شرح الأربعون النووية 32- لاضرر ولا ضرار

تاريخ الإضافة 6 July, 2024 الزيارات : 347

شرح الأربعون النووية
32- لاضرر ولا ضرار

عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: (لا ضرر ولا ضرار) . حديث حسن رواه ابن ماجه والدار قطني وغيرهما 

 

شرح الحديث

(لا) هنا في قوله: (لا ضرر ولا ضرار) احتمال أن تكون لا النافية للجنس أو لا الناهية، فعلى المعنى الأول: (لا ضرر): نفي أن يكون هناك ضرر؛ يعني لا ضرر جائز ايقاعه شرعا فنفى النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون هناك ضرر جائز شرعا.

 وبعض العلماء قالوا: إن (لا) ناهية يعني النبي صلى الله عليه وسلم ينهى كل مسلم أن ينشئ الضرر أو يكون سبب في الضرر؛ وكلا المعنيين جائز في اللغة .

فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الضرر ونفاه نهائيا لا ضرر ولا ضرار.

قوله (لا ضرر ) الضرر: الأذى، أي لا يضر أحد أحدا فينقصه شيئا من حقه، سواء كان ماديا في النفس أو في المال أو في الولد، أو معنويا كالتجريح والسب والإهانة ؛ فكل ما فيه أذى للغير ماديا أو معنويا فهو ضرر.

(ولا ضرار) لا يلحق بأخيه الضرر، والضرارهو رد الفعل المتعمد لمن يضرك.

وقوله: “لا ضرر ولا ضرار” هل هما لفظان بمعنى واحد ؟

بعض العلماء يرى أنه تكلم بهما جميعا على وجه التأكيد، وقال ابن حبيب: الضرر عند أهل العربية الاسم والضرار الفعل: فمعنى “لا ضرر” أي لا يدخل أحد على أحد ضررا لم يدخله على نفسه. ومعنى “لا ضرار” لا يضار أحد بأحد. وقال المحسني: الضرر هو الذي لك فيه منفعة وعلى جارك فيه مضرة وهذا وجه حسن المعنى.

وقال بعضهم: الضرر والضرار مثل القتل والقتال فالضرر أن تضر من لا يضرك: والضرار: أن تضر من أضر بك من غير جهة الاعتداء بالمثل والانتصار بالحق.

ومن أوضح ما قيل في الفرق بينهما ما قاله ابن عثيمين رحمه الله:”لا ضرر” الضرر معروف، والضرر يكون في البدن ويكون في المال، ويكون في الأولاد، ويكون في المواشي وغيرها.
“ولا ضرار” أي ولا مضارة والفرق بين الضرر والضرار:
أن الضرر يحصل بدون قصد، والمضارة بقصد، ولهذا جاءت بصيغة المفاعلة.
مثال ذلك: رجل له جار وعنده شجرة يسقيها كل يوم، وإذا بالماء يدخل على جاره ويفسد عليه، لكنه لم يعلم، فهذا نسمية ضررا.
مثال آخر: رجل بينه وبين جاره سوء تفاهم، فقال: لأفعلن به ما يضره، فركب موتورا له صوت كصوت الدركتر (البلدوزر)عند جدار جاره وقصده الإضرار بجاره، فهذا نقول مضار.
والمضار لا يرفع ضرره إذا تبين له بل هو قاصده، وأما الضرر فإنه إذا تبين لمن وقع
منه الضرر رفعه.

تطبيقات الحديث:

هذا الحديث أصل عظيم في أبواب كثيرة، ولا سيما في المعاملات: كالبيع والشراء والرهن والارتهان، وكذلك في الأنكحة يضار الرجل زوجته أو هي تضار زوجها، وكذلك في الوصايا يوصي الرجل وصية يضر بها الورثة.
فالقاعدة: متى ثبت الضرر وجب رفعه، ومتى ثبت الإضرار وجب رفعه مع عقوبة قاصد الإضرار.
من ذلك مثلا: كانوا في الجاهلية يطلق الرجل المرأة فإذا شارفت انقضاء العدة راجعها، ثم طلقها ثانية فإذا شارفت انقضاء العدة راجعها، ثم طلقها ثالثة ورابعة، لقصد الإضرار، فرفع الله تعالى ذلك إلى حد ثلاث طلقات فقط.

مثال آخر: رجل أوصى بعد موته بنصف ماله لرجل آخر من أجل أن ينقص سهام الورثة، فهذا محرم عليه مع أن للورثة أن يبطلوا ما زاد على الثلث.

ومن هنا ، فإن نفي الضرر يؤكد أن الدين الإسلامي يرسخ معاني الرحمة والتيسير ، وعدم تكليف الإنسان ما لا يطيق ، فلا يمكن أن تجد في أحكامه أمرا بما فيه مضرة ، أو نهيا عن شيء يحقق المصلحة الراجحة ، وإذا نظرت إلى ما جاء تحريمه في القرآن الكريم أو في السنة النبوية فلابد أن تجد فيه خبثا ومفسدة ، مصداقا لقوله تعالى : { ويحرم عليهم الخبائث } [الأعراف : 157]
ومن ناحية أخرى فإن كل ما ورد في الكتاب والسنة من أوامر، فالأصل أنها مقدورة، داخلة ضمن حدود الطاقة، وإذا عرض للإنسان أحوال تمنعه من إتمام الامتثال بالأمر الشرعي ، كأن يلم به مرض أو عجز أو نحوهما ، فهنا يأتي التخفيف من الله تعالى ، كما في رخصة الإفطار في نهار رمضان ، ورخصة الجمع والقصر في الصلاة ، وغير ذلك كثير.

هل نفي الضرر فيه نفي للعقوبة؟

كلا فإن المنفي هو الضرر لا العقوبة والقصاص، والمراد بالضرر في الحديث هو ما كان بغير حق، أما إدخال الأذى على أحد يستحقه – كمن تعدى حدود الله تعالى فعوقب على جريمته، أو ظلم أحدا فعومل بالعدل وعوقب على ظلمه – فهو غير مراد في الحديث لأنه قصاص شرعه الله عز وجل.

بل من نفي الضرر أن يعاقب المجرم بجرمه ويؤخذ الجاني بجنايته، لأن في ذلك دفعا لضرر خطير عن الأفراد والمجتمعات.

لا تكليف في الإسلام بما فيه ضرر، ولا نهي عما فيه نفع: إن الله تعالى لم يكلف عباده فعل ما يضرهم ألبتة، كما أنه سبحانه لم ينههم عن شيء فيه نفع لهم، ففيما أمرهم به عين صلاحهم في دينهم ودنياهم، وفيما نهاهم عنه عين فساد معاشهم ومعادهم. قال تعالى: {قل أمر ربي بالقسط} [ الأعراف: 29] وقال: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن} [الأعراف: 33].

قاعدة رفع الحرج:

من نفي الضرر في الإسلام رفع الحرج عن المكلف، والتخفيف عنه عندما يوقعه ما كلف به في مشقة غير معتادة، ولا غرابة في ذلك فإن هذا الدين دين التيسير، قال الله تعالى:{وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج: 78] وقال: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [ البقرة: 286]، ومن أمثلة التخفيف عن المكلف عند حصول المشقة:

التيمم للمريض وعند عسر الحصول على الماء.

الفطر للمسافر والمريض والحامل والمرضع.

انظار المدين المعسر: من استدان في مباح لأجل ولم يتمكن من الوفاء، وجب على دائنه تأخير مطالبته إلى حال يساره، قال تعالى: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة)[البقرة:280]

مظاهر الضرر:

يتجلى قصد الضرر في نوعين من التصرفات:

1- تصرفات ليس للمكلف فيها غرض سوى إلحاق الضرر بغيره:

وهذا النوع لا ريب في قبحه وتحريمه، وقد ورد الشرع بالنهي عن كثير من التصرفات التي لا يقصد منها غالبا إلا إلحاق الضرر منها:

المضارة في البيع: كبيع المضطر: وهو أن يكون الرجل محتاجا لسلعة ولا يجدها ، فيأخذها من بائعها بزيادة فاحشة عن ثمنها المعتاد، كأن يشتريها بعشرة وهي تساوي خمسة.

أخرج أبو داود من حديث علي رضي الله عنه: أنه خطب الناس فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر.

الغبن الفاحش: إذا كان المشتري لا يحسن المماكسة (المفاصلة) فاشترى بغبن كثير، لم يجز للبائع ذلك. ومذهب مالك وأحمد رحمهما الله تعالى أنه يثبت له خيار الفسخ.

الوصية: والإضرار بالوصية على حالين.

أن يخص بعض الورثة بزيادة على فرضه الذي فرضه الله له، فيتضرر بقية الورثة بتخصيصه، ولذا منع الشارع من ذلك إذا لم يرض باق الورثة.

أن يوصي لأجنبي لينقص حقوق الورثة، ولذا منع الشرع من ذلك فيما زاد عن الثلث سواء قصد المضارة أم لا، إلا إذا أجاز الورثة، قال صلى الله عليه وسلم: ” الثلث والثلث كثير”. متفق عليه.

وأجازها في حدود الثلث ليتدارك المكلف بعض ما فاته من الخيرات في حياته، وما قصر فيه عن وجوه الإنفاق. وهذا إذا لم يقصد الوصي بوصيته إدخال الضرر على الورثة، وإلا فإنه يأثم بوصيته عند الله عز وجل.

2- تصرفات يكون للمكلف فيها غرض صحيح مشروع، ولكن يرافق غرضه أو يترتب عليه إلحاق ضرر بغيره:

 وذلك على نوعين:

الأول: بأن يتصرف في ملكه بما يتعدى ضرره إلى غيره؛ بأن يحدث في ملكه ما يضر بجيرانه، من هدم أو دق أو نحوهما، أو يضع ما له رائحة خبيثة، فإنه يمنع منه.

ومن هذا الباب من يتعاطى السموم كالتدخين ، ثم يقول : أنا حر ! وهذا ولا شك أضر بصحته، ويضر غيره فيما يعرف بالتدخين السلبي ، ويضر أطفاله ، سواء في أثناء الحمل أم من خلال الاستنشاق .

ومن هذا الباب أيضا الحجر الصحي الذي سبق إليه الإسلام فقد قال عليه الصلاة والسلام : إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها . رواه البخاري ومسلم .

الثاني: أن يمنع غيره من الانتفاع بملكه، فيتضرر الممنوع بذلك، بأن يمنع جاره من الانتفاع بملكه والارتفاق به: فإن كان يضر بمن انتفع بملكه فله المنع، كمن له جدار واه، لا يحمل أكثر مما هو عليه، فله أن يمنع جاره من وضع خشبة عليه. وإن كان لا يضر به: له المنع من التصرف في ملكه بغير إذنه.

فائدة: ذكر السيوطي في كتابه “الأشباه والنظائر” أن مرد مذهب الشافعي رحمه الله تعالى إلى أربع قواعد:

الأولى: “اليقين لا يزال بالشك”. وأصل ذلك ما رواه البخاري ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم شكى له الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، قال:”لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا”. وذلك أنه على يقين من طهارته، فلا يرفع ذلك اليقين بالشك الذي طرأ عليه: أنه أحدث.

الثانية: “المشقة تجلب التيسير”. والأصل فيها قوله تعالى:{وما جعل عليكم في الدين من حرج} [ الحج: 78 ]. وقوله صلى الله عليه وسلم:” بعثت بالحنفية السمحة” رواه أحمد في مسنده.

الثالثة: “الضرر يزال” وأصلها قوله صلى الله عليه وسلم:” لا ضرر ولا ضرار”.

الرابعة: “العادة محكمة”. لقوله صلى الله عليه وسلم:”فما رأى المسلمون حسنا فهو عن الله حسن”. (والصحيح أن هذا الحديث هو قول ابن مسعود رضي الله عنه، رواه الإمام أحمد في مسنده).

فوائد من الحديث:

1- الضرر والضرار يجب رفعهما وعقوبة قاصد الإضرار.
2- منع الإنسان من التصرف في ملكه بما يتعدى ضرره إلى الغير على غير الوجه المعروف.
3- حرص الإسلام على دفع الضرر والإضرار بالغير فجاء بهذا الأصل العظيم.

4-  تحريم الضرر بالنفس وذلك بإلقائها في المخاطر، أو ارتكاب المحرمات.
5- اجتناب سائر المضرات في النفس والمال والأهل والعرض.
6- من مقاصد الإسلام منع الضرر قبل وقوعه، ورفعه بعد وقوعه.
7- أحكام الإسلام الشرعية وتكاليفه لا ضرر فيها.
8- يعتبر الحديث قاعدة عامة؛ فكل أمر كان فيه ضرر فيحرم شرعا.

4-  هناك قواعد متفرعة ذكرها الفقهاء مثل:

  • الضرر يزال.
  • الضرر يدفع بقدر الإمكان .
  • الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف.
  •  الضرر لا يزال بالضرر.
  • يتحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام.
  •  درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.

 

 


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 14 May, 2024 عدد الزوار : 991 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن العظيم

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين