حكم جريان الربا في أوراق البنكنوت (الفلوس)

تاريخ الإضافة 24 أبريل, 2023 الزيارات : 519

حكم جريان الربا في أوراق البنكنوت (الفلوس)

في مقطع لأحد الشيوخ المشهورين قال بأن الربا لا يقع في الفلوس على مذهب الشافعية ومعنى ذلك أن كل المعاملات البنكية حلال ولا يقع فيها الربا رجاء توضيح الأمر بارك الله فيك.
الجواب:
يرى الشافعية أن الفلوس لا يجري فيها الربا كالدنانير والدراهم؛ لأن العلة في الذهب والفضة عندهم:” أنهما جنس الأثمان غالبا، وهذه العلة واقفة لا تتعدى إلى غيرهما.
وذكر الشافعي في الأم: أنه لا ربا في الفلوس.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن مجاهد قال «لَا بَأْسَ بِالْفَلْسِ بِالْفَلْسَيْنِ يَدًا بِيَدٍ».
والعلة في عدم جريان الربا في الفلوس عند متقدمي الشافعية، هي ندرة التعامل بها وقتئذ؛ ولأن العلة فيها قاصرة لا تتعدى للفلوس.
وهذا يرد عليه من وجهين:
الوجه الأول: أن النادر قديما صار هو السائد الآن، فالدراهم والدنانير اندثرت وتلاشت، فكيف يقال بعدم جريان الربا في الفلوس، وقد ساد التعامل بها كل الأقطار والبلدان، ولم يبق للدراهم والدنانير أثر إلا في المتاحف الدولية ؟!! فوجب أن يتغير الحكم تبعا لتغير الزمان والمكان والأعراف.
الوجه الثاني: أنه لو كانت العلة في الذهب والفضة عندهم الشافعية قاصرة على الذهب والفضة وغير متعدية، فلماذا قالوا بأن علة الربا في الذهب والفضة الثمنية، فذكرهم العلة دليل على تعديها، وإلا ما كان لذكرها فائدة ؟!!
كما أنهم قالوا: بأن العلة تجري في غير الأجناس الأربعة، البر والشعير والتمر والملح؛ لأن العلة فيها متعدية، وخالفوا كلامهم هذا في الذهب والفضة، وقالوا بعدم جريان الربا في الفلوس؛ لأن العلة في الذهب والفضة قاصرة، فإذا كانت قاصرة فلماذا البحث عن العلة أصلاً ؟! فكان الأولى الاكتفاء بنص الحديث!!
وهناك قول آخر : يرى جريان الربا في الفلوس إذا راجت، أي جرى التعامل بها.
ودليله ما أخرجه ابن أبي شيبة عن حماد، أنه سُئِل عن الرجلِ، يشتري الفلوس بالدراهم قال: هو صرفٌ، فلا تفارقه حتى تستوفيه.
وجاء في كتاب الفروع “: أنه يحرم الربا في الفلوس التي هي ثمن الأشياء وقيم المتلفات في بعض البلاد…..”
وقد ذكر المرداوي وغيره ما يوضح ذلك فقال:” فلو تعامل الناس بالفلوس لم يُجعل مالُ العطاءِ فلوسًا، لأنها في المعاملات نادرة ولذلك خرجت عن أن يثبت فيها الربا، وتجب فيها الزكاة”.
واستدلوا على ذلك بما أخرجه البيهقي عن محمد بن أبان عن حماد عن إبراهيم- النخعي- قال:” لَا بَأْسَ بِالسَّلَفِ فِي الْفُلُوسِ” ومما يدل على اعتبار الفلوس كالدراهم والدنانير، من حيث جريان الربا فيها كالذهب والفضة، ما ذكره الرملي “الشافعي” وغيره أنه: “لو غلب التعامل بها- أي بالفلوس- ببلد بحيث هُجر التعامل بالفضة، وإنما تؤخذ عوضا عن الفلوس كالديار المصرية في هذه الأزمان، فالأوجه كما بحثه بعض المتأخرين القبول”.
وقد غلب التعامل بها الآن كل البلدان.
ومما يؤكد ذلك أيضا ما ذكره ابن الصلاح وهو شافعي أيضا في فتاويه حيث قال: ” كنت أقول إن الفلوس لا يجوز العقد عليها في الذمة؛ لأن مقدارها لا ينضبط؛ لأنها إن انضبطت بالعدد فوزنها يختلف وهو مقصود؛ لأن نفس النحاس مقصود، وإن ضبطت بالوزن فعددها يختلف، وعلى هذا ما يفعله الناس مثل أن يشتري أحدهم من الفامي أو غيره شيئا – نوع من العملات- بقرطاسين في ذمته غير معينة، لا يجوز، ثم رأيت بعد ذلك أن ذلك جائز إذا ضبطت بالعدد ولا يضر اختلافهما في الصغر والكبر والخفة والثقل…”.
ومما جاء في كتاب الحاوي للفتاوي للسيوطي قال: “وإنما نبهت على هذا لئلا يُظَن أن الفلوس من المتقومات، وإنما هي من المثليات في الأصح، والذهب والفضة المضروبان مثليان بلا خلاف….
إذا تقرر هذا فأقول: تترتب الفلوس في الذمة بأمور منها: القرض، وقد تقرر أن القرض الصحيح يرد فيه المثل مطلقا، فإذا اقترض منه رطل فلوس فالواجب رد رطل من ذلك الجنس سواء زادت قيمته أم نقصت..”. وقد جاء في الفتاوى الفقهية الكبرى : ” تجوز المعاملة بالفلوس العددية عددا في الذمة كما قاله القاضي، وأقره ابن الرفعة وأفتى به ابن الصلاح”.
وما أفتى به السادة الشافعية قديما، يصلح في زمانهم، ولا يصلح في زماننا البتة، ومن المعلوم أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والظروف، وإلا كيف لا يسوون بين الدراهم والدنانير وبين الفلوس، في التعامل الربوي.
ومع هذا نجد أنهم لم يقولوا بجريان الربا في الفلوس، وأوجبوا دفع الزكاة فلوسًا، وعلى قواعدهم لو أخرجها لم تجزئه، ولما أقيم حد على سارق، ولا أجزأت الفلوس في كفارة مالية، ولا صحت منها الدية وغير ذلك من حقوق الله تعالى، وحقوق العباد المالية، فإن صح بها ما ذكرنا، فلماذا اعتبرت هناك ولم تعتبر هنا؟!
ولذا قال بعض متأخري الشافعية: من الواضح أن التعامل بها في هذه الأيام يقوم مقام التعامل بالدراهم والدنانير في الأيام السالفة، فوجب أن تنزل منزلتها في الحكم الشرعي.
ولعل القول بعدم جريان الربا في أوراق البنكنوت والفلوس، هو أنها لا قيمة لها في الحقيقة، فهي ورقة أو قطعة من النحاس لا تساوي عشر معشار قيمتها، لكن اعتماد الدولة من خلال البنك المركزي يعطيها قيمة الذهب والفضة، أليس يُشترى بهذه الأوراق الذهب والفضة فكيف لا تكون مثلهما في العلة ؟!
وبناء على ما تقدم: فإنه يجب على المصارف أن تغير من سياساتها المالية وأن تأخذ بما أفتى به المحدثون من الشافعية، وجمهور الفقهاء، وأن يتجهوا إلى التعامل بنظام شركات المضاربة الإسلامية، فإنه يزيد من اقتصاد البلاد، ويبعد الناس عن الشبهات.
ولما كان العمل بالمضاربة في البنوك يتطلب أن تنشىء البنوك شركات ومصانع ومعارض ونحوها، فإن هذا بلا شك يحتاج لتوظيف الشباب في هذه الشركات والمصانع ونحوها، فضلا عن المنافسة في الأعمال التجارية، وكل هذا يعود بالخير على الوطن والمواطن والمجتمع بأسره، زيادة على ذلك إقبال الناس على التعامل مع البنوك بعد أن كان أغلبهم يحجمون عن التعامل معها، فينتعش الاقتصاد وينمو المال ويزداد.
والله أعلى وأعلم


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 9 ديسمبر, 2024 عدد الزوار : 13952 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن العظيم

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين