تَفْسِيرُ أول خمس آيات من سُورَةِ الْبَقَرَةِ

تاريخ الإضافة 20 June, 2023 الزيارات : 12386

مَا وَرَدَ فِي فَضْلِهَا :

1-    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «لَا تَجْعَلُوا بيوتكم قبورا فإن البيت الذي تقرأ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ لَا يَدْخُلُهُ الشَّيْطَانُ» مُسْلِمٍ

2-    عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ الشيطان يفرّ من البيت يُسْمَعُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ. صححه الألباني

3-    وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا وَهُمْ ذَوُو عَدَدٍ فَاسْتَقْرَأَهُمْ فَاسْتَقْرَأَ كل واحد منهم مَا مَعَهُ مِنَ الْقُرْآنِ فَأَتَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا فَقَالَ: مَا مَعَكَ يَا فلان؟ فقال: مَعِي كَذَا وَكَذَا وَسُورَةُ الْبَقَرَةِ. فَقَالَ: أَمَعَكَ سُورَةُ الْبَقَرَةِ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ: اذْهَبْ فَأَنْتَ أَمِيرُهُمْ» فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ: وَاللَّهِ مَا منعني أن أتعلم سورة البقرة إلا أني خشيت أن لا أَقُومَ بِهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «تعلموا القرآن فاقرأوه وأقرئوه فَإِنَّ مَثَلَ الْقُرْآنِ لِمَنْ تَعَلَّمَهُ فَقَرَأَهُ وَقَامَ بِهِ كَمَثَلِ جِرَابٍ مَحْشُوٍّ مِسْكًا يَفُوحُ رِيحُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَمَثَلَ مَنْ تَعَلَّمَهُ فَيَرْقُدُ وهو في جوفه كمثل جراب وكىء عَلَى مِسْكٍ» رواه التِّرْمِذِيِّ وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وصححه الشيخ أحمد شاكر في التفسير

وقوله: وكىء أي ربط. وأصل الوكاء: خيط يربط به في القربة بعد ملئها

 

4-    وعَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ- وَفَرَسُهُ مَرْبُوطَةٌ عِنْدَهُ- إِذْ جَالَتِ الْفَرَسُ، فَسَكَتَ فَسَكَنَتْ، فَقَرَأَ فَجَالَتِ الْفَرَسُ، فَسَكَتَ فَسَكَنَتْ ثُمَّ قَرَأَ فَجَالَتِ الْفَرَسُ، فَانْصَرَفَ، وَكَانَ ابْنُهُ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْهَا- فَأَشْفَقَ أَنْ تُصِيبَهُ فَلَمَّا أَخَذَهُ رَفْعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى مَا يَرَاهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ حَدَّثَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «اقْرَأْ يَا ابْنَ حُضَيْرٍ» قال: قد أشفقت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ تَطَأَ يَحْيَى وَكَانَ مِنْهَا قَرِيبًا فَرَفَعْتُ رَأْسِي وَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ الْمَصَابِيحِ فَخَرَجْتُ حَتَّى لَا أَرَاهَا قَالَ «وَتَدْرِي مَا ذَاكَ؟» قَالَ لَا قَالَ «تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ دَنَتْ لِصَوْتِكَ وَلَوْ قَرَأْتَ لَأَصْبَحَتْ يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا لَا تَتَوَارَى مِنْهُمْ» رواه البخاري

5-    وعن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ «تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ ولا يستطيعها الْبَطَلَةُ» «السحرة» قَالَ: ثُمَّ مكث سَاعَةً ثُمَّ قَالَ «تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَآلَ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا الزَّهْرَاوَانِ يُظِلَّانِ صَاحِبَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ غَيَايَتَانِ أَوْ فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ وَإِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ فَيَقُولُ لَهُ:

هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ فَيَقُولُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ، فَيُعْطَى الْمُلْكَ بيمينه وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يَقُومُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا فَيَقُولَانِ: بِمَ كُسِينَا هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ ولدكما القرآن، ثم يقال له: اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ هَذًّا كَانَ أَوْ تَرْتِيلًا»رواه أحمد وحسنه الألباني لشواهده

وَالْبَطَلَةُ : السَّحَرَةُ، وَمَعْنَى لَا تَسْتَطِيعُهَا أَيْ لَا يُمْكِنُهُمْ حِفْظُهَا وَقِيلَ لَا تَسْتَطِيعُ النُّفُوذَ فِي قَارِئِهَا

سميتا الزهراوين لنورهما وهدايتها وعظيم أجرهما

الغمامة والغياية بمعنى. وهما كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه من سحابة وغبرة وغيرهما.

الفرقان: الجماعتان أو القطيعان، واحدهما فرق.

وقوله: من طير صوّاف، جمع صافة وهي من الطيور ما يبسط أجنحته في الهواء.

 

6-    وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ شَافِعٌ لِأَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا يَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ يُحَاجَّانِ عَنْ أَهْلِهِمَا» يوم القيامة ثُمَّ قَالَ «اقْرَءُوا الْبَقَرَةَ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وتركها حسرة ولا يستطيعها الْبَطَلَةُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ

 

7-    وعن عبد الله ابن مسعود (إن لكل شيء سناما ، و سنام القرآن سورة البقرة ، و إن الشيطان إذا سمع سورة البقرة تقرأ خرج من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة) حسنه الألباني

وأما تقييد قراءة البقرة في كل ثلاثة أيام ، أو أن الشياطين لا تدخله ثلاثة أيام فقد وَرَد في ذلك حديث ضعيف ، وهو بِلفظ :
إن لكل شي سناما ، وإن سنام القرآن سورة البقرة ؛ مَن قَرأها في بيته ليلا لم يَدخل الشيطان بيته ثلاث ليال ، ومَن قَرأها نهارا لم يدخل الشيطان بيته ثلاثة أيام . رواه ابن حبان . وقد أورده الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة بهذا اللفظ برقم 1349
وصحح الحديث بلفظ آخر ، وهو :
إن لكل شيء سناماً ، وسنام القرآن سورة البقرة ، وإن الشيطان إذا سمع سورة البقرة تُقرأ ؛ خرج من البيت الذي يُقرأ فيه سورة البقرة ” .
وأصل الحديث في صحيح مسلم بلفظ : إن الشيطان يَنْفُر مِن البيت الذي تُقْرأ فيه سُورة البقرة .

وجاء التقييد بثلاثة أيام في قراءة آخِر آيتين مِن سُورة البقرة ، كما في قوله عليه الصلاة والسلام : إن الله كَتَب كِتابا قبل أن يَخْلق السماوات والأرض بألْفَيّ عام ، فأنزل منه آيتين فَخَتَم بهما سورة البقرة ، ولا تُقْرآن في دارٍ ثلاث ليالٍ فَيَقْربها الشيطان . رواه الإمام أحمد والترمذي و صححه الألباني.

 

البقرة نزلت بالمدينة:

والبقرة جميعها مدنية بلا خلاف وهي من أوائل ما نزل بها، لكن قوله تعالى فيه وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ الْآيَةَ يقال إنها آخر ما نزل من القرآن ، وكذلك آيات الربا من آخر ما نزل.

الم (1)

مَجْمُوعُ الْحُرُوفِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ بِحَذْفِ الْمُكَرَّرِ مِنْهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ حرفا وهي- ال م ص ر ك هـ ي ع ط س ح ق ن- يجمعها قَوْلُكَ: نَصٌّ حَكِيمٌ قَاطِعٌ لَهُ سِرٌّ.

هذا وقد اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ الَّتِي فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ وأقوى الأقوال في هذه المسألة قولان :

الأول : هِيَ مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ، فَرَدُّوا عِلْمَهَا إِلَى اللَّهِ وَلَمْ يُفَسِّرُوهَا

الثاني : ذُكِرَتْ هَذِهِ الْحُرُوفُ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِيهَا بَيَانًا لِإِعْجَازِ الْقُرْآنِ وَأَنَّ الْخَلْقَ عَاجِزُونَ عَنْ مُعَارَضَتِهِ بِمِثْلِهِ هَذَا مَعَ أنه مركب مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ الَّتِي يَتَخَاطَبُونَ بِهَا، وَلِهَذَا كُلُّ سُورَةٍ افْتُتِحَتْ بِالْحُرُوفِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا الِانْتِصَارُ لِلْقُرْآنِ وَبَيَانُ إِعْجَازِهِ وَعَظَمَتِهِ، وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالِاسْتِقْرَاءِ وَهُوَ الْوَاقِعُ فِي تِسْعٍ وَعِشْرِينَ سُورَةً وَلِهَذَا يَقُولُ تَعَالَى الم. ذلِكَ الْكِتابُ لَا رَيْبَ فِيهِ [الْبَقَرَةِ: 1- 2] الم. اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ [آلِ عِمْرَانَ: 1- 3] المص. كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ [الْأَعْرَافِ: 1- 2] الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ [إِبْرَاهِيمَ: 1] الم. تَنْزِيلُ الْكِتابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ [السَّجْدَةِ: 1- 2] حم. تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [فُصِّلَتْ: 1- 2] حم. عسق. كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الشُّورَى: 1- 3] وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ لِمَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

 

ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)

ذَلِكَ الكتاب، أي هَذَا الْكِتَابُ

والكتاب: الْقُرْآنُ.

وَالرَّيْبُ:الشَّكُّ. أي لَا شَكَّ فِيهِ .

ومعنى الكلام هنا أن هذا الكتاب هو الْقُرْآنُ لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ نَزَلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ .

وَخُصَّتِ الْهِدَايَةُ لِلْمُتَّقِينَ كَمَا قَالَ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ [فُصِّلَتْ: 44] وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً [الْإِسْرَاءِ: 82] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى اختصاص المؤمنين بالنفع بِالْقُرْآنِ لِأَنَّهُ هُوَ فِي نَفْسِهِ هُدًى وَلَكِنْ لا يناله إلا الأبرار كما قال تَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يُونُسَ: 57]

 

وعَنِ ابن عباس لِلْمُتَّقِينَ قال: الَّذِينَ يَحْذَرُونَ مِنَ اللَّهِ عُقُوبَتَهُ فِي تَرْكِ مَا يَعْرِفُونَ مِنَ الْهُدَى وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ فِي التصديق بما جاء به.

 

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ رَجُلٍ عَنِ الْحَسَنِ البصري: قوله تعالى لِلْمُتَّقِينَ قَالَ: اتَّقَوْا مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَأَدَّوْا مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ.

 

وَقَالَ قَتَادَةُ: اِلْمُتَّقِينَ هُمُ الَّذِينَ نَعَتَهُمُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ الآية والتي بعدها .

 

وعَنْ عَطِيَّةَ السَّعْدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا مِمَّا بِهِ بَأْسٌ» ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وضعفه الألباني .

وسَأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ عَنِ التَّقْوَى فَقَالَ لَهُ: أَمَا سَلَكْتَ طَرِيقًا ذَا شَوْكٍ؟ قَالَ بَلَى، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ؟ قَالَ: شَمَّرْتُ وَاجْتَهَدْتُ ، قَالَ: فَذَلِكَ التَّقْوَى.

وَقَدْ أَخَذَ هَذَا الْمَعْنَى ابْنُ الْمُعْتَزِّ فَقَالَ:

خَلِّ الذُّنُوبَ صَغِيرَهَا … وَكَبِيرَهَا ذَاكَ التُّقَى

وَاصْنَعْ كماش فوق أرض … الشَّوْكِ يَحْذَرُ مَا يَرَى

لَا تَحْقِرَنَّ صَغِيرَةً … إِنَّ الْجِبَالَ مِنَ الْحَصَى

وَأَنْشَدَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يوما:

يُرِيدُ الْمَرْءُ أَنْ يُؤْتَى مُنَاهُ … وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا مَا أَرَادَا

يَقُولُ الْمَرْءُ فَائِدَتِي وَمَالِي … وَتَقْوَى اللَّهِ أَفْضَلُ مَا اسْتَفَادَا

الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3)

يُؤْمِنُونَ: يُصَدِّقُونَ ، والْإِيمَانُ فِي اللُّغَةِ َيُطْلَقُ عَلَى التَّصْدِيقِ الْمَحْضِ كَمَا قَالَ تَعَالَى يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ [التَّوْبَةِ: 61] وَكَمَا قَالَ إِخْوَةُ يُوسُفَ لِأَبِيهِمْ ” وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ “يُوسُفَ:17

 

وَالْإِيمَانُ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِلْإِقْرَارِ بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَتَصْدِيقُ الْإِقْرَارِ بِالْفِعْلِ

وهو قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ .

ومنهم من فسره بالخشية كقوله تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ [الْمُلْكِ: 12] وَقَوْلِهِ: مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ [ق: 33]

وَالْخَشْيَةُ خُلَاصَةُ الْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ [فَاطِرٍ: 28]

وَأَمَّا الْغَيْبُ الْمُرَادُ هَاهُنَا فَقَدِ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ السَّلَفِ فِيهِ وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ تَرْجِعُ إِلَى أَنَّ الْجَمِيعَ مُرَادٌ، فمعنى قوله تعالى: يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ : يؤمنون بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَنَّتِهِ وَنَارِهِ وَلِقَائِهِ وَيُؤْمِنُونَ بِالْحَيَاةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَبِالْبَعْثِ، فَهَذَا غَيْبٌ كُلُّهُ.

وعَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ قَالَ: قلت لأبي جمعة [رجل من الصحابة] :

حَدِّثْنَا حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: نَعَمْ أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا جيّدا: تغذينا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ أَحَدٌ خَيْرٌ مِنَّا؟ أَسْلَمْنَا معك وجاهدنا معك ؟

قال «نعم قوم يكونون مِنْ بَعْدِكُمْ يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي» صححه الألباني

وعَنْ صَالِحِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو جُمُعَةَ الْأَنْصَارِيُّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ لِيُصَلِّيَ فيه ومعنا يومئذ رجاء بن حيوة رضي الله عنه فَلَمَّا انْصَرَفَ خَرَجْنَا نُشَيِّعُهُ، فَلَمَّا أَرَادَ الِانْصِرَافَ قَالَ: إِنَّ لَكُمْ جَائِزَةً وَحَقًّا، أُحَدِّثُكُمْ بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا: هَاتِ رَحِمَكَ اللَّهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَنَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ عَاشِرُ عَشَرَةٍ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ مِنْ قَوْمٍ أَعْظَمُ منّا أجرا؟ آمنا بالله وَاتَّبَعْنَاكَ، قَالَ: «مَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ ذَلِكَ وَرَسُولُ اللَّهِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ يَأْتِيكُمْ بِالْوَحْيِ مِنَ السَّمَاءِ بَلْ قَوْمٌ مِنْ بَعْدِكُمْ يَأْتِيهِمْ كِتَابٌ بَيْنَ لَوْحَيْنِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِ أُولَئِكَ أَعْظَمُ مِنْكُمْ أَجْرًا مَرَّتَيْنِ» جود إسناده الألباني

وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ : إِقَامَةُ الصَّلَاةِ إِتْمَامُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالتِّلَاوَةِ وَالْخُشُوعِ والإقبال عليها فيها ، والْمُحَافَظَةُ عَلَى مَوَاقِيتِهَا .

وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ: زَكَاةُ أَمْوَالِهِمْ.

وكَثِيرًا مَا يَقْرِنُ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالْإِنْفَاقِ مِنَ الْأَمْوَالِ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ حَقُّ اللَّهِ وَعِبَادَتُهُ وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى تَوْحِيدِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَتَمْجِيدِهِ وَالِابْتِهَالِ إِلَيْهِ وَدُعَائِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَالْإِنْفَاقُ هُوَ الْإِحْسَانُ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ بِالنَّفْعِ الْمُتَعَدِّي إِلَيْهِمْ، وَأَوْلَى النَّاسِ بِذَلِكَ الْقَرَابَاتُ وَالْأَهْلُونَ وَالْمُمَالِيكُ، ثُمَّ الْأَجَانِبُ، فَكُلٌّ مِنَ النَّفَقَاتِ الْوَاجِبَةِ وَالزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ

وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)

أَيْ يُصَدِّقُونَ بِمَا جِئْتَ بِهِ مِنَ اللَّهِ وَمَا جَاءَ بِهِ مَنْ قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمْ وَلَا يَجْحَدُونَ مَا جَاءُوهُمْ بِهِ مِنْ رَبِّهِمْ.

وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ: أَيْ بِالْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْحِسَابِ وَالْمِيزَانِ وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ الْآخِرَةُ لِأَنَّهَا بَعْدَ الدنيا.

أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)

أُولئِكَ أَيْ الْمُتَّصِفُونَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَالْإِنْفَاقِ مِنَ الَّذِي رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَالْإِيمَانِ بِمَا أنزل إِلَى الرَّسُولِ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنَ الرُّسُلِ وَالْإِيقَانِ بالدار الآخرة، وهو مستلزم الاستعداد لها من الأعمال الصالحة وترك المحرمات عَلى هُدىً أي على نُورٍ وَبَيَانٍ وَبَصِيرَةٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى: وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أَيْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَيْ الَّذِينَ أَدْرَكُوا مَا طَلَبُوا وَنَجَوْا مِنْ شَرِّ مَا مِنْهُ هَرَبُوا.

 

(3) تعليقات



اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 14 May, 2024 عدد الزوار : 989 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن العظيم

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

أحدث المقالات

“لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ… “

حقوق آل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم-

فضل الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم

الرد المبين على منكري سنة النبي الأمين

ماذا كتب مايكل هارت عن الرسول في كتابه الخالدون مئة؟

قدر الحبيب النبي عند الرب العلي

لماذا نحتفل بميلاد الرسول ؟

محمد النبي الإنسان

يا محب الرسول عليك بخمسة أمور

“وإنك لعلى خلق عظيم”

الرسول صلى الله عليه وسلم كأنك تراه

جوانب العظمة في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم-

الرسول القدوة

شمس محمد تسطع على العالم محمد الغزالي

مرافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة

كيف ربى الرسول أتباعه على العزة والكرامة

بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ

الاشتياق إلى النبي للشيخ محمد المنجد

أنت مع من أحببت

ما الحكمة في أن رسول الله كان أميا ؟

كيف ربى الرسول أصحابه ؟

شرح حديث “ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان”

سبيل الوصول إلى محبة الرسول

خصائص رسالة النبي صلى الله عليه وسلم

وسراجا منيرا

وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ

خصائص النبي محاضرة للشيخ المنجد

 (24) Towards Salvation of the Heart. Part (3)