المسح على الخفين والجوارب
تمهيد
رفع الله سبحانه وتعالى الحرج عن هذه الأمة، فشريعة الله سبحانه وتعالى لا عنت فيها، ولا مشقة، تراعي أحوال المكلف، فاليسر وعدم التكلف هو شأن هذه الملة التي جاءت من أحكم الحاكمين.
وفي المسح على الخفين والجوارب والعمامة ما فيه من التيسير على المكلف خاصة في أيام البرد الشديد، وفي بعض البلاد الباردة جداً ما يدرك المرء نعمة الله سبحانه وتعالى عليه.
تعريف الخف والجورب :
الخف هو ملبوس القدم من جلد ونحوه
الجورب ملبوس القدم من قماش أو صوف أو غيرهما ، فالفرق بينه وبين الخف، أن الخف يكون من جلد، والجورب يكون من غير الجلد.
دليل مشروعيته:
ثبت المسح على الخفين بالسنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، منها حديث جرير، أنه بال ثم توضأ، ومسح على خفيه، فقيل له: تفعل هكذا؟ قال: «نعم رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم بال، ثم توضأ ومسح على خفيه» رواه الشيخان.
ومن المعروف أن إسلام جرير كان بعد نزول سورة المائدة التي فيها آية الوضوء.
قال النووي في شرح مسلم: وقد روى المسح على الخفين خلائق لا يحصون من الصحابة.
وصرح جمع من الحفاظ بأن المسح على الخفين متواتر، وجمع بعضهم رواته، فجاوزوا الثمانين، منهم العشرة المبشرون بالجنة.
وقال الإمام أحمد: فيه أربعون حديثاً عن الصحابة مرفوعة.
وقال الحسن: حدثني سبعون من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين
هل المسح على الخفين أفضل أم غسل القدمين ؟
ثلاثة أقوال للعلماء :
الأول : ذهب جمهور العلماء أبو حنيفة ومالك والشافعي إلى أن غسل القدمين أفضل ، قالوا : لأن غسل القدمين هو الأصل ، فكان أفضل .
الثاني : ذهب الإمام أحمد إلى أن المسح على الخفين أفضل ، واستدل بـ :
1- أنه أيسر ، و ( مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا ، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ ) رواه البخاري ومسلم
2- أنه رخصة ، وقد قال النبي : ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ ) رواه أحمد وصححه الألباني
3- أن في المسح على الخفين مخالفةً لأهل البدع الذين ينكرونه ، كالخوارج والروافض .
الثالث : ما اختاره ابن المنذر رحمه الله وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم أن الأفضل في حق كل واحد ما كان موافقاً للحال التي عليها قدمه ، فإن كان لابساً للخف فالأفضل المسح ، وإن كانت قدماه مكشوفتين فالأفضل الغسل ، ولا يلبس الخف من أجل أن يمسح عليه .
ويدل لهذا حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه لما أراد أن ينزع خفي النبي ليغسل قدميه في الوضوء فقال له : )دَعْهُمَا ، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ ، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا ) رواه البخاري ومسلم فهذا يدل على أن المسح أفضل في حق من كان يلبس الخفين .
هل يجوز المسح على الجوربين:
لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في المسح على الجوربين .
وأما الحديث الذي رواه الترمذي عن المُغيرِة بن شُعبة قال: ” تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ ” .
فهو حديث شاذ ضعيف. قال أبو داود في “السنن” : ” كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ لَا يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ عَنْ الْمُغِيرَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ “. انتهى
ولكن صح المسح على الجوربين عن الصحابة ؛قال ابن المنذر : ” رُوِيَ إِبَاحَةُ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ عَنْ تِسْعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ، وَأَبِي مَسْعُودِ ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، وَابْنِ عُمَرَ ، وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، وَبِلَالٍ ، وَأَبِي أُمَامَةَ ، وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ “.
قال ابن القيم : ” وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ : أبو أمامة ، وعمرو بن حريث ، وعمر ، وابن عَبَّاسٍ ، فَهَؤُلَاءِ ثَلَاثَة عَشَر صَحَابِيًّا .
وَالْعُمْدَة فِي الْجَوَاز عَلَى هَؤُلَاءِ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ ، لَا عَلَى حَدِيث أَبِي قَيْسٍ .
وقال ابن قدامة : ” الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، مَسَحُوا عَلَى الْجَوَارِبِ ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمْ ، فَكَانَ إجْمَاعًا ” انتهى من “المغني” (1/215) .
ومن هنا اختلف العلماء في المسح على الجوربين على أربعة أقوال :
الأول : قالوا : يجوز المسح على الجوربين الصفيقين ؛ وهو اختيار أبي يوسف ومحمد من الحنفية ، وهو أرجح القولين في مذهب الشافعي ، وهو مذهب الحنابلة
الثاني : يجوز المسح على الجوربين المجلدين أو المنعلين ، وهو قول أبي حنيفة ، وأحد القولين في مذهب الشافعي .
الثالث :يجوز المسح على الجوربين إن كانا مجلدين وهو مذهب المالكية ،وهنالك قول عند المالكية بجواز المسح على الجوارب حكاه ابن الحاجب وابن عبد السلام.
والفرق بين المنعل والمجلد، أن المنعل ما جعل على أسفله جلدة، والمجلد ما جعل على أعلاه وأسفله.
الرابع : يجوز المسح على الجوربين وإن كانا يشفان القدمين ، حكاه النووي أنه قول عمر وعلي ، وإسحاق وداود ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية .
في مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ إذَا كَانَ يَمْشِي فِيهِمَا سَوَاءٌ كَانَتْ مُجَلَّدَةً أَوْ لَمْ تَكُنْ . فِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ . فَفِي السُّنَنِ : أَنَّ النَّبِيَّ { مَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ وَنَعْلَيْهِ } . وَهَذَا الْحَدِيثُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ فَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ إنَّمَا هُوَ كَوْنُ هَذَا مِنْ صُوفٍ وَهَذَا مِنْ جُلُودٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْفَرْقِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي الشَّرِيعَةِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ جُلُودًا أَوْ قُطْنًا أَوْ كَتَّانًا أَوْ صُوفًا، كَمَا لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ سَوَادِ اللِّبَاسِ فِي الْإِحْرَامِ وَبَيَاضِهِ وَمَحْظُورِهِ وَمُبَاحِهِ، وَغَايَتُهُ أَنَّ الْجِلْدَ أَبْقَى مِنْ الصُّوفِ فَهَذَا لَا تَأْثِيرَ لَهُ كَمَا لَا تَأْثِيرَ لِكَوْنِ الْجِلْدِ قَوِيًّا بَلْ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى مَا يَبْقَى وَمَا لَا يَبْقَى. وَأَيْضًا فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْمَسْحِ عَلَى هَذَا كَالْحَاجَةِ إلَى الْمَسْحِ عَلَى هَذَا سَوَاءٌ، وَمَعَ التَّسَاوِي فِي الْحِكْمَةِ وَالْحَاجَةِ يَكُونُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا تَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ وَهَذَا خِلَافُ الْعَدْلِ وَالِاعْتِبَارِ الصَّحِيحِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِ كُتُبَهُ وَأَرْسَلَ بِهِ رُسُلَهُ، وَمَنْ فَرَّقَ بِكَوْنِ هَذَا يَنْفُذُ الْمَاءُ مِنْهُ وَهَذَا لَا يَنْفُذُ مِنْهُ فَقَدْ ذَكَرَ فَرْقًا طَرْدِيًّا عَدِيمَ التَّأْثِيرِ .انتهى.
وفي فتاوى نور على الدرب للشيخ محمد بن صالح العثيمين: المسح على الجوارب و هي الشراب قد ورد فيه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصح عن غير واحد من الصحابة أنه مسح على الجوارب، ولو قدرنا أنه ليس فيه سنة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا أثر عن الصحابة فإن القياس الصحيح الجلي يقتضي جواز المسح على الجوربين – أي الشراب – وذلك لأننا نعلم أن الحكمة من جواز المسح على الخفين هي المشقة التي تحصل بخلعهما عند الوضوء ثم غسل الرجل ثم إدخالها وهي رطبة فإن في ذلك مشقة من جهة النزع و اللبس، ومن جهة إدخال الرجل وهي رطبة، وهذه الحكمة المعقولة الواضحة تكون تماما في الجوربين فإن في نزعهما مشقة وفي إدخالهما والرجل رطبة مشقة أخرى، لذلك نرى أن النص والنظر كلاهما يدل على جواز المسح على الجوربين، ولكن هل يشترط في الجوربين أي الشراب أن يكونا صفيقين بحيث لا يرى من ورائهما الجلد أو لا يشترط؟ هذا محل خلاف بين العلماء منهم من قال يشترط أن يكونا ثخينين لا يصفان البشرة وإنه عليهما لو حصل خرق ولو يسير كمبطٍ فإنه لا يجوز المسح عليها، ومنهم من قال يشترط أن يكونا ثخينين يمنعان وصول الماء إلى الرجل وإن لم يكونا ساترين، و على هذا فيجوز المسح على الجوربين إذا كانا من النايلون الشفاف، ومنهم من قال لا يشترط ذلك كله وأنه يجوز المسح على الجوربين الرقيقين ولو كان يرى من ورائهما الجلد ولو كانا يمكن أن يمضي الماء منهما إلى القدم، وهذا القول هو الصحيح لأنه لا دليل على الاشتراط والحكمة من جواز المسح موجودة في الرقيقين كما هي موجودة في الثخينين وعلى هذا فيجوز المسح على الجوربين الخفيفين كما يجوز على الجوربين الثخينين. انتهى.
وكذلك لا فرق بين الخف والجورب من حيث النظر :
قال شيخ الإسلام : ” فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ : إنَّمَا هُوَ كَوْنُ هَذَا مِنْ صُوفٍ ، وَهَذَا مِنْ جُلُودٍ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْفَرْقِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي الشَّرِيعَةِ ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ جُلُودًا ، أَوْ قُطْنًا ، أَوْ كَتَّانًا ، أَوْ صُوفًا .
كَمَا لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ سَوَادِ اللِّبَاسِ فِي الْإِحْرَامِ وَبَيَاضِهِ … وَغَايَتُهُ أَنَّ الْجِلْدَ أَبْقَى مِنْ الصُّوفِ: فَهَذَا لَا تَأْثِيرَ لَهُ ، كَمَا لَا تَأْثِيرَ لِكَوْنِ الْجِلْدِ قَوِيًّا …
وَأَيْضًا : فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْمَسْحِ عَلَى هَذَا ، كَالْحَاجَةِ إلَى الْمَسْحِ عَلَى هَذَا سَوَاءٌ ، وَمَعَ التَّسَاوِي فِي الْحِكْمَةِ وَالْحَاجَةِ ، يَكُونُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا تَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ ، وَهَذَا خِلَافُ الْعَدْلِ وَالِاعْتِبَارِ الصَّحِيحِ ، الَّذِي جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِ كُتُبَهُ وَأَرْسَلَ بِهِ رُسُلَهُ .
، وَمَنْ فَرَّقَ بِكَوْنِ هَذَا يَنْفُذُ الْمَاءُ مِنْهُ ، وَهَذَا لَا يَنْفُذُ مِنْهُ : فَقَدْ ذَكَرَ فَرْقًا طَرْدِيًّا عَدِيمَ التَّأْثِيرِ”. انتهى من “مجموع الفتاوى” (21/214).
شروط المسح على الخف وما في معناه:
1- أن يلبس الخف وما في معناه من كل ساتر على وضوء، لحديث المغيرة بن شعبة قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في مسير فأفرغت عليه من الإداوة فغسل وجهه وذراعيه ومسح برأسه ثم أهويت لأنزع خفيه فقال: (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين) فمسح عليهما) رواه أحمد والبخاري ومسلم.
وروى الحميدي في مسنده عنه قال: قلنا يا رسول الله أيمسح أحدنا على الخفين؟ قال: (نعم إذا أدخلهما وهما طاهرتان)
2- أن يكون الخف ساتراً المحل المفروض غسله في الوضوء: وهو القدم بكعبيه ، فلا يجوز المسح على خف غير ساتر الكعبين مع القدم .
3- هل يشترط أن يكون الجوربين سميكين ؟
اشترط من يرى من الفقهاء جواز المسح على الجوربين أنا يكونا سميكين مع إمكان المشي عليهما ، إلا أن ابن تيمية خالفهم في ذلك وبين أن اشتراط المسح على الجورب الثقيل تقييد لما أطلقه الشرع وهو تقييد لا دليل عليه وعلى هذا يجوز المسح على الجورب لا فرق بين خفيف أو ثقيل أو مخرق ، وإنما الأصل في ذلك التخفيف والتيسير.
قال رحمه الله في الفتاوى ( 21 / 174 ) : فلما أطلق الرسول الأمر بالمسح على الخفاف مع علمه بما هي عليه في العادة ولم يشترط أن تكون سليمة من العيوب وجب حمل أمره على الإطلاق ولم يجز أن يقيد كلامه إلا بدليل شرعي . وكان مقتضى لفظه أن كل خف يلبسه الناس ويمشون فيه فلهم أن يمسحوا عليه وإن كان مفتوقاً أو مخروقاً من غير تَحديد لمقدار ذلك فإن التحديد لا بدّ له من دليل .. ) . وهذا مذهب إسحاق وابن المبارك وابن عيينة وأبي ثور .. والصحيح من أقاويل العلماء جواز المسح على الخف أو الجورب المخرق فقد رخص النبي بالمسح على الخفين ولم يشترط كونه سليماً من الخروق أو الفتوق ولا سيما أن خفاف بعض الصحابة لا تخلو من فتوق وشقوق فلو كان هذا مؤثراً على المسح لبين النبي ذلك بياناً عاماً فقد تقرر في القواعد الأصولية أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز .
و قال سفيان الثوري : (امسح عليها ما تعلقت به رجلك وهل كانت خفاف المهاجرين والأنصار إلا مخرقة مشققة مرقعة ) رواه عبد الرزاق
– ويصح أيضاً المسح على الجوربين اللذين يصفان البشرة لأن الإذن بالمسح على الخفين مطلق ولم يرد تقييده بشيء فكان مقتضى ذلك أن كل جورب يلبسه الناس لهم أن يمسحوا عليه وهذا مقتضى قول القائلين بجواز المسح على الخف المخرق ما أمكن المشي عليه .
في فتاوى نور على الدرب أيضا للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى إجابة لسؤال نصه:
هل يجوز المسح على الخف الممزق أثناء الوضوء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القول الراجح أنه يجوز المسح على الخف المخرق وعلى الجورب الخفيف الرهيف لأنه لا دليل على اشتراط أن لا يكون فيه خرق أو شق، أو أن لا يكون خفيفاً، ولو كان هذا شرطاً لجاء في الكتاب والسنة والأصل في جواز المسح على الجورب والخف التخفيف على الأمة، فإذا اشترطنا شروطاً لا دليل عليها من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عاد التخفيف تثقيلاً، فالصواب جواز المسح على الجورب ما دام اسمه باقياً سواءً كان خفيفاً أم ثقيلاً مخرّقاً أم سليماً.انتهى.
4- هل يشترط إمكان متابعة المشي على الخف ؟
يشترط في الخف حتى يمسح عليه أن يمكن متابعة المشي عليه، وهو مذهب الحنفية ، والمالكية ، والشافعية ، الحنابلة.
والراجح: أنه ليس بشرط، وأن الذي لا يمكن المشي فيه إن كان لضيقه، فإن كان لا يضره، وكان لا يحتاج للمشي كما لو كان راكباً، أو مقعداً فما المانع من المسح عليه، فهو لا يحتاج إلى المشي حتى نشترط إمكان متابعة المشي عليه، والمسح على الخفاف والجوارب ورد مطلقاً غير مقيد بشيء، فمن وضع قيداً طلب منه الدليل.
وكما يقول الشيخ القرضاوي معظم الجوارب في عصرنا رقيقة لكنها قوية ،وليس من الضروري متابعة المشي عليهما فإن الناس لا يمشون على الجوارب عادة الآن ، وإنما يلبسونها مع الأحذية.
5- ماحكم الخف إذا كان به بعض الخروق ؟ أقوال عدة للفقهاء :
1- يمسح عليه مطلقاً ما أمكن المشي فيها، وهو قول سفيان الثوري، وإسحاق، وابن المبارك، وابن عيينة ، واختاره ابن تيمية ، لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – مسح على الخفين، وأذن بالمسح، وإذنه – صلى الله عليه وسلم – عام مطلق لم يشترط فيه كونه سليماً من العيوب، فكلما وقع عليه اسم خف، فالمسح عليه جائز على ظاهر الأخبار، ولا يستثنى من الخفاف شيء إلا بسنة أو إجماع، وتقييد ما أطلقه الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – لا يجوز كإطلاق ما قيده الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – سواء بسواء.
وقالو أيضا :إن اشتراط كون الخف سليماً من الخروق هذا الشرط هل هو في كتاب الله، أو في سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، أو من عمل الصحابة رضوان الله عليهم، فإن لم يكن، فكل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، ومعظم الصحابة فقراء، وخفافهم لا تخلو من فتوق أو خروق، ولوكان الفتق والخرق مؤثراً لوجب على النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يبينه لهم؛ لأن الأمر متعلق بالصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام العملية، فلما لم يبينه لهم علم أن الفتق والخرق لا يمنع من المسح. وهذا من أوضح الأدلة.
2- لا يمسح عليه مطلقاً، ما دام أنه يظهر منه شيء، وهو القول الجديد في مذهب الشافعية ، والمشهور عند الحنابلة.
3- التفريق بين الخرق اليسير والخرق الكبير، وهو مذهب الحنفية و المالكية
وقال الحنفية إن بدا منه ثلاثة أصابع، فهو كثير، وإن بدا منه أقل فهو قليل.
وأما المالكية فاليسير عندهم ما كان دون الثلث، فإن بدا من الخرق ثلث القدم فأكثر لم يجز المسح عليه، وإن كان ما يبدو أقل من الثلث، فهو قليل، ويجوز المسح عليه ، والدليل على أن القليل معفو عنه أن جماهير أهل العلم كانوا يعفون عن ظهور يسير العورة، وعن يسير النجاسة التي يشق الاحتراز منها، فالخرق اليسير في الخف من باب أولى.
وأما دليل المالكية بتقدير القليل بما دون الثلث، واعتبار الثلث فما فوق من الكثير، فلعلهم يستدلون بما جاء في حديث سعد بن أبي وقاص في الصحيحين(الثلث والثلث كثير)
6- هل تشترط النية عند لبس الخفين ؟
لا تشترط النية للمسح كما لو لبس الثوب لا يشترط وقت لبسه أن تكون نيته ستر عورته في صلاته .
المقدار المجزئ في المسح على الخفين :
أربعة أقوال للفقهاء :
1- إن مسح بثلاثة أصابع أجزأه، وهو مذهب الحنفية.
2- يجب استيعاب أعلى الخف بالمسح، وهو مذهب المالكية.
3- يجزئ مقدار ما يقع عليه اسم المسح في محل الفرض، وهو مذهب الشافعية ، وبه قال سفيان، وهو مذهب داود الظاهري، ورجحه ابن حزم. قالوا: إن المسح ورد مطلقاً، ولم يصح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في تقدير واجبه شيء، فتعين الاكتفاء بما يصدق عليه اسم المسح.
4 – يجب أن يمسح أكثر ظاهر الخف، وهو مذهب الحنابلة.
وعليه فإن صفة المسح هي : ” أن يضع أصابع يديه مبلولتين بالماء على أصابع رجليه ثمَّ يُمرُّهما إلى ساقه ، يمسح الرجل اليمنى باليد اليمنى ، والرجل اليسرى باليد اليسرى ، ويُفرِّج أصابعه إذا مسح ولا يكرر المسح
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” يعني أن الذي يمسح هو أعلى الخف ، فيُمرّ يده من عند أصابع الرجل إلى الساق فقط ، ويكون المسح باليدين جميعاً على الرجلين جميعاً ، يعني اليد اليمنى تمسح الرجل اليمنى ، واليد اليسرى تمسح الرجل اليسرى في نفس اللحظة ، كما تمسح الأذنان ، لأن هذا هو ظاهر السنة ، لقول المغيرة بن شعبة رضي الله عنه : ” فمسح عليهما ” ، ولم يقل بدأ باليمنى بل قال : مسح عليهما ، فظاهر السنة هو هذا . نعم لو فرض أن إحدى يديه لا يعمل بها فيبدأ باليمنى قبل اليسرى ، وكثير من الناس يمسح بكلتا يديه على اليمنى وكلتا يديه على اليسرى ، وهذا لا أصل له فيما أعلم . …وعلى أي صفة مسح أعلى الخف فإنه يجزئ لكن كلامنا هذا في الأفضل .” أ.هـ. انظر فتاوى المرأة المسلمة ج/1 ص/250
ولا يمسح من جانبي الخف ّوخلفه فلم يرد في مسحه شيء .
قال الشيخ ابن عثيمين : ” وقد يقول قائل : إن ظاهر الأمر قد يكون باطن الخف أولى بالمسح لأنه هو الذي باشر التراب والأوساخ ، لكن عند التأمل نجد أن مسح أعلى الخف هو الأعلى والذي يدل عليه العقل ، لأن هذا المسح لا يراد به التنظيف والتنقية ، وإنما يراد به التعبد ، ولو أننا مسحنا أسفل الخف لكان ذلك تلويثاً له ” .
والله أعلم . الشرح الممتع لابن عثيمين ج/1 ص/213.
محل المسح:
الخلاف في مسح أسفل الخف
1- يمسح الظاهر والباطن، فإن مسح الباطن فقط لم يجزئ، وإن مسح الأعلى فقط أجزأه ذلك. وهو مذهب المالكية ، والشافعية ، واستدلوا على ذلك بحديثٍ يُروى عن المغيرة وفيه ضعف ، وكيفيةُ المسح عندهم هي أن يمسح كل واحدة من الرجلين بكلتا يديه، فيمسحُ باليسرى باطن الخف بادئاً من العقب، ويمسحُ باليمنى أعلى الخف بادئاً من رؤس الأصابع، وعليه فإنه يبدأ بمسح رجله اليمنى استحباباً لعمومِ الأدلة الدالة على استحباب التيامن.
حكم تكرار المسح على الخفين
أولاً: لم ينقل تكرار المسح لا قولاً ولا فعلاً، وليس في الأحاديث إلا أنه مسح على خفيه، وهذا يصدق عليه بفعله مرة واحدة.
ثانياً: أن تكرار المسح يحوله من مسح إلى غسل.
ثالثاً: أن كل شيء فرضه المسح فشأنه التخفيف فهذا الرأس لا يشرع تثليثه على الصحيح، ولا يشرع تثليث المسح على الجبيرة على القول بمسحها.
توقيت المسح:
مدة المسح على الخفين للمقيم يوم وليلة(24 ساعة)، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليها(72 ساعة)، قال صفوان بن عسال رضي الله عنه: أمرنا (يعني النبي صلى الله عليه وسلم) أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر ثلاثا إذا سافرنا، ويوما وليلة إذا أقمنا، ولا نخلعهما إلا من جنابة، رواه أحمد
متى تبدأ مدة المسح ؟
فيه أقوال لأهل العلم :
الأول :يبدأ من أول حدث بعد اللبس ، وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأبي حنيفة .
الثاني : يبدأ من وقت اللبس ، وهو قول الحسن البصري
الثالث :وهو الراجح من أقوال الفقهاء في ابتداء المدة أنها من أول مسحة بعد الحدث ، لا من اللبس ، ولا من الحدث بعد اللبس ، فلو توضأ لصلاة الفجر ، ولبس الخفين ، ثم أحدث في التاسعة صباحا ولم يتوضأ ، ثم توضأ في الساعة الثانية عشرة ، فالمدة تبدأ من الثانية عشرة ، وتستمر يوما وليلة ، أي أربعا وعشرين ساعة .
وهو قول أحمد والأوزاعي واختاره النووي وابن المنذر و رجحه ابن عثيمين وقال : ” لأن الأحاديث (يمسح المقيم ) ، ( يمسح المسافر ) ولا يمكن أن يصدق عليه أنه ماسح إلا بفعل المسح وهذا هو الصحيح ” . “الشرح الممتع” (1/186)
1- من أول حدث بعد لبس الخف، هو مذهب الحنفية ، والشافعية ، والمشهور من مذهب الحنابلة.
2- ابتداء المدة من اللبس،وهو محكي عن الحسن البصري.
3- يمسح خمس صلوات في اليوم والليلة، وعليه تبتدئ مدة المسح من أول صلاة صلاها، وهو قول الشعبي وأبي ثور وإسحاق.
4-من أول مسح بعد الحدث، وهو رواية عن أحمد ، وهو قول الأوزاعي وأبي ثور ،واختاره ابن المنذر ، ورجحه النووي.
وهو الراجح من أقوال الفقهاء في ابتداء المدة أنها من أول مسحة بعد الحدث ، لا من اللبس ، ولا من الحدث بعد اللبس ، فلو توضأ لصلاة الفجر ، ولبس الخفين ، ثم أحدث في التاسعة صباحا ولم يتوضأ ، ثم توضأ في الساعة الثانية عشرة ، فالمدة تبدأ من الثانية عشرة ، وتستمر يوما وليلة ، أي أربعا وعشرين ساعة .
و رجحه ابن عثيمين وقال : ” لأن الأحاديث (يمسح المقيم ) ، ( يمسح المسافر ) ولا يمكن أن يصدق عليه أنه ماسح إلا بفعل المسح وهذا هو الصحيح ” . “الشرح الممتع” (1/186)
دليل من قال لا توقيت في حال الضرورة والمشقة الكبيرة.
قال ابن تيمية: ” لو كان في خلعه بعد مضي الوقت ضرر، مثل أن يكون هناك برد شديد متى خلع خفيه تضرر، كما يوجد في أرض الثلوج وغيرها، أو كان في رفقة متى خلع وغسل لم ينتظروه، فينقطع عنهم، فلا يعرف الطريق، أو يخاف إذا فعل ذلك من عدو أو سبع، أو كان إذا فعل ذلك فاته واجب، ونحو ذلك، فهنا قيل: إنه يتيمم.
وقيل: إنه يمسح عليها للضرورة، وهذا أقوى؛ لأن لبسها هنا صار كلبس الجبيرة من بعض الوجوه، فأحاديث التوقيت فيها الأمر بالمسح يوماً وليلة، وثلاثة أيام ولياليهن، وليس فيها النهي عن الزيادة إلا بطريق المفهوم،والمفهوم لا عموم له، ثم قال: ” وعلى ذلك يحمل حديث عقبة بن عامر، لما خرج من دمشق إلى المدينة، يبشر الناس بفتح دمشق، ومسح أسبوعاً بلا خلع، فقال له عمر: أصبت السنة، وهو حديث صحيح، وليس الخف كالجبيرة مطلقاً فإنه لا يستوعب بالمسح بحال، ويخلع بالطهارة الكبرى،
ولا بد من لبسه على طهارة، لكن المقصود أنه إذا تعذر خلعه فالمسح أولى من التيمم.
وقال أيضاً: ” لما ذهبت على البريد، وجد بنا السير، وقد انقضت مدة المسح، فلم النزع والوضوء إلا بانقطاع عن الرفقة، أو حبسهم على وجه يتضررون بالوقوف، فغلب على ظني عدم التوقيت عند الحاجة، كما قلنا في الجبيرة، ونزلت حديث عمر، وقوله لعقبة بن عامر: أصبت السنة على هذا توفيقاً بين الآثار، ثم رأيته مصرحاً به في مغازي ابن عائد، أنه قد كان ذهب على البريد كما ذهبت لما فتحت دمشق، ذهب بشيرا بالفتح من يوم الجمعة إلى يوم الجمعة، فقال له عمر: منذ كم لم تنزع خفيك؟ فقال: منذ يوم الجمعة، قال: أصبت، فحمدت الله على الموافقة، وهذا أظنه أحد القولين لأصحابنا، وهو أنه إذا كان يتضرر بنزع الخف، صار بمنزلة الجبيرة … . الخ كلامه رحمه الله .
وقول الجمهور أحوط، وهو المتيقن، وحمل حديث عقبة بن عامر في حال الضرر ليس ظاهراً من اللفظ، وإذا كان على الرفقة أن ينتظروا للصلاة، كان عليهم أن ينتظروا لشروطها، وإذا كان عليهم أن ينتظرو لكي يغسل وجهه ويديه، ويمسح برأسه، فلن يعجزوا عن الانتظار لغسل قدميه، وممكن أن يخلع خفيه مسبقاً قبل الوقوف بقليل حتى لا يعيق الرفقة، ولا يقال: إن أحاديث التوقيت فيها الأمر بالمسح يوماً وليلة، وليس فيها النهي عن الزيادة إلا بطريق المفهوم؛ لأن الأصل وجوب غسل الرجلين، جاء الإذن يوماً وليلة للمقيم، وثلاثة أيام للمسافر، وما عداه يرجع للأصل المستقر المجمع عليه، وهو وجوب غسل الرجلين، وقد قال – صلى الله عليه وسلم – في الحديث المتفق عليه:”ويل للأعقاب من النار” خالفنا هذا الأصل لدليل صحيح في مدة معلومة فرقاً بين المقيم والمسافر لا يتجاوزها المسلم، فمن تجاوزها فقد تجاوز حدود الله، والله أعلم.
ما يبطل المسح:
يبطل المسح على الخفين:
(1) بانقضاء المدة.
(2) الجنابة.
(3) نزع الخف.
هل ينتقض الوضوء بنزع الخفين ؟أو بانتهاء مدة المسح ؟
اختلف العلماء في نزع الخف بعد المسح عليه على أقوال :
الأول : عليه أن يعيد الوضوء وهو قول أحمد والشافعي في القديم لأن المسح بدلا من الغسل فإذا زال الممسوح بطلت الطهارة في القدمين فتبطل الوضوء كله لأن الطهارة لا تتجزأ .
الثاني : يغسل قدميه فقط وهو قول أبي حنيفة والشافعي في الجديد ، ومالك يشترط الموالاة في الوضوء فلو غسل قدميه فور خلعه جاز وإلا أعاد الوضوء .
الثالث :لا ينقض الوضوء ولا يغسل قدميه لأن العبرة بمحل المسح (كمن مسح على رأسه في الوضوء ثم حلق شعر رأسه فوضوءه صحيح) . وهو اختيار جمع من أهل العلم ، منهم ابن حزم وشيخ الإسلام ابن تيمية والحسن البصري والنووي وابن المنذر رحمهم الله
وأما انتهاء مدة المسح اختار جمع من أهل العلم ، منهم ابن حزم وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله أن الطهارة لا تنتقض بانتهاء مدة المسح ، لعدم الدليل على ذلك ، وإنما تنتقض الطهارة بالنواقض المعروفة كخروج الحدث
وعليه : فمن كان على طهارة ، وانقضت مدة المسح قبل صلاة الظهر ، فله أن يصلي الظهر وما بعده بطهارته السابقة ، إلى أن ينتقض وضوؤه .
هل يصح المسح على الخفين في الصيف ؟
عموم الأحاديث الصحيحة الدالة على جواز المسح على الخفين والجوربين يدل على جواز المسح في الشتاء والصيف .ولا أعلم دليلاً شرعياً يدل على تخصيص وقت الشتاء.
لو لبس خفا فوق خف أو جوربا وحذاء :
فله حالات عدة :
1.إذا لبس الاثنين على طهارة جاز المسح على الأعلى منهما :
بمعنى إذا لبس الحذاء (سواء الرياضي أو العادي المسمى (الجزمة) فوق الجورب يجوز المسح عليها كالخف تماماً إذا غطت محل الفرض (القدم الكاملة ومنها الكعبين) وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ، والمالكيَّة ، والحنابلة ، وهو القَولُ القَديمُ عند الشَّافعيَّة ؛ وذلك لكَونِه لبِسَهما على طهارةٍ
2. يجوز المسح على الحذاء الذي لا يغطي محل الفرض (كالصندل ، والبلغة والشبشب عند المصريين أو السباط عند المغاربة ) إذا كان تحتها جورب ولبس الجميع الجورب والحذاء على طهارة غَسَلَ فيها رجليه، فعن المغيرة بن شعبة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن صحيح
3- إذا لبس الثاني على غير طهارة يمسح على الأول ولا يجزئه المسح على الثاني :
مَن توضَّأ ولبس الخفَّ الأوَّل، ثم أحْدَث، ثم لبِس الخفَّ الثَّاني قبل أن يمسَحَ الأوَّل؛ فليس له أن يمسَحَ على الأعلى، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ، والمالكيَّة ، والشَّافعيَّة ، والحنابلة وذلك لأنَّه مِن شرْطِ جوازِ المسحِ على الخفِّ لُبسَه على طهارةٍ، وهذا قد لَبِس الخفَّ الثَّاني وهو مُحدِثٌ
5- إذا لبسهما على طهارة وخلع الأول جاز المسح على الثاني وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
إذا خلع خفيه، وهو على طهارة المسح، وقبل تمام المدة :
اختلف العلماء في نزع الخف بعد المسح عليه على أقوال :
الأول : عليه أن يعيد الوضوء وهو قول أحمد والشافعي في القديم لأن المسح بدلا من الغسل فإذا زال الممسوح بطلت الطهارة في القدمين فتبطل الوضوء كله لأن الطهارة لا تتجزأ .
الثاني : يغسل قدميه فقط وهو قول أبي حنيفة والشافعي في الجديد ، ومالك يشترط الموالاة في الوضوء فلو غسل قدميه فور خلعه جاز وإلا أعاد الوضوء .
الثالث :لا ينقض الوضوء ولا يغسل قدميه (كمن مسح على رأسه في الوضوء ثم حلق شعر رأسه فوضوءه صحيح . وهواختيار جمع من أهل العلم ، منهم ابن حزم وشيخ الإسلام ابن تيمية والحسن البصري والنووي وابن المنذررحمهم الله
إذا انتهت مدة المسح فهل يستأنف الوضوء؟
اختلف العلماء على أقوال :
1- يكفيه غسل رجليه، وهو مذهب الحنفية ، والراجح في مذهب الشافعية.
2- يستأنف الوضوء، وهو المشهور في مذهب الحنابلة ، والقول القديم في مذهب الشافعية ).
3- لا تبطل طهارته بانتهاء مدة المسح، وهو اختيار ابن حزم ، ورجحه ابن تيمية . وهو الصحيح ؛ لعدم الدليل على ذلك ، وإنما تنتقض الطهارة بالنواقض المعروفة كخروج الحدث .
وعليه : فمن كان على طهارة ، وانقضت مدة المسح قبل صلاة الظهر ، فله أن يصلي الظهر وما بعده بطهارته السابقة ، إلى أن ينتقض وضوؤه .
وأما المالكية فالمشهور في مذهبهم أن المسح غير مؤقت. وقد سبق ذكر الخلاف .
المسح على العمامة
اختلف العلماء في المسح على العمامة كما يلي :
1- لا يجوز، هو مذهب الحنفية ، والمالكية ،والشافعية. واستدلوا بقوله تعالى: {وامسحوا برؤوسكم} (المائدة، آية: 6) وحقيقته تقتضي إمساسه الماء، ومباشرته، العمامة ليس رأساً، وماسح العمامة غير ماسح برأسه، فلا تجزيه صلاته.
وأجيب:بأن مسح الرأس لا ينافي إثبات المسح على العمامة بدليل آخر، وليس إثبات أحدهما مبطلاً للآخر، كما أن إثبات غسل الرجلين بقوله تعالى: {وأرجلكم إلى الكعبين} ليس مبطلاً لإثبات المسح على الخفين، هذا مع التسليم أن قوله تعالى: {وامسحوا بروؤسكم} لا يشمله المسح على العمامة، وقد يقال: إن من مسح على عمامته، فقد مسح برأسه، فمن قَبَّلَ رأس الرجل من فوق عمامته، قيل له: قبل رأسه، وكذا من مسح على العمامة. والنبي – صلى الله عليه وسلم – هو المبين لكلام الله سبحانه وتعالى، وهو المفسر له، وقد مسح النبي – صلى الله عليه وسلم – على العمامة، وأمر بالمسح عليها، وهذا يدل على أن المراد من الآية المسح على الرأس، أو حائله.
ثم كيف يظن أن المسح على العمامة معارض لآية المائدة، وقد مسح أبو بكر وعمر وجمع من الصحابة رضي الله عنهم.
قال ابن المنذر: كيف يجوز أن يجهل مثل هؤلاء فرض مسح الرأس، وهو مذكور في كتاب الله سبحانه وتعالى، فلولا بيان النبي – صلى الله عليه وسلم – لهم ذلك وإجازته ما تركوا ظاهر الكتاب والسنة.
2- يجوز، اختاره الثوري ، والأوزاعي ، وهو المشهور من مذهب الحنابلة ، وهو مذهب الظاهرية ، وهو الصحيح.
واستدلوا بما رواه مسلم، عن المغيرة بن شعبة، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – توضأ، فمسح بناصيته، وعلى العمامة، وعلى الخفين.
وما رواه البخاري، عن عمرو بن أمية، قال: رأيت النبي – صلى الله عليه وسلم – يمسح على عمامته، وخفيه.
وجه الاستدلال: أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – مسح هنا على العمامة، ولم يذكر الناصية، فدل على جواز الاقتصار عليها.
وما رواه مسلم، عن كعب بن عجرة، عن بلال أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مسح على الخفين والخمار.
جواب المانعين من المسح على هذه الآثار.
قال النووي: الأحاديث التي ذكر فيها المسح على العمامة فقط، وقع فيها اختصار، والمراد مسح على الناصية والعمامة، ويدل على صحة هذا التأويل أنه صرح به في حديث المغيرة كما سبق بيانه، ثم قال مستدلاً على صحة هذا التأويل: إن القرآن جاء بوجوب مسح الرأس، وجاءت الأحاديث الصحيحة بمسح الناصية مع العمامة، وفي بعضها مسح العمامة ولم تذكر الناصية، فكان محتملاً لموافقة الأحاديث الباقية، ومحتملاً لمخالفتها، فكان حملها على الاتفاق، وموافقة القرآن أولى.
قال أصحابنا: وإنما حذف بعض الرواة ذكر الناصية؛ لأن مسحها كان معلوماً؛ لأن مسح الرأس مقرر، معلوم لهم، وكان المهم بيان مسح العمامة.
قال الخطابي: والأصل أن الله تعالى فرض مسح الرأس، والحديث محتمل للتأويل، فلا يترك اليقين بالمحتمل، وقال هو وسائر الأصحاب: وقياس العمامة على الخف بعيد؛ لأن يشق نزعه، بخلافها، والله أعلم (المجموع (1/ 439).).
ورد عليهم:
بأن الظن بأن الصحابة رضوان الله عليهم اختصروا الحديث، وأنهم جاءوا بصيغة توهم أنه يجوز الاقتصار على العمامة، مع أن الاقتصار عليها لا يجوز ظن لا يليق بصحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وقد عدلهم الله في كتابه، وعدلهم الرسول – صلى الله عليه وسلم – بسنته، وهم أدرى الناس بمقتضى اللغة ومدلولها، وما حمل الناس على هذا الظن الذي لا يليق بصحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلا أن
الإنسان قد يعتقد حكم المسألة قبل النظر في أدلتها، إما تقليداً لإمام، أو موافقة لقول الأصحاب، وبالتالي إذا جاء ما يخالف هذا الاعتقاد تكلف في التأويل غير المستساغ، وأما من يسلم قياده للدليل الشرعي فإنه يميل معه حيث ما مال، وافق من وافق، وخالف من خالف؛ لأن الحجة هو الدليل والدليل وحده، بفهم الصحابة رضوان الله عليهم، ولهذا تجد أهل الحديث أقل الناس خلافاً لسلامة المنهج، والله الموفق للصواب.
والراجح من هذا الخلاف
بعد النظر في أدلة كل قول، نجد القول بالمسح على العمامة أقوى دليلاً من حيث الأثر، والله أعلم.
المسح على الخمار
اختلف العلماء في مسح المرأة على الخمار، كما يلي :
1- تمسح كما يمسح الرجل على العمامة، وهو المشهور من مذهب الحنابلة ، ورجحه ابن حزم.
2- لا تمسح، وهو مذهب الجمهور .
3- إن خافت من البرد ونحوه مسحت، مال إليه ابن تيمية. كما في مجموع الفتاوى (21/ 218): ” وإن خافت المرأة من البرد ونحوه مسحت على خمارها، فإن أم سلمة كانت تمسح على خمارها، وهذا ما رواه ابن أبي شيبة، عن الحسن، عن أمه، عن أم سلمة أنها كانت تمسح على الخمار. إسناده حسن
دليل من قال لا تمسح.
الدليل الأول:كل دليل استدلوا به في المنع من المسح على العمامة استدلوا به في المنع من مسح الخمار.
ولكل جواب قيل عن استدلالهم هناك، يقال لهم هنا.
الدليل الثاني: جاء الإذن بالمسح على العمامة، أما المسح على الخمار فلم يأت دليل في المسح عليه، والأصل المنع.
وأجيب: بأن العمامة تسمى خماراً، كما جاء في الأحاديث أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – مسح على العمامة والخمار، راجعها في مسألة المسح على العمامة، فإذا كانت العمامة تسمى خماراً فخمار المرأة داخل في العموم اللفظي لكلمة عمامة، فلم يتعلق الحكم بالمسمى؛ لأن العمامة تسمى خماراً، ولا مانع من تسمية خمار المرأة عمامة إلا أنها خاصة بالمرأة؛ لأن كلاً منهما تخمر الرأس: أي تغطيه، ثم إن الرسول – صلى الله عليه وسلم – لم يقل: لا يمسح إلا على العمامة، ولو قال هذا لربما سلم ما تقولون، لكن علمنا بمسحه على العمامة أنه يجوز المسح على كل ما غطى الرأس.
الراجح من هذا الخلاف:
بعد استعراض أدلة الفريقين، يتبين لي أن القول بجواز المسح على الخمار أرجح، وهو إما داخل في العموم اللفظي من جواز المسح على العمامة، وإما مقيس عليها بجامع أن كلاً منهما غطاء على الرأس، يشق نزعه. والله أعلم.
في اشتراط التحنيك أو الذؤابة في العمامة
اختلف العلماء في اشتراط التحنيك أو كون العمامة ذات ذؤابة،
1- لا يمسح عليها إلا أن تكون محنكة أو ذات ذؤابة، وهو المشهور من مذهب الحنابلة.
2- لا يشترط، وهو اختيار ابن تيمية ، وهو الراجح.
دليل الحنابلة.المسح المنقول لنا إنما جاء الإذن على العمائم المعهودة، التي يلبسها المسلمون، وصفتها بأن يكون تحت الحنك منها شيء.
قال ابن قدامة: ” ومن شروط المسح عليها أن تكون على صفة عمائم المسلمين، بأن يكون تحت الحنك منها شيء؛ لأن هذه عمائم العرب، وهي أكثر ستراً من غيرها، ويشق نزعها، ولأنها إذا لم تكن محنكة أشبهت الكوفية (الطاقية) والكوفية لا يمسح عليها، فكذلك غير المحنكة.
دليل من قال لا يشترط. قالوا: إن الإذن بالمسح ورد مطلقاً، وما ورد مطلقاً فلا يجوز تقييده إلا بدليل مثله من كتاب أو سنة أو إجماع.
الدليل الثاني:أن تحنيكها زمن الصحابة كان للحاجة إلى الجهاد، قال ابن تيمية: “والسلف كانوا يحنكون عمائمهم؛ لأنهم كانوا يركبون الخيل، ويجاهدون في سبيل الله، فإن لم يربطوا العمائم بالتحنيك وإلا سقطت، ولم يمكن معها طرد الخيل، ولهذا ذكر أحمد عن أهل الشام أنهم كانوا يحافظون على هذه السنة؛ لأنهم كانوا في زمنه هم المجاهدون، وذكر إسحاق بن راهوية بإسناده أن أولاد المهاجرين والأنصار كانوا يلبسون العمائم بلا تحنيك، وهذا لأنهم كانوا في الحجاز في زمن التابعين لا يجاهدون، ورخص إسحاق وغيره في لبسها بلا تحنيك .. الخ كلامه رحمه الله (مجموع الفتاوى (21/ 187).).
وقولهم: إن غير المحنكة لا يشق نزعها، فالجواب أن هذه العلة ليست علة منصوصاً عليها يمكن أن تخص العام، أو تقيد المطلق، والعلة المستنبطة علة مظنونة، قد تكون هي العلة، وقد تكون غيرها، فلا نستطيع أن نجزم بأنها هي العلة، وقد لا تتعين في مشقة النزع، بل قد تكون الحكمة أن العمامة لو حركها انفلت أكوارها؛ ولأن لبسها في أيام البرد قد يعرق الرأس بسببها فإذا نزعها قد يصاب بضرر بسبب الهواء البارد، المهم أن العلة المستنبطة ينبغي ألا يقيد بها الأحاديث المطلقة، والله أعلم.
الراجح من القولين:
بعد استعراض أدلة الفريقين نجد أن القول بعدم الاشتراط أقوى دليلاً، وأن المسح على العمامة يجوز ولو لم تكن محنكة أو ذات ذؤابة.
لكن قال ابن عثيمين إذا كانت مثل العمامة يشق نزعها أما مالا يشق نزعه كالطاقية المعروفة فلا يمسح عليها .
– ولا توقيت ولا مدة للمسح على العمامة أو الخمار، ولا يشترط لبسهما على طهارة .