صفات الكافرين من سورة البقرة

تاريخ الإضافة 2 ديسمبر, 2023 الزيارات : 202

صفات الكافرين من سورة البقرة

تعرضنا من قبل لتفسير أول خمس آيات من سورة البقرة هنا

تَفْسِيرُ أول خمس آيات من سُورَةِ الْبَقَرَةِ

وبعد بيان صفات المؤمنين، ذكر الله تبارك وتعالى  صفات الكافرين ؛ لعقد مقارنة بين أهل الإيمان وأهل الكفر .

قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (7))

المفردات اللغوية:

الكفر: ستر الشيء وتغطيته .

“أَأَنْذَرْتَهُمْ” الْإِنْذَارُ َالْإِعْلَامُ بالشيء مع تَخْوِيفٍ.

خَتَمَ اللَّهُ : طبع الله عليها بالخاتم، والمراد: أغلقت قلوبهم، فلا يدخلها إيمان.

“غِشاوَةٌ “غطاء وستر، والمقصود: التعامي عن النظر إلى آيات الله.

التفسير :

قوله تعالى “إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا” أصل الكفر في اللغة الستر والتغطية ، ومن كفر فقد غطى الحقيقة وستر نعم الله عليه .

 وَالْكَافِرُ: الزَّارِعُ، وَالْجَمْعُ كُفَّارٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:” كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ  ” [الحديد: 20]. يعني الزراع لأنهم يغطون الحب. ورماد

وَالْكَافِرُ مِنَ الْأَرْضِ: مَا بَعُدَ عَنِ النَّاسِ لَا يَكَادُ يَنْزِلُهُ وَلَا يَمُرُّ بِهِ أَحَدٌ، وَمَنْ حَلَّ بِتِلْكَ الْمَوَاضِعِ فَهُمْ أَهْلُ الْكُفُورِ. وَيُقَالُ الْكُفُورُ: الْقُرَى.

ولفظ الكفر في ذاته يدل على أن الإيمان سبق ثم بعد ذلك جاء الكفر . فالأصل في الكون هو الإيمان بالله، ولكن بمرور الزمن جاءت الغفلة في أن الايمان يقيد حركة الناس في الكون ؛ فبدأ كل من يريد أن يخضع حياته لشهوة بلا قيود يتخذ طريق الكفر.

قوله تعالى: “سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ” الكافرون بالله صنفان :

الأول: صنف كفر بالله وعندما جاء الهدى حكم عقله، وعرف الحق فآمن.

 والصنف الآخر مستفيد من الكفر، ولذلك فهو متشبث به مهما جاءه من الايمان والادلة الايمانية فإنه يعاند ويكفر، لأنه يريد ان يحتفظ بسلطاته الدنيوية ونفوذه القائم على الظلم والطغيان، ولا يقبل أن يُجَرَّدَ منهما ولو بالحق ، فهؤلاء لم يكفروا لأن بلاغا عن الله سبحانه وتعالى لم يصلهم ، ولم يكفروا لأنهم في حاجة إلى أن يدعوهم رسول إلى منهج الله ،  هؤلاء اتخذوا الكفر صناعة ومنهج حياة فهم مستفيدون من الكفر لأنه جعلهم سادة ولأنهم متميزون عن غيرهم بالباطل ، ولأنهم لو جاء الايمان الذي يساوي بين الناس جميعا ويرفض الظلم، لأصبحوا أشخاصا عاديين غير مميزين في أي شيء.

قوله تعالى “لا يُؤْمِنُونَ “ هذا الكافر الذي اتخذ الكفر طريقا لجاه الدنيا وزخرفها سواء أنذرته أم لم تنذره فإنه لن يؤمن ؛ إنه يريد الدنيا التي يعيش فيها.

قوله تعالى: “خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ ” الختم على القلوب معناه عدم وعي الحق ، وعلى الأبصار معناه عدم فهمهم للقرآن إذا تلي عليهم .

 قوله تعالى: “وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ “ إلقاء الغشاوة على الأبصار بمعنى عدم نظرهم في مخلوقات الله، أو بمعنى أنهم دعوا إلى وحدانية الله فلم يؤمنوا.

 فدلّ تعبير الختم والطبع على القلوب والأسماع وإلقاء الغشاوة على الأبصار على تمكّن الكفر في قلوبهم، حتى فقدوا الدّواعي والأسباب التي ترشدهم إلى النظر والتفكّر في أدلّة الإيمان ومحاسنه، وأصبحوا في هيئة أو عادة تألف الجحود والعصيان.

