مكانة العقل في الإسلام

تاريخ الإضافة 11 أغسطس, 2022 الزيارات : 9200

مكانة العقل في الإسلام
كيف ينظر الإسلام إلى العقل ؟ وهل هناك تصادم بين العقل والشرع ؟ وهل يأمرنا الإسلام أن نلغي عقولنا ؟
أولا /العقل نعمة من الله تعالى :

اختص بها الإنسان عن سائر الكائنات ، فالحيوانات عندها غرائز تحركها ، غريزة الطعام الشراب …الخ ، هذه الغرائز هي التي تحركها ، لكننا ميزنا الله بالعقل الذي نستطيع به أن ندرك وأن نعي الأشياء من حولنا ، ونستطيع به التمييز بين الحق والباطل ، وبين الصواب والخطأ، فالعقل ميز الله به الإنسان عن سائر الكائنات وجعله سيدا في هذا الكون ، قال تعالى : -( وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون )- [الجاثية/13]

وبين لنا الله أن العقل ينبغي أن يكون هاديا إلى الله عز وجل ، ومثل العلماء الشرع بالنسبة للعقل بالنور بالنسبة للعين ؛ فكما أن العين لا تبصر في الظلام فتحتاج للنور لتبصر ؛ فكذلك العقل حتى يدرك الأشياء على نحو صحيح فإنه يحتاج لنور الشرع ويدرك ويميز.

ومن هنا كانت أول آيات الوحي -( اقرأ باسم ربك الذي خلق )- [العلق/1] لأن القراءة على غير هدى من الله عز وجل هي عرضة للوقوع في الأهواء والأخطاء والضلالات .

ثانيا / التفاوت في العقول :

لم يخلقنا الله سبحانه وتعالى على عقل واحد بصفات واحدة وإلا لتشابهنا في التفكير والاتجاهات وغير ذلك ؛ فميز الله عقولا عن عقول وجعل الإدراك يتفاوت من شخص لآخر ، وطرق التفكير تتفاوت من أمة إلى أمة ، ومن قوم إلى قوم ، ومن شخص إلى آخر ، وهذا مما يهتم بدراسته علماء النفس ، لكن مما لا شك فيه أن هناك تفاوت في العقول هذا التفاوت سيؤدي حتما إلى التفاوت في الآراء والميول والدوافع الفطرية ، والتفكير…الخ .

ثالثا / العقل محدود:

هذا العقل الذي أكرمنا الله به لا يدرك كل شيء ، فقد جعل الله لكل الحواس عندنا حد معين تنتهي عنده ، فالعين لها قوة محدودة على الإبصار فلا تستطيع أن تميز ما هو أقل (الأشياء الدقيقة ) ولا ما هو ضخم جدا كالمجرات والأفلاك ، وكذلك السمع له حد معين ، فلولا رحمة الله بنا لكنا نسمع الآن الهواتف وموجات الراديو والتلفزة ، وأصوات الحيوانات، والأصوات بالشارع ….الخ ، فجعل للسمع حدا معينا لا نسمع أدنى من ذلك ولا أكثر من ذلك، وهكذا في سائر الحواس .
كذلك العقل له حدود ينتهي عندها لا يستطيع أن يفهم أو أن يعي الأشياء التي هي أعلى من قدرته ووعيه .
وقد جاء في آيات كثيرة من القرآن الحديث عن العقل وإعمال العقل ،وليس هناك دين من الأديان اهتم بالعقل وتحريكه وتشغيله كدين الإسلام ، هناك أديان تضيق بالعقل , ولا ترحِّب بالفكر, وتبني الإيمان على التسليم الأعمى, الذي لا يرى للعقل مجالا, ولا للفكر متَّسعا, شعارهم: اعتقد وأنت أعمى. أغمض عينيك ثم اتَّبعني.

وإذا سألت عن شيء يقال هذا سر من أسرار الدين !!! وبعض الديانات لا تعرف أسرارها إلا بعد بلوغ سن الثلاثين ، وبعض الديانات لا تعرف أسرارها إلا لمن بلغ مرتبة معينة في هذه الديانة ….الخ.

أما ديننا والحمد لله فهو دين متاح للجميع ، ولذلك ليس عندنا في الإسلام أسرار ورجال دين اختصوا بفهم الدين دون الناس إنما عندنا علماء في الدين ، وكلنا رجال لهذا الدين ، ففهم الإسلام ليس حكرا على طبقة تسمى برجال الدين ، إنما هو متاح للجميع ولكن هناك من يتخصص في الإسلام كشريعة وإفتاء وتعليم …الخ .

رابعا / التحذير من التقليد الأعمى :
الإسلام يريد إنسانا عاقلا مفكِّرا, يفكِّر برأسه, لا يفكِّر برأس غيره, يريد إنسانا عاقلا،لا يريده آلة صمَّاء, ولا بهيمة عجماء, تُقاد فتنقاد, إنما لك عقل تدرك وتميز به، فلست مقلدا للآباء ولا للكبراء والسادة ، ونعى القرآن على هؤلاء الذين ألغوا عقولهم {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [البقرة:170].
و قال تعالى : ( أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين )- [الأعراف/184]
و -( أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض )- [الأعراف/185]
و-( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب )- [آل عمران/190]
و-( لآيات لقوم يعقلون )- [البقرة/164] و -( إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون )- [النحل/69] و -( قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون )- [الأنعام/98]
كل هذه الآيات ونظائرها كثيرة لتحريك العقل ، لماذا جمدت عقلك وصرت تفكر بعقل غيرك ؟

لماذا تنيب غيرك في توجيهك دون أن يكون لك محل من النظر والتفكير ؟
ونعى القرآن على أولئك الذين سلَّموا زمام أمورهم للسادة الكبراء فقالوا: {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [الأحزاب:67]

ويوم القيامة يأتي هؤلاء المتبوعون والأتباع السادة الرؤوس والأذناب يتبرَّأ بعضهم من بعض، ويحاول كلٌّ منهم أن يُلقي الوزر على الآخر، ولكن الله تعالى يحمِّلهم جميعا الأوزار، كلٌّ على قدر مسؤوليته {قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:38] و {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:166، 167].
ولذلك قلت في الخطبة السابقة إن أكبر معركة نواجهها في عصرنا الحالي هي تزييف الوعي ،بفوضى التوجيه ، وفوضى المنصات الإعلامية ، وكما قلت كثيرا وأكرر: إن البعض يغتر بهذه المنصات الإعلامية الكثيرة لكنها في الحقيقة فتنة كبيرة ؛ لأن كل من يريد أن يتكلم فلن يمنعه أحد من الكلام ؛ لكن الإشكال أن يتكلم من لا يعلم ، فيتصدى للكلام الجاهل ، والمبتدع وأصحاب الهوى.

والإعلام لا يعمل لوجه الله عز وجل ، كل قناة أو منصة إعلامية لابد وأن يكون لها خلفية فكرية (أيدلوجية) تدعمها وتوجهها وترسم سياستها ، فليس هناك إعلام حر صادق ، وأنا أعي هذه الكلمة ، بكل ما تحمله من دلائل ومعانِ ، أي إعلام له خلفية : حزبية سياسية أو فكرية أو قومية أو أمنية …… الخ .
فلا ينبغي أبدا أن يقودك الإعلام حيث يريد ، وأن يوجهك كما يريد ، وأنت قد قمت بإلغاء عقلك ، وتتبعهم على ما يقولون .

خامسا / من أساليب التربية القرآنية والنبوية السؤال والحوار :
لأن السؤال والحوار يفتح العقول ويجعلها تشتغل وتعمل فلا تتجمد ، وفي كلامنا الدارج نقول: شغل عقلك ، استعمل عقلك ، لأن هناك من وضع عقله على الرف أو في الثلاجة فتجمد .

وقد سأل الصحابة النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم, وسجَّل القرآن ذلك: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} [البقرة:189] , {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} [البقرة:215] , {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} [البقرة:217] , {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [البقرة:218] , {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} [البقرة:220] , {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة:222]. إلى آخر هذه الأسئلة التي جمعها بعض العلماء في كتاب.
ومن الحوار -( سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون )- [الأنعام/148] فكانت الشبهة والرد عليها بموضوعية واضحة كل هذا لنتعلم كيف نفهم عقول غيرنا وكيف يفكرون وكيف نقابل الحجة بالحجة بلا جمود ولا تقليد .
لهذا نريد من المسلم أن يتربَّى على هذا الأساس من صغره, فنربِّي الطفل على أن يسأل, وعلى أن يناقش, وعلى أن يحاور.
بعض الآباء لا يقبلون من أبنائهم أن يسألوهم سؤالا فلا يستطيع الولد الصغير أن يسأل أباه.

وتعرفون أن الأطفال يُكثرون الأسئلة, ويحبُّون أن يعرفوا, فالإنسان بطبيعته عنده حبُّ المعرفة, وحبُّ الاستطلاع دافع فطريٌّ أصيل في الإنسان, والطفل يسأل، فلا بدَّ أن تجيبه, بل شجِّعه على أن يسأل, وحاول أن تقنعه, وأن تخاطبه على قدر عقله.
وكذلك الأستاذ في مدرسته, المعلِّم ينبغي أن يرحِّب بأسئلة تلاميذه, ولا يضيق بهم, بعض المعلِّمين لا يحبُّ لأحد أن يسأل, ويخرس تلاميذه, ويعتبر الطالب الذي يسأل قليل الأدب, أو خارجا عن النظام. وهذه ليست بتربية, التربية أن تشجِّعه على أن يتحدَّى, على أن يُفضي إليك بما في نفسه, على أن يسأل ويحاور, هذه هي التربية الصحيحة.
مجرَّد التلقين الذي انتشر في مدارسنا التعليمية، وفي أنظمتنا التعليمية كلَّها أن الولد يصمُّ الكتاب صمًّا, ويحفظ المقرَّر حفظا، دون أن يفهم فيه شيئا, هذه التربية – إذا جاز أن نُسمِّيها تربية – لا تُخرج إنسانا يفكِّر, تُخرج آلات صمَّاء, نريد المتعلِّم الذي يستطيع أن يفكِّر.
والنهي الوارد عن السؤال في قوله تعالى -( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم )- [المائدة/101] المقصود منها النهي عن السؤال الذي فيه تكلف أو ما لا ينبني عليه عمل .
والحضارة الإسلامية لم تقم من فراغ ، ولم تقم مع قمع أو تضييق أو كبت أو قهر وظلم ، فهذه الأجواء لا تنشيء أبدا حضارة ولا إبداع ، لأن من يتكلم بكلمة يفكر هل عاقبة هذه الكلمة السجن أم الإعدام أم النفي والمطاردة ….فصار هناك حصارا للعقل ومواجهة لأي عقل يفكر أو لسان ينطق.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- شجع على الإبداع فقال:  للمجتهد المصيب أجران وللمخطئ أجر واحد.
طيب المصيب يكافأ لأنه أصاب في اجتهاده فلماذا يثاب المجتهد المخطيء أيضا ؟ للتشجيع على الاجتهاد وتحريه للصواب .

سادسا /إنشاء العقلية العلمية, العقلية الواعية:

أيضا من أعظم ما جاء به القرآن الكريم هو: إنشاء العقلية العلمية الواعية في مقابل العقلية العامية, الخرافية التي تصدق بكل شيء
ولهذه العقلية خصائص:
1- لا تقبل دعوى بغير دليل:
قال تعالى : {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111] 

2- رفض الظن في موضع اليقين:
حينما نريد أن نؤسِّس العقائد، وأن نبني الحقائق، لا بدَّ أن نبنيها على اليقين الذي لا يعتريه شكٌّ بحال, ولهذا عاب القرآن على المشركين اتِّباعهم للظنون في مواضع اليقين فقال: {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم:28] الظنون مرفوضة في موضع اليقين.

3- تحكيم الحقائق لا الأهواء:
 الأهواء مرفوضة (المزاج الشخصي) لا يجوز أن تتَّبع العواطف والاعتبارات الشخصية وأهواء النفوس في الأمور الموضوعية, أن يكون الإنسان موضوعيًّا يحكِّم الحقائق الموضوعية وحدها أما اتباع المزاج الشخصي لأن مصلحتي في الاتجاه الفلاني فأقوم بحشد الأدلة عليه ، وأقرب مثال لهذا شيوخ السلطان فهم مبرمجون على الاتجاه إلى الاستدلال الشرعي على كل قضية يريدها النظام السياسي فعندهم الأمر وعكسه : مثل تحديد النسل أو التشجيع على الإنجاب ، الشحن للقتال ومواجهة الأعداء أو الدعوة إلى السلام ، المهم تلبية الإرادة السياسية وصبغها بالصبغة الشرعية وهذا تزييف وغش لدين الله عز وجل .
ومن هنا حذَّر القرآن من اتِّباع الأهواء, أهواء النفس أو أهواء الغير, قال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص:50] , {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص:26] , ويقول عن المشركين: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم:23].

4-التحرر من التأثر بالعقل الجمعي:
حمل الإسلام على الجمود والتقليد للآباء والكبراء كما قلنا, ثم بعد ذلك دعا الإسلام الإنسان المسلم إلى أن يفكِّر في الحقائق الكبرى, يفكِّر بعيدا عن تأثير العقل الجمعي, وحده، أو مع صاحب له، يقول القرآن الكريم: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} [سبأ:46]

هذا ما دعا إليه القرآن المشركين زمن بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- وكانوا يقولون عليه الأكاذيب فيقولون إنه مجنون وشاعر وكاهن وساحر … الخ هذه الأقاويل ، وهذا اتجاه جمعي يعني المجتمع يقول بهذا القول ولا يسمحون لأحد أن يشذ عنه وإلا فإنه صابيء وخارج عن دين الآباء وسب الآلهة وسفه الأحلام ، وهو بذلك معرض للقتل أو الأذى كما نعلم من السيرة النبوية ، فدعاهم إلى التخلص من التأثر بالعقل الجمعي فيقوموا مثنى وفرادى, أنت مع صاحب لك, أو أنت وحدك, بعيدا عن تأثير الجماهير من حولك؛ لأن التفكير الجمعي هذا أحيانا لا يصل إلى الصواب, تحكمه الأهواء والعواطف واعتبارات كثيرة. {أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ} , أي مخلصين في طلب الحقيقة, {مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا}.

سابعا وأخيرا / لكل أمر من أوامر الله حكمة :
وهنالك مسألة مهمة وهي أن الله سبحانه وتعالى أمرنا بأمور قد ندرك معناها ونفهم الحكمة منها ، وأمور لا ندرك معناها ولا الحكمة منها ،لكن عدم إدراك عقلي لشيء أمر الله تعالى به لا يعني أبدا بالتلازم أن أرد الأمر على الله ، حينما لا يدرك عقلي حكمة إلهية من أوامر الله عزوجل لا يعني بالتلازم أن أنقد أوامر الله ،فلا يصح لمسلم أو مسلمة أن يقول لا تعجبني هذه الآية ، أو لا يعجبني هذا الحديث ، أو بما أني لا أفهم هذا فلا أعمل به .
وليس معنى عدم إدراك الحكمة أن ترد الأمر على الله ، بل اتهم عقلك أنت الذي لم تدرك ، لكن أفعال الله لا تخلو من حكمة ، خلق الله لا يخلو من حكمة ، أوامر الله لا تخلو من حكمة ، ليس هناك أمر عبث ، أو خلق عبث ، أو تشريع عبث .
وحينما يعجز عقلي عن الإدراك أسأل أهل الذكر -( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )- [الأنبياء/7] فإذا لم أجد ما يروي العطش أقصد لم أجد ما يقنعني إذن أصبر فهذا اختبار من الله لي هل أنا عبد لله أم عبد لعقلي ، هل عندي ثقة أني كعبد لله إذا أمرني أن أقول سمعنا وأطعنا ، أم أرد الأمر ، وأقول سمعنا وعصينا .
فالعبودية لله استجابة ، وليست إلغاء للعقل ، إنما هي اعتراف بتصاغر الإنسان بعقله أمام أمر الله سبحانه وتعالى ، اعتراف بعجزي وفقري .

الاستسلام لذوي الخبرة:
يحدث لنا هذا مع ذوي الخبرة في المجالات المختلفة ، فأنت تستسلم للطبيب حينما يقول لك : عندك مرض كذا ، أو مشكلة صحية في القلب ، أنا لا أدرك التفاصيل من النواحي العلمية ، ولكني مستسلم للطبيب ، مستجيب لكل ما يأمرني به ، لم يذهب أحدهم للطبيب ويقول له دكتور ناقشني أنا أريد كلام منطقي(logic )هذه الحبة الكبيرة آخذ منها 4 أقراص ، والحبة الصغيرة آخذ منها قرص واحد !!! اقنعني ….لماذا هذه قبل الطعام وهذه بعد الطعام ؟

الثقة فيما يقوله الطبيب :
إنه لن يستطيع أن يشرح لك كثيرا لأن أنا وأنت لسنا متخصصين لفهم التركيبة الكيميائية للدواء ، ولسنا متخصصين في معرفة تفاعلات الدواء مع جسم الإنسان ، واختلاف الحالة من مريض بالقلب أو ارتفاع الضغط أو مريضة حامل أو مرضع .

إذن أنا عندي ثقة بالطبيب استسلم له فيما يصفه لي .
وعندي ثقة بالمهندس حينما يخطط لبيت ، أو لمصنع ، أو أي مبنى ، فيقول هذا تكلفته كذا والأعمدة والسقف كذا وكذا …أنا مستسلم للمهندس .
أنا مستسلم للمذكرة التي كتبها المحامي في القضية التي وكلته فيها .
أنا مستسلم لكابتين الطائرة وهويطير بنا بين السماء والأرض .

أنا مستسلم لكافة البشر في مختلف تخصصاتهم التي لا أعرف فيها شيئا ، فلماذا لا أستسلم لله الذي خلقني وشرع لي وبين ما يحل وما يحرم.
يقول الإمام مالك ابن أنس : أو كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما جاء به جبريل إلى محمد – صلى الله عليه وسلم – لجدل هؤلاء “

فائدة : يقول ابن القيم رحمه الله: “وكل من له مسكة من عقل يعلم أن فساد العالم وخرابه إنما نشأ من تقديم الرأي على الوحي، والهوى على العقل، وما استحكم هذان الأصلان الفاسدان في قلب إلا استحكم هلاكه، وفي أمة إلا فسد أمرها أتم فساد، فلا إله إلا الله كم نفي بهذه الآراء من حق، وأثبت بها من باطل، وأميت بها من هدى، وأحيي بها من ضلالة؟ وكم هدم بها من معقل الإيمان، وعمر بها من دين الشيطان؟”. [إعلام الموقعين: 1/73].


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 28 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع