وقفات مع قصة موسى والخضر
4- مشاهد القدر في قصة موسى والخضر
نواصل إن شاء الله الحديث عن قصة موسى والخضر ولقاؤنا اليوم يدور حول مشاهد القدر التي كانت بين موسى والخضر .
أولا / من أركان الإيمان : الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره :
أن تؤمن بأن كل شيء يحدث إنما هو بتقدير الله وتدبيره، قال تعالى : -( إنا كل شيء خلقناه بقدر )- [القمر/49] وقال تعالى : -( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير )- [الحديد/22]
والآيات كثيرة حتى لا أطيل .
ثانيا / الخضرفي هذه القصة يمثل قدرالله الناطق :
فهنالك من أقدار الله الخفية التي لا يدرك الإنسان ما وراءها وحقيقتها لحكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى لكن الإيمان بالله جل وعلا يجعلك مستسلما راضيا بما قضى الله وقدر ، جاء في هذه القصة المباركة ثلاثة مشاهد تبين حكمة مخفية وراء كل حدث ، وطبعا الأحداث نعرفها وهي :
1- مشهد ركوب السفينة وخرقها .
2- مشهد قتل الغلام .
3- مشهد الجدار وهدمه ثم بنائه مرة أخرى .
فهذه الحالات الثلاث لو أخذنا بظاهرها فلكل أحد أن يقف موقف موسى منها بالإنكار على الخضر ، كيف لك أن تركب سفينة ثم تحدث بها عيبا وقد أحسن الناس إليك فهذا شر في مقابل الإحسان، وكيف تقتل نفسا زكية طفلا صغيرا غلاما لم يبلغ الحلم، ولم يجر عليه القلم تقتله بدون وجه حق ، أيضا أهل القرية ، وهم أهل لؤم وبخل رفضوا أن يضيفوا موسى والخضر رغم أنهم غرباء عن المكان فلم يعطوهم ولو قليلا من الطعام ، ثم يقوم الخضر بهدم جدار بالمدينة ثم يبنيه فيقول له موسى -( لو شئت لاتخذت عليه أجرا )- [الكهف/77]
ثم تأتي الآيات بعد ذلك على لسان الخضر ليفسر لنا حكمة الله التي خفيت عن موسى والتي تخفى عنا في كثير من أقدار الله عز وجل ، هذه المسألة هامة جدا لأن القضاء والقدر يحتاج إلى الثقة والإيمان بالله ، واليقين بالله سبحانه وتعالى .
وتأملوا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- ” واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك ” ليس عندنا في الإسلام شيء اسمه الحظ والنحس بالمفهوم الشائع ، إن فلان له حظ اليوم أو حظ الشهر …الخ من كلام الناس ، أو أن هذا نحس ، هذا اليوم أو الرقم أو البيت أو الشارع الفلاني نحس …الخ ، فيعلقون الأشياء بالحظ والنحس وهذا كله خلل بالعقيدة ؛لأن كل شيء يحدث إنما يحدث بتقدير وتدبير من الله عز وجل .
ثالثا/ أقدار الله لا تخلو من حكمة :
لا ينبغي أن يخفى علينا أبدا أن كل شيء يحدث في الكون لله فيه تقدير وتدبير وحكمة ، -( تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير )- [الملك/1] بيده الملك جل جلاله ، فلا تخلو أوامر الله من حكمة ، ولا تخلو نواهيه عن حكمة ، ولا تشريعاته ولا أقداره عن حكمة .
تسأل نفسك : لماذا جئت إلى هنا ؟
لماذا تصلي الجمعة اليوم هنا ؟
لماذا التقيت بفلانة وتزوجتها ؟
لماذا اشتغلت في الشركة الفلانية ؟…الخ
ربما ساعتها لا تدرك الإجابة ولا تحيط بها علما تماما كموسى ، لكن بعد أن يمر الوقت ترى أن الله جعل في هذا الشر الظاهر خيرا كامنا ، ودائما ما أسمع البعض يقول : ليه يارب كده ، وهذا طبعا لا يجوز ، لكن من يقولها إنما يقولها بوسوسة من الشيطان حتى يوقعه في السخط على الله ولا يشكره على نعمة من نعمه -( ولا تجد أكثرهم شاكرين )- [الأعراف/17] فتسمع أحدهم يقول : يارب أنا لم أخطيء في حق أحد ، أنا لم أظلم أحد ؟ لماذا يحدث لي كل هذا ؟ هذا على وفق علمك القاصر ، على وفق ما تراه عيناك ، لكن الله سبحانه وتعالى يجعل أحيانا فيما يقدره لك من شر دفعا لشر أكبر ،وهذا يتضح أكثر بالأمثلة الثلاثة المذكورة بالقصة :
1- قصة السفينة :
السفينة كانت لمجموعة من المساكين ، ومساكين معناها أن رزقهم منها كفافا ، يعملون بالصيد ويبيعون ويأكلون هم وأولادهم وهكذا فرزقهم كفافا ، حينما يتجاوزون المياه من مكان إلى مكان وقعوا بمكان فيه ملك ظالم بقوة سلطانه وجنوده يأخذ كل سفينة غصبا ، فكانت الحكمة الإلهية أن يحدث خلل صغير في السفينة لا يؤثر فيها وهو أن تنزع أحد ألواحها فإذا رآها الملك لا يقبل أن يأخذها لأنها سفينة بها عيب ، فدفع الله بهذا الشر الصغير شرا كبيرا ، فيعودون بالسفينة وقد نزعت أحد ألواحها أو حدث فيها خلل صغير يعالج خيرا من أن يعودوا بدون سفينة ، فيجعل الله الابتلاء في ظاهره الشدة والنقص من المال، وفي باطنه حكمة مخفية أنت لا تعلمها وقت وقوع الاختبار ؛ لكن قد يظهرها الله ويجليها لك في وقت آخر .
على سبيل المثال :
وهذه قصة متكررة كثيرا ،قد يحدث أن يتأخر أحد عن ميعاد الطائرة فتكون نجاة له من الموت المحقق الذي أصاب الركاب بسبب سقوط الطائرة بهم ، المصيبة الصغيرة هي فوات الطائرة وتحمل ثمن تذكرة جديدة أو غرامة من الشركة تصل إلى 200 ،300$ لكنها تتلاشى أمام مصيبة الموت وفقد الحياة.
رب ضارة نافعة :
سمعت الدكتور راتب النابلسي يحكى هذه القصة يقول : كان عندنا بدمشق طالب بكلية الطب وكان نحيفا ضعيف البنية ، ركب سيارة أجرة ليذهب للجامعة ، وبعد مرحلة من الطريق استوقف السيارة أحد الشبيحة رجل طويل عريض ضخم البنية ، سأل السائق هل عندك مكان خالي ؟ قال :لا ، ففتح باب السيارة الخلفي فوقع بصره على هذا الشاب فاستضعفه وأمسكه من ثيابه فحمله وألقى به خارج السيارة ،وركب هو !!! وبكى الشاب بكاء مريرا لشعوره بالقهر والظلم أمام هذا الرجل الظالم ، وبعد ربع ساعة مرت سيارة أخرى فركبها ، وكانت المفاجأة بعد 5 كم رأى السيارة الأولى التي كان يركبها وقد وقع لها حادث تصادم على الطريق، وانقلبت بمن فيها ، والركاب ما بين قتيل وجريح !! فكأن الله سبحانه وتعالى أراد أن يري هذا الشاب آية أن هذا الرجل الظالم الذي انتزعه من السيارة بقوته فعل به خيرا ولم يفعل به شرا ، وأن هذا الظالم الذي استغل قوته في إخراج هذا الشاب من السيارة استعجل قدره الواقع به، أو قل انتقام الله منه لظلمه للعباد ، سبحان الله العظيم !!!
فهذه الأمور الأنسان لا يفهمها عندما تقع ، لكن يظهر الله سبحانه وتعالى حكمته بعد ذلك وأنت لا تدري ماذا برحم الغيب ، فلا تحزن إذا تعطلت سيارتك ، أو جرى لك حادث صغير ، إذا تعطلت عن عملك ، أو تأخرت عن سفرك ، فاعلم أن لله سبحانه وتعالى حكمة من وراء كل ذلك .
ليس شيء عند الله اسمه صدفة يحدث عشوائيا ، أو بدون ترتيب قال تعالى : -( إنا كل شيء خلقناه بقدر )- [القمر/49] فقد يجعل الله تعالى في الشر خيرا كامنا .
احترق الكوخ لينجو من كربته :
وهناك قصة لرجل كان في سفينة وهـبت عاصفة شديدة عليها في عرض البحر فأغرقتهـآ .. ونجا بعض الركـــآب .. منهم رجل أخذت الأموآج تتلآعب به حتى ألقت به على شاطئ جزيرة مهجورة وعندما أفاق الرجل من إغمآئه جثـا على ركبتـيه وطلب من الله المعونة وسأله أن ينقذه من هذا الوضع الألــيم. مرت أيام والرجل يقتات خلآلـها من ثمار الشجر وما يصطاده من الأسماك، وينام في كوخ صغير بناه من أعواد الشجر ليحتمي فيه من برد الليل وحر النهار. وذات يوم ، والرجل قد أشعل النار لينضج طعامه فجأة هبت الريح الشديدة واشتعلت النار وتطاير شررها والتهمت كل ما حولها حتى الكوخ الذي كان بأوي إليه احترق . فأخذ يصرخ قائلاً :لم يتبقَ لي شئ في هذه الدنيا وأنا غريب في هذه المكان ، والآن أيضـاً يحترق الكوخ الذي أنام فيه .. لمـآذا كل هذه المصـآئب تأتي علـيّ؟ّّ!! فنام الرجل من الحزن وهو يتضور جوعاً ، وفي الصباح كـــآنت المـــفآجــــأه .
إذ وجد سفينة تقترب من الجزيرة وتنزل منها قـارباً صغيراً لإنقاذه، فلما صعد على سطح السفينة أخذ يسألـهم كـيف وجدوا مـكآنه فأجـــآبوه: لقد رأينا دخـآناً كبيرا ، فعرفنـآ أن شخـصاً ما يطلب الإنقاذ !! فسبحان من علم بحــاله ورأى مكانه.. سبحآنه مدبّر الأمور كلهـآ من حيث لآنـدري ولآ نحتسب…
فهذا شر كمن فيه خير لولا أن الله قدر أن تهب الريح بشدتها وتشتعل ألسنة اللهب في كل شيء حوله ما نجا ولا علم بوجوده أحد .
والأمثلة كثيرة ، لكن أقول قد يقدر الله شرا قليلا دفعا لشر أعظم لكنك لا تدري أين الخير ؟ فلله تقدير وتدبير ، ممكن الواحد منا يحتاج أن يتقرب إلى الله أكثر ، غافل عن الدعاء وقيام الليل فيبتليه الله بكربة بشدة بمرض بضائقة مالية فيجتهد لله بالدعاء ويخلص ويبكي ويتضرع ويخرج صدقات ، ثم إذا بالأمر ينكشف ، فالله أراد أن يردك إليه وتكتشف لذة العبادة والمناجاة والدعاء ؛ هو قادر على شفائك بدون أسباب ولا طبيب ولا دعاء لكنه عز وجل يقدر هذا لحكمة يجليها ويظهرها لك فيما بعد ، فتقول : والله كنت في أسعد حالاتي الإيمانية واللذة والروحانية شيء عظيم جدا في هذه المحنة سبحان الله العظيم !!!
سيدة جزائرية تبكي وحدها في مطار جدة:
وهذه قصة سيدة جزائرية بعد أدائها للمناسك بمكة وانقضاء مدة البقاء فيها انتقلت مع الفوج المرافقة له إلى مطار جدة ، لكن وهي في المطار تاهت وانقطعت عن الفوج الذي كانت معه وحاولت عبثا أن تصل إليهم ولكن دون جدوى حتى وصلت إلى الشرطة بالمطار وبعد البحث في الأوراق وجدوا أن طائرتها قد اقلعت !!!
فانهمرت الدموع من عينيها …. ماذا تفعل ؟ وهي هنا وحيدة لا تعرف احدا ؟!!!
وجلست في إحدي صالات الانتظار حتى يبحثوا في امرها أو أن يجدوا لها بديلا
وجلست المرأة تبكي وتشتكي إلى الله !!!
وفي الطريق بين جدة والجزائر والطائرة بين السماء والأرض إذا بالطيار يسمع صوتا غريبا فخاف أن تتطور الأمور إلى ماهو أسوأ ؛ مما اضطره إلى الرجوع إلى مطار جدة في هبوط طارئ.
وحتى يتم عمال الصيانة عملهم قام موظفو المطار بإدخال المسافرين إلى إحدى صالات الانتظار ومن عجيب قدر الله أن أدخلوا الركاب نفس الصالة التي كانت تنتظر فيها السيدة الجزائرية!!! وكانت تجلس حزينة تشتكي حالها إلى الله !!!
ترى كيف كانت دهشتها حين رأتهم أمامها ؟
ظنت أنها في حلم ! فكبرت فرحا الله أكبر الله أكبر الله أكبر!!!
وعندما حضر المهندسون لكشف الخلل قالوا:إن الطائرة سليمة ولا يوجد أي مشكلة
سبحان الله !!! توقف كل شيء……أعلنت حالة الطوارئ من أجلها…..عادت الطائرة من الطريق لأجلها …..تعطل أكثر من 200 راكب لأجلها….حضر المهندسون واحتار عمال الصيانة لأجلها !!!
أي يقين كان يحمل قلبها وهي تشكو حالها إلى الله ؟! وأي كفين امتدتا إلى الله ؟!
فهذه المرأة قدر الله أن تفوتها الطائرة حتى يذيقها الله حلاوة الدعاء والابتهال ويريها بعينيها استجابة الله دعاءها ،قال تعالى : ( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ )النمل 62
المشهد الثاني : مشهد قتل الغلام :
قال تعالى : -( وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما )- [الكهف80 /81] هذا مشهد عجيب ! سبحان الله العظيم !!! غلام يقتل هكذا ؟ ماذنبه ؟ ما جريمته ؟
وتأتي الإجابة بأن هذا الغلام سبق في علم الله أن هذا الغلام لو عاش لكان كافرا وسيرهق والديه طغيانا وكفرا ، وجعل الله وفاته رحمة وأخلف عليه ما هو خير .
البعض يتساءل : ماذنب الأطفال المصابين بالسرطان ؟
ماذنب الأطفال الذين يموتون في الحروب والمجازر والمجاعات ؟
ماذنب الأطفال الذين …..؟ الخ.
نقول لك : هذا سؤال يوجه في المقام الأول لقاتليهم ، من يتلاعبون بأرواح الناس ويقومون بتجربة أسلحة حديثة ويقتلون الأبرياء بدم بارد !!
سؤال يوجه لمن يستوردون الأطعمة الفاسدة أو المنتهية الصلاحية !!
هذا السؤال يوجه لمن يلعبون بتصنيع المواد الغذائية بادخال الألوان الصناعية والنكهات الغير طبيعية لزيادة الاستهلاك والترويج للبضاعة والضحية الأطفال وتنتشر الأمراض المختلفة في الدم والكلى …الخ .
أما ما وراء ذلك من الحكم عند الله فمنها : الابتلاء من الله سبحانه وتعالى ، أيضا أن تتحرك البشرية لمواجهة الفساد الذي مس الجميع الآن، قال تعالى : -( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون )- [الروم/41] .
إفساد الطماطم المسرطنة :
ذكر لي أحد الإخوة بمصر أنه رأى يوما رجلا أمسك بعصا كبيرة وجعل يضرب بها أكواما من الطماطم يريد إفسادها فلا تكون صالحة للاستخدام ، فقال له حرام عليك اعطها لأحد من المحتاجين ينتفع بها بدلا من إتلافها بهذا الشكل فقال الرجل بمرارة : أنا أتلفها لأنها تسبب السرطان …ابني أكل منها وأصيب بمرض السرطان ، ثم تابع قائلا : أنا كنت أضع مادة كيميائية على الطماطم وهي لا تزال خضراء ليتحول لونها إلى اللون الأحمر فتبدو صالحة للبيع ويشتريها التجار أول الموسم بأعلى الأسعار وكنت آخذ منها لبيتي ، وأطعم منها أولادي واكتشفت الآن إصابة ابني بالسرطان بسبب تناولها !!
قال تعالى : -( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها)- [الأعراف/56] صحوة ضمير ولكنها جاءت متأخرة ، فلولا أن الله يقدر أمثال هذه الأمور ما واجه الناس الفساد ، والآن كثر الكلام على مكافحة مرض الإيدز ، والتلوث ، والانحباس الحراري والكربون المشع وثقب الأوزون …الخ ، فهذه الأمور كلها هي حصاد الفساد في الأرض ،فيقدر الله بهم نتاج أفعالهم ليرجعوا إلى الله وينزجروا عن الفساد فيصلحوا ما أفسدوه في الكون .
لماذا يتجه الناس الآن إلى مايسمى بالطعام الطبيعي (Organic)لأن السرطان أصبح كالشبح وازدادت أعداد المصابين به بسبب فساد كبير في الطعام والأغذية ، فيقدر الله ذلك لينته الناس ويعالجوا هذا الخلل والفساد .
المشهد الثالث : مشهد هدم الجدار وإعادة بنائه :
لم يكن في القديم خزائن لحفظ الأموال ولا بنوك فكان هذاالرجل الصالح عنده غلامين يتيمين وقد ادخر كنزا لهما، وهو يعلم أن أهل القرية أهل لؤم وبخل كما رأيناهم وهم يرفضون ضيافة موسى والخضرببعض الطعام ، قال تعالى : -( فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما)- [الكهف/77] فلما أحس الرجل باقتراب وفاته وضع الكنز في مكان ببيته وبنى فوقه جدارا فلو انهدم الجدار سيظهر الكنز وسيستولي عليه أهل القرية لأن الأطفال ما زالوا صغارا ، فكانت المصلحة في هدمه ثم بنائه مرة أخرى ، ما السر في هذا الفعل ؟ ما السر أن يسوق الله كليمه موسى ونبيه الخضر لهدم جدار وبنائه من أجلين غلامين يتيمين ؟ يأتي التفسير من الله -( وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك )- [الكهف/82]
فالسبب هو (وكان أبوهما صالحا) من أجل هذا وكلهما الله لحفظ مال اليتيمين !! سبحان الله العظيم !!!
فخير تأمين على الأبناء تقوى الله عز وجل ، أن تربيهم على الدين ، ومعرفة الله عز وجل ، لن يكون التأمين بكثرة الأموال من حرام أو بترك دينهم أو هجر الدين وتنحيته جانبا من أجل الحصول على الشهادات العليا ، هذا كله تعلق بالدنيا وإهمال للدين .
(وكان أبوهما صالحا) البعض يفرح بالمكسب الحرام وهو سهل وسريع وكثير ، لكن ستجد عاقبة ذلك فينفسك وفي أبنائك وفي أهلك ، الحرام ينغص العيش ويمحق البركة من كل شيء ، لكن الحلال الطيب وإن كان قليلا يجعل الله لك أثرا صالحا في أولادك ،ويسخر لك من عباده من يحفظ أولادك ويحميهم .
وقال سعيد بن المسيب لابنه: لأزيدن في صلاتي من أجلك رجاء أن أُحفظ فيك، ثم تلا قول الله (وكان أبوهما صالحا)، وكان يقول: إني لأصلي فأذكر ولدي فأزيد في صلاتي.
ففكر كيف تؤمن مستقبل أولادك بركعتين في ظلمة الليل ؟ صدقة مخفية لمحتاج لا يعلمها إلا الله ، مساهمة في بناء مسجد أو تأسيس مدرسة أو مستشفى …الخ ، فيكون ذلك دفعا للكثير من السوء عن أولادك قال تعالى : -( وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا )- [النساء/9]
خطبتنا في نقاط
الخلاصة :
1- الإيمان بأن أقدار الله لا تخلو من حكمة علمتها أو جهلتها فهي موجودة .
2- إن جهلت الحكمة فلا تبادر بسؤال الله معترضا ليه يارب كده ؟
3- قد يدفع الله بمصيبة صغيرة شرا كبيرا عن عبده (لولا الضيق ما اتسعت الأمور، ولولا الشدة ما جاء الفرج، ولولا العسر ما جاء اليسر).
4- الدنيا دار ابتلاء فلا يخلومن الابتلاء أحد أبدا ، قال تعالى : -( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون )- [البقرة 155/157
وفي الخطبة بقية في اللقاء القادم إن شاء الله.