هل الختم على الحقيقة ؟

ليس المراد من الختم على القلوب، والغشاوة على الأسماع والأبصار، المعنى الحقيقي لهما، إذ لا ختم في الحقيقة ولا غشاوة، بل المراد أنه تعالى تركهم وشأنهم الذي اختاروه لأنفسهم من إِصرارهم على الكفر، وتركهم التذكر بقلوبهم وعقولهم، وصرفهم أسماعهم عن المواعظ وأبصارهم عن آيات الله تعالى، فلم يلطف بهم ولم يهدهم، جزاءَ إصرارهم وسوء اختيارهم .

عن ابى هريرة قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “إن المؤمن إذا أذنب ذنبا كانت نكتةٌ سوداءُ في قلبه، فإن تاب ونَزَع واسْتَعْتَبَ (رجع عن ذنبه) صُقِل قلبُه (أصبح نظيفا من أثر الذنب) وإن زاد زادت حتى تعلُوَ قلبه، فذلك الرانُ الذي قال الله تعالى: { كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }. رواه الترمذي وقال حسن صحيح

فأخبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها، وإذا أغلقتها أتاها حينئذ الختم والطبع من قبل الله، فلا يكون للإيمان إليها مسلك؛ ولا للكفر عنها مخلص.

وقد يقال: إذا علم الله أزلًا كفرهم باختيارهم السَّيِّىء، وأَخبر عنهم بأنهم لا يؤْمنون فما فائدة الإنذار، وتوجيه الدعوة إليهم؟

والجواب: إن الإنذار لإقامة الحجة عليهم، حتى لا يقولوا: ما جاءنا من بشير ولا نذير، ولتحقيق عموم الرسالة، وليثاب الرسول على توجيه الدعوة إليهم، وإن لم يستجيبوا.

وإسناد الختم على قلوبهم وعلى أسماعهم وأبصارهم إلى الله تعالى، تنبيها على سنة الله في أمثالهم، لا على أنهم مجبورون على الكفر، ولا على منع الله تعالى إياهم من الإيمان بالقهر، وإنما هو تمثيل لسنته تعالى في تأثير تمرّسهم على الكفر وإعماله في قلوبهم .

وفي هاتين الآيتين تسلية للنّبي صلّى الله عليه وسلّم عن تكذيب قومه له، فلا تتحسّر عليهم، فلا لوم عليك فيهم.

فائدة :

الْوَقْفَ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ} ، وقف تام ، ثم يستأنف القراءة بَقَوْلُهُ {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} فَإِنَّ الطَّبْعَ يَكُونُ عَلَى الْقَلْبِ وَعَلَى السَّمْعِ، وَالْغِشَاوَةَ – وَهِيَ الْغِطَاءُ- تَكُونُ عَلَى الْبَصَرِ .

قوله تعالى: ” وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ” بسبب تعاميهم عن الحق وآيات الله، فلا ينفذ إليها أثر الهداية والموعظة، ولأنهم عطلوا وسائل المعرفة والنظر والتفكير وإعمال السمع والبصر، فأصبحوا يرون الحق فلا يتبعونه، ويسمعونه فلا يعونه، فكان جزاؤهم عذابا عظيما شديدا لا ينقطع، بسبب تكذيبهم بآيات الله تعالى.

فائدة :

ما الحكمة في وصف الله سبحانه وتعالى العذاب بأنه أليم، وبأنه مهين، وبأنه عظيم :

 العذاب الأليم هو الذي يسبب ألما شديدا.

 والعذاب المهين هو الذي يأتي لأولئك الذين رفعهم الله في الدنيا، وأحيانا تكون الإهانة أشد إيلاما للنفس من ألم العذاب نفسه، أولئك الذين كانوا أئمة الكفر في الدنيا، يأتي بهم الله تبارك وتعالى يوم القيامة أمام من اتبعوهم فيهينهم.

أما العذاب العظيم فإنه منسوب إلى قدرة الله سبحانه وتعالى لأنه بقدرات البشر تكون القوة محدودة ، أما بقدرات الله جل جلاله تكون القوة بلا حدود؛ لأن كل فعل يتناسب مع فاعله، وقدرة الله سبحانه وتعالى عظيمة في كل فعل؛ وبما أن العذاب من الله جل جلاله فإنه يكون عذابا عظيما.

ثم يأتي بعد ذلك وصف المنافقين وهو موضوعنا في الدرس المقبلإن شاء الله.

 


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 52 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع