أولا / ما هي المستغلات ؟
الأشياء التي أعدها الإنسان للتأجير والاستفادة من أجرتها يقال لها : ” المُسْتَغَلَّات ” ؛ لأنها تدر على صاحبها غلةً ودخلاً .
فالمستغلات : يقصد بها كل ما هو معد للإيجار ، كالعقارات والسيارات والحافلات والطائرات والسفن التي تنقل الركاب أو البضائع …. وغير ذلك .
والفرق بين ” المستغلات” وبين ” عروض التجارة” : أن عروض التجارة هي الأشياء التي يتخذها الإنسان ليبيع أعيانها ، أما المستغلات فهو لا يقصد بيع العين ، وإنما يقصد الاستفادة من ريعها .
زكاة المستغلات
العلماء اختلفوا على ثلاثة أقوال:
القول الأول: وجوب الزكاة في الغلة فقط (الأجرة المأخوذة من المستغلات) وعدم وجوب الزكاة في الأصل المستغل، وبناء على هذا فتجب في الغلة فقط إذا مضي حول على إنتاج الغلة وبلوغها نصاباً أي أنه يعامل معاملة النقود في النصاب ومقدار المخرج، فلا زكاة على العقارات والسيارات والمصانع التي يؤجرها أصحابها.
وهو صريح قول جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية في المشهور، والشافعية، والحنابلة في المشهور، وهو قول أكثر الهيئات واللجان الشرعية وأكثر العلماء المعاصرين.
والقول الثاني: وجوب زكاة التجارة في قيمة أعيان المستغلات وغلتها، وهو قول بعض العلماء المعاصرين..
وقد ظهر أن الأرجح والله أعلم هو القول الأول القاضي بوجوب الزكاة في غلة المستغلات دون أصولها.
قال الشوكاني عن زكاة المستغلات : ” هذه مسألةٌ لا سمع بها أهل القرن الأول الذين هم خير القرون ، ولا القرن الذي يليه ، ثم الذي يليه ، وإنما هي من الحوادث والمسائل التي لم يَسمع بها أهل المذاهب الإسلامية على اختلاف أقوالهم وتباعد أقطارهم ، ولا توجد عليها أثارة من علم لا من كتاب ولا سنة ولا قياس ” انتهى من “السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار” (2/27).
ويدل على عدم وجوب الزكاة في أعيان المستغلات :
1-أن الرسول صلى الله عليه وسلم حدد الأموال التي تجب فيها الزكاة ، فلم يجعل منها ما يُستغل أو ما يُؤَجَّر من العقارات والدواب والآلات ونحوها ، ولو كانت الزكاة واجبة فيها لبينها الرسول صلى الله عليه وسلم .
2- أن فقهاء المسلمين في مختلف الأعصار، وشتى الأقطار، لم يقولوا بوجوب الزكاة في هذه المستغلات .
وقد سئل الإمام مالك : “عن الرجل تكون له سفينة اشتراها يكريها [أي : يؤجرها] إلى مصر وإلى الأندلس، هل يقِّومُها في كل سنة ، ويخرج زكاة قيمتها؟.
فقال: لا يكون عليه أن يقومها[يعني : لا زكاة فيها] .
قال محمد بن رشد: لو اشتراها للتجارة لقوَّمها ، وإنما لم يقومها من أجل أنه اشتراها للكراء”.
انتهى من “البيان والتحصيل” (2/404).
متى يزكي هذه الغلة ؟
هل يزكيها عند قبضها ، أم بعد حولان الحول عليها ؟ والصحيح في هذا : أنه لا زكاة فيها حتى يحول عليها الحول ، فيخرج زكاتها ربع العشر ، إن بلغت نصابا .
قال ابن عبد البر: ” هَوَ إِجْمَاعٌ مِنْ جَمَاعَةِ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ ؛ فَالْحَدِيثُ فيه مأثور عن علي وابن عُمَرَ : أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ … وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا بَيْنَ جَمَاعَةِ العلماء ، إلا ما جاء عن ابن عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ …. وَلَمْ يُخَرِّجْ أَحَدٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ عَلَيْهِ ، وَلَا الْتَفَتَ إِلَيْهِ”. الاستذكار (3/159).
وقال ابن قدامة : ” وَمِنْ أَجَّرَ دَارَهُ ، فَقَبَضَ كِرَاهَا : فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ ، حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ . وَعَنْ أَحْمَدَ : أَنَّهُ يُزَكِّيه إذَا اسْتَفَادَهُ .
وَالصَّحِيحُ : الْأَوَّلُ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ).“المغني” (4/247) .
وإن أنفقت الأموال كلها قبل تمام الحول فلا زكاة فيها .