهم ، ويعليك ويرفع درجتك ، وستخبرهم بما فعلوا معك من هذا الصنيع .

فكان هذا الوحي من الله سبحانه وتعالى لتثبيت قلب يوسف -عليه السلام- ولجبر خاطره؛ لأنه ظلم وأوذي من أخوته .

2- قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاء بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }القصص:85
 خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة التي ولد فيها ونشأ خرج منها وهو يقول : ” إني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلى الله وأحب بلاد الله إلى نفسي ، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت ” فاحتاج في هذا الموقف الصعب وهذا الفراق الأليم إلى شيء من المواساة والصبر، فأنزل الله تعالى له قرآنا مؤكدا بقسم؛ إن الذي فرض عليك القرآن وأرسلك رسولا وأمرك بتبليغ شرعه سيردك إلى موطنك مكة عزيزا منتصرا وهذا ما حدث بالفعل.

3- فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ:

قال تعالى لنبينا صلى الله عليه وسلم : {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} سورة الضحى9-10 ،
أي طفل صغير حينما يشعر بالخوف من شيء ينادي على أبيه أو أمه ، لكن اليتيم على من ينادي فأنت إذا أخذت هذا اليتيم ورحمته وتلطفت معه ، وقلت له كلمة طيبة كل هذا سيكون له مفعول كبير ، فرق بين قهر اليتيم الذي لا أب له يؤويه ويكفيه وبين اليتيم الذي يشعر أن كل فرد من أفراد الجتمع أبا له وكل امرأة أما له .
وقوله تعالى (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} كلمة السائل تشمل الذي يسأل عن جهل أومن يسأل من فقر ، فإذا سألك سؤالا عن شيء يجهله ، أو يسأل مساعدة مالية قرض أو صدقة ، فلا تنهر : لا ترد ردا غليظا ، أو تتهمه بأنه كاذب ، قال تعالى : -( قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم )- [البقرة/263] فمجرد التلطف مع السائل فيه مغفرة من الله ، ثم الله مطلع على ما في القلوب وهل هو صادق محتاج أم كاذب محتال ، وكذلك إذا سألك من يجهل أمرا فتدله وترشده إلى شخص متخصص او موقع على الانترنت أو مكان …الخ فهذا من المساعدة ، وكذلك المعلم لا داعي لاتهام السائل بالغباء وقلة الفهم ، هذا كله من جبر الخواطر الذي أمرنا به .

4- ولا يحض على طعام المسكين:

وديننا علمنا إذا لم تنفق وتعطي المسكين فحض على إطعامه وعد عدم الحض على إطعام المسكين معصية يعاقب عليها قال تعالى في شأن أصحاب الشمال : -( إنه كان لا يؤمن بالله العظيم -( ولا يحض على طعام المسكين )- [الحاقة33 /34] ومعنى ذلك ان من كان لا يملك مالا ينفقه صدقة على المسكين فإنه يجب عليه أن يحض من يملك لإطعام المسكين .

أما عن جبر الخواطر في سنة النبي صلى الله عليه وسلم :

1- جبر الله بخاطر نبيه في أمته :

تلا النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قولَ اللهِ عزَّ وجلَّ في إبراهيمَ : { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } إبراهيم :36
وقال عيسى عليه السلام : {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم} المائدة: 118 (فرفعَ يديهِ وقال اللهمَّ ! أُمَّتي أُمَّتي وبكى . فقال اللهُ عزَّ وجلَّ : يا جبريلُ ! اذهب إلى محمدٍ، – وربُّكَ أعلمُ -، فسَلهُ ما يُبكيكَ ؟ فأتاهُ جبريلُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فسَألهُ. فأخبرهُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بما قالَ . وهو أعلمُ . فقال اللهُ : يا جبريلُ ! اذهبْ إلى محمدٍ فقلْ : إنَّا سنُرضيكَ في أُمَّتكَ ولا نَسُوءُكَ .

2- قصة رسول الله مع أبي أمامة :

ومن معرفتنا لحياته صلى الله عليه وسلم نعلم يقينا أنه كان حسن الخلق ،وكان كما قال الله عز وجل -( وإنك لعلى خلق عظيم )- [القلم/4] فكان يتفقد أحوال أصحابه ؛ فقد دخل -عليه الصلاة والسلام- ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال :”يا أبا أمامة، مالي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني، وديون يا رسول الله، قال: أفلا أعلمك كلاماً إذا أنت قلته أذهب الله -عز وجل- همك، وقضى عنك دينك، قلت: بلى يا رسول الله؟ قال:قل إذا أصبحت، وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم، والحزن، وأعوذ بك من العجز، والكسل، وأعوذ بك من الجبن، والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين، وقهر الرجال، قال أبو أمامة: ففعلت ذلك، فأذهب الله -عز وجل- همي وقضى عني ديني”.
وهذه من الأمور الهامة جدا أن يتفقد الإنسان من حوله ، تسأل عن الغائب وتسأل المريض ماذا به وما أصابه ؟ ربما يحتاج لمساعدة ويمنعه الحياء أو يحتاج لمشورة أو نصيحة ،إذا وجدته منكسرا يبدو عليه الهم والغم تسأله مالي أراك مهموما ؟ وهذا ليس فضول ولا تدخل في شؤون الآخرين ، لكن هناك من الناس من يمنعه الحياء أن يتكلم ، وربما تعرضه لردة فعل سلبية من بعضهم أدى لهذا الصمت ، وقد لاحظت أن البعض حينما أتكلم معه تشعر فعلا أنه كان محتاجا للتنفيس عما بداخله ، فيشتكي ويتألم وينطلق في حديثه ، فهذا كله مما يخفف المصاب عن الإنسان .
وفكرة الطبيب النفسي هي نفس الفكرة تقريبا ، فهو مع خبرته العلاجية لكنه يتيح للمريض أن يحكي عن آلامه وهمومه والأشياء والمخاوف التي يخشاها ، أو الفوبيا والوساوس التي تصيبه ، فهذا كله مما يخفف عن المريض النفسي الكثير .
إن حقن الهموم وحبسها في النفس وكثرتها وتواليها يؤدي إلى إصابة الإنسان بأمراض كثيرة جدا تؤدي إلى هلاكه كالضغط المرتفع والسكري والجلطات …الخ عافاكم الله جميعا .
فسبحان الله التنفيس عن الهموم والكلام عن الاشياء التي يعاني منها الإنسان هذا مما يهديء من روعه ويهديء من نفسه

3- قصة النبي مع زاهر :

كان أحد الصحابة  من سكان البادية (الصحراء) اسمه زاهر وكان الرسول  صلى الله عليه وسلم يقول :” زاهر باديتنا ونحن حاضروه ” وكان يأتي النبي  صلى الله عليه وسلم  ببعض الهدايا ، ويبادله الرسول صلى الله عليه وسلم  بعض الهدايا ؛ فكان إذا نزل المدينة يبدأ أولا فيمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ينطلق إلى السوق ، وجاء زاهر مرة ولم يجد النبي صلى الله عليه وسلم  فانطلق إلى السوق ، وأُخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقدوم زاهر ، فذهب حتى أتى زاهر من خلفه ، واحتضنه ، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم ينادي قائلا :  من يشتري العبد ؟ من يشتري العبد ؟

 وزاهر يقول : اتركني اتركني حتى عرف زاهر الرسول صلى الله عليه وسلم من صوته فقال : إذن تجدني كاسدا يارسول الله ،

قال : ولكنك عند الله لست بكاسد .

أنت عند الله لك وزن وقيمة وهذا من جبر الخواطر ، البعض دائما يكثر من الاستهزاء بالغير والاستخفاف بهم ، أنت لا تساوي شيئا …أنت وجودك كعدمه …انت إنسان نكرة ….الخ .
إذا كان هو كذلك فماذا عنك ؟ هل أنت من طينة غير طينة سائر البشر ؟!

قصة ابن مسعود لما صعد على شجرة الآراك :

يحكي عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان يجتني سواكاً من الأراك، وكان دقيق الساقين، فجعلت الريح تكفؤه، فضحك القوم منه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مم تضحكون؟) ، قالوا: يا نبي الله من دقة ساقيه، فقال: (والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أُحُد)
هذه الساق التي تضحكون عليها قام صاحبها بأعمال كثيرة : فهو من السابقين للإسلام الساعين إلى المساجد وإلى الخيرات ومن القائمين بالليل ، فوزن أعمال هذه الساق التي تضحكون منها عند الله أثقل من جبل أحد سبحان الله العظيم !!
وهذا فيه منقبة لعبد الله بن مسعود من جهة وجبرا لخاطره وإعلاء لشأنه ومكانته بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين .

انتبه لمرض الانتقاص الدائم ممن حولك :

ومن الآفات التي في بعض المجتمعات موضوع الانتقاص الدائم ممن حولك، وكل من تتعامل معه، هذا يولد كبتا وعقدا نفسية وإثارة للأحقاد والشحناء ، وبعض الناس يعتقد أنه لن يتميز إلا بذم غيره، لن يعلو إلا بإذلال غيره ، لن يصل إلى مرحلة من العلم أو مكانة مرموقة بالشركة أو المؤسسة التي يعمل بها إلا إذا سفه الجميع دونه ليبقى هو صاحب العقلية الفذة المتفردة الملهم العبقري الموهوب …الخ ، وهذا نوع من أنواع الكبر ، إنما السعيد من أسعد غيره ،لأنك إذا أسعدت نفسك فأنت شخص ، لكن ماذا إذا أسعدت عشرة ؟ عشرين ؟ مائة ؟ ألف ؟ فكلما زاد عدد من تسعدهم زادت سعادتك .

الأنانية لا تجلب إلا الحقد والشحناء ، الأنا لما تتضخم ويصيبها الورم تؤدي إلى أن يكون الإنسان منبوذا مكروها في كل مكان يحل فيه ، أما لين الجانب الذي يجبر بالخاطر ويقدر من حوله ويرى في الناس أطيب ما فيهم ويمدحهم على ذلك هذا إنسان إذا غاب افتقده الناس ،وإذا مرض زاره الناس ، وإذا مات ترحم عليه الناس .
أما الصنف الآخر فإذا أصابته مصيبة سألوا الله أن يهلكه وأن يزيده من البلاء والعقاب لأنهم أصبحوا في راحة من أذاه ،فكن يا أخي من الذين إذا غابوا تفقدهم الناس وسألوا عنه .
وهذا الحب لن يأتي بالأموال أو بقوة الجند والعسكر ؛ هذا بالأخلاق الحسنة إن أردت أن تسود بين الناس وأن تكون سيدا ولك مكانة في القلوب فهذه لن يكون إلا بالأخلاق وهذه لا تباع ولا تشترى .
وأنبه إلى أن بعض الأزواج يجعل فاكهة المجلس مع أصدقائه الاستهزاء بزوجته ويحدث العكس أيضا بان تجعل بعض الزوجات زوجها مادة للنكتة والضحك ، ودائما عنده زوجته امرأة فيها وفيها فهي زوجة فاشلة لا تقوم بفعل شيء ، وأم ….الخ.

وكذلك بعض الزوجات تقول لزوجها أنت لست رجلا …أنت نكرة وسط الرجال ….وأسوأ زوج في العالم ووو….الخ ، هذا كله مما يزيد من تنافر النفوس وتباغضها .

قاعدة 3×1:

دائما المسلم إيجابي في كل شيء إذا وقع بصره على شيء طيب يتكلم عنه ويكبره وينميه ويزيده ويثني عليه ، أما الشيء السيء فيعالجه بهدوء ولطف كما قلنا من قبل كلمة الدكتور إبراهيم الفقي رحمه الله : إذا أردت أن تنصح أحدا فقم بعملية 3×1 ومعناها أن تذكر ثلاثة مميزات مقابل شيء سيء واحد في الشخص الذي تنصحه لأنك إذا ابتدأت بالعيوب قفلت النفس ومن يسمعك سيسد أذنه عن سماع نصيحتك ، لكن إذا قلت له : انت شخص متميز وناجح … لكن فيك عيب صغير هو كذا وكذا.

4- نعم الرجل عبد الله:

والنبي صلى الله عليه وسلم قال لابن عمر : (نعم الرجل عبد الله لو كان يقيم الليل )
وسمع ابن مسعود ” زازان” الذي كان رجلا  حسن الصوت يغني ، وفى يوم مر عبد الله بن مسعود بجوار مجلسه فسمعه وهو يغني ، فقال ما أجمل هذا الصوت لو كان بكتاب الله!!!
وبلغت الكلمة زازان فتأثر بها جدا، وكانت سببا لتغيير مجرى حياته وذهب لعبد الله بن مسعود تائبا باكيا… فبشره أن الله يحبه فدهش زازان وقال كيف؟ فقال له (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) واتجه الرجل بعدها للقرآن .

كلمة غيرت حياة شخص وأدارت الدفة إلى الجهة الأخرى ، جبر الخواطر والله كلمة واحدة قد تسير مسار حياة إنسان ، لأن قائلها قالها بإخلاص ولطف ومراعاة لكيفية التعامل مع الشخص الذي تكلمه فتغير مجرى حياته تماما ، وكثير والله من الأمراض النفسية سببها الكثير من المواقف السيئة والسلبيية التي مر بها إنسان بكلمة أو سب وشتم أو غلظة من شخص ؛ فديننا يعلمنا كيف نرى الجميل في الناس ونجبر بخواطرهم .

 5- يا أبا عمير، ما فعل النغير؟
وحتى الأطفال كان لهم من جبر الخاطر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيب فعن أنس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله ـصلى الله عليه وسلم ـ أحسن الناس خلقاً ، وكان لي أخ يقال له: أبو عمير ، قال: فكان إذا جاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرآه قال: يا أبا عمير، ما فعل النغير -طائر صغير كالعصفور-؟ قال: فكان يلعب به )
حينما يأتيك طفل يشتكي ألما أو أذى أصابه لا داعي للغلظة مع الطفل ورده ردا غليظا أو دفعه بقوة ليتركك وشأنك فقد علمنا الرسول التلطف مع الأطفال سبحان الله العظيم !!

أمثلة أخرى لجبر الخواطر :

1- السؤال عن المريض :
السؤال عن المريض وزيارته والدعاء له ، وقد اجتمعت عليه ألم الوحدة وألم المرض ، كذلك الاهتمام بشؤونه التي عجز عنها لمرضه هذا كله من جبر الخواطر.
وأذكر أن أحد إخواننا أجرى عملية جراحية فانطلق الإخوة يزورونه كل يوم يزوره مجموعة منهم وطبعا لما تذهب للمستشفى تحتاج للسؤال عن غرفة المريض فأحد الإخوة يقول : أنه مجرد أنه استوقف إحدى الممرضات ليسألها قالت له تريد فلان ؟ قال نعم كيف عرفت ؟ قالت لا أحد يسأل إلا عنه ، كل من يأتي إلى هنا يأتي ليسأل عنه ، فإنا أريد أن أسألك هل فلان هذا وزير مثلا وانا لا أعرفه ؟
فالحمد لله على نعمة الإسلام إذا مرض أخونا نزوره ونخفف عنه ونواسيه وندعو له .

2- المواساة في العزاء :

أيضا في حال العزاء قد يفوتك الفرح لكن لا يفوتك العزاء،لأن الناس لا ينسون أبدا من واساهم وخفف عنهم بكلمة أو أخذ بأيديهم ، وقديما قالوا : ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط .

3- المواساة في الشدائد:

أيضا المواساة عند الشدائد والكربات المختلفة ، أساعد بمعرفتي بمحامي أو محاسب أو مكتب كذا وكذا …الخ ، فهذ كله من جبر الخواطر، لأني انتزعه من حيرته وأخرجه أو أساعد في إخراجه من ورطته .

4-الهدية:

أيضا من جبر الخواطر الهدية وخاصة في المناسبات السعيدة ، وهذه لها أثر معنوي كبير.

والهدية ليس في قيمتها إنما في رمزيتها ، أنك تذكرتني وأني على بالك ، والهدية من أسباب زيادة المحبة لقوله -صلى الله عليه وسلم-: “تهادوا تحابوا” والمواقف الطيبة لا تنسى وتحفر في الذاكرة .

5- التهنئة والبشاشة والمعانقة:

أيضا من جبر الخواطرالتهنئة والبشاشة والمعانقة وأن تأخذ على يده ، بعض الناس بارد المشاعر بصورة مقززة ؛إذا سلم يصافحك بطرف يده إذا احتضنك كان حضنا باردا باهتا ، وكأنه يخاف أن تعديه بالبرد ، فينبغي أن تكون المصافحة قوية ، والحضن فيه مشاعر بقوة وتشعره بإخوتك ومحبتك .

ولا يغيب عنا مشهد كعب بن مالك أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بغزوة تبوك فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بهجرهم واستمر ذلك مدة خمسين يوما ، فلما نزلت توبته حكى كعب عن تهنئة المسلمين له على التوبة، فقال: “قام إليَّ طلحة بن عبيد الله يهرول، حتى صافحني وهنأني، والله ما قام إليّ رجل من المهاجرين غيره، ولا أنساها لطلحة”

(إضافة للفائدة ) ما الذي ميز موقف طلحة ؟

في هذا الموقف ، معلوم أن كعب بن مالك ورفقاءه الثلاثة -ممن خُلِّفوا- قد عانوا مقاطعة النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين لهم على مدى خمسين يومًا وليلة. فلما تاب الله عليهم، وذهب كعب إلى المسجد النبوي، إذا بطلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- يبادر مسرعا بمعانقته وتهنئته لدرجة أن كعباً يحكي هذه التجربة لولده، دون أن يُغفل ذكر موقف طلحة -رضي الله عنه- فنلاحظ هنا عمق الأثر الذي تركه هذا العمل على قلب كعب -رضي الله عنه-، حيث كان في أّمَسِّ الحاجة لإحساسه بالانتماء والقرب من إخوانه من المسلمين، بعد أكثر من شهر من المقاطعة التامة.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 14 مايو, 2024 عدد الزوار : 1033 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن العظيم

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع