تفسير سورة الحجرات: 6- النهي عن السخرية واللمز والتنابز بالألقاب
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ . الحجرات 12
مناسبة الآية لما قبلها :
لما ذكر الله تعالى في الآية السابقة : ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ بين أن لهذه الأخوة حقوق وواجبات ، فإذا كان المؤمنون إخوة فإنهم يجب عليهم أن يتحابوا وأن يتآلفوا ، ولا يجوز لهم التقاطع ، ولا إضرار بعضهم لبعض، بالسخرية والهمز واللمز والتنابز بالألقاب وسوء الظن والغيبة .
التفسير التحليلي
قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ )السخرية: هي الاستهزاء الذي يقصد به التنقص.
﴿ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ ﴾ هؤلاء الذين تهزءون بهم عسى أن يكونوا خيرا منكم عند الله تعالى وعند عباده .
﴿ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ ﴾ يعني: ولا يسخر نساء من نساء ﴿ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ ﴾ وخصت النساء بالذكر لأن السخرية في النساء بعضهن من بعض أكثر من سخرية الرجال بعضهم من بعض بسبب الغيرة، فالله عزّ وجل خصهن بالذكر لما ينتشر بينهن من الغيرة والسخرية لبعضهن .
فالمعنى ولا يسخر نساءٌ من نساء سواء كان بسبب جمالها أو بسبب مالها أو شرفها أو حسبها أو بأي سبب من الأسباب الأخرى (عَسَىٰ أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ )
السر في قوله تعالى: (لا يسخر قوم من قوم)
المفروض أن الذي سيسخر هو فرد واحد، ولكن الله سبحانه أسند السخرية المنهي عنها إلى (قوم)،مع أن العادة جارية بأن السخرية لا تنشأ إلا من فرد واحد؛ فلماذا جاء اللفظ بالقوم ؟
لو رجعنا قليلاً لوجدنا قوله:{ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا } الحجرات:9
فهنا طائفة متقاتلة مع طائفة أخرى، ولما انتهى القتال وجاء الإصلاح ، ربما يكون هناك بعض المناوشات من أفراد الطائفتين ، وقد تكون طائفة أقوى من الأخرى فتفخر عليها وتسخر من الطرف الثاني، فجاء التعبير بالقوم بناء على أنه تقدم عندنا طائفتان.
اشتراك الراضي عن الفعل في الإثم :
ولو أن شخصاً من إحدى الطائفتين سخر بالطائفة الثانية؛ فإن إسناد السخرية يكون للطائفة التي منها الشخص الذي سخر، ويكون الإسناد للمجموع لا للفرد فقط؛ لأن الواحد يتكلم باسم جماعته، ومن هنا لو أن البعض لم يسخر ولم يرض لكنه مشارك بالسكوت بمعنى أنه سمع ورضي بذلك، كما قال أبو سفيان بعد غزوة أحد وما حدث من تشويه لجثث الصحابة: ( لم آمر بها ولم تسؤني)
؛ فهذا الساكت مشارك للذي سب في الإثم، وهكذا هنا الجماعة الواحدة؛ فالذي يتكلم منهم ويسخر من الطائفة الثانية كأنه تكلم باسم الجميع، والجميع يتحمل الإثم؛ لأنه سكت ورضي.
والحاصل: أن السخرية لا تنشأ إلا من شخص واحد ، والقوم موافقون وراضون وساكتون فهم شركاء في الإثم ، أما من ينكر ذلك فقد خرج منهم.
قوله: ﴿ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ اللمز هو العيب
والسر في مجيء النهي: (وَلا تَلْمِزُوا)عقب النهي عن السخرية لأن من سخر من إنسان في نفسه لمزه بلسانه عند غيره،فهذا مترتب على ذاك.
﴿ أَنْفُسَكُمْ ﴾ فسَّر بمعنيين:
المعنى الأول: لا يلمز بعضكم بعضاً، لأن كل واحد منا بمنزلة نفس الإنسان، أخوك بمنزلة نفسك، فإذا لمزته فكأنما لمزت نفسك.
والمعنى الثاني: إن المعنى لا تلمز أخاك، لأنك إذا لمزته لمزك، فلمزك إياه سبب لكونه يلمزك، وحينئذ تكون كأنك لمزت نفسك، وعليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله من لعن والديه» فقالوا: يا رسول الله كيف يلعن الرجل والديه؟ قال: «يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه»رواه البخاري
قوله تعالى: ﴿ وَلاتَنَابَزُوا بِالألْقَابِ ﴾ اللقب: هو الاسم الذي يشعر بذم أو بمدح، يذكر تارة للتعريف وتارة للتنقص، وإذا كان للتنقص وكان ذلك المسمى به يكرهه؛ فلا يجوز أن يذكر به.
قوله تعالى : ﴿ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ﴾ يعني بئس لكم أن تنقلوا من وصف الإيمان إلى وصف الفسوق، فإذا ارتكبتم ما نهى الله عنه صرتم فسقة، فلا تجعل نفسك بعد الإيمان فاسقاً.
قوله تعالى : ﴿ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ وعيد شديد؛ كأنه يقول: توبوا من هذه السخرية، وتوبوا من هذا اللمز، وتوبوا من هذا التنابز، فإذا لم يتب أحدكم واستمر على ذلك اعتبر من الظالمين
التفسير الموضوعي
تضمنت الآية الكريمة النهي عن ثلاثة أمور وهي :
1- النهي عن السخرية
2- النهي عن سب الغير
3- النهي عن التنابز بالألقاب
أولا / النهي عن السخرية
الناس يتفاضلون في العلم، فبعضهم أعلم من بعض ، وهم يتفاضلون في الرزق، فمنهم من بسط له في رزقه، ومنهم من قَدَرَ عليه في رزقه، وهم يتفاضلون في الأخلاق، فمنهم ذوو الأخلاق الفاضلة العالية، ومنهم دون ذلك، وهم يتفاضلون في الخلقة، منهم السوي الخلقة، ومنهم من دون ذلك، ويتفاضلون كذلك في الحسب، منهم من هو ذو حسب ونسب، ومنهم دون ذلك، فهل يجوز لأحد أن يسخر ممن دونه في العلم أوالمال، أو الخُلُق، أوالخلقة، أوالحسب، أوالنسب؟
أليس الذي أعطاك الفضل هو الله الذي حرمه هذا – في تصورك – فلماذا السخرية إذن ؟
ولهذا قال – عز وجل -: {عسى أن يكونوا خيراً منهم } رب ساخر اليوم مسخور منه في الغد، ورب مفضول اليوم يكون فاضلاً في الغد .
وهذا شيء مشاهد، ويروى: «من عيَّر أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله»
وقيل أيضا: «لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك»
ونضرب لذلك مثلاً من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نتكلم عن احتقار المسلم يعني أن مجردَ وقوع الإنسان في المعصية هذا لا يدفع المسلم إلى أن يحتقره وأن يزدريه .
كان هناك رجلٌ من الصحابة يشرب الخمر كثيراً فيشرب الخمر ثمَّ يُؤتى به فيُجلد فيرجعُ مرةً أخرى ويشرب الخمر ثمَّ يُجلد فجيء به وقد شرب الخمر فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة أن يجلدوه فقال أحد الصحابة: “لعنه الله ما أكثر ما يُؤتى به”
يعني في كلِّ مرةٍ يُجلد ويشرب الخمر ألا يتقي الله ألا يستحي من نفسه فلعنه غضباً لله عز وجل!!
فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم هذه الكلمة، قال “لا تلعنه فإنه يحبُ الله ورسوله”
رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم لعنَ في الخمر عشرة منهم شاربها، وهذا الصحابي إنما قالها حمية لله عز وجل.
إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن أمرٍ في قلب هذا الإنسان بإخبار الله عز وجل وإطلاعه لنبيه عليه، وهو محبة هذا الصحابي الذي كان يشرب الخمر لله عزَّ وجل وللنبي صلى الله عليه وسلم فكانت هذه المحبة منعت من لعنه.
فكذلك الإنسان قد ترى أنت إنساناً صاحب معصية ومخالفةٍ لأمر الله عز وجل فتأخذك الحمية فتقول كلمةً والأشد من ذلك هو احتقارك لهذا المسلم .
وكما نعلم أن الإيمان قولٌ وعمل يدخل فيه الأعمال الظاهرة ويدخل فيه أعمال القلوب وتفاوت العباد الحقيقي بما في قلوبهم من محبة الله عز وجل ومن خشيته ومن رهبته ومن مراقبته ومن شكره ومن التوكل عليه والإنابة إليه والحياء منه سبحانه وتعالى، فهذه الأعمال التي في القلوب لا تطلع عليها أنت ولا يطلع عليها غيرك، فربما تزدري الإنسان وتحتقره بحسب ما ظهر لك من أعماله الظاهرة هذا إذا كان عمله مخالفةً لأمر الله عزّ وجل ولكن يخفى عليك ويغيب عنك شيءٌ عظيم من أعمال القلوب التي تكون في قلب هذا الإنسان.
إذن علينا أن نحترز من احتقار الآخرين ومن ازدرائهم، فكيف إذا كان هذا الاحتقار والازدراء مبنياً على أمرٍ من أمور الدنيا ليس غضباً لله عز وجل يعني إنسان يحتقر إنسانا لأنه قبيحٌ في منظره، أو لأن ثيابه رثة (بالية قديمة ) أو فقير أو جاهل ، هذه كلها لا قيمة لها في ميزان الله عز وجل.
فاحتقار المؤمنين ليس من خلق أهل الإسلام كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ” المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره”
وقال: ” بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم “
يعني يكفيك من الشر الذي تستحق عليه العقوبة من الله عز وجل أن تحتقر أخاك المسلم، هذا يكفيك لا تحتاج معه لذنب آخر وهذا يدل على أن احتقار المؤمنين كبيرة من الكبائر .
(عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ)، الخيرية هذه لها جهتان:خيرية في الدنيا، وخيرية في الآخرة.
عسى أن يكونوا خيراً منهم عند الله، أنت تسخر منه وهو خير منك عند الله، كما جاء عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أنه قال :
( مرّ رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لرجل عنده جالس : ما رأيك في هذا ؟ فقال : رجل من أشراف الناس هذا والله حريُّ إن خطب أن ينكح وإن شفع أن يُشفع .
قال : فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم مرّ رجل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما رأيك في هذا ؟ فقال : يا رسول الله هذا رجل من فقراء المسلمين هذا حري إن خطب أن لا يُنكح وإن شفع أن لا يشفّع وإن قال أن لا يُسمع قوله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا ) رواه البخاري .
وهذا عبد الله بن مسعود كان رضي الله تعالي عنه – خفيف اللحم قصير القامة يروي زر بن حبيش عن ابن مسعود أنه كان يجتني سواكا من الأراك وكان دقيق الساقين فجعلت الريح تكفؤه فضحك القوم منه! فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : مم تضحكون؟! قالوا يا نبي الله من دقة ساقيه، فقال ( والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد)
هذه الخيرية عند الله(أخروية )
لكن وإن قال المفسرون هذا ولكن أقول قد يكون هذا في الدنياأيضا؛ أنت غني تسخر من فقير، وما يدريك أن هذا الفقير على مكارم الأخلاق، وأحسن العادات صدوق في الحديث، وفيّ في العهود، محافظ على أوامر الله، يقيم الصلاة، يصوم رمضان، بينما أنت مفرط في بعض ذلك.
قد تسخر منه لصحتك وهو مريض، وما يدريك لعله في مرضه يقوم الليل ويناجي ربه، وأنت غارق في النوم.
إذاً: قد تكون الخيرية في الدنيا بجوانب أخرى، أنت استنقصته بفقره والله عوضه من ذلك، ولهذا جاء عن الإمام علي رضي الله تعالى عنه أنه قال: (إن الله تعالى قسم العطاء على الخلق، ولو نظرت في أحوال الناس لوجدتهم من حيث العطاء سواء)
قد تقول: كيف هؤلاء متساوون: هذا فقير وهذا غني، وهذا صحيح وهذا مريض، قال: (إن أعطى هذا مالاً ومنعه من هذا، فقد يعطي هذا راحة بال وطمأنينة نفس خير من مال هذا)، قد يكون المال مشغلاً لصاحبه، مقلقاً له، مؤرقاً إياه، ولكن هذا راض بما قسم الله له، والرضا عطاء من عند الله، فيبيت مطمئناً راضياً قانعاً، فيكون أسعد حالاً، وقد يعطي الله هذا مالاً ويمرض هذا ويعطيه من الحكمة والعلم ما يساوي مئات المرات مما أعطى هذا من صحة ومال.
وكما جاء عن عروة بن الزبير : أنه أصيبت ساقه، فجاء الطبيب فقال: لابد من بترها حتى لا يتفشى المرض في باقي الجسم فتقضي على حياتك، فقطعت الرجل، وكان الناس يأتون يسلمون عليه ويعزونه في رجله،وكان يغطي رجله عن الناس ، فدخل عليه أناس من أصحابه الأخصين، فقال لابنه:(اكشف عن رجلي ليراها فلان، فنظر إليه فضحك، قال: ما يضحكك على هذه المصيبة؟ قال: نحن ما أعددناك للسباق والصراع، ولكن أعددناك للعلم والفقه -وكان عروة أحد الفقهاء السبعة- قال: والله ما عزاني أحد فيها كما عزيتني أنت)
فلئن ذهب جزء من الساق أو الساق بكاملها فقد أعطاه الله سبحانه وتعالى من العلم والحكمة ما يفوق على الدنيا وما فيها.
إذاً: عسى أن يكونوا في الدنيا بجوانب أخرى خيراً منكم؛ فلا يسخر قوم من قوم.
إذا رأى الإنسان من نفسه تطلعاً أو تطاولاً وجاء الشيطان وأغراه فليقمع الشيطان عنه، وليعلم بأن هناك صفات أخرى إما معنوية أو حسية هي خير مما يسخر به هذا الإنسان.
إذاً: فالأحمق وغير العاقل هو الذي يسخر من أخيه الإنسان.
ألفقره وغناك تسخر منه؟ فالغنى ليس بمحض جهدك بل الله سبحانه وتعالى يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، لينظر هل يشكر أم يكفر، يصبر أم يضجر؟ فهو عطاء من عند الله، والصحة كذلك ليست من جهدك ولا من عطائك، وهكذا لا ينبغي لعاقل قط أن يسخر من إنسان آخر رآه في حسبانه هو أنه منقصة في هذا الشخص الآخر .
الفرق بين السخرية والاستهزاء:
إن بين السخرية والاستهزاء فرقا من جهتين :
الأولى السخرية تكون بالفعل وبالقول،والاستهزاء لا يكون إلا بالقول.
الثانية أن السخرية يسبقها عمل من أجله يسخر بصاحبه أما الأستهزاء فلا يسبقه ذلك.
فالاستهزاء يكون بالقول المصحوب بسوء النية، وهو إظهار الجد وإخفاء الهزل فيه.
السخرية والاستهزاءوجراثيم العجب والكبر
إن السخرية والاستهزاء لا ينبعثان إلا من نفس ملوَّثة بجراثيم العُجْبِ والتكبُّر، فهي تعمل على إيذاء من حولها بدافع الشعور بالفوقية المتغلغلة في أعماقها المريضة.
إنها داء من أدواء الجاهلية يجب تجنبه والبعد عنه وخصوصا عند المشاحنة والخصومة ، لأن من شأنها أن تفكك عرى المجتمع ويكفى أنها مخالفة صريحة لأمر الله عز وجل،ومبعدة من رضوانه سبحانه .
ثانيا /النهي عن سب الغير :
وفي الآية أيضا تحريم عيب المؤمنين بعضهم بعضاً، فلا يجوز لك أن تعيب أخاك بصفة خَلْقية أو صفة خُلُقية.
أما الصفة الخَلْقية التي تعود إلى الخلقة فإن عيبك إياه في الحقيقة عيب لخالقه – عز وجل – فالذي خلق الإنسان هو الله عز وجل، والذي جعله على هذه الصفة هو الله عز وجل، والإنسان لا يمكن أن يكمل خِلقته فيكون الطويل قصيراً، أو القصير طويلاً، أو القبيح جميلاً، أو الجميل قبيحاً؟ فأنت إذا لمزت إنساناً وعبته في خلقته فقد عبت الخالق في الواقع، ولهذا لو وجدنا جداراً مبنيًّا مائلاً وعبنا الجدار فعيبنا لباني الجدار، إذن إذا عبت إنساناً في خلقته فكأنما عبت الخالق – عز وجل –
قال رجل لحكيم ياقبيح الوجه فقال :ما كان خلق وجهي إلى فأحسنه!!!
أما عيبه بالخُلُق بأن يكون هذا الرجل سريع الغضب، شديد الانتقام، بذيء اللسان، فينبغي إذا وجدت فيه سوء خُلُق فالواجب النصيحة، أن تتصل به إن كان يمكن الاتصال به، وتبين له ما كان به من عيب، أو أن تكتب له رسالة .
3- النهي عن التنابز بالألقاب :
{ولا تنابزوا بالأَلقاب } يعني لا ينبز بعضكم بعضاً باللقب، فتقول له مثلاً: يا فاسق، يا فاجر، يا أسود، يا نحيف،ياأعرج؛ لا تفعل هذا؛ لأنك إذا نبزته باللقب فإما أن يكون اللقب فيه، وإما أن لا يكون فيه؛فإن كان فيه فقد ارتكبت هذا النهي
وإن لم يكن فيه فقد بهتَّه وارتكبت النهي أيضاً .
والألقاب على ثلاثة أنواع:
1- قسم يكرهه الإنسان ويبغضه، وهو ما يعير به، فهذا يحرم التسمية به أو النداء. بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم غير ألقاب بعض أصحابه وأسماءهم، فسمى العاص: عبد الله، وشهابا: هشاما، وسمى حربا سلما.
2- قسم يحبه صاحبه كأبي تراب لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث لقبه الرسولصلى الله عليه وسلم به.
قال سهل بن سعد: ما كان اسم أحب إلى علي أن يدعى به من أبي تراب.
فهذا لا يكره.
3- وقسم غلب عليه الاستعمال، كالأعرج والأعمش، مما اشتهر من أسماء الأشخاص والعائلات ، فهذا جائز بشرط ألا يقصد قائله التعيير واللمز ونحوه
وعلى هذا المعنى ترجم البخاري – رحمه الله – في كتاب الأدب من الجامع الصحيح في (باب ما يجوز من ذكر الناس نحو قولهم: الطويل والقصير لا يراد به شين الرجل) قال: وقال النبي – صلى الله عليه وسلم: “ما يقول ذو اليدين”.
قال الزمخشري: ولهذا كانت التكنية من السنة والأدب الحسن، قال عمر رضي الله عنه أشيعوا الكنى فإنها منبهة.
ولقد لقب أبو بكر بالعتيق والصديق، وعمر بالفاروق، وحمزة بأسد الله، وخالد بسيف الله، وقل من المشاهير في الجاهلية والإسلام من ليس له لقب، ولم تزل هذه الألقاب الحسنة في الأمم كلها – من العرب والعجم – تجري في مخاطباتهم ومكاتباتهم من غير نكير.
وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما :
وينبغي على المسلم أن يقابل الإساءة بالإحسان والجهالة بالحلم فذاك يرفع قدره عند الله ، ولا يلتفت لكل من جهل عليه .
قال علي بن يزيد: أغلظ رجل من قريش لعمر بن عبد العزيز القول فأطرق عمر زماناً طويلاً ثم قال: أردت أن يستفزني الشيطان بعز السلطان فأنال منك اليوم ما تناله مني غداً
كما أن سلمان لما شتم قال: إن خفت موازيني فأنا شر مما تقول وإن ثقلت موازيني لم يضرني ما تقول.
فقد كان همه مصروفاً إلى الآخرة فلم يتأثر قلبه بالشتم.
وكذلك شتم الربيع بن خثيم فقال: يا هذا قد سمع الله كلامك وإن دون الجنة عقبة إن قطعتها لم يضرني ما تقول وإن لم أقطعها فأنا شر مما تقول .
وسب رجل أبا بكر رضي الله عنه فقال: ما ستر الله عنك أكثر
وسب رجل الشعبي فقال: إن كنت صادقاً فغفر الله لي وإن كنت كاذباً فغفر الله لك.
ومر المسيح ابن مريم عليه الصلاة والسلام بقوم فقالوا له شراً فقال لهم خيراً فقيل له: إنهم يقولون شراً وأنت تقول خيراً فقال: كل ينفق مما عنده.
وكان الشيخ الشعراوي يتعرض للسب والغمز من بعض الكتاب والصحافيين فلما كلموه في الرد عليهم قال لن أعطيهم شرف الرد عليهم.
ورحم الله من قال :
يخاطبني السفيه بكل قبحٍ و آبى أن أكون له مجيباً
يزيد سفاهةً و أزيد حلماً كعودٍ زاده الإحراق طيباً
وآخر يقول:
إذا نطق السفيه فلا تجبه فخير من إجابته السكوتُ
إذا جاوبته فرجت عنه و إذا خليته كمداً يموتُ