وصايا لقمان : 4- “ووصينا الإنسان بوالديه …” خطبة مفرغة

تاريخ الإضافة 12 سبتمبر, 2022 الزيارات : 4952

  ووصينا الإنسان بوالديه

نواصل الحديث عن العبد الصالح لقمان الذي آتاه الله الحكمة ووصى ابنه ببعض الوصايا ؛ فخلد الله سبحانه وتعالى هذه الوصايا وأنزلها قرآنا يتلى في السورة التي تسمت باسمه (سورة لقمان)
كانت الوصية الأولى : ( يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم )- [لقمان/13]
أما الوصية الثانية :
قال تعالى : -( ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير )- [لقمان/14]
( ووصينا الإنسان بوالديه) هل هذا كلام الله أم كلام لقمان ؟
الراجح أنه من كلام الله عز وجل وليس لقمان بدليل قوله تعالى بعد ذلك : -( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما )- [لقمان/15]
لماذا ذكرت هذه الوصية من الله في وسط الآيات التي تتحدث عن وصايا لقمان لابنه ؟
قال العلماء لعدة حكم منها :
1- كأنها من باب ذكر الشيء بلازمه ، فما أن لقمان وصى ابنه بعبادة الله وحده لا شريك له ناسب ذلك أن يُلحق الله بعد الوصية بتوحيده الوصية بالوالدين.
وقد ورد هذا في القرآن في عدة مواضع منها -( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا )- [الإسراء/23] و -( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا)- [النساء/36] فجاء الأمر أولا بتوحيده ثم الأمر بالإحسان للوالدين، وهذا فيه دلالة على عظم الأمر وأهميته.

2- ولم يوص لقمان ولده ببره ، حتى لا يفهم أحد أن للناصح مصلحة من وراء نصحه ، بمعنى إذا كان الإنسان لا مصلحة له من وراء النصيحة التي ينصح بها فإنها حينئذ تكون أوقع في النفس وأقوى .

3- لما تأت الوصية بالوالدين من الله في ذلك دلالة على علو الأمر فإنها وصية من الله عز وجل فهو أمر عند الله بمكان ، ( ووصينا الإنسان بوالديه) فهذه وصية الله لعباده .
لماذا جاءت الوصية بالوالدين ولم تأت بالأولاد ؟
لأن حب الوالدين لأبنائهم فطرة لا يحتاجون إلى الوصية فيها من الله ، بمعنى لن تسأل أم عن حبها لأولادها ، أي أبوين في الدنيا يهمهما دائما أن يكون أبناءهما في أوفر صحة وتفوق وغنى وأحسن حال …الخ
هذا حال جميع الآباء ، لكن العكس غير موجود بمعنى أن الأبناء ليس عندهم هذه الفطرة وهي فطرة الخوف على الآباء ، فجاءت الوصية من الله عز وجل بالآباء.
وقوله: ( ووصينا ) أقوى من أن يقول : أمرنا ، لأن الأمر مجرد طلب فعل الشيء ، أما الوصية فالمقصود منها مصاحبة هذا العهد دائما وما يقتضيه من العناية والرعاية والاهتمام .
يقول تعالى : -( ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير )- [لقمان/14]

نلاحظ هنا أن الكلام عن الوالدين ثم جاء مفردا عن الأم لماذا ؟
بداية ما معنى الوهن ؟ الوهن هو الضعف والمعنى ضعفا فوق ضعف ، لأن الإنسان بطبيعته ضعيف كما قال تعالى : -( وخلق الإنسان ضعيفا )- [النساء/28] فإذا أضيف إلى هذا الضعف أن الجنين ينشأ في بطن أمه ويتخلق حينا بعد حين ويتغذى من غذائها ويكبر وينمو في رحمها فهذا ضعف فوق ضعف ، سبحان الله العظيم !! وهنا على وهنا ، والإنسان منا إذا حمل شيئا ثقيلا فإنه يتطلع إلى اللحظة التي سيرمي فيها هذا الحمل الثقيل لما يشعر به من الجهد والثقل ، فما بالنا بالأم التي تحمل جنينها تسعة أشهر تتحرك وهو معها في صحوها ونومها في حركتها في راحتها في تعبها في كل أحوالها تسعة أشهر تصاحب ابنها في الرحم حتى يأذن الله بساعة الولادة ، فإذا ولدته صار ملتصقا بها مدة الرضاعة لا يفارقها ولا تستطيع أن تبتعد عنه لملازمته وحاجته لها ، فكان (وهنا على وهن ) فهو يأخذ منها وهو جنين وكذلك وهو رضيع لا غذاء له إلا منها .
ولذلك لما جاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ -يعني: صحبتي، قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك”
فجاء هذا الحديث ليبيّن فضل الأم ومنزلتها، وأن الأم لها من الحق في هذا الجانب وهو حسن الصحبة ثلاثة أضعاف ما للأب، والمقصود بحسن الصحبة: حسن المعاشرة، والملاطفة، والإحسان والبر، وذلك أن الأم تحملت الحمل وآلام الولادة، وكذلك أيضاً الرضاع والحضانة، كل هذا شقيت به وتعبت، والأب كذلك هو سبب في وجود الإنسان، وهو الذي يبذل ويتعب، ولكن الأم تحملت زيادة على ذلك هذه الأمور الثلاثة التي ليس للأب شيء منها، فجاءت الوصية بالأم لأن الطفل وهو صغير لم ير لا مرحلة وهو جنين ولا وهو رضيع ترعاه أمه وتتولى شئؤونه ، إنما لما كبر وشب صار يأخذ نفقاته من والده إذا احتاج لشراء شيء يأخذه من والده ، فصار الإحسان إلى الأب بديهي لأن معروفه يراه الابن ويدركه ، أما الأم فلم ير تعبها رغم أنها تعبت أكثر من الأب كما قالت المرأة العربية عن زوجها لما تنازعا في حضانة طفلهما : “حمله خفة ووضعة لذة وشهوة ، وحملته كرها ووضعته كرها “كرها أي مشقة شديدة .
كذلك قال العلماء: إن الأم دائما هي جانب الرحمة والحنان واللين فربما يجتريء الابن على الأم غير جرأته على الأب ، فيغلظ لها القول أحيانا أو يرفع صوته عليها ، فأكثر العقوق يكون تجاه الأمهات ، فجاءت الوصية والتأكيد على البر بالأم والإحسان إليها ، وإن كانت الوصية للوالدين جميعا .

يقول تعالى : -( ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير )- [لقمان/14]
الفصال هو : الفطام لأن الطفل يكون ملتصقا بأمه فإذا فطم انفصل عنها ، وليس معنى الآية وجوب الرضاعة مدة عامين إنما المقصود هنا الأتم والأوفى في الرضاعة عامين ، أما إذا كانت أقل من ذلك فلا بأس ، لأن البعض يقول هذا حرام ولا بد من تمام الرضاعة عامين ، كلا فقد جعل الله تعالى تمام الرضاعة حولين كاملين ، فقال : ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ) البقرة /233 .

فقوله تعالى : ( لمن أراد أن يتم الرضاعة ) دليل على أن إرضاع الحولين ليس حتما ، فإنه يجوز الفطام قبل الحولين بشرط أن لا يكون في الفطام قبل الحولين مضرة على الطفل .
وعندنا قول الله تعالى -( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا )- [الأحقاف/15] فلو جمعنا 24 شهرا مع 9 أشهر ستكون أكثر من ثلاثين شهرا ولذلك استنبط علي بن أبي طالب أن أقل الحمل 6 أشهر لما ولدت امرأة طفلا  لستة أشهروشكوا فيها ، فقال علي لعثمان وكان الخليفة وقتها : أما سمعت الله يقول : ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) وقال : ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ) ، فلم نجده بقى إلا ستة أشهر ، قال : فقال عثمان : والله ما فطنت لهذا !
( أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير )- [لقمان/14] :

الشكر لله لأنه هو الذي أوجدك من العدم وأنعم عليك بنعمة الوجود ، والشكر للوالدين لأنهما كانا سببا في هذا الوجود ، نعمة أن تكون إنسانا ، ثم في رعايتك والإنفاق عليك وتعاهد حاجتك حتى تصير رجلا كبيرا بالغا قادرا على الكسب وتعيش مستقلا ، فجاء الأمر هنا ( أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ) ومعنى إلى المصير أي أن كلكم راجع إليّ وسأجازي الجميع وأحاسبكم على أعمالكم .

يقول ابن عباس رضي الله عنهما: ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث لا تقبل واحدة منها بغير قرينتها :

إحداها قوله تعالى: ﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾ [محمد: 33] فطاعة الله لا تقبل إلا بطاعة الرسول،

الثانية قوله: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾ [البقرة: 43] فمن صلى ولم يزك لم يقبل منه،

والثالثة قوله تعالى: ﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ﴾ [لقمان: 14]، فمن شكر الله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه، ولذا قال – صلى الله عليه وسلم -: (رضا الله في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما)

الوالد أوسط أبواب الجنة:

إذن هنا يأتي المعنى العظيم وهو أن توفي الجميل للوالدين بالإحسان إليهما بالقول وبالفعل وبخدمتهما ورعايتهما والدعاء لهما أحياء وأمواتا ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ” الوالد أوسط أبواب الجنة ” وكلمة الوالد هنا اسم جنس يشمل الأب والأم ، ومعنى أوسط أبواب الجنة : إما على الحقيقة أي أن أوسط باب من أبواب الجنة الثمانية هو باب بر الوالدين ، أو المقصود أنه من أوسع وأفضل أبواب الخير التي تؤدي إلى الجنة.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن بر الأم ” إلزم قدمها فثم الجنة “وليس المقصود هنا كما يظن البعض أن يقبل قدم أمه ، هذا لم يرد وجوبه ولا استحبابه شرعا ، نعم ورد استحباب تقبيل اليد والجبهة تقديرا واحتراما لكن ليس مقصود النبي أن يقبل رجلها ، إنما أن يتواضع ويتذلل في خدمتها ويتفنن في راحتها ،وقول البعض:  ( الجنة تحت أقدام الأمهات ) ليس حديثا وإن كان نفس معنى الحديث الذي معنا ،فالمعنى أن تخدمها متعطفا في حال كبرها أو مرضها أو حاجتها ، فلا ينبغي أبدا أن تتكبر أو تتعالى ، وقد فعلت معك في صغرك أكثر من ذلك ، ولذلك لما رأى ابْنَ عُمَرَ رَجُلًا يَطُوفُ بِالْكعبة حَامِلًا أُمَّهُ فقال له : أراني جازيتها؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: « لَا وَاللَّهِ وَلَا طَلْقَةً وَاحِدَةً من طلقات الوضع ولكن أحسنت والله يثيبك»

وحديث النبي صلى الله عليه وسلم لما صعد المنبرفقال : آمين ، آمين ، آمين ، فلمَّا نزل سُئل عن ذلك ، فقال : أتاني جبريلُ ، فقال : رغِم أنفُ امرئٍ أدرك رمضانَ فلم يُغفرْ له ، قُلْ : آمين ، فقلتُ : آمين ، ورغِم أنفُ امرئٍ ذُكِرتَ عنده فلم يُصلِّ عليك ، قُلْ : آمين ، فقلتُ : آمين ، ورغِم أنفُ رجلٍ أدرك والدَيْه أو أحدَهما فلم يُغفرْ له ، قُلْ : آمين ، فقلتُ : آمين .ومعنى رغم أنفه؛ أي سقط في الرغام  والتراب، وهذا كناية عن ذله وإهانته. 

ولذلك أقول من كان أحد والديه أو كليهما على قيد الحياة فليفز برضاهما وليفز بدعواتهما فإن لديه كنز من كنوز الجنة ، باب من أبواب الجنة ،لا يفوتنك هذا الباب ، لا ينبغي أبدا أن تنسينا الغربة ارتباطنا بوالدينا ، والحمد لله وسائل الاتصال الحديثة صارت مجانية بالصوت والصورة فليس لأحد عذرا في ألا يتصل بوالديه ويطمئن عليهما كل أسبوع أو أسبوعين على الأكثر .

لا طاعة للوالدين في معصية الله :

وحتى لا يظن البعض أن بر الوالدين والإحسان إليهما أمرا مطلقا نبه الله سبحانه وتعالى أن هذا قيده فيما كان مباحا أو معروفا ،أما ما كان فيه شركا أو أمرا بعصية أو قطيعة رحم فلا يستجاب للوالدين في ذلك فحق الله أوجب وأمر الله أعلى وأولى ، يقول تعالى : -( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون )- [لقمان/15]

جاهداك :أي بذلا أكبر جهد في نصحك أن تشرك بالله في ظنهم أنهم يريدون لك الخير، وقد ورد أن هذه الآية نزلت في سعد بن أبي وقاص قال‏:‏ كنت رجلاً براً بأمي، فلما أسلمت قالت‏:‏ يا سعد ما هذا الذي أراك قد أحدثت‏؟‏ لتدعنَّ دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت، فتعيّر بي، فيقال‏:‏ يا قاتل أمه، فقلت‏:‏ لا تفعلي يا أمه، فإني لا أدع ديني هذا لشيء؛ فمكثت يوماً وليلة لم تأكل فأصبحت قد جهدت، فمكثت يوماً آخر وليلة لم تأكل، فأصبحت قد جهدت، فمكثت يوماً وليلة أخرى لا تأكل، فأصبحت قد اشتد جهدها، فلما رأيت ذلك قلت يا أمه تعلمين واللّه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نَفساً نَفْساً ما تركت ديني هذا لشيء؛ فإن شئت فكلي وإن شئت لا تأكلي، فأكلت‏.وفيه نزلت هذه الآية ( وإن جاهداك على أن تشرك بي …..)

فهذه مسألة ليس فيها فصال ،هذه عقيدة وإيمان بالله الواحد الذي لا شريك له ؛ فالطاعة ليست مطلقة لأي مخلوق كان ” إنما الطاعة في المعروف” كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا طاعة في شرك ولا معصية ولا ظلم ، أو اي أمر لم يحله الله سبحانه وتعالى ولذلك لما سئل ابن تيمية : إن أبي يأمرني أن أطلق زوجتى ؟ قال هل تنكر عليها شيئا ؟ قال لا ، قال : فلا تطلقها ، قال : لكن عمر أمر ولده أن يطلق امرأته فطلقها ، قال : ليس كل الناس عمر !!
يقصد من كعمر في إيمانه وتقواه ، فعمر عندما يقول لابنه طلق زوجتك فهذا ناتج عن أمر لا يريد عمر أن يفصح عنه ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال لابن عمر: أطع أباك .
لكن ربما يكون في زماننا حظوظ نفس ، الأم تغلبها الغيرة أو حصل موقف بينها وبين زوجتك فتقول لك طلقها ، فقل لها أنا لا أنكر عليها لا خلق ولادين ، فلا تسمع للأم هنا لأنه أمر بالظلم ؛ فطاعة الوالدين ليست مطلقة في كل شيء .

بعض الشباب مثلا يقول شاكيا : إن أمي تقول إما أن تتزوج ابنة خالتك وإلا فوجهي من وجهك حرام ، أنت ابن عاق …وغضبانة عليك إلى يوم الدين ، وهذا كله غير صحيح لأن الولاية لا نعرفها إلا في ولاية الأب على بناته ، إنما ولاية أم على ابنها فهذا عجيب (بالإضافة إلى أنه شرعا ليس للوالد أن يزوج ابنته رغما عنها ) فالوالدان ينصحان ويوجهان في هذه الأمور لكن لا يدخل الأمر في حيز الوجوب.
فالأمور المباحة التي لا معصية فيها لله والتي فيها خيارات متعددة ، الإنسان مسؤول عن نفسه ، خاصة إذا بلغ الابن مبلغ الرجال فله من الوالدين النصح ، ولا يعد ذلك عقوقا ولا إغضابا لله ، وفي الأمر تفصيل أكثر فأكتفي بذلك القدر حتى لا أطيل .

الخلاصة : الأمر ببر الوالدين والإحسان إليهما له حدود فلا طاعة في شرك ولا معصية ولا ظلم ولا في وصية ظالمة فيها حرمان أحد الأبناء .

قال فلا تطعهما ولم يقل فاعصهما:

في الآية الكريمة -( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما )- [لقمان/15] قال فلا تطعهما ولم يقل فاعصهما وهذا من انتقاء الألفاظ ، لماذا ؟ هنا نفي الطاعة في هذا الموقف فقط ، لكن الطاعة باقية والإحسان باق ، وليس معنى أنك خالفته أن تعاديه ، ليس معنى أنك خالفته أن تعقه ، نعم حتى لو كان الوالدين على غير الإسلام يبقى لهما حق البر والصلة والإحسان إليهما.

( وصاحبهما في الدنيا معروفا ) :

معروفا نكرة تفيد التعميم يعني بكل معروف وبر وإحسان ، بعض الإخوة الذين أسلموا حديثا -هذه مسألة مكررة – إذا أسلم عادى والديه وانقطع عنهم ، وهذا شيء سيء لا أدري من أين له بهذا الفهم الغير صحيح ، دخل الإسلام الحمد لله ، لكن صلته بوالديه تبقى لا تنقطع .

تقول أسماء بنت أبي بكر -رضي الله تعالى عنها: قدمتْ عليّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: قدمتْ عليّ أمي وهي راغبة أفأصل أمي؟قال: نعم، صلي أمك. راغبة: يعني ترغب في الصلة

قصة شاب أسلمت أمه بعد وفاته :

أحد الأئمة بأمريكا يقول مات عندنا أحد الشباب وهو أمريكي الجنسية أسلم وأوصى قبل موته أن يصلوا عليه الجنازة بالمسجد وأن يدفن في مقابر المسلمين ، وجاءت أمه تستأذن في حضور الصلاة عليه وكانت غير مسلمة ، واحتشد الناس بالمسجد للصلاة على الأخ ، فلما رأت أمه ذلك بكت متأثرة بروعة المشهد ، وتقول كل هؤلاء يحبون ابني ؟ هل كلهم يعرفون ابني ؟ فقالوا لها : لا ، فهذا الأمر نفعله مع أي مسلم يموت فهذا حقه علينا ، فقالت المرأة أن دينكم دين عظيم ، ثم أخذت تحكي عن ابنها وأنه كان قبل الإسلام كان يشرب الخمر وسيء الخلق والطباع وكان كذا وكذا ….، فلما أسلم انصلح حاله وصار من أبر الناس بها وحريصا عليها ولا يقصر معها في شيء ، فما رأيت أحدا يحب أمه كحب ابني لي بعد إسلامه وبعد عدة أيام جاءت ودخلت في الإسلام بفضل الله .
فالمقصد هنا أن من دخل دين الله ليس معنى ذلك مقاطعته لوالديه وأهله إنما كما قال تعالى : ( وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون )- [لقمان/15] أناب إلى : أي كن دائما في صحبة المنيبين إلى الله الأتقياء القانتين لله عز وجل ، وفي النهاية الكل راجع إلى الله (ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون )- [لقمان/15] فإذا كان الوالدان على غير دين الإسلام فأمرهما إلى الله ، في الدنيا هما في دار التكليف والابتلاء ، وليس من حق أحد أن يحاكم أحدا على دينه الذي اختاره أو إلزامه بدين معين ، هو حر يختار ما يشاء ، الذي خلقه خيره لماذا أنت تحاول إجباره ؟ قال تعالى : -( هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير )- [التغابن/2] ثم الحساب غدا عند الله عز وجل ؛ ليس من حقنا محاكمة أحد على دينه بأن نعاديه ونمنعه حقه أو أن نؤذيه ونستحل ماله ، وهذا أمر لا بد أن يكون واضحا لكل مسلم قال تعالى : -( لا إكراه في الدين )- [البقرة/256] و -( لست عليهم بمصيطر )- [الغاشية/22] و -( وما أنت عليهم بجبار)- [ق/45] فالكافر أيا كان دينه خيره ربه بين الإيمان والكفر فهو يعيش في دار التكليف والابتلاء الدنيا ، ليس من حق أحد أن يحاسبه أو يعاقبه على اختياره ،أو أن نمنعه حقا أو نظلمه ونقول هذا كافر ، كلا حسابه في كفره عند الله وليس عليك أنت في الدنيا ، فالمرجع والمصير إلى الله عز وجل فيخبركم جميعا بما كنتم تعملون .

بر من مات والديه :
في الحديث قال رجل: يا رسول الله! هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما بعد الموت؟

قال: نعم، الصلاة عليهما (صلاة الجنازة أوالدعاء والاستغفار لهما)، وإنفاذ عهدهما من بعدهما ، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما ) نعم صلة أرحامك كأعمامك وعماتك وأخوالك وخالاتك وإخوتك.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 24 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